التراث الشعبي لقومية التركمان في العراق – الفصل الثاني

سرمد جاسم محمد الخزرجي – أكاديمي وباحث أنثروبولوجي / من العراق



منهجية الدراسة ومجالاتها

أولاً : منهجية الدراسة (Methodical study)
1-المنهج البنائي الوظيفي (Method Structural- functional )

الوظيفة مذهب انثروبولوجي يؤكد الاهتمام بالدور الذي يؤديه كل جزء من الحضارة في وجوده الكلي،(1) ويبين هذا المنهج وظائف الانساق والنظم والعلاقات، وتبادل تأثيرها بعضها في بعض من أجل استمرار البناء الاجتماعي وتأدية وظائفه، ويهتم الاتجاه الوظيفي في الانثروبولوجيا الاجتماعية بالتعرف إلى مدى التشابك والتفاعل القائمين بين النظم التي تؤلف حياة المجتمع ككل ونصيب كل نظام منها في المحافظة على تماسك ذلك المجتمع واستمرار وحدته وكيانه(2) وفي مدينة طوزخورماتو فأن الأنساق والنظم والعلاقات التي تشكل بنائها الاجتماعي تؤدي وظائفها وتتبادل التأثير من أجل استمرار هذا البناء، مع حصول عدد من التغيرات والتحولات الاجتماعية والثقافية في مجتمع التركمان في مدينة طوزخورماتو، ولقد جاء اوكست كونت بعد ذلك لينادي بالستاتيكية(الثبات) في البناء الاجتماعي والديناميكي(الحركة) في المجتمع نظراً لأن المجتمع يشبه كيان الكائن الحي.(3) أما راد كليف براون فقد استعمل كلمة الوظيفية بمعناها البنائي يشير إلى ذلك الترابط الداخلي الذي يربط بين البناء الاجتماعي وبين عملية الحياة الاجتماعية.(4)
 
2– المنهج المعرفي أو منهج الفهم الذاتي (Ethno-science method)

       استعمل هذا المنهج في معرفة المدركات العقلية والأفكار التي تكلم بها عدد من المبحوثين الذين جرت مقابلتهم، وهو وسيلة منهجية للتعبير عن مكونات النسق المعرفي للمبحوثين، وذلك عن طريق استعمال الألفاظ والكلمات التي هي بمنزلة وسائل لغوية يقوم الانثروبولوجي بتحليلها للتعرف إلى الطرائق التي ينظر الافراد  من خلالها الى ثقافتهم الخاصة وطريقة تفسيرهم  لها.(5)
       ويلاحظ أن المنهج المعرفي اكتسب في العقدين الأخيرين شهرة واسعة نتيجة تركيزه على معالجة المشكلة المحورية التي طالما عمل الانثروبولوجيون على مواجهتها وهي تدخل العوامل الذاتية الخاصة بالباحث في فهمه وتفسيره للعناصر الثقافية التي يدرسها، ومنذ وقت مبكر وجه تايلور نصيحة ذات مغزى للباحث الانثروبولوجي في قوله(لا شكل للناس حنطتهم في مكيالين).(6)

3- المنهج التاريخي(Historical method)

       ظهر هذا المنهج بوضوح منذ نشأة الانثروبولوجيا في القرن التاسع عشر، وكانت القاعدة التي سار عليها علماء ذلك القرن هي الانتقال من المعلوم إلى المجهول، وقد وافق فرانز بواس العلماء التطوريين في اعتقادهم أن فهم التغير الثقافي لا يتم إلا من خلال اعادة بناء الماضي،     أما ايفانز برتشارد فقد كان يعد الانثروبولوجيا الاجتماعية أقرب إلى بعض فروع الدراسات التاريخية منها إلى أي من العلوم الطبيعية، ومع عدد من الفروق أهمها أن الانثروبولوجيا تدرس الحياة الاجتماعية من الواقع المباشر بينما يدرسها التاريخ بطريقة غير مباشرة أي عن الوثائق المدونة.(7)استعمل الباحث المنهج التاريخي لمعرفة واقع البناء الاجتماعي وخصائصه لمدينة طوز خورماتو منذ القرن التاسع عشر حتى الوقت الحاضر فيما يخص تاريخ نشأة المدينة، وسبب تسميتها، وتاريخ سكانها الذي يعيشون فيها وهم التركمان، والنمو العمراني، والنشاطات الاقتصادية.

