مختصون: قرار السماح بقيادة المرأة للسيارة سيكافح البطالة ويدعم الأمان الأسري

نام الشارع السعودي النسائي بالأمس على فرحة عارمة ومزيد من الآمال والطموحات، على أثر الأمر السامي الذي أعلنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، بالسماح بإصدار رخص قيادة السيارات للنساء، واعتبرنه قراراً تاريخياً مشروطاً بتطبيق الضوابط الإسلامية، كما أنه يصبّ في مصلحة الاقتصاد السعودي؛ حيث أغلق الملك سلمان بن عبدالعزيز بحكمته ملفاً كان محلّ جدل لسنوات طويلة. وبالأمس القريب قال سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: “طموحنا سيبتلع كل المشاكل والعقبات”؛ وبالفعل ابتلع طموحُ وإرادة الشعب السعودي الكثيرَ من الصعاب في الفترة الماضية، وظهرت ملامح رؤية ٢٠٣٠ واضحةً، ووضعت المرأة على الخريطة جنباً إلى جنب شقيقها الرجل، شريكةً فاعلة في بناء مستقبل الوطن.

ويعرض هذا التقرير استطلاع لآراء عديدة من عينات وفئات مختلفة في الشارع السعودي،ومختصين وتربويات وخبيرات للحديث عن الإثارة الناتجة حال قيادة المرأة للسيارة. بداية تقول “أم روتانا”: قرار خادم الحرمين أثلج صدورنا وأكد لنا حرص القيادة ورغبتها في إزالة كل العقبات أمام المرأة؛ معبّرة عن سعادتها، وفي انتظار تحقيقه على أرض الواقع؛ مؤكدة أنه سوف يحُل الكثير من المشاكل والعقبات التي تواجه المرأة، وتابعت: أعمل محاسبة (كاشيرة) في دوام صباحي، ونصف راتبي يضيع على المواصلات؛ ناهيك عن إضاعة الكثير من الوقت، وبالسماح للمرأة بالقيادة ربما سأوفر جزءاً لا بأس به. هذا فيما عبّر أبو فارس عن مخاوفه من قيادة النساء وكثرة الحوادث. وقال: لا شك أنه قرار حكيم سيحل أزمة الكثير من النساء؛ بيْد أنه لا بد أن تخضع المرأة لتدريب كافٍ قبل استصدار رخصة القيادة، وعلى المرور أن تتخذ كل الإجراءات قبل استصدار الرخصة.

تمكين المرأة:

من جهتها ثمّنت رئيسة شؤون المرأة والأسرة في المنظمة العربية للسلامة المرورية وأول امرأة تترأس وفد المنظمة المرورية في اجتماع مجلس وزراء الداخلية العرب، الدكتورة انتصار فلمبان، قرارَ خادم الحرمين الشريفين بالسماح للمرأة بقيادة السيارة؛ واصفة إياه بالقرار التاريخي الذي كانت تنتظره المرأة السعودية منذ أمد بعيد؛ مشيرة إلى أنه يُعَد تأكيداً واضحاً للرؤية الجديدة ومستقبل وطننا الحبيب، والذي ستكون المرأة فيه شريكاً فعالاً في تحقيق الرؤية والتنمية المستدامة.

ورأت أنه خطوة هامة في مساهمة الدولة في مجال تمكين المرأة، والتأكيد بما لا يدع أي مجال للشك على أهمية دور المرأة باعتبارها عماد الأسرة، كما أنه يلبي تطلعات وطلبات المرأة في الحقبة الزمنية الحالية، وبسؤالها عن كيفية تحقيق هذا القرار على أرض الواقع حسب المدة الزمنية المطروحة؛ أجابت: بعد تشكيل اللجنة العليا التي أمر بها خادم الحرمين الملك سلمان، أعتقد أنه سيكون هناك مدارس لتعليم القيادة بأقسام نسائية وفق الضوابط والقيود الشرعية؛ مؤكدةً أن الدولة السعودية لن تتوانى في اتخاذ كل ما يحافظ على أمن المجتمع. ورداً على إمكانية وجود مدربات من الخارج لإعداد النساء وتدريبهن على القيادة؛ توقعت أن يكون لهن دور للمساهمة في التدريب في البداية، ثم تحل السعوديات المدربات مكانهن.

وتابعت: “توقيت قرار قياد المرأة للسيارة؛ يؤكد أن المجتمع أصبح لديه وعي كبير وتقبّل، ولا ننسى أنه سوف يخدم فئات عدة من النساء اللاتي سوف يتحررن من قيود السائق الخاص، كما أنه سيساعد رب الأسرة في التفرغ لعمله بدلاً من الخروج أثناء العمل لاصطحاب أبنائه من المدارس؛ حيث تقوم النساء بهذا الدور؛ مما يعمل على توزيع المسؤولية في البيت السعودي. وعن مخاوف البعض من قيادة المرأة وربطه بزيادة نسبة الحوادث؛ أجابت “فلمبان”: نسبة الحوادث المرورية في السعودية مرتفعة جداً بالفعل؛ بيْد أن الدراسات التي أعدتها المنظمة العربية للسلامة المرورية تؤكد أن المرأة أكثر تقيداً بالثقافة المرورية عن الرجل؛ نظراً لتشبعها بالعطف والحنان على أولادها؛ مما ينعكس على طريقة قيادتها بحسب صحيفة سبق.

