التراث الشعبي لقومية التركمان في العراق – الفصل الأول
1- هل الطبيعة الايكولوجية لها دور في تحديد ثقافة قومية التركمان؟
2- هل النمط القرابي لقومية التركمان متشابه للنمط القرابي للعرب والكرد في منطقة طوزخورماتو؟
3- هل البعد الاقتصادي له تأثير واضح في ثقافة القومية التركمانية؟
4- هل هناك تشابه بين العادات والتقاليد لقومية التركمان والقوميات الأخرى في طوزخورماتو؟
1- أهمية علمية: أن هذه الدراسة قد تخدم الناحية العلمية أو الأكاديمية وتعرف المثقفين عامة والباحث الانثروبولوجي خاصة بطبيعة الأنساق الاجتماعية وطبيعة البناء الاجتماعي كجزء من المجتمع العراقي وهذا قد يحفز الآخرين على القيام بدراسات أُخرى.
2- أهمية وطنية: أن لهذه الدراسة أهمية وطنية تتمثل في إمكانية مساهمتها في تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي تعتمد مشاريع التنمية في نجاحها وفعالياتها إلى حد كبير على الدراسات العلمية لطبيعة وخصائص النظم والأنساق التي تتألف منها البناء الاجتماعي وبذلك أنها سوف تساعد المخططين على رسم الخطوط الايجابية للتنمية وتمكنهم من تقليل الأخطاء ، علما أن التجربة الحديثة قد دللت على أن الدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية شخصت الكثير من المشكلات في المجتمعات المستحدثة.
1- البناء الاجتماعي Social Structure
2- التغير الاجتماعي Social change
3- التغير الثقافي Social cultural
4- التحضر Urbanization
5- الثقافة و الثقافة الفرعية Sub culture
6- الجماعات الاثنية Ethnic Group
ويعرف الباحث كيسنج Kessing، البناء الاجتماعي هو النظم الاجتماعية التي عن طريقها تصل مجموعة من السكان إلى حالة التكامل والترابط وهي الحالة اللازمة لتكوين المجتمع، ولكن الانثروبولوجست ايفانز بريتشارد يرفض التعريف السابق ويرى البناء الاجتماعي هو الجماعات الاجتماعية المستمرة في الوجود لوقت كافٍ بحيث تستطيع الاحتفاظ بكيانها بوصفها جماعات على الرغم من التغيرات التي تحدث للأفراد الذين يكونون تلك الجماعات(5).
البناء الاجتماعي: مصطلح يطلق بشكل عام غير دقيق على أي نمط متكرر من السلوك الاجتماعي، أو بشكل أكثر تحديداً على العلاقات التفاعل المنظم بين مختلف عناصر النسق الاجتماعي أو المجتمع وهكذا يقال، على سبيل المثال، أن النظم القرابية، والدينية، والاقتصادية، والسياسية وغيرها من النظم الموجودة في مجتمع معين تمثل البناء الاجتماعي لذلك المجتمع، بما يحويه من المعايير، والقيم، والأدوار الاجتماعية، ومع ذلك فليس هناك معنى عام متفق عليه من الجميع لمفهوم البناء الاجتماعي، وقد أخفقت المحاولات التي بذلت لصياغة تعريف محكم ومحدد للبناء، ومن هذا مثلا ما توصل إليه ريموند فيرث من الحقيقة البديهية التي تقرر أن البناء عبارة عن أداة تحليلية تستهدف معاونتنا في فهم كيفية سلوك الناس في حياتهم الاجتماعية. وجوهر هذا المفهوم تلك العلاقات الاجتماعية التي تبدو ذات أهمية حاسمة لسلوك أفراد المجتمع (6).
ولابد أن نشير إلى أن التغيير في العناصر الفكرية والمعنوية في المجتمع ليس بالأمر السهل فهو يتطلب مدة زمنية أطول للتغيير يعكس التغير في العناصر المادية أو ما يسميه (اوجبرن) الفجوة الثقافية عند حدوث عملية التغير الاجتماعي، فهو يرى أن العناصر المادية للثقافة أسرع في تغيرها من العناصر المعنوية للثقافية ويمثل ( اوجيرن ) موقف الذين يرون أن الثقافة المادية أو التكنولوجيا هي السبب الأول في كل التغيرات الاجتماعية على الرغم من اعترافه بأثر العوامل الأُخرى وتفاعلها وتساندها(8).
