التراث الشعبي لقومية التركمان في العراق – الفصل الأول

سرمد جاسم محمد الخزرجي – أكاديمي وباحث أنثروبولوجي / من العراق
 

الفصل الأول

الإطار العام للدراسة

والمفاهيم الأساسية
The General Frome work And basic concepts of study

      

يتضمن الفصل مبحثين يتناول المبحث الأول الاطار العام للدراسة، أما المبحث الثاني فيتناول المفاهيم الأساسية للدراسة، وهي مسألة أساسية وضرورية في الدراسة، اذ وضع الأسس والأُطر النظرية اللازمة للظاهرة المراد دراستها واختبارها في الميدان.
المبحث الأول

الإطار العام للدراسة
أولاً: مشكلة الدراسة (Research problem)

        يركز موضوع الدراسة على مكون أساسي من مكونات المجتمع العراقي ألا وهو التركمان، إذ تتجه الدراسة إلى دراسة خصائصهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، ولما كان موضوع كهذا يدخل في جانب اثنوغرافي فان الدراسة يمكن أن تكون اعتبارية إضافة مهمة عن ثقافة جماعة اجتماعية لها ميزاتها الثقافية التي تعايشت حقبة طويلة من مكونات المجتمع العراقي الأخرى على وفق التعايش السلمي والاندماج الاجتماعي إذ تظهر بينهم وبين المكونات الأخرى صلة قرابة من حيث المصاهرة، لذا فإن دراسة التركمان ذات أهمية كبيرة لأنها تُعد من الدراسات الانثروغرافية والثقافية التي تتناول مسائل مهمة. بالإضافة في قضاء طوزخورماتو التابع لمحافظة صلاح الدين في العراق وفهم ارتباطهم بالأرض ولغتهم واصلهم والاندماج الاجتماعي، وبناءً على ما تقدم يمكن اثارة تساؤلات عدة أهما:
1- هل الطبيعة الايكولوجية لها دور في تحديد ثقافة قومية التركمان؟

2- هل النمط القرابي لقومية التركمان متشابه للنمط القرابي للعرب والكرد في منطقة طوزخورماتو؟
3- هل البعد الاقتصادي له تأثير واضح في ثقافة القومية التركمانية؟
4- هل هناك تشابه بين العادات والتقاليد لقومية التركمان والقوميات الأخرى في طوزخورماتو؟

ثانياً: أهمية الدراسة (Research importance)   

        نظراً لقلة الدراسات عن التركمان،  لذا من المناسب أن تتناولهم انثروبولوجيا، في محاولة لتسليط الضوء على طبيعة الأنظمة الاجتماعية وارتباطاتها ووظائفها وأثرها في السلوك الاجتماعي لأبناء قومية التركمان، وكذلك الكشف عن طبيعة الطقوس الدينية التي تمارسها تلك القومية. وتركز أهمية الدراسة على تكوين معرفة نظرية عن مجتمع التركمان وهذا الهدف يتفق مع هدف عام للانثروبولوجية في بلورة معرفة نظرية عن ظواهر المجتمع العراقي في الوقت الحاضر، كما أن أهمية الدراسة تنطلق أيضا في سعيها إلى اختبار صحة الجانب النظري في الميدان من أجل بلورة لمعرفة تطبيقية عن مكون له تاريخ وثقافة عريقة في المجتمع العراقي. فإن أهمية البحث تأخذ جانبين ..

1- أهمية علمية: أن هذه الدراسة قد تخدم الناحية العلمية أو الأكاديمية وتعرف المثقفين عامة والباحث الانثروبولوجي خاصة بطبيعة الأنساق الاجتماعية وطبيعة البناء الاجتماعي كجزء من المجتمع العراقي وهذا قد يحفز الآخرين على القيام بدراسات أُخرى.

2- أهمية وطنية: أن لهذه الدراسة أهمية وطنية تتمثل في إمكانية مساهمتها في تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية التي تعتمد مشاريع التنمية في نجاحها وفعالياتها إلى حد كبير على الدراسات العلمية لطبيعة وخصائص النظم والأنساق التي تتألف منها البناء الاجتماعي وبذلك أنها سوف تساعد المخططين على رسم الخطوط الايجابية للتنمية وتمكنهم من تقليل الأخطاء ، علما أن التجربة الحديثة قد دللت على أن الدراسات الانثروبولوجية والاجتماعية شخصت الكثير من المشكلات في المجتمعات المستحدثة.

