الاعجاز في قوله يوم نطوي السماء

 قال تعالى : “يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚكَمَا بَدَأنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَينَا إنَّا كُنَّا فَعِلِينَ “. {الأنبياء: 104}.

في  الوقت الذي ساد فيه الاعتقاد بثبات الكون وأزليته بغير بداية ولا نهاية، نزل القرآن الكريم ليؤكد للناس كافة على حقيقة الخلق وعلى حتمية الإثناء والبعث، و في سياق تأكيد ذلك ذكر لنا ربنا تبارك وتعالى شيئا عن كيفية خلق السماوات والأرض، وعن كيفية الإثناء و البعث، و نحن نعلم أن قضايا الكون بأبعادها الثلاث، خلق الكون، خلق الحياة، خلق الانسان، تعتبر قضايا غيبية غيبة مطلقة، لا تخضع لإدراك  الانسان ولا لمشاهدته المباشرة أو غير المباشرة، ولكن من رحمة الله تعال بنا أنه أبقى لنا في صخور الأرض وفي صفحة السماء من الشواهد الحسية ما يمكن أن يعين الإنسان على التوصل إلى تصور صحيح لقضية الخلق، ولكن هذا التصور يبقى متاهة للإنسان إذا لم يدخله من بوابة الإيمان بالله، وبوابة الاعتراف بالخلق وبالخالق سبحانه وتعالى، ومن أجل تفسير نشأة الكون ونشأة الأرض وضعت نظريات عديدة، و لكن يبقى للمسلم نور من الله سبحانه وتعالى في آية قرأنية كريمة أو في حديث نبوي كأفضل وسائل هامة جدا تعين المسلم في هذا العصر على معرفة كيفية الخلق.

حقيقة توسع الكون

ربنا تبارك وتعالى لخص لنا عملية الخلق والإثناء والبعث في عدد قليل من الآيات القرآنية، تبدأ بقول الحق تبارك وتعالى {وَالسَّمَاء بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} وجاء العلم في مطلع القرن العشرين ليؤكد لنا على حقييقة توسع الكون، ونحن نعلم كيف أن المجرات تتباعد عن بعضها البعض بسرعات تقترب أحيانا من سرعة الضوء ثلاث مئة ألف كيلو متر في الثانية ، وأن المادة تتخلق لتملأ المسافات الشاسعة الناتجة عن هذه الحركة، وكأنها إشارة من  الله الخالق سبحانه وتعالى كيف بدأ الخلق من العدم، كما أن توسع الكون أصبحت حقيقة علمية وحقيقة كونية لا ينكرها إلا جاحد، على الرغم من اختلاف العلماء فيها من العقود الأولى من القرن العشرين حتى منتصف القرن العشرين، ولكن أصبحت هذه الحقيقة الكونية هي قاعدة من قواعد فهم الانسان لكيفية توسع الكون، وأصبح علماء الفلك جميعا يعترفون الآن بأن من صفات كوننا أنه كون دائم الاتساع.

روعة الإعجاز في “طي السماء”

يقول الله تعالى “كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين”، بمعنى أنه كما بدأ ربنا تبارك وتعالى خلق الكون من نقطة واحدة متناهية الضئالة في الحجم، متناهية الضخامة في كمية المادة و الطاقة، سيعيده إلى نقطة مشابهة متناهية الضئالة في الحجم، متناهية الضخامة في كمية المادة والطاقة، وهذه النقطة يحتار العلماء في تفسيرها فيقولون هل عملية الخلق والإثناء عناية مستمرة انفجار ثم انسحاق ثم انفجار ثم انسحاق خلق ثم إثناء ثم خلق ثم إثناء إلى ما لا نهاية والذين لا يؤمنون بالله ولا يؤمنون بكتابه ولا برسله وملائكته، يقولون بأن الكون عملية مستمرة إلى ما لا نهاية، ولكن هذه القضية حسمها لنا الله تبارك وتعالى بآية قرآنية كريمة واحدة، أكد لنا فيها بأن بعد عملية طي السماوات والأرض وإعادتها إلى هيئتها الأولى سيفجر ربنا تبارك وتعالى هذه النقطة البدائية مرة أخرى كما فجرها في المقام الأول، فتتحول إلى سحابة من دخان يخلق ربنا من هذا الدخان أرض غير أرضنا، وسماوات غير السماوات المحيطة بنا حاليا، و يصل الكون إلى صورة لا نعلمها، صورة غيبية لا يعلمها إلا الله.

زر الذهاب إلى الأعلى