كما يُعرف كينز برج التغير الاجتماعي أنه (التغير في البناء أو التراكيب الاجتماعية من حيث صغر المجتمع وتركيب القوة والتوازن بين أنواع النظم الاجتماعية وكذلك التغيرات في المعتقدات والمواقف اللغوية والفنية)(9).
ويرجع راوجست كونت (التغير الاجتماعي إلى التغير الذي حصل نتيجة التطور أو التغير العقلي الناتج من خلال التحول في الفكر الإنساني أو ما يسميه قانون المراحل الثلاث (the law of three stage ) وهي المرحلة اللاهوتية التي يفسر فيها العقل والظواهر عن طريق ارجاعها إلى قوى وكائنات غير منظورة والتي لها خصائص الإنسان, والمرحلة الثانية هي الميتافيزيقية (metaphysical) وهي التي يفسر فيها العقل الظواهر عن طريق القوى المجردة مثل الطبيعة أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة الوضعية (positive)، وهي المرحلة التي يقنع فيها الإنسان بملاحظة الظواهر واستخلاص الروابط التي توجد بين بعضها سواءً أكانت في وقت معين أم مع مرور زمن طويل أو قصير من الوقت(10).
التغير هو ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة بالاجمال, وقديمـًا قال الفيلسوف اليوناني هيرقليطس (التغير قانون الوجود والاستقرار موت وعدم) ويمكن تعريف التغير الاجتماعي بأنه كل تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية سواءً أكان في البناء أم الوظيفة في مدة زمنية محددة (11). وهنالك رأي يشير إليه (كينزلي ديفز) إذ يرى أن التغير الاجتماعي هو التحول الذي يقع في التنظيم الاجتماعي، سواءً في تركيبة وبنيانه أو في وظائفه(12).
إذن يقصد بالتغير الاجتماعي: أنواع التطورات التي تحدث تأثيراً في النظام الاجتماعي أي التي تؤثر في بناء المجتمع ووظائفه خلال مدة زمنية معينة والتغير الاجتماعي على هذا النحو ينصب على كل تغير يقع في التركيب السكاني للمجتمع أو في بنائه الطبقي أو نظمه الاجتماعية أو في أنماط العلاقات الاجتماعية أو في القيم والمعايير التي تؤثر في سلوك الأفراد و مكانتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية التي ينتمون إليها (13). وعليه.. فأن المجتمع حينما يتغير من شكل إلى اخر أنما في جانبين هما مادي ولامادي, أي يمس الجانب الايكلوجي والطبيعي والاقتصادي والمهني والعمل ووسائل الانتاج وطبيعة الموارد البشرية التي تزج في عمليات الانتاج, والمجتمع أيضاً يتغير بجانبه اللامادي أي في القيم والمعتقدات والتقاليد والقوانين والضبط الاجتماعي وغيرها(14). كما فسر عالم الاجتماع الانكليزي (هربرت سبنسر) عملية التغير الاجتماعي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر من قبل الذي يرى أن المجتمع يتطور ويتحول من الشكل البسيط في تركيبة بنائه ووظائفه إلى مجتمع معقد ومركب(15).
التغير الاجتماعي: مصطلح شديد الفراق في معناها (Social change) من مصطلح غير الحضاري, كثيراً ما تستعمل صفة الاجتماعي, بمعنى حضاري, فيتطابق معنى المصطلحين، ويعني ( التغير الاجتماعي بعامة التبدلات الهامة في العلائق, والتنظيم, والقيم, والمعايير, والعادات الاجتماعية الثابتة نسبيـًا, والتي تكون البناء الاجتماعي, نتيجة المؤثرات وعوامل حضارية, واقتصادية, سياسية, يتفاعل بعضها مع بعض)(16).
إذن اغلب التعريفات التي تناولت مفهوم التغير الاجتماعي جاءت على وفق منظور تطوري, وعليه (التغير الاجتماعي يقصد به أنواع التطورات التي تحدث تأثيراً في النظام الاجتماعي والتي تؤثر في بناء المجتمع ووظائفه)(17).