ثالثاً: هدف الدراسة(Research objectives)      

        وصف وفهم الخصائص الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لمجتمع التركمان في طوزخورماتو.
المبحث الثاني

مفاهيم الدراسة

يعد تحديد المفاهيم والمصطلحات العلمية(Scintific concept of terms) أمراً ضرورياً في البحث العلمي، فكلما أتسم هذا التحديد بالدقة والوضوح، سهل على القراء الذين يتابعون البحث ادراك المعاني والأفكار التي يريد الباحث التعبير عنها من دون أن يختلفوا في فهم ما يقال(1) وفي ذلك يشير روبرت ميرتون إلى العلاقة بين انتقاء المفاهيم ودقة تحديدها وتأثير ذلك في توجيه الباحث الاجتماعي بشكل منهجي.(2) فالمفاهيم والمصطلحات هي المحددات للفكرة المدروسة وتمثل صفات الأشياء عموماً، وتتغير المفاهيم على وفق التغيرات التي تطرأ على المجتمع(3) فالمفاهيم ببساطة هي أدوات  تنجز وظيفة الاختزال بشكل مفيد في البحث العلمي، ومن هذه المفاهيم:-

1- البناء الاجتماعي Social Structure
2- التغير الاجتماعي Social change
3- التغير الثقافي Social cultural
4- التحضر Urbanization
5- الثقافة و الثقافة الفرعية  Sub culture
6- الجماعات الاثنية Ethnic Group

 1. البناء الاجتماعي The Concept Social Structure

       يكتنف موضوع البناء الاجتماعي كثير من الغموض والابهام، فقد ورد بأشكال مختلفة لدى العديد من العلماء، ومع هذا فإن أغلبهم لم يجد تعريفاً كاملاً له. ومن ثمّ زاد الاهتمام بمفهوم البناء الاجتماعي عند الانثروبولوجيين. وعلى الرغم من اتفاق أغلب الباحثين على دراسة العلاقات الاجتماعية، فقد أختلف المفهوم وتعريفهم للبناء الاجتماعي طبقاً لخبرتهم الحقلية. ولقد قامت دراسة حقلية عدة لدراسة البناء الاجتماعي وأشهر هذه الدراسات المدرسة الوظيفية الانثروبولوجية التي تتميز بالمعايشة الميدانية للدراسة ولهذه الدراسات أهمية في تحديد البناء الاجتماعي وتعريفه (4).
   ويعرف الباحث كيسنج Kessing، البناء الاجتماعي هو النظم الاجتماعية التي عن طريقها تصل مجموعة من السكان إلى حالة التكامل والترابط وهي الحالة اللازمة لتكوين المجتمع، ولكن الانثروبولوجست ايفانز بريتشارد يرفض التعريف السابق ويرى البناء الاجتماعي هو الجماعات الاجتماعية المستمرة في الوجود لوقت كافٍ بحيث تستطيع الاحتفاظ بكيانها بوصفها جماعات على الرغم من التغيرات التي تحدث للأفراد الذين يكونون تلك الجماعات(5).

   البناء الاجتماعي: مصطلح يطلق بشكل عام غير دقيق على أي نمط متكرر من السلوك الاجتماعي، أو بشكل أكثر تحديداً على العلاقات التفاعل المنظم بين مختلف عناصر النسق الاجتماعي أو المجتمع وهكذا يقال، على سبيل المثال، أن النظم القرابية، والدينية، والاقتصادية، والسياسية وغيرها من النظم الموجودة في مجتمع معين تمثل البناء الاجتماعي لذلك المجتمع، بما يحويه من المعايير، والقيم، والأدوار الاجتماعية، ومع ذلك فليس هناك معنى عام متفق عليه من الجميع لمفهوم البناء الاجتماعي، وقد أخفقت المحاولات التي بذلت لصياغة تعريف محكم ومحدد للبناء، ومن هذا مثلا ما توصل إليه ريموند فيرث من الحقيقة البديهية التي تقرر أن البناء عبارة عن أداة تحليلية تستهدف معاونتنا في فهم كيفية سلوك الناس في حياتهم الاجتماعية. وجوهر هذا المفهوم تلك العلاقات الاجتماعية التي تبدو ذات أهمية حاسمة لسلوك أفراد المجتمع (6).
 

