قال الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ۗ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَىٰ ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}  البقرة:189 .

تركز هذه الاية الكريمة على على أوجه الإعجاز العلمي في التأكيد على أهمية الشهر القمري لتحديد الزمن النسبي لأهل الأرض والإعجاز التشريعي في فريضة الحج، والأهلة جمع هلال، وهو تعبير عن مراحل من الهلال الوليد إلى البدر الكامل، ومنه إلى الهلال المتناقص حتى المحاق.

سبب نزول الآية الكريمة “يسألونك عن الأهلة …”

أسباب نزول هذه الآية الكريمة أن كلاًّ من معاذ بن جبل وثعلبة بن عثمة- رضي الله عنهما- قالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو ويطلع دقيقاً مثل الخيط ثم يزيد حتى يعظم ويستوي ثم لا يزال ينقص ويدقّ حتى يعود كما كان لا يكون على حال واحد فنزلت هذه الآية الكريمة توضح لهم أن الأهلة هي أفضل وسيلة لتحديد الزمن لأهل الأرض، وتحديد الأوقات المفروضة لعباداتهم، من مثل أوقات صومهم وفطرهم وأداء زكاتهم وحجّهم وأوقات معاملاتهم من مثل حساب عدة نسائهم وأوقات حلول ديونهم وأزمنة وفاء شروطهم المؤجلة وغير ذلك من أمور دينهم ودنياهم.

الإعجاز العلمي في “يسألونك عن الأهلة …”

اختيار الأهلة مواقيت للناس

القمر هو أقرب أجرام السماء إلى الأرض، وحركته بالنسبة لأهل الأرض هي أكثر الحركات الفلكية انضباطاً، ففي أثناء هذه الدورة يقع القمر في وضع وسطي بين كل من الأرض والشمس، وعلى استقامة واحدة مع مراكز هذه الأجرام الثلاثة وبذلك يواجه القمر الأرض بوجه مظلم تماماً وتسمى هذه المرحلة باسم مرحلة الاقتران أو المحاق ثم يتحرك القمر ليخرج عن الاستقامة الواصلة بين مراكز هذه الأجرام الثلاثة فيولد الهلال ، وباستمرار تحرك القمر في دورته حول الأرض تزداد مساحة الجزء المنير من وجهه المقابل للأرض بالتدريج حتى يصل إلى التربيع الأول في ليلة السابع من الشهر القمري ثم إلى الأحدب الأول في ليلة الحادي عشر ثم إلى البدر الكامل في ليلة الرابع عشر وفيها تكون الأرض بين الشمس من جهة والقمر من الجهة الأخرى.

وبمزيد من تحرك القمر حول الأرض، تبدأ مساحة الجزء المنير من وجهه المقابل للأرض تتناقص بالتدريج حتى يتحول البدر إلى الأحدب الثاني في حدود ليلة الثامن عشر ثم إلى التربيع الثاني في ليلة الثالث والعشرين ثم إلى الهلال المتناقص في ليلة السادس والعشرين من الشهر القمري ويستمر في هذه المرحلة لليلتين حتى يصل إلى مرحلة المحاق في آخر ليلة أو ليلتين من الشهر القمري حين يعود القمر إلى وضع الاقتران .

وفي الحضارات القديمة عرف الناس دورة القمر من المحاق إلى المحاق أو من الهلال الوليد إلى الهلال المتناقص كما عرفوا منازل القمر الثمانية والعشرين واستخدموا ذلك في تحديد الزمن وفي التأريخ للأحداث ويبدو أن ذلك من بقايا الحقب القديمة .

أهمية الشهر القمري

من هنا يأتي وجه الإعجاز العلمي والتشريعي في التأكيد على أهمية الشهر القمري في تحديد الزمن النسبي لأهل الأرض بدقة فائقة أما الزمن المطلق فلا يعلمه إلا الله تعالى، وعلى ذلك فإن سنة المسلمين هي سنة قمرية / شمسية يحدد الشهر فيها دورة كاملة للقمر حول الأرض ويحدد السنة فيها دورة كاملة لكل من الأرض والقمر حول الشمس، والفارق الزمني بين الإثني عشر شهراً قمرياً والدورة الكاملة للأرض والقمر حول الشمس هي في حدود 11 يوماً وذلك يحرك عبادة المسلم عبر الفصول المناخية رحمة بالناس وإشعاراً لهم بحركة الزمن ولذلك قال تعالى موجها الخطاب إلى خاتم أنبيائه ورسله- صلى الله عليه وسلم- : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ…*}.

تشريع فريضة الحج

الحج يعني قصد المسلم مكة المكرمة مُحرماً من الميقات المحدد في أشهر الحج والوقوف بعرفة وما يتبع ذلك من مناسك يؤديها المسلم البالغ العاقل الحر المستطيع ذكراً كان أو أنثى ولو لمرة واحدة في العمر وذلك طاعةً لله- تعالى- واستجابة لأوامره وطلباً لمرضاته و تذكير الحاجّ بمرحلية الحياة وبحتمية الرجوع إلى الله، لأن دوّامة الحياة تكاد أن تنسي الانسان حتمية الخروج منها، وهنا تأتي شريعة الحج لتخرج الناس من دوّامة الحياة – ولو لفترة قصيرة– وتذكرهم بحتمية العودة إلى الله .

شاركها.