قال الله تعالى: واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير* لقمان:19

هذه الآية القرآنية الكريمة جاءت في أوائل النصف الثاني من سورة لقمان وهي سورة مكية وآياتها أربع وثلاثون بعد البسملة، وقد سميت السورة بهذا الاسم لورود الإشارة فيها إلى لقمان الحكيم وهو أحد أحناف زمانه لأنه اشتهر بالدعوة إلي التوحيد الخالص لله ــ تعالى ــ  ونبذ الشرك كما اشتهر بالحكمة وبالتزام مكارم الأخلاق والدعوة إليها، كما جاء في هذه السورة الكريمة العديد من أسس العقيدة والدعوة إلي مكارم الأخلاق ومن الإشارات الكونية ونركز هنا علي وجه الإعجاز العلمي والتشريعي في الآية الكريمة واقصد في مشيك واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير* .

خفض الصوت ومكارم الأخلاق

من أوجه الاعجاز التشريعي في الآية الكريمة في قول ربنا تبارك وتعالى على لسان لقمان الحكيم وهو يعظ ابنه: واقصد في مشيك.. أي توسط في مشيك بين الإسراع والبطء، حتى لا يكون في ذلك شي من الاستعلاء والكبر، فخطى الإنسان على الأرض محصية عليه، …واغضض من صوتك… أي خفضه إلى مستوى الحاجة، حتى لا يكون في ذلك شيء من سوء الأدب وإساءة إلى مسامع الآخرين، … إن أنكر الأصوات لصوت الحمير* أي إن أقبح الأصوات هو صوت نهيق الحمير لما فيه من العلو المفرط عند ممارسة عملية التنفس من الشهيق والزفير، وذلك من الفزع الذي ينتاب تلك الحيوانات عند رؤيتها للشياطين.

الإعجاز العلمي في خفض الصوت

لقد ثبت بالقياس، أن لصوت نهيق الحمار شدة تقدر بما يتجاوز المائة ديسيبل وأن كثرة تعرض الإنسان لهذا الصوت الشديد قد يصيب أذنيه بالصمم ويصيب صاحبهما بالعديد من الأمراض العصبية والبدنية، ولذلك تم وضع جداول لتحديد أقصي مدة يمكن أن يتعرض لها الإنسان تحت شدة معينة من الأصوات، فإذا وصلت شدة الصوت إلي 45 ديسيبل لا يستطيع الفرد العادي أن ينام في هدوء، وعند 85 ديسيبل تبدأ آلام الأذنين فإذا وصلت شدة الصوت إلي 90 ديسيبل لا يستطيع الإنسان أن يتحمل ذلك لأكثر من ثماني ساعات، فإذا زادت إلي 100 ديسيبل فإن هذه المدة تتناقص إلي ساعتين فقط وإذا وصلت إلي 110 ديسيبل تناقصت مدة سلامة الإنسان إلي نصف ساعة فقط، أما إذا وصلت شدة الصوت إلي 160 ديسيبل فإن الإنسان يصاب بالصمم التام، وإذا كان نهيق الحمار يتعدى في شدته مائة ديسيبل فإنه يعتبر من أشد الأصوات إيذاء لأذن الإنسان وهنا تتضح لمحة الإعجاز العلمي في هذا التقرير القرآني الكريم.

ويتضح وجه الإعجاز التشريعي في الآية الكريمة في دعوة الإنسان إلي القصد في المشي والغض من الصوت والتذكير بأن أنكر الأصوات هي تلك الأصوات الفائقة الشدة المرتفعة النبرة والتي تؤذي السامعين وتسيء إليهم إساءات مادية ومعنوية لما تحمله من صور التكبر علي الخلق والاستعلاء في الأرض وهما خصلتان سيئتان لا يحبهما الله ــ سبحانه وتعالي ــ ولا يحبهما رسوله ــ صلي الله عليه وسلم ــ ولذلك أمر القرآن الكريم بخفض الصوت.

التوسط في المشي

جاء القرآن الكريم بهذه الآية الآمرة بالتوسط في المشي في غير تكبر والناهية عن رفع الصوت بلا مبرر وواصفة هذا السلوك بأنه سلوك قبيح مرذول ونفر من الوقوع فيه وذلك بتشبيهه بنهيق الحمار، فإذا كانت الخطي علي الأرض محسوبة علي كل إنسان وجب عليه التوسط بين الإسراع والبطء في المشي بغير استعلاء أو كبر، وإذا كانت الحمير معذورة في رفع أصواتها فزعا من رؤية الشياطين فإن الانسان ذلك المخلوق العاقل المكرم ذو الإرادة الحرة لا يجوز له رفع الصوت فوق الحد المقبول دون مبرر.

شاركها.