2- التغير الاجتماعي((the concept of social change

يتعرض أي نظام اجتماعي للتغير بشكل أو آخر في جميع الأزمنة فأعضاؤه مثلاً ينمون ويتقدمون سناً وخلال عمليات النمو هذه تتعرض أجسامهم إلى التحول الفسيولوجي كما تتغير نوعيه وطبيعة الأدوار الاجتماعية التي يشغلونها في جميع عمليات تفاعلهم الاجتماعي. والنظام الاجتماعي هو نظام فرعي تابع لنظام حضاري كبير وشامل تتعرض فيه قدرات وقابليات أعضائه للتبديل والتغيير وهذا من دون شك يؤثر في طبيعة المرحلة الاجتماعية التي يمر بها المجتمع فيعمل على تغيرها وتبدلها بمرور الزمن. الآن التغير الاجتماعي هو تغير في تركيب النظام الاجتماعي أي تغير يمس الأسس والوظائف الاجتماعية التي تقوم بها أجهزة المجتمع الأساسية عندما ترمي إلى تحقيق أهداف المجتمع أو تحقيق الشروط التي تساعد على الاستمرار والازدهار(7).

 ولابد أن نشير إلى أن التغيير في العناصر الفكرية والمعنوية في المجتمع ليس بالأمر السهل فهو يتطلب مدة زمنية أطول للتغيير يعكس التغير في العناصر المادية أو ما يسميه (اوجبرن) الفجوة الثقافية عند حدوث عملية التغير الاجتماعي، فهو  يرى أن العناصر المادية للثقافة أسرع في تغيرها من العناصر المعنوية للثقافية ويمثل ( اوجيرن ) موقف الذين يرون أن الثقافة المادية أو التكنولوجيا هي السبب الأول في كل التغيرات الاجتماعية على الرغم من اعترافه بأثر العوامل الأُخرى وتفاعلها وتساندها(8).

كما يُعرف كينز برج التغير الاجتماعي أنه (التغير في البناء أو التراكيب الاجتماعية من حيث صغر المجتمع وتركيب القوة والتوازن بين أنواع النظم الاجتماعية وكذلك التغيرات في المعتقدات والمواقف اللغوية والفنية)(9).

ويرجع راوجست كونت (التغير الاجتماعي إلى التغير الذي حصل نتيجة التطور أو التغير العقلي الناتج من خلال التحول في الفكر الإنساني أو ما يسميه قانون المراحل الثلاث (the law of three stage ) وهي المرحلة اللاهوتية التي يفسر فيها العقل والظواهر عن طريق ارجاعها إلى قوى وكائنات غير منظورة والتي لها خصائص الإنسان, والمرحلة الثانية هي الميتافيزيقية (metaphysical) وهي التي يفسر فيها العقل الظواهر عن طريق القوى المجردة مثل الطبيعة أما المرحلة الثالثة فهي المرحلة الوضعية (positive)، وهي المرحلة التي يقنع فيها الإنسان بملاحظة الظواهر واستخلاص الروابط التي توجد بين بعضها سواءً أكانت في وقت معين أم مع مرور زمن طويل أو قصير من الوقت(10).

