الثلاثاء, مارس 19

لم يكن مشروع ضخ مياه البحر الأحمر إلى البحر الميت لإنقاذه من الجفاف أو ما عرف بـ”قناة البحرين” و”قناة السلام” التي يفترض أن تزود إسرائيل والأردن والفلسطينيين بالمياه، أقرب إلى التحقيق من أي وقت مضى، رغم العقبات. ويقول المزارع الأردني الستيني موسى سالم، الذي جاء لتفقد مزرعته للطماطم في غور الحديثة جنوب البحر الميت، إن “مياه البحر فقط يمكنها أن تملأ البحر”.

ويروي هذا المزارع المولود عام 1953، أنه شاهد عبر سنين طويلة مياه البحر الميت الزرقاء تنحسر وتتراجع وتكشف حفرا انهدامية وقوالب ملحية.

ويضيف: “قبل 1967 كانت المياه على بعد 10 دقائق سيراً على الأقدام من منزلي، أما اليوم فأننا نحتاج إلى ساعة للوصول إليها”.

كارثة
والبحر الميت الذي يقع في منطقة وادي الأردن الخصبة على الحدود مع إسرائيل والأراضي الفلسطينية مهدد بالجفاف بعد أن فقد ثلث مساحته السطحية منذ 1960، ومستوى مياهه ينخفض بمعدل متر واحد سنوياً، بسبب الاستغلال المكثف للبوتاس من قبل الأردن وإسرائيل ما يعجل بعملية التبخر والانكماش.

ويقول المهندس الخبير في الوكالة الفرنسية للتنمية فيديريك موريل، إن “تدفق مياه نهر الأردن انخفض منذ 1950 من 1.2 مليار متر مكعب إلى أقل من 200 مليون متر مكعب”.

وهذا التراجع يعد كارثة للبحر الميت والقاطنين في المناطق القريبة من أردنيين وفلسطينيين وإسرائيليين.

أهمية كبرى
للبحر الميت أهمية كبرى بطينته السوداء الغنية وملوحته الاستثنائية واحتياطاته من البوتاس، وأهميته السياحية أيضاً.  

ويقول خبير المياه الإسرائيلي آفنير آدين: “للبحر الميت أهمية تاريخية ودينية وطبيعية وسياحية وعلاجية وصناعية ما يجعله كنزاً لا يقدر بثمن”.

والأفكار لوقف تراجع مياه البحر الميت كانت دائماً موجودة. ففي حوالى 1900، فكر مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هيرتزل،  بالفعل في حفر قناة لتغذية البحر الميت من مياه البحر المتوسط.

أمل متجدد
وأخيراً جاء مشروع بناء قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت على أساس مدها بشكل كامل على الأراضي الأردنية ووقع اتفاق بين إسرائيل والأردن والفلسطينيين بذلك في نهاية 2013.

ويجلب هذا التعاون الإقليمي الأمل إلى هذه المنطقة المضطربة تاريخياً.

وحسب خطة المشروع سيُضخ مبدئياً 300 مليون متر مكعب من مياه البحر الأحمر وتحلية المياه في محطة مخصصة شمال ميناء العقبة الأردني، جنوب المملكة للحصول على مياه صالحة للشرب، قيل نقل المياه المالحة الناتجة إلى البحر الميت لمسافة مئتي كلم شمالاً.

حل مبدئي
ولن يكون ذلك كافياً لتثبيت مستوى مياه البحر الميت، لكنه حل مبدئي لوقف جفافه حسب فيديريك موريل المسؤول عن المشروع في الوكالة الفرنسية للتنمية.

ويضيف المسؤول الفرنسي: “يجب أن يكون هناك اقتصاد أكبر في استخدام المياه سواءً في الزراعة أو صناعة البوتاس”.

وفي فبراير(شباط) 2015، وضعت خطة المشروع الشاملة بموجب اتفاق إسرائيلي أردني.

وبموجب الاتفاق تحصل إسرائيل على المياه المحلاة وتزيد من جهتها من ضخ مياه بحيرة طبريا لتغذية المناطق الشمالية للأردن.

ويحصل الفلسطينيون كذلك على كميات إضافية من المياه من إسرائيل.

واختيرت 5 مجموعات شركات في نهاية 2016 مبدئياً للمضي في المشروع.

ما بقي عالقاً هو إيجاد التمويل اللازم لهذه الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص في مشروع من المتوقع أن تتجاوز كلفته مليار دولار تشمل 400 مليون من المال العام.

وتعهدت الولايات المتحدة واليابان بتقديم دعم بنحو 120 مليون دولار، فيما نسقت الوكالة الفرنسية للتنمية مع مجموعة مانحين أوروبيين من فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والاتحاد الأوروبي وبنك الاستثمار الأوروبي، مستعدة لتقديم 140 مليون قرض بفائدة مناسبة للأردن.

ويؤكد موريل: “لم نكن من قبل أقرب من تنفيذ هذا المشروع، لكنه يفتقر إلى الزخم الأخير من قبل السلطات الأردنية والإسرائيلية”.

ويؤكد مصدر دبلوماسي في الأردن: “هذا المشروع يبقى ضرورياً لدول المنطقة مع قضية البيئة حول البحر الميت وصعوبة جذب السياح لبركة مياه مالحة”، لكنه يضيف أن “ذلك يخضع لتقلبات الدبلوماسية”.

وكانت المحادثات حول المشروع جمدت تماماً منذ الصيف الماضي، بعد أن قتل ضابط أمن إسرائيلي اردنيين اثنين في سفارة إسرائيل في عمان.

إلا أنه من المتوقع أن تستأنف بعد اعتذار إسرائيل في يناير (كانون ثاني).

ويرى آفنير آدين، أن “العقبة الرئيسية في رأيي تتمثل في التمويل”، ولم تؤكد إسرائيل التي كان من المقرر أن تساهم في 140 مليون دولار في هذا المشروع، التزامها بذلك.

وأعلن الأردن أحد أفقر 5 دول في العالم بالمياه، أكثر مرة أنه مصمم على المضي قدماً في المشروع مع إسرائيل أو منفرداً.

وتفاقمت معضلة المياه في المملكة إثر لجوء قرابة مليون سوري يشكلون اليوم 15% من سكان المملكة البالغ عددهم نحو 9.5 مليون نسمة.

ويوضح أمين عام سلطة المياه الأردنية، إياد الدحيات:”هذه مسألة أمن قومي بالنسبة لنا”.

ويُضيف: “مياهنا الجوفية مستغلة بشكل مفرط، وتحلية المياه هي مستقبل الأردن، وبالنسبة لنا، فإن مشروع البحر الأحمر-البحر الميت ضروري”.

شاركها.