4- المنهج الوصفي (Descriptive method)

       يُعد المنهج الوصفي من أبرز المناهج استعمالاً في الدراسات البنائية الانثروبولوجية، إذ يقوم بإعطاء صورة تفصيلية ودقيقة للظاهرة المدروسة في المجتمع الذي يعيش فيه الباحث.(8)

أي أن المنهج الوصفي يمد الباحث بقدر وافر من المعلومات والبيانات الأساسية التي ترسم صورة عامة للمشكلات أو الظاهرة المدرسة والتي تساعد الباحثين في تحديد وانتقاء بحوث يرونها جديرة بالدراسة.(9)

يقوم المنهج الوصفي على تصوير الواقع الاجتماعي، والسعي و ابراز العلاقات التي توجد بين الظواهر والاتجاهات المختلفة وباستكمال هذين البحثيتين(الوصف، و ابراز العلاقات إلى خطوة أخرى يحاول فيها وضع تنبؤات عن الحالات التي ستؤول إليها الظواهر). ومن خلال ما سبق لا يظهر أن المنهج الوصفي في المجال البحثي، هو مجرد عملية وصفية، أما نرصده بحواسنا بل على العكس، ففضلا عن ذلك يتضمن المنهج الوصفي التوصل إلى معرفة الأسباب وأهم النتائج المترتبة عليها، كما يساعدنا المنهج الوصفي من خلال عملية الوصف والتشخيص للواقع، في السعي لإيجاد السبل المناسبة لتطوير الوضع نحو الأحسن.(10)
 
ثانياً: مجتمع البحث ومجالاته:

تنطوي كل دراسة على مجالات وحدود معينة، وتشمل هذه الدراسة مجالات عدة منها:-

أ-المجال البشري(Human limit)

جرى تحديد السكان القاطنين في الوقت الحاضر هم التركمان الذي يبلغ عددهم نحو (160.690) نسمة بحسب احصائية 2009 في مركز قضاء طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين مجالاً بشرياً للدراسة.

ب- المجال المكاني(Spattial limit)

       جرى تحديد التركمان الساكنين في مركز قضاء طوزخورماتو في محافظة صلاح الدين مجالاً مكانياً للدراسة.

ج- المجال الزمني(temporal limit)

هو السقف الذي يجري تحته تنفيذ اجراءات الدراسة النظرية والميدانية وصياغة نتائجها، وقد امتدت الدراسة من 1/11/2012 و لغاية 1/5/ 2013.
ثالثاً: أدوات الدراسة:

       إن الدراسات الانثروبولوجية غالباً ما تتميز بانفرادها وتركيزها على دراسة مجتمعات محلية مصغرة، وطريقة دراسة المجتمع المحلي، هي طريقة لدراسة السلوك الإنساني، بالتركيز على تحليل مجتمع محلي بالذات، وهي تمثل في الواقع تطبيقاً لطريقة دراسة الحالة على أحد المجتمعات، فتسهم بدراسة الخصائص الجغرافية والايكلوجية والتاريخية لهذا المجتمع، مثل اهتمامها بدراسة التنظيم الاجتماعي، والاقتصادي، والسياسي،  والعمليات الاجتماعية والنفسية، وتمكن أهمية هذه الطريقة في أنها تعتمد على فحص السلوك والاتجاهات في صورتها الطبيعية في إطار السياق الكلي للتفاعل الاجتماعي.(11)

1-الملاحظة والملاحظة بالمشاركة(participant observation)

يـقصد بالملاحظة المشاركة اشتراك الباحث في حياة الناس الذين يخضعون للملاحظة في اثناء ممارستهم لأنشطة الحياة اليومية، وتتيح المشاركة فرصة الاندماج في الواقع الاجتماعي. وتصبح الملاحظة المشاركة أكثر فائدة كلما زادت المدة التي يقضيها الباحث الانثروبولوجي في الميدان. لكي يعرف الناس ويفهمهم من خلال تصرفاتهم وافعالهم وسلوكهم وانشطتهم الاجتماعية والثقافية.(12)
واستعمل الباحث الملاحظة المباشرة بوصفها أداة تطبيق المنهج البنائي الوظيفي والمعرفي في دراسة مجتمع مدينة طوزخورماتو، فقد لاحظ الباحث مباشرة نشاطات مجتمع التركمان في مدينة طوز خورماتو.

