مفهوم الجدلية عند الفلاسفة و النقاد و اللغويين

بقلم :

يبدوا أن محاولة تحديد مدلول الجدلية تكتسي صعوبة معينة، خاصة في مقامنا هذا؛ فالمفهوم فلسفي بامتياز، كما أن له جذور في اللغة العربية، واستخدم في النقد العربي القديم والحديث.

مقال آخر للكاتب :

ففي اللغة، نجد الجدلية مشتقة من الفعل الثلاثي الصحيح جَدَلَ، ومنه: جَدَلَهُ يَجْدُلُهُ ويَجْدِلُهُ؛ أي أحكم فتله، والجَدِيلُ: الزمام المجدول من أدمٍ، وجَدْلٍ من أدم أو شعر في عنق البعير، والجَدْلُ: الذكر الشديد، وقصب اليدين والرجلين، وكل عضوٍ، وكل عظمٍ موفر لا يُكسر ولا يُخلط به غيره،[1] وجَادَلَهُ: خاصمه، مجادلةً وجدالاً، والاسم الجَدَلُ هو شدة الخصومة.[2]

واستعمل النقاد العرب لفظ الجدل للدلالة على “أحد أقسام النثر وأساليبه، وهو محمود ومذموم، فالمحمود هو الذي يقصد به الحق، ويستعمل فيه الصدق، والمذموم هو الذي يقصد به الباطل ويستعمل في طلب الرياء والسمعة”؛[3] ولذلك يبقى الجدل نوع من الكتابة النثرية. ومن زاوية أخرى، تأتي من الجدلية كلمة “مجادلة” في النقد المعاصر، وهي “تناظر بين اثنين أو أكثر، وتتميز بطابع التضاد، معتمدة في ذلك على تعارض المعايير القيمية أدبياً”،[4] كالمعنى والمبنى على سبيل المثال.

وتطلق في الفلسفة على “فن تقسيم الأشياء إلى أنواع وأصناف للتمكن من فحصها ومناقشتها”[5]، وهي ترجمة لكلمة dialectic، وهذه الأخيرة مشتقة من الفعل اليوناني dilogein الذي يعني الكلام عبر المجال الفاصل بين المتحاورين، وقد وضعها “زينون الإيلي”[6]، لتستكمل شكلها على يد أفلاطون الذي قصد بها السعي إلى التوصل للبرهان الحقيقي، وعند أرسطو فهي استدلالات مبنية على وجهات نظر محتملة، وفي العصر الوسيط أصبحت تستعمل لوصف التحليل أو الخطاب المعقد أو غير المجدي، أما في القرن التاسع عشر فقد جعل منها هيغل قانوناً يحدد سيرة الفكر والواقع عبر تفاعلات النفي وحل إشكاليات المتناقضات، لكن في القرن العشرين، فقد أصبحت الجدلية تعني كل فكر يأخذ بعين الاعتبار بشكل جذري دينامية الظاهرات التاريخية وتناقضاتها.[7] وقد أطلق إيمانويل كانط اسم جدليات على كل الاستدلالات الوهمية التي تعتمد العقل، ويحدد الجدل عموماً بأنه منطق المظهر؛ فالمظاهر إما تكون منطقية، أي معنوية / عقلية، وإما تكون تجريبية، أي محسوسة، وإما إعلائية، أي ناجمة عن طبيعة عقلنا أو روحنا بالذات.[8]

ومن جهة أخرى، يذهب بعض الباحثين إلى أن “الجدلية لا تبرز إلا في الحياة والممارسة”[9]، ومن ثمة فإن وجودها يقتضي وجود طرفين متضادين أو أكثر.

الهوامش :

[1]الفيروزآبادي، القاموس المحيط، ص 233.

[2] محيي الدين عبد الحميد ومحمد السبكي، المختار من صحاح اللغة، ص 71.

[3] أنظر أحمد مطلوب، معجم مصطلحات النقد العربي القديم، ص 199.

[4] سعيد علوش، معجم المصطلحات الأدبية المعاصرة (عرض وتقديم وترجمة)، ص 60.

[5] أندري لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، ص 272.

[6] (490 ق م – 425 ق م): أحد فلاسفة ما قبل سقراط.

[7] أنظر مصطفى حبيسة، المعجم الفلسفي، ص ص 154 – 155.

[8] أنظر أندري لالاند، موسوعة لالاند الفلسفية، ص 273.

[9] عبد الكريم باقي، جدلية أبي تمام، ص 12.

زر الذهاب إلى الأعلى