التغير هو ظاهرة طبيعية تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة بالاجمال, وقديمـًا قال الفيلسوف اليوناني هيرقليطس (التغير قانون الوجود والاستقرار موت وعدم) ويمكن تعريف التغير الاجتماعي بأنه كل تحول يحدث في النظم والأنساق والأجهزة الاجتماعية سواءً أكان في البناء أم الوظيفة في مدة زمنية محددة (11). وهنالك رأي يشير إليه (كينزلي ديفز) إذ يرى أن التغير الاجتماعي هو التحول الذي يقع في التنظيم الاجتماعي، سواءً في تركيبة وبنيانه أو في وظائفه(12).
إذن يقصد بالتغير الاجتماعي: أنواع التطورات التي تحدث تأثيراً في النظام الاجتماعي أي التي تؤثر في بناء المجتمع ووظائفه خلال مدة زمنية معينة والتغير الاجتماعي على هذا النحو ينصب على كل تغير يقع في التركيب السكاني للمجتمع أو في بنائه الطبقي أو نظمه الاجتماعية أو في أنماط العلاقات الاجتماعية أو في القيم والمعايير التي تؤثر في سلوك الأفراد و مكانتهم وأدوارهم في مختلف التنظيمات الاجتماعية التي ينتمون إليها (13). وعليه.. فأن المجتمع حينما يتغير من شكل إلى اخر أنما في جانبين هما مادي ولامادي, أي يمس الجانب الايكلوجي والطبيعي والاقتصادي والمهني والعمل ووسائل الانتاج وطبيعة الموارد البشرية التي تزج في عمليات الانتاج, والمجتمع أيضاً يتغير بجانبه اللامادي أي في القيم والمعتقدات والتقاليد والقوانين والضبط الاجتماعي وغيرها(14). كما فسر عالم الاجتماع الانكليزي (هربرت سبنسر) عملية التغير الاجتماعي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر من قبل الذي يرى أن  المجتمع يتطور ويتحول من الشكل البسيط في تركيبة بنائه ووظائفه إلى مجتمع معقد ومركب(15).

التغير الاجتماعي: مصطلح شديد الفراق في معناها (Social change) من مصطلح غير الحضاري, كثيراً ما تستعمل صفة الاجتماعي, بمعنى حضاري, فيتطابق معنى المصطلحين، ويعني ( التغير الاجتماعي بعامة التبدلات الهامة في العلائق, والتنظيم, والقيم, والمعايير, والعادات الاجتماعية الثابتة نسبيـًا, والتي تكون البناء الاجتماعي, نتيجة المؤثرات وعوامل حضارية, واقتصادية, سياسية, يتفاعل بعضها مع بعض)(16).

إذن اغلب التعريفات التي تناولت مفهوم التغير الاجتماعي جاءت على وفق منظور تطوري, وعليه (التغير الاجتماعي يقصد به أنواع التطورات التي تحدث تأثيراً في النظام الاجتماعي والتي تؤثر في بناء المجتمع ووظائفه)(17).
(ماكس فيبرmax weber)  أرجع سبب التغير الاجتماعي إلى العامل الديني بوصفه المحرك الأساسي للتغيير, وذلك لأن التغيرات التي تحدث في المجتمع تفصح عن نفسها في سلوك الإنسان ومظاهر ثقافته مما يدل على أن التغير الاجتماعي ينطوي بالضرورة على تغيرات ثقافية وحضارية، وينظر(فيرتشيلد(Faircilb  للتغير أنه يعتري العمليات الاجتماعية وقد يكون التغيير تقدميـًا أو تأخريـًا ثابتـًا أو مؤقتـًا, مخططـًا أو غير مخطط, موجهـًا أو غير موجه, مفيداً أو ضاراً. أما (مالينوفسكي) فيشير للتغير منذو البداية بأنه العملية التي يتحول بها نظام المجتمع من إنموذج إلى آخر. تدل كلمة (تغير) في اللغة العربية على معنى التحول والتبدل، فتغير الشيء هو تحول وتبدل هذا الشيء بغيره, كما أنها تعني الأشياء واختلافها. ويشير مصطلح ( (change في اللغة الانكليزية أيضـًا إلى معنى الاختلاف في أي شيء يمكن ملاحظته في مدة زمنية معينة(18).

ويعرف التغير الاجتماعي بأنه التحول الذي يحدث في التنظيم الاجتماعي سواءً في تركيبة أو في بنائه أو في وظائفه (19).

