تجارب دعوة ذي النون المستجابة

الدعاء هو طلب العون من الله (عز وجل) مع وجود اليقين التام بالاستجابة، ولقد أمرنا المولى تبارك وتعالى بالدعاء، في قوله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)، وهناك العديد من الأحاديث الشريفة التي تؤكد على ضرورة الاستمرار في الدعاء عند اليسر والعسر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مسلمٍ يدعو بدعوةٍ ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحمٍ إلَّا أعطاه اللهُ بها إحدَى ثلاثٍ إمَّا أن يعجِّلَ له دعوتَه وإمَّا أن يدَّخِرَها له في الآخرةِ وإمَّا أن يصرِفَ عنه من السُّوءِ مثلَها قالوا إذا نُكثِرُ قال اللهُ أكثرُ) رواه أبو سعيد الخدري.

تجارب دعوة ذي النون المستجابة

من هو زي النون؟

ارسل الله سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء لهداية الناس للتوحيد والعبادة، وواجه الرسل والأنبياء العديد من الصعوبات لنشر الدعوة بين قومه، والعديد من الابتلاءات التي تنتهي بمعجزات مثل ابتلاء سيدنا أيوب، الذي علمنا جميعاً فضل الصبر والدعاء، وكذلك سيدنا يونس نبي الله عليه السلام، أو ذو النون.

أرسل الله ذي النون إلي بني إسرائيل، لدعوتهم لعبادة الله الواحد الأحد، ويحذرهم من عبادة الأصنام، وكعادتهم لم يستجيب قوم  إسرائيل لدعوة نبي الله، وأصروا على طغيانهم والشرك بالله، وفي النهاية توجه النبي الكريم إلي البحر، وركب السفينة مع قوم توسم فيهم الخير، ولكن اضطرب البحر كثيراًُ، مما أدى إلي صعوبة سير السفينة من كثرة الأحمال، ولهذا قرروا أن ييستهموا، كعادة العرب قديماً للاختيار العادل، ووقع الاختيار على نبي الله يونس، وألقوه في البحر،  وبعدها أتت معجزة الله عز وجل، وهو حوت عملاق ابتلع ذي النون، أو نبي الله يونس عليه السلام، وظل في بطن الحوت ثلاثة أيام، لم ينقطع فيهم دعائه، حتى استجاب له المولى عز وجل، وأخرجه من بطن الحوت، ونظراً لاختلاف درجة الحرارة والرطوبة بين البر وبطن الحوت، أنبت الله عز وجل شجرة اليقطين، التي تتميز بسمك أوراقها، لحماية نبي الله يونس (عليه السلام) من أي مكروه أو حشرات، وكذلك ليتغذى عليها فور طلوع ثمارها.

ماذا فعل نبي الله بعد خروجه من بطن الحوت

 لم تكن معجزة الله (عز وجل) مع سيدنا يونس عليه السلام، هي خروجه من بطن الحوت بعد ثلاثة أيام فقط، بل تتابعت المعجزة حتى يعود سيدنا يونس الله قومه ويدعوه مره أخرى لعبادة الله، وتكون دعوته مدعومه بالعديد من المعجزات، من بين المعجزات التي وهبها الله لسيدنا يونس عليه السلام، هي إنبات شجرة اليقطين لحمايته وتغذيته، وكذلك سخر الله (عز وجل) له أروية، وهو كائن أكل العشب من الثدييات، كان يتغذى على لبنها بأمر الله تبارك وتعالى.

عندما عاد نبي الله لدعوة قومه، وجدهم مؤمنين بالله ومستغفرين عن ظلمهم لنبي الله وعدم تصديقه، وظل نبي الله معهم يعلمهم الدين والرسالة إلي أن توفه الله.

تجارب دعوة ذي النون المستجابة

الدروس المستفادة من قصة ذي النون

 قال الله تعالى ﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾ سورة يوسف.

قصص الأنبياء في القران زاخرة بالحكم والموعظة التي يحتاجها الإنسان في حياته، ومثال على ذلك قصة سيدنا يونس عليه السلام، التي تعتبر مثال لقرب الله من عباده أثناء الكرب والضيق، ومن بين هذه الدروس المستفادة:

فضل الصبر على الابتلاء
الدعاء إلي الله وقت الضيق والكرب
فضل الاستغفار في قضاء الحاجات
اليقين بالاستجابة يعجل قضاء الحاجة
عدم اليأس والتعلق دائماً بالدعاء إلي الله.