(ماكس فيبرmax weber) أرجع سبب التغير الاجتماعي إلى العامل الديني بوصفه المحرك الأساسي للتغيير, وذلك لأن التغيرات التي تحدث في المجتمع تفصح عن نفسها في سلوك الإنسان ومظاهر ثقافته مما يدل على أن التغير الاجتماعي ينطوي بالضرورة على تغيرات ثقافية وحضارية، وينظر(فيرتشيلد(Faircilb للتغير أنه يعتري العمليات الاجتماعية وقد يكون التغيير تقدميـًا أو تأخريـًا ثابتـًا أو مؤقتـًا, مخططـًا أو غير مخطط, موجهـًا أو غير موجه, مفيداً أو ضاراً. أما (مالينوفسكي) فيشير للتغير منذو البداية بأنه العملية التي يتحول بها نظام المجتمع من إنموذج إلى آخر. تدل كلمة (تغير) في اللغة العربية على معنى التحول والتبدل، فتغير الشيء هو تحول وتبدل هذا الشيء بغيره, كما أنها تعني الأشياء واختلافها. ويشير مصطلح ( (change في اللغة الانكليزية أيضـًا إلى معنى الاختلاف في أي شيء يمكن ملاحظته في مدة زمنية معينة(18).
ويعرف التغير الاجتماعي بأنه التحول الذي يحدث في التنظيم الاجتماعي سواءً في تركيبة أو في بنائه أو في وظائفه (19).
ويشير التغير الاجتماعي إلى أوضاع جديدة تطرأ على البناء الاجتماعي, والنظم والعادات وأدوات المجتمع نتيجة لتشريع أو قاعدة جديدة لضبط السلوك أو نتاجـًا لتغير أما في بناء فرعي معين أو جانب مع جوانب الوجود الاجتماعي أو البيئة الطبيعية أو الاجتماعية(20) ويوضح (روس) دور التغير في القيم ووسائل الضبط الاجتماعي في ضمن الجماعات المختلفة داخل المجتمع, فأن تغير القيم يأتي نتيجة البناء الاجتماعي ومؤسساته فضلاً عن توسع الأفق الفكري والوعي الاجتماعي نحو اتجاهات التغير لأن التغير لايسير بالسرعة نفسها وبالعمق نفسه في كل جوانب حياة المجتمع بل تتفاوت سرعته ويختلف مداه(21).
3- التغير الثقافي ((the concept of social cultural
إن التغير في ثقافة مايمكن أن ينشأ إما نتيجة اختراع يتم داخل مجتمع معين, أو نتيجة أتصال بين المجتمعات وما ينشأ عن هذا الأتصال من أستعارة أو انتشار عنصر ثقافي معين من مجتمع معين, أو نتيجة اتصال بين المجتمعات وما ينشأ عن هذا الاتصال من أستعارة أو أنتشار عنصر ثقافي معين من مجتمع إلى آخر(23).
التغير الثقافي هو عبارة عن التحول الذي يتناول كل التغيرات التي تحدث في أي فرع من فروع الثقافة, بما في ذلك الفنون والعلوم والفلسفة والتكنيك, كما يشمل صور وقوانين التغير الاجتماعي نفسه. والتغير الثقافي ينتج بصورة أساسية عن الاختراع أو التجديد سواء كان اختراعاً مادياً أو اختراعاً اجتماعياً كظهور الديانات والفلسفيات والقوانين الاجتماعية(24).
تختلف درجة التغير, ونوعيته من مجتمع لآخر, ومن ثقافة لأُخرى ومن عصر إلى آخر إذن, فالتغير الثقافي هو عملية موازنة تمسك على المجتمع كيانه, وتلائم بين تنظيماته, وتؤلف بينهما وتنسقها, والتغير الثقافي, بعد ذلك, حقيقة منطقية, وحقيقة تاريخية فهو حقيقة منطقية. لأن التغير الثقافي هو عبارة عن التحول الذي يتناول كل التغيرات التي تحدث في أي فرع من فروع الثقافة, بما في ذلك الفنون والعلوم والفلسفة والتكنيك, كما يشمل صور وقوانين التغير الاجتماعي نفسه. إن التغير الثقافي, في حقيقية الأمر, تغير إنساني, فالثقافة حين تتغير إنما تعمل على تغير الإنسان الذي يستعملها، فموضوع التغير الثقافي هو إلى جانب أنهُ الثقافة, فهو أيضـًا الإنسان نفسه, وخير مثال على ذلك أن هنود أمريكا الشمالية في منطقة السهول الحضارية قضوا حياتهم جيلاً بعد جيل مزارعين مسالمين, يمارسون الحضارة الزراعية لقرون طوال, وما لبثوا أن رجعوا مقاتلين مغيرين, بعد أن اقتنوا الخيل, واستعملوها وادخلوها في نشاطهم فتغيرت نتيجة لذلك طريقة حياتهم وطبيعة سلوكها(25).