 ويشير التغير الاجتماعي إلى أوضاع جديدة تطرأ على البناء الاجتماعي, والنظم والعادات وأدوات المجتمع نتيجة لتشريع أو قاعدة جديدة لضبط السلوك أو نتاجـًا لتغير أما في بناء فرعي معين أو جانب مع جوانب الوجود الاجتماعي أو البيئة الطبيعية أو الاجتماعية(20) ويوضح (روس) دور التغير في القيم ووسائل الضبط الاجتماعي في ضمن الجماعات المختلفة داخل المجتمع, فأن تغير القيم يأتي نتيجة البناء الاجتماعي ومؤسساته فضلاً عن توسع الأفق الفكري والوعي الاجتماعي نحو اتجاهات التغير لأن التغير لايسير بالسرعة نفسها وبالعمق نفسه في كل جوانب حياة المجتمع بل تتفاوت سرعته ويختلف مداه(21).

3- التغير الثقافي ((the concept of social cultural

       إنّ مفهوم التغير الثقافي أوسع حدوداً أو مدلولاً وشمولاً وأمتداداً من التغير الأجتماعي, لأن كل تغير ثقافي يتضمن بالضرورة تغيراً أجتماعياً, لذلك فليست جميع التغيرات الثقافية هي تغيرات اجتماعية(22).

إن التغير في ثقافة مايمكن أن ينشأ إما نتيجة اختراع يتم داخل مجتمع معين, أو نتيجة أتصال بين المجتمعات وما ينشأ عن هذا الأتصال من أستعارة أو انتشار عنصر ثقافي معين من مجتمع معين, أو نتيجة اتصال بين المجتمعات وما ينشأ عن هذا الاتصال من أستعارة أو أنتشار عنصر ثقافي معين من مجتمع إلى آخر(23).

     التغير الثقافي هو عبارة عن التحول الذي يتناول كل التغيرات التي تحدث في أي فرع من فروع الثقافة, بما في ذلك الفنون والعلوم والفلسفة والتكنيك, كما يشمل صور وقوانين التغير الاجتماعي نفسه. والتغير الثقافي ينتج بصورة أساسية عن الاختراع أو التجديد سواء كان اختراعاً مادياً أو اختراعاً اجتماعياً كظهور الديانات والفلسفيات والقوانين الاجتماعية(24).

     تختلف درجة التغير, ونوعيته من مجتمع لآخر, ومن ثقافة لأُخرى ومن عصر إلى آخر إذن, فالتغير الثقافي هو عملية موازنة تمسك على المجتمع كيانه, وتلائم بين تنظيماته, وتؤلف بينهما وتنسقها, والتغير الثقافي, بعد ذلك, حقيقة منطقية, وحقيقة تاريخية فهو حقيقة منطقية. لأن التغير الثقافي هو عبارة عن التحول الذي يتناول كل التغيرات التي تحدث في أي فرع من فروع الثقافة, بما في ذلك الفنون والعلوم والفلسفة والتكنيك, كما يشمل صور وقوانين التغير الاجتماعي نفسه. إن التغير الثقافي, في حقيقية الأمر, تغير إنساني, فالثقافة حين تتغير إنما تعمل  على تغير الإنسان الذي يستعملها، فموضوع التغير الثقافي هو إلى جانب أنهُ الثقافة, فهو أيضـًا الإنسان نفسه, وخير مثال على ذلك أن هنود أمريكا الشمالية في منطقة السهول الحضارية قضوا حياتهم جيلاً بعد جيل مزارعين مسالمين, يمارسون الحضارة الزراعية لقرون طوال, وما لبثوا أن رجعوا مقاتلين مغيرين, بعد أن اقتنوا الخيل, واستعملوها وادخلوها في نشاطهم فتغيرت نتيجة لذلك طريقة حياتهم وطبيعة سلوكها(25).