بدأ علماء الاجتماع باستعمال الملاحظة بالمشاركة بوصفها أداة لجمع البيانات في المجتمعات الحديثة والمعقدة، والملاحظة أداة شائعة في حياتنا اليومية فمن خلالها نتعلم الكثير وتحديد المواقف، إلا أن الملاحظة سلوك يعتمد على الحواس البصرية والسمعية(وأن تطور استعمالها عن طريق استعمال أجهزة التسجيل والتصوير وغيرها). ومع ذلك فأن الملاحظة هي أداة رئيسة للبحث الاجتماعي بل أن كل بحث اجتماعي يستعمل الملاحظة بدرجات مختلفة من الدقة والضبط.(13)

2-المقابلة(Interview)

إذا كان هدف الباحث الانثروبولوجي استخلاص وجهة نظر الأفراد موضع البحث وأسلوبهم المتميز في رؤية الأشياء، فالأشخاص، فإن من الضروري أن يدخل المقابلة بوصفها وسيلة أساسية في تحقيق هذا الهدف، فالحوار ضروري في هذه الحالة، ويمكن أن تكون المقابلة موجهة أو غير موجهة فإن النوع الثاني هو الأنسب في هذه الحالة لأنه يشتمل على الحديث العادي وتوجيه اسئلة ذات نهايات مفتوحة تتيح للفرد أن يبدي رأيه في كل الموضوعات المطروحة، فالمقابلة غير الموجهة هي في حقيقتها مقابلة موجهة لدى الباحث المتمرس لأن معرفتها تظل دائماً في ضمن الاطار الذي يضعه لها بما يحقق صالح الدراسة.(14)
تعد المقابلة امدى أدوات جمع البيانات عن الموضوع أو الظاهرة المراد معرفتها ودراستها، والمقابلة في البحث هي اتصال شخصي وشفوي منظم يقوم به الباحث مع المبحوث وجهاً لوجه، الهدف منها الحصول على المعلومات لتوظيفها في البحث العلمي، وقد استعمل الباحث العديد من المقابلات في مجتمع الدراسة مع المسؤولين والمثقفين ومع رؤساء العشائر ورجال دين ومع بعض العوائل داخل مجتمع الدراسة في طوزخورماتو.

3-الاخباريون(Informats)

يعد الاخباريون من الأدوات المهمة في الدراسات الحقلية ويتوقف نجاح الدراسة الحقلية إلى حد بعيد على حسن اختيار الاخباريين والتعاون معهم، فهم يمثلون حلقة الاتصال بين الباحث والمجتمع طوال مدة الدراسة، وهنالك اخباريون عاديون يستمد الباحث منهم البيانات خلال المقابلات عن الموضوعات التي يستطيعون التحدث فيها ولكنهم لا يمثلون له مصدراً أساسياً في عملية جمع البيانات، وهنالك اخباريون رئيسون يحتلون مراكز اجتماعية مهمة، أو يقومون بأدوار حيوية في الحياة الاجتماعية، أو يتمتعون بثروة من المعلومات عن أحد المجالات الثقافية التي تهم الباحث(15).
وقد يحتاج الباحث إلى معلومات عن موضوعات خاصة في اثناء دراسته لثقافة المجتمع، مما يتطلب اختيار اخباريين لهم نوعية خاصة داخل مجتمع البحث، وذلك من حيث الأعمار والأدوار والمراكز المهنية، ويتميز بعض الاخباريين باهتمامات عقلية وفكرية، ويمكن للباحثين الانثروبولوجيين الاستفادة من هؤلاء الاخباريين، ولذلك على الباحث أن يعيد له هذا العطاء في شكل مكافأت مادية أو يقدم له بعض الهدايا، والمساعدات في أنشطة الحياة اليومية(16). استخدم الباحث عدداً كبيراً من المخبرين من أجل الحصول على المعلومات الدقيقة عن ذلك المجتمع ومنهم المسئولون في الدوائر الحكومية والمثقفون وبعض شيوخ العشائر في مدينة طوزخورماتو.

4-الصور(photography)

اهتمت الدراسات الحقلية منذ وقت مبكر باستعمال الات التصوير بوصفها وسيلة إضافية لجمع البيانات وتوضيحها، ففي مرحلة الدراسة العادية يهتم الباحث بتصوير البيئة التي يعيش فيه السكان من حيث المساكن ومعالم المكان والمظاهر الجغرافية المختلفة، وسوف تكشف الصورة في هذه الحالة كثيراً من التفاصيل التي يمكن أن تغيب عن الباحث الذي يعتمد على الملاحظة المباشرة، وتفيد الصور الفوتوغرافية في إنجاح المقابلات، إذ يمكن أن تمثل مدخلاً  لإجراء الحوار بين الباحث والاخباري، ولاسيما عندما يكون الاخباري من النوع الذي تضايقه الأسئلة المباشرة.(17)
إذ إن الباحث لا يستطيع أن ينقل للقارئ الصورة الكاملة عنها بغير الصورة الفوتوغرافية، وتستعمل الصورة بوصفها عملية مكملة للملاحظة في بعض الوضعيات التي يصعب فيها الاعتماد على الملاحظة وحدها من دون أن تدعم بالصورة المكملة لها، وينطبق هذا السياق على دراسة الكثير من الظواهر الاجتماعية والثقافية في مجتمع الدراسة.(18) واستعملت الدراسة التصوير الفوتوغرافي، ولا سيما فيما يتعلق بطراز المنازل والزي التركماني(الملابس) وبعض الظواهر التي لا يمكن الاكتفاء بوصفها فقط.
 