4- التحضر (The Concept of Urbanization)
التحضر عملية من عمليات التغير الاجتماعي يجرى بواسطتها انتقال أهل الريف إلى المدن واكتسابهم تدريجياً أنماط الحضر، ويحدث التكثيف الحضري إذا ما اكتسبوا أنماط الحياة الحضرية وترتبط الحضرية والتحضر ارتباطا وثيقـًا، فالحضرية ما هي إلا انتاج نهائي لعملية التحضر وعوامله والقوى الدافعة إليه، ويـُطلق مصطلح التحضر على عملية التوسع الحضري من حيث المراحل والعمليات المتسلسلة والآليات والتحولات والمشاكل المرتبطة بهذه الظاهرة(28).
وفي الانثروبولوجية الثقافية يتم تحليل الثقافة على ثلاث مستويات: أنماط السلوك المكتسبة، والعناصر الثقافية التي تمارس وضيفتها وبناء الجملة في اللغة، التي نادراً ما يعيها المتحدث بلغته الوطنية أو أنماط التفكير والادراك التي تتشكل ثقافياً(30).الثقافة هي كل ما يكسبه الإنسان عن طريق التعلم ويفعله كعضو في المجتمع الذي يعيش فيه. وتشمل كل المعرفة والمدركات العامة، والتوقعات التي يشارك فيها أفراد الجماعة والتي يتعلمها أطفالهم(31).
والثقافة عند جيرتر إلي عامة (Public) لأنها تتألف من رموز ومعانٍ وصور وايحاءات وايماءات أيضاً عامة فقد طور فكرة النظام الثقافي أو الرمزي وحررها من الأطر الجامدة من بارسونز وليفي شتراوس(32).
الثقافة لفرعية:نمط حضاري خاص بقسم أو فرع من المجتمع. أما الثقافة الفرعية فهي حضارة خاصة أو ثقافة خاصة داخل الحضارة العامة أو الثقافة العامة للمجتمع, لاتتعارض معها, ولكنها في الوقت نفسه تمتاز بصفات وسمات تميزها في بعض الوجوه عنها. فالمراهقون مثلاً, حضاراتهم الفرعية تتمثل بطرائق حياتهم الخاصة, ومعاييرهم الخلقية, وقيمهم الاجتماعية. والأمر نفسه بالنسبة للأقليات(33).
على الرغم من أن لكل مجتمع بشري ثقافته الخاصة المتميزة التي تختلف في مجموعها عن ثقافة مجتمع آخر, إلا أن ذلك لا يمنع من وجود ثقافات فرعية داخل الثقافة الكلية للمجتمع, ويعكس ذلك الشكل المركب الذي تبدو عليه الثقافات في الواقع، إذ ليس من الضروري أن تظهر السمات كافة التي تكون الثقافة بوضوح في كل قطاعات المجتمع، لكننا نجدها موجودة في جزء من المجتمع من دون الاجزاء الأُخرى. إلا أن الذي يعطي الثقافة طابعها المميز ومقوماتها هو أشتراك أفراد المجتمع الواحد كافة في مجموعة من السمات الثقافية التي تعد رئيسة, تسود المجتمع كله, يطلق عليها العموميات (UNIVERSAL) أو العموميات الثقافية, التي تتمثل بوحدة المشاعر والمعتقدات الدينية واللغة, ولكن ذلك لا يمنع من وجود خصوصيات (Specialties) تحمل ملامح التمايز والتغاير داخل المجتمعات, وذلك في اطار ثقافي واحد, من دون أن تؤدي هذه الخصوصيات إلى فقدان التجانس العام للمجتمع، ولقد أطلق الانثروبولوجيون على وجود هذه الخصوصيات _ أو على وجود بعض الخصوصيات في سمات ثقافية معينة داخل المجتمع. أسم الثقافات العربية ( Subcultures) وتبدو ملامح هذه الثقافات الفرعية في بعض المجتمعات بشكل ظاهر وواضح, في على سبيل المثال نجد المجتمع المصري الذي يضم ثقافة واحدة ذات سمات عامة ومشتركة, كما نجده يضم أيضـًا بعض الثقافات الفرعية(34).