4- التحضر (The Concept of Urbanization)

إن ظاهرة التحضر التي يعنى بها الانثروبولوجيون هي ظاهرة اجتماعية تمتاز بحركيتها التي تحمل في مضمونها عناصر التغير الاجتماعي السريع، وإن هذه الظاهرة تكاد تكون فطرية لدى الإنسان، ويمكن عدها عملية تغيير اجتماعي بنائي ووظيفي عميق يغير المجتمع من حالة الريف إلى حالة التحضر وهذا ينعكس على النواحي الوظيفية مثل التطور الحاد الذي يتصل بالأسرة وامتدادها، والعلاقات الاجتماعية بين افرادها وتطور النظام التربوي لكي يتلاءم مع الحاجات الحضرية والصناعية(26)، وورد في قاموس الأنثروبولوجيا أن التحضر هو تحول المجتمع من حياة الريف إلى حياة المدينة وذلك بامتداد حضارة المدينة إلى الريف، بهجرة سكان الريف إلى المدن، يؤدي التحضر في حالتين إلى زيادة عدد سكان المدن وانتشار ثقافتها، ونقصان عدد سكان الريف وتبدل ثقافته. والمجتمع الحضري مجتمع يعيش أفراده في المدن(27).

التحضر عملية من عمليات التغير الاجتماعي يجرى بواسطتها انتقال أهل الريف إلى المدن واكتسابهم تدريجياً أنماط الحضر، ويحدث التكثيف الحضري إذا ما اكتسبوا أنماط الحياة الحضرية وترتبط الحضرية والتحضر ارتباطا وثيقـًا، فالحضرية ما هي إلا انتاج نهائي لعملية التحضر وعوامله والقوى الدافعة إليه، ويـُطلق مصطلح التحضر على عملية التوسع الحضري من حيث المراحل والعمليات المتسلسلة والآليات والتحولات والمشاكل المرتبطة بهذه الظاهرة(28).

5- الثقافة والثقافة الفرعية (the concept of sub culture)

قبل البدء بتعريف الثقافة الفرعية لابد من التعريف سريعاً عن الثقافة.

وفي نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان هناك شبه اتفاق عام بين العلماء على الأخذ بالتعريف الذي وضعه الانثروبولوجي البريطاني أدورد تايلر (Edward Tyler) في عام 1871 في كتابه الموسوم (الثقافة البدائية (Primitive Culture  إذ عرف الثقافة بأنها ذات الكل المركب الذي يشمل المعرفة والعقائد والفن والأخلاق والقانون والعادات وكل القدرات الأخرى التي يكتسبها الإنسان بوصفه عضواً في ذلك المجتمع(29).

وفي الانثروبولوجية الثقافية يتم تحليل الثقافة على ثلاث مستويات: أنماط السلوك المكتسبة، والعناصر الثقافية التي تمارس وضيفتها وبناء الجملة في اللغة، التي نادراً ما يعيها المتحدث بلغته الوطنية أو أنماط التفكير والادراك التي تتشكل ثقافياً(30).الثقافة هي كل ما يكسبه الإنسان عن طريق التعلم ويفعله كعضو في المجتمع الذي يعيش فيه. وتشمل كل المعرفة والمدركات العامة، والتوقعات التي يشارك فيها أفراد الجماعة والتي يتعلمها أطفالهم(31).
والثقافة عند جيرتر إلي عامة (Public) لأنها تتألف من رموز ومعانٍ وصور وايحاءات وايماءات أيضاً عامة فقد طور فكرة النظام الثقافي أو الرمزي وحررها من الأطر الجامدة من بارسونز وليفي شتراوس(32).

الثقافة لفرعية:نمط حضاري خاص بقسم أو فرع من المجتمع. أما الثقافة الفرعية فهي حضارة خاصة أو ثقافة خاصة داخل الحضارة العامة أو الثقافة العامة للمجتمع, لاتتعارض معها, ولكنها في الوقت نفسه تمتاز بصفات وسمات تميزها في بعض الوجوه عنها. فالمراهقون مثلاً, حضاراتهم الفرعية تتمثل بطرائق حياتهم الخاصة, ومعاييرهم الخلقية, وقيمهم الاجتماعية. والأمر نفسه بالنسبة للأقليات(33).