5-المسح المكتبي
أُجرى مسح مكتبي للاطلاع على الأدبيات المتصلة بموضوع الدراسة من مراجع وكتب وأبحاث و رسائل جامعية ووثائق ودوريات ونشرات فضلاً عن المراجع الأجنبية والخرائط والأشكال من أجل توظيفها بشكل مناسب في الدراسـة.

6-الطريقة الجينالوجية *

تعني رسم مخططات للأسر الرئيسة والعشائر المتنفذة في المدينة التي تتكون من ثلاثة أجيال أو أكثر لمعرفة التغيرات التي طرأت  على جيل الأحفاد والاباء والأجداد، وهذه المخططات تعبر تعبيراً سريعاً وواضحاً عن العلاقات والارتباطات القرابية لدى التركمان في مدينة طوز خورماتو.

(1) د. شاكر مصطفى سليم، قاموس الانثروبولوجيا، مصدر سابق ص376-377.

(2) د. فتحية محمد ابراهيم، د. مصطفى حمدي الشنواني، مدخل مفاهيم البحث في علم الانسان الانثروبولوجيا، مصدر سابق، ص114. 
 (3)Cohon, perecy, modern social theory, Hinemon, london , 1968, p. 33.
(4) قباري محمد اسماعيل، الانثروبولوجيا العامة، منشأة المعارف، الاسكندرية، 1981، ص242.
(5) محمد حسن غامري، المناهج الانثروبولوجية، المركز العربي للنشر والتوزيع، الاسكندرية ،1982، ص104.
(6) د. فتحية محمد ابراهيم، د. مصطفى حمدي الشنواني، مدخل مفاهيم البحث في علم الانسان الانثروبولوجيا، مصدر سابق، ص129.
(7) د. فتحية محمد ابراهيم، د. مصطفى حمدي الشنواني، مدخل مفاهيم البحث في علم الانسان الانثروبولوجيا، مصدر سابق، ص129-133.
(8) غنيمة يوسف المهيني، الاسرة والبناء الاجتماعي في الكويت، مطبعة الفلاح، الكويت،1980،ص8.
(9) د. معن خليل عمر، الموضوعية والتحليل في البحوث الاجتماعية، منشورات دار الآفاق الجديدة، بيروت،1983، ص56.
(10) قباري محمد اسماعيل، مناهج البحث في علم الاجتماع مواقف، واتجاهات معاصرة،منشأة المعارف، الاسكندرية، بدون سنة طبع، ص266.
(11) د. محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، دار المعرفة الجامعية، الاسكدنرية، بدون سنة طبعة، ص161.
(12) د. محمد حسن غامري، طريقة الدراسة الانثروبولوجية، المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية، 1989، ص43-47.
(13) د. ناهدة عبد الكريم، مناهج البحث الاجتماعي، بغداد،2007، ص67-68.
(14) د. فتحية محمد ابراهيم، د. مصطفى حمدي الشنواني، مدخل مفاهيم البحث في علم الانسان الانثروبولوجيا، مصدر سابق، ص186-187.
(15) د. فتحية محمد ابراهيم، د. مصطفى حمدي الشنواني، مدخل مفاهيم البحث في علم الانسان الانثروبولوجيا، مصدر سابق ، ص177.
(16) د. محمد حسن غامري، طريقة الدراسة الانثروبولوجية، مصدر سابق، ص50.
(17) د. فتحية محمد ابراهيم، د. مصطفى حمدي الشنواني، مدخل مفاهيم البحث في علم الانسان الانثروبولوجيا، مصدر سابق، ص 208-210.
(18) د. وسام العثمان، المداخل الى الانثروبولوجيا، الاهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2002، ص126.
* استعملت الطريقة الجينالوجية في رسم شجرة الانساب والافخاذ الكبيرة في مدينة طوزخورماتو

 

زر الذهاب إلى الأعلى