ولهذا فأن الثقافة الفرعية هي نمط من المعيشة يختلف عن الثقافة الكلية, أو بمعنى آخر هي نمط من السلوك تتميز به الجماعات الخاصة التي تعيش داخل المجتمع الأكبر, وقد يختلف سلوك أفراد تلك الجماعات عن سلوك أفراد المجتمع الكلي, ولكن في الوقت نفسه تتضمن ثقافتهم الفرعية عناصر تشترك فيها مع الثقافة الكلية, كما تحتفظ لنفسها بعناصر أُخرى تميزها عن غيرها من الثقافات. وقد وحددها هاجور بدنجHugof. Reading كما ورد في (قاموس العلوم الاجتماعية) من خلال المعاني الآتية:
لا يوجد وجه شبه بين الزنوج والمكسيكيين إلا أنهما يتفقان في انتمائهما إلى ثقافة فرعية، إلا أن الزنجي من الناحية التقليدية كان دائماً أقرب من المكسيكي إلى الحياة من حوله وتعكس ثقافته بمزيد من الوضوح القيم الأمريكية السائدة, أما المكسيكي فيميل إلى عزل نفسه جانباً. وفيما يخص التفرقة فأننا نجد أن الزنجي قد يعارضها بينما ينسحب المكسيكي ويغطي تراجعه غالباً بالأدب ودماثة الخلق, ويميل المكسيكي إلى عدم حضور المؤتمرات المدرسية واجتماعات مجالس الآباء والمعلمين فاذا طلبت منه المدرسة التعاون في مراعاة مواظبة ابنه أو التنبيه على ابنته لأداء واجباتها المنزلية فأنه يرد بأنه ينوي عمل ذلك. إن أسلوب تجنب الصراع هو الأدب والتسويق، وقد كتبت روث لانديز تقول أن الثقافة المكسيكية أكثر تسلطية من الثقافة الزنجية, ويختلف الطفل المكسيكي عن أغلب الأطفال الأمريكيين الآخرين من بيض أو زنوج إذ يتوقع منه انتظار التوجيه من البالغين, وغالباً ما يكون من الآباء أو الكبار الأقارب وذلك من دون السماح لهم بممارسة المبادأة الفردية. وتقول لانديز إذا أريد منهم أن يتصرفوا بمبادأة في المدرسة فأنه يتحتم أن يتعلموا كيف يتخلصون من عاداتهم التقليدية ألا وهي الانصياع للآخرين. ويتحتم على مدرسيهم أيضاً معاملتهم بمزيد من الحزم أكثر ما يفعلون بقية الأطفال الأمريكيين(36).
وينبغي إدراك أن الشكل المثالي للتجانس الثقافي- إن صح التعبير- ينعكس في وجود العموميات الثقافية بشكل يفوق الخصوصيات, فكلما زادت الثقافات الفرعية وجماعات الأقلية بالمجتمع, فأن ذلك قد يقلل من تماسكه, وتظهر هذه المشكلة بوضوح عند التخطيط للتغيير بالمجتمع إذ يتطلب ذلك جهداً كبيراً لدفع هذه الجماعات الفرعية وانخراطها في فلك المجتمع الكبير، وقد يتطلب ذلك اعداد مجموعة من البرامج المنفصلة التي تلائم كل الثقافات الفرعية(37).