على الرغم من أن لكل مجتمع بشري ثقافته الخاصة المتميزة التي تختلف في مجموعها عن ثقافة مجتمع آخر, إلا أن ذلك لا يمنع من وجود ثقافات فرعية داخل الثقافة الكلية للمجتمع, ويعكس ذلك الشكل المركب الذي تبدو عليه الثقافات في الواقع، إذ ليس من الضروري أن تظهر السمات كافة التي تكون الثقافة بوضوح في كل قطاعات المجتمع، لكننا نجدها موجودة في جزء من المجتمع من دون الاجزاء الأُخرى. إلا أن الذي يعطي الثقافة طابعها المميز ومقوماتها هو أشتراك أفراد المجتمع الواحد كافة في مجموعة من السمات الثقافية التي تعد رئيسة, تسود المجتمع كله, يطلق عليها العموميات (UNIVERSAL) أو العموميات الثقافية, التي تتمثل بوحدة المشاعر والمعتقدات الدينية واللغة, ولكن ذلك لا يمنع من وجود خصوصيات (Specialties) تحمل ملامح التمايز والتغاير داخل المجتمعات, وذلك في اطار ثقافي واحد, من دون أن تؤدي هذه الخصوصيات إلى فقدان التجانس العام للمجتمع، ولقد أطلق الانثروبولوجيون على وجود هذه الخصوصيات _ أو على وجود بعض الخصوصيات في سمات ثقافية معينة داخل المجتمع. أسم الثقافات العربية ( Subcultures) وتبدو ملامح هذه الثقافات الفرعية في بعض المجتمعات بشكل ظاهر وواضح, في على سبيل المثال نجد المجتمع المصري الذي يضم ثقافة واحدة ذات سمات عامة ومشتركة, كما نجده يضم أيضـًا بعض الثقافات الفرعية(34).

ولهذا فأن الثقافة الفرعية هي نمط من المعيشة يختلف عن الثقافة الكلية, أو بمعنى آخر هي نمط من السلوك تتميز به الجماعات الخاصة التي تعيش داخل المجتمع الأكبر, وقد يختلف سلوك أفراد تلك الجماعات عن سلوك أفراد المجتمع الكلي, ولكن في الوقت نفسه تتضمن ثقافتهم الفرعية عناصر تشترك فيها مع الثقافة الكلية, كما تحتفظ لنفسها بعناصر أُخرى تميزها عن غيرها من الثقافات. وقد وحددها هاجور بدنجHugof. Reading  كما ورد في (قاموس العلوم الاجتماعية) من خلال المعاني الآتية:

1- إن الثقافة الفرعية في تلك السمات الثقافية التي تتميز بها الجماعة الأصلية ويطلق عليها الثقافة الجماعية.

2- إن الثقافة الفرعية هي الخصائص الثقافية أو السلوكية الشائعة في مجتمع معين.

3- إن الثقافة الفرعية هي الثقافة التي يتميز بها نمط معين من المجتمعات الفرعية(35).

         لا يوجد وجه شبه بين الزنوج والمكسيكيين إلا أنهما يتفقان في انتمائهما إلى ثقافة فرعية، إلا أن الزنجي من الناحية التقليدية كان دائماً أقرب من المكسيكي إلى الحياة من حوله وتعكس ثقافته بمزيد من الوضوح القيم الأمريكية السائدة, أما المكسيكي فيميل إلى عزل نفسه جانباً. وفيما يخص التفرقة فأننا نجد أن الزنجي قد يعارضها بينما ينسحب المكسيكي ويغطي تراجعه غالباً بالأدب ودماثة الخلق, ويميل المكسيكي إلى عدم حضور المؤتمرات المدرسية واجتماعات مجالس الآباء والمعلمين فاذا طلبت منه المدرسة التعاون في مراعاة مواظبة ابنه أو التنبيه على ابنته لأداء واجباتها المنزلية فأنه يرد بأنه ينوي عمل ذلك. إن أسلوب تجنب الصراع هو الأدب والتسويق، وقد كتبت روث لانديز تقول أن الثقافة المكسيكية أكثر تسلطية من الثقافة الزنجية, ويختلف الطفل المكسيكي عن أغلب الأطفال الأمريكيين الآخرين من بيض أو زنوج إذ يتوقع منه انتظار التوجيه من البالغين, وغالباً ما يكون من الآباء أو الكبار الأقارب وذلك من دون السماح لهم بممارسة المبادأة الفردية. وتقول لانديز إذا أريد منهم أن يتصرفوا بمبادأة في المدرسة فأنه يتحتم أن يتعلموا كيف يتخلصون من عاداتهم التقليدية ألا وهي الانصياع للآخرين. ويتحتم على مدرسيهم أيضاً معاملتهم بمزيد من الحزم أكثر ما يفعلون بقية الأطفال الأمريكيين(36).