فضل الدعاء في خروج ذي النون من بطن الحوت

ابتلى الله (عز وجل) نبيه يونس عليه السلام، بسبب خروجه بعيداً عن قومه وعدم الصبر في الدعوة، وهذا ما علمه نبي الله يونس عليه السلام، عندما كان في بطن الحوت، فأستمر في الدعاء والاستغفار حتى عفى الله عنه، والدليل على هذا قوله عز وجل {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} سورة الأنبياء.

ولهذا أصبح دعاء سيدنا يونس من الأدعية التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم في الأحاديث، أنها دعوة مستجابة، فهي دعوة يقر فيها العبد أنه أخطأ وظلم نفسه في أي شأن من شؤون الحياة ( إِني كنت من الظالمين)، وكذلك توحيد للمولى عز وجل وبراءة من الشرك (لا اله إلا أنت سبحانك).

ذي النون في القران الكريم

 ذكر الله عز وجل نبيه الكريم (يونس عليه السلام)، باسمه ثلاثة مرات في القران، مثال على ذلك قوله تبارك وتعالى {وإنَّ يونسَ لَمِنَ المُرسلينَ * إذْ أبَقَ إلى الفُلكِ المَشحون * فساهَمَ فكانَ مِنَ المُدحضين * فالتقمهُ الحوتُ وهُوَ مُليمٌ * فلولا أنَّهُ كانَ مِنَ المُسبِّحين * للَبِثَ في بطنِهِ إلى يومٍ يُبعثون * فنبذناهُ بالعراءِ وهُوَ سقيمٌ * وأنبتنا عليهِ شجرةً مِن يقطين * وأرسلناهُ إلى مائةِ ألفٍ أو يزيدونَ * فآمنوا فمَتَّعناهُم إلى حين} سورة الصافات.

وفي مواضع أخرى تم ذكر ذي النون، مثل قوله تبارك وتعالى {وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} سورة الأنبياء.

وفي أيات أخرى تم ذكر سيدنا يونس بلقبه وهو (صاحب الحوت)، مثل قوله تعالى {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ إِذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ* لَوْلَا أَن تَدَارَكَهُ نِعْمَةٌ مِّن رَّبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَرَاء وَهُوَ مَذْمُومٌ * فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ}سورة القلم.

تجارب دعوة ذي النون المستجابة

ذي النون في الأحاديث الشريفة

 الأحاديث الشريفة زاخرة بقصص الأنبياء وتوضيح رسالتهم، والدروس المستفادة من قصصهم، ولهذا هناك العديد من الأحاديث الشريفة حول سيدنا يونس عليه السلام ودعائه المستجاب.

ذكر رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دعوةَ ذي النونِ ، قال : وجاءَ أعرابِيٌّ فشغَلَهُ ، فاتَّبَعْتُهُ فالتَفَتَ إلِيَّ فقالَ : أبا إسحاق ؟ قلتُ : نعم ، قال : فمَهْ ؟ قلْتُ : ذكرتَ دعوةَ ذي النونِ ثُمَّ جاءَ أعرابِيٌّ فشغلَكَ قال : نعم ، دعوةُ ذي النونِ ، إذ نادى في بطنِ الحوتِ ?لا إلهَ إلَّا أنتَ سبحانَكَ إِنَّي كنتُ مِنَ الظالمينَ? فإِنَّهُ لم يَدْعُ بها أحدٌ إلَّا استُجِيبَ لَهُ” رواه سعد بن أبي وقاص.

دعاء سيدنا يونس لفك الكرب

الكرب أنواع كثيرة، قد يبتلى الإنسان بضيق الرزق، وقد يبتلى في عدم الاستجابة للدعاء، أو الديون، وحتى المرض يعتبر كرب وابتلاء في الصحة، ووقت الكرب لا يجب الإنسان ملجأ، إلا الدعاء والقنوت إلي المولى عز وجل، فهو يستجب للدعوات أو يؤجلها للأخرة، كما أن الدعاء يرفع البلاء.

لهذا إذا كنت تشعر بالضيق والكرب، فلا عليك سوى الوضوء وصلاة ركعتين بنية قضاء الحاجة، وبعد ذلك استحضار الإيمان بالله في قلبك، واليقين بالاستجابة، وتكرار هذا الدعاء المستجاب (لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ).

في الختام، تعتبر قصة سيدنا يونس أو ذي النون، هي تجربة إنسانية، يمر بها جميع البشر بشكل مختلف، فجميعنا يعظم عليه أمر ويشعر بالضيق وينصرف عنه بعد محاولات عديدة، ولكن تأتي قدرة الله تبارك وتعالى لتدعمنا، وتحول هذا اليأس والضعف إلي طاقة روحانية تساعدنا على الاستمرار في الحياة وعبادة الله الواحد الأحد. 

زر الذهاب إلى الأعلى