يحظى مفهوم الثقافات الفرعية الآن بأهتمام متزايد من جانب الباحثين في الأنثروبولوجيا الثقافية والعلوم الاجتماعية الأُخرى, إذ لا تقل النظرية والتطبيقية التي يجدها هؤلاء الباحثين. قد ظهر مفهوم الثقافات الفرعية لأول مرة في مجال العلوم الاجتماعية خلال البحث الذي أجراه فردريك تراشر بشأن عصابات مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1927, إذ يرى تراشر أن هذه الجماعات الجانحة لها تقاليدها وقيمها من خلال تأثير البيئة التي تنشأ فيها أفراد واعضاء تلك العصابات والتي جعلتهم أفراداً منعزلين بل منفصلين عن الوسط الاجتماعي السوي، ثم اتجه علماء الاجتماع بعد ذلك نحو دراسة فكرة الثقافة الفرعية وتطويرها, إذ ظهرت في عام 1929, لدى كل من سزر لاند وهرلينجشيد وذلك من خلال مناقشتهما لفكرة اتساق السلوك التي اهتم بتوضيحها سزرلاند, وفكرة الأنماط العامة للسلوك بين الجماعات الاجتماعية الخاصة, التي اهتم هولينجشيد بتحليلها(38).
6- الجماعة الاثنية (the concept of Ethnic Group)
يعرف موريس (Morris) الجماعة الاثنية Ethnic Group بأنها فئة متمايزة من السكان تعيش في مجتمع أكبر لها ثقافتها المتمايزة، تشعر بذاتها وترتبط معاً أما بروابط سلالية أو ثقافية أو قومية في حين يعرفها (مشير ميرنورن) بأنها مجموعة من الأفراد يعيشون في مجتمع أكبر لهم سلف مشترك (سلالة واحدة) تاريخ وذكريات مشتركة تركز على واحدة أو أكثر من العناصر الرمزية مما يجعلهم بالأهلية والجوار والتماس الفيزيقي واللغة أو اللهجات المختلفة والانتماء القبلي والديني أو أي تركيب من هذه العاصر(40).
أما بارث (Barth) فيرى أن الجماعة الأثنية هي: جماعة من السكان يمكن تحديدها في ضوء الخصائص الآتية:
-
أنها ذات وضع سلالي خاص يميزها عن غيرها.
-
اشتراكها في عناصر وصفات وأنماط حضارية.
-
أن يكون لها بناء خاص بها من وسائل الاتصال والتفاعل الداخلي بين الأعضاء وكذلك بينهم كجماعة وبين الأفراد الآخرين.
-
يتميز افراد تلك الجماعة بشخصيات ذاتية مستقلة عن طريق عضويتهم وانتمائهم لها، كما يتميزون في الوقت نفسه بعضويتهم في بعض المنظمات الأخرى داخل المجتمع الذي تعيش فيه هذه الجماعة(41)، وفي هذا الشأن يقرر غانشر بصفة أساسية, أنه لابد للتجانس الأثني بين البشر أن يشير على الدوام إلى وجود عناصر من مجتمع الأصل ومجتمع الثقافة، فأن الأثنية أو الأثنيات تمثل كيف ماكان تعريفها حقبة اجتماعية بديهية قبلية لم يكتشفها العلم إلا فيما بعد. وهذا يعني من الوجه العملية, أن العوامل الأصلية كالأصل واللغة والدين ولون البشرة والتقاليد (من الثياب إلى وصفات الطبخ أو التبعية لرقعة من الأرض, عائمة, غير محددة بموجب القانون الدولي) وقد دخلت الأثنيات, من جراء ارتباطها بموقع معين ومن ثم رسم الحدود للمجموعات الأثنية في طور تبدل دائما. ويستطيع الأعضاء أن يحددوا مشاركتهم بأنفسهم بدرجة كبيرة. ومن أجل ذلك يعد الانتساب إلى اثنية معينة شأنـًـا ذاتيًــا أو كما يعبر عن ذلك كوهين يستطيع الناس أن يتصوروا أنفسهم وقد دخلوا في طور الفروق(42).