حرية الحركة:

هذا فيما أكدت عميدة كلية جدة العالمية الأهلية الدكتورة نادية باعشن، أن المواصلات كانت تقف عائقاً أمام فئة كبيرة من النساء في البحث عن فرصة عمل؛ حيث كانت الرواتب المتوقعة ضعيفة إذا ما استُخرجت منها أجرة سائق؛ منوهة بدراسة سابقة كشفت أن هناك ما يقرب من ٥: ١٠% من النساء سوف يدخلن إلى سوق العمل في السنة الأولى، إذا ما أتيحت للمرأة القيادة.

ولفتت إلى إحصائية وزارة العمل عام ٢٠١٥م، والتي أكدتها “العربية نت”، بأن تكلفة السائق الخاص تزيد على ٢٥ مليار ريال سنوياً، إذا افترضنا أن متوسط دخله ١٥٠٠ وهو في الواقع أعلى من ذلك، وتَضَمّنت الدراسة أرقاماً تقريبية؛ فما بين الأجور والتأشيرات ٢٠٨ مليون، واستخراج الإقامة ٨٤٠ مليون؛ أما السكن والعلاج فنسبته ٢ مليار، وأخيراً الغذاء والتذاكر والإقامة والخروج والعودة بتكلفة ٣ مليار؛ ناهيك عن مصروفات أخرى غير محسوبة. وتابعت: كل هذه المصروفات كانت تتكبدها الأسرة لتوفير سائق يلبي طلبات المرأة والأولاد، وكبّدت المجتمع والاقتصاد السعودي مليارات، وآن الأوان أن تتولى المرأة القيادة بنفسها، وتوفر تلك المبالغ الطائلة.

وحول الآثار الاجتماعية الناتجة عن قيادة المرأة للسيارة؛ أجابت “باعشن”: سوف تتمتع المرأة بحرية الحركة بدلاً من أن تصبح عالة على الغير، ونرى ذلك واضحاً جداً في حالات الأرامل والمطلقات التي تضطر إحداهن إلى اللجوء للأهل في كل تحرك؛ مما يقيد حركتها ويجعلها عالة. وأضافت: “كما أنها ستتولى شؤون أبنائها بدلاً من السائق”؛ معربة عن سعادتها من انعكاسه إيجابياً على الأجيال القادمة، حيث سيكون الأب والأم هما المسؤولان ولا مكان للسائق، إلى جانب الإحساس بالأمان مع الأسرة، ولفتت إلى أن هناك ٥ ملايين و٥٧٩ سائقاً يعملون في منازلنا، والتوجه الأمني للدولة السعودية في الفترة الأخيرة يدعو إلى التخفيف من هذه النسبة الكبيرة.

إغلاق لصنبور التحويلات:

أما الكاتب الاقتصادي جمال بنون؛ فوصف القرار بالجريء، ويصب في مصلحة الاقتصاد السعودي ورؤية السعودية ٢٠٣٠؛ مشيراً إلى ضعف نسبة مساهمة المرأة في الاقتصاد الوطني خلال العقود الماضية؛ فلم تصل إلى ٢٠%؛ فيما حملت رؤية ٢٠٣٠ فرصاً ووظائف للذكور والإناث، وحصة المرأة في سوق العمل أكبر. وتابع: من غير العدالة أن يستفيد الرجل براتبه كاملاً بينما تستقطع المرأة ٤٠% من راتبها للسائق؛ مؤكداً أن ملامح رؤية السعودية تتضح يوماً بعد يوم، ولم تعد كلاماً على ورق، وبدايتها في العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة.

وأضاف: “من ناحية أخرى سوف يغلق الأمر السامي الذي اتخذه خادم الحرمين الملك سلمان، صنبورَ التحويلات التي تخرج خارج البلد من السائقين؛ موضحاً أن هناك ١٦٢ مليار ريال تخرج سنوياً للعمالة الوافدة، يحظى السائق الخاص فيها بنسبة ٤٠% من هذه التحويلات؛ مما يوفر مبالغ ضخمة ويصب في مصلحة البلد”. ولفتت إلى أن قيادة للمرأة للسيارة سوف يُنعش قطاع التأمين والمركبات، كما أنه سيحرك قطاع السيارات، وسوف يخلق فرص عمل جديدة للنساء في المرحلة القادمة. وقال “بنون”: لا أستبعد أن تصبح هناك سائقة في مدارس البنات على سبيل المثال، وطالب الإدارة العامة للمرور أن تكون حريصة وتعطي مثالاً جيداً على كفاءتها وقدرتها على هذا التحول التاريخي.

زر الذهاب إلى الأعلى