استعمال مفهوم العرق (Race) وهو مصطلح بيولوجي – في النقاشات العامة لتوصيف جماعة من البشر, تنبني روابطهم بين بعضهم بعض على عوامل أُخرى غير العلاقات الوراثية. فمصطلحات مثل العرق الانكليزي والعرق اليهودي والعرق الافريقي والعرق الفرنسي على سبيل المثال, تبدو صحيحة هنا. إذ تنطوي هذه المصطلحات على أن اللغة مشتركة, والدين, الاقامة في البقعة الجغرافية نفسها, والمواطنة في دولة واحدة, توجد روابط عرقية. لكن البشر يطورون تشابهات وراثية بين بعضهم بعض ويكرسون الاختلافات عن الشعوب الأُخرى بغية تأسيس عرق منفصل, وذلك عندما تفصل الحواجز التي استمرت لآلاف من السنين احدى الجماعات عن الجماعات الأُخرى، لقد هاجر البشر عبر العالم لالاف السنين, ينزرعون في كل شبر في بيئاتهم الجديدة, وعندما كانت الهجرات جرى الاختلاط البيولوجي, ولم تمنع الفروق الجسدية, ولا التحريمات الدينية, والقومية, من الاتصال مع الغرباء، أي من اختلاط الأجناس, فقد موهت العوامل البيئية والاختلاط المتداخل, والحدود بين الأجناس. وتظهر مئات الدراسات أن الخصائص الجسدية التي تميز عرقـًـا من عرق آخر ليس لها معاير بيولوجية ثابتة, بل هنالك عوامل أُخرى كالمناخ, والتغذية, والأمراض, من بين عوامل عديدة يمكن ان تحدث اختلافات من جيل إلى جيل(48).
على الرغم من أن الانثروبولوجيين يشيرون إلى العرق, فهم يقصرون هذه الإشارة على نوع الاختلافات البشرية الأساسية أو إذا ما سلم المرء بأن هناك العديد من الأعراق في ضمن كل تقسيم من التقسيمات الأساسية البشرية, عندئذ يمكن نلبس الممارسات التمييزية للبيض ضد السود والسود ضد السود, قبعة النزعة العنصرية، ولكن ماذا إذا كان هنالك ثلاثة أجناس بشرية رئيسة، عندما يبدو السود والبيض والأسيويون التمييز ضد بعضهم بعض, نستطيع القول بوجود تطبيق محكم للنزعة العنصرية. أما إذا كانت الأجناس غير موجودة, فذلك يستتبع أن النزعة العرقية غير موجودة أيضـًا. من دون اتفاق واجماع بين الانثروبولوجيين والمعنيين بمسألة الاجناس, يصبح تحديد النزعة العنصرية غير دقيق. لقد تطور, وكما أسلفنا, مفهوم هذه النزعة من الأنموذج النازي, متخذاً ثلاث مقدمات الأولى الإعلان أن الأغلبية من الشعب تتميز عن الأقلية الثانية. عملية عقلنة للتميز العنصري تتأسس على نظريات التفوق العرقي أما الثالثة فتبنى مقولتها على تحريم الزواج المختلط الذي يفسر الطهارة العرقية المتفوقة المزعومة. لكن هذه الملامح لاتحتاج لأن تظهر في سياسة التميز العنصري. ولم يستطع الباحثون الاتفاق على أُسس ثابتة ومحددة في تصنيفهم للأعراق البشرية، ونتيجة لذلك نجد تقسيمات عدة للسلالات البشرية بحسب الصفات التي تتخذ أساسـًاللتقسيم، على الرغم من تصنيف علماء الإنسانيات والبايولوجيات للأجناس البشرية إلى أعراق وعناصر سلالية، إلا أنهم يعتمدون علي معايير محددة في كل منحى علمي وقد ثبت أن اعتماد معيار أو حد للتفوق مثل اللون أو الجنس أو الشكل يؤدي إلى نتائج سياسية خطيرة.(49).
العرق لغة يعني كل شيء، والجمع أعراق وعروق، والرجل العريق هو الرجل الكريم ذو النسب الأصيل، وعروق الشجر تعني جذوره الممتدة في الأرض، والعرقاء من الشجر ازومة الأوسط ومنه تتشعب العروق(50).
أما اصطلاحـًا فيقصدبهذا المفهوم طائفة من الأفراد تلتقي في جملة سمات بيولوجية وسيكولوجية واجتماعية، تنحدر من أصل واحد، وتتميز بتركيب فيزيقي خاص كالشعر وشكل الرأس أو لون البشرة أو الجلد أو طول القامة.(51)
(1) د. عبد الباسط محمد حسن، أصول البحث الاجتماعي، ط3، مكتبة الأنجيلو المصرية ، القاهرة، 1971، ص 172 .
(31) د. علية حسن حسين و د. أحمد حامد، مجالات الانثروبولوجية، دار القلم للنشر والتوزيع، الكويت، 1985، ص59.