       وينبغي إدراك أن الشكل المثالي للتجانس الثقافي- إن صح التعبير- ينعكس في وجود العموميات الثقافية بشكل يفوق الخصوصيات, فكلما زادت الثقافات الفرعية وجماعات الأقلية بالمجتمع, فأن ذلك قد يقلل من تماسكه, وتظهر هذه المشكلة بوضوح عند التخطيط للتغيير بالمجتمع إذ يتطلب ذلك جهداً كبيراً لدفع هذه الجماعات الفرعية وانخراطها في فلك المجتمع الكبير، وقد يتطلب ذلك اعداد مجموعة من البرامج المنفصلة التي تلائم كل الثقافات الفرعية(37).

          يحظى مفهوم الثقافات الفرعية الآن بأهتمام متزايد من جانب الباحثين في الأنثروبولوجيا الثقافية والعلوم الاجتماعية الأُخرى, إذ لا تقل النظرية والتطبيقية التي يجدها هؤلاء الباحثين. قد ظهر مفهوم الثقافات الفرعية لأول مرة في مجال العلوم الاجتماعية خلال البحث الذي أجراه فردريك تراشر بشأن عصابات مدينة شيكاغو الأمريكية عام 1927, إذ يرى تراشر أن هذه الجماعات الجانحة لها تقاليدها وقيمها من خلال تأثير البيئة التي تنشأ فيها أفراد واعضاء تلك العصابات والتي جعلتهم أفراداً منعزلين بل منفصلين عن الوسط الاجتماعي السوي، ثم اتجه علماء الاجتماع بعد ذلك نحو دراسة فكرة الثقافة الفرعية وتطويرها, إذ ظهرت في عام 1929, لدى كل من سزر لاند وهرلينجشيد  وذلك من خلال مناقشتهما لفكرة اتساق السلوك التي اهتم بتوضيحها سزرلاند, وفكرة الأنماط العامة للسلوك بين الجماعات الاجتماعية الخاصة, التي اهتم هولينجشيد بتحليلها(38).

6- الجماعة الاثنية (the concept of Ethnic Group)

يقول ماكس فيبر(أن الجماعة الأثنية اسم جامع لا حاجة ماسة إليه البتة من أجل كل بحث دقيق في المعنى الفعلي للكلمة) وعلى الرغم من أن هذا المفهوم لا يبدو لتعبير وحدة موضوع شبهة وهشاً, فقد تحول من حيث كونه اسماً,  إلى جزء مركزي من جدل سياسي. وعلى هذا فلابد أن يكون قد جعل, على نحو ما, مما تمس الحاجة إليهِ وهذا أيضاَ لابد أن يكون من الممكن تميز مفهوم الأثنية عن المقولات الأُخرى, مثلما يمكن تمييز طائفة أو رتبة حرفة عن الدين أو اللغة بالمعنى الاقتصادي(39).

يعرف موريس (Morris) الجماعة الاثنية Ethnic Group  بأنها فئة متمايزة من السكان تعيش في مجتمع أكبر لها ثقافتها المتمايزة، تشعر بذاتها وترتبط معاً أما بروابط سلالية أو ثقافية أو قومية في حين يعرفها (مشير ميرنورن) بأنها مجموعة من الأفراد يعيشون في مجتمع أكبر لهم سلف مشترك (سلالة واحدة) تاريخ وذكريات مشتركة تركز على واحدة أو أكثر من العناصر الرمزية مما يجعلهم بالأهلية والجوار والتماس الفيزيقي واللغة أو اللهجات المختلفة والانتماء القبلي والديني أو أي تركيب من هذه العاصر(40).

أما بارث (Barth) فيرى أن الجماعة الأثنية هي: جماعة من السكان يمكن تحديدها في ضوء الخصائص الآتية:

  1.  أنها ذات وضع سلالي خاص يميزها عن غيرها.
  2. اشتراكها في عناصر وصفات وأنماط حضارية.
  3. أن يكون لها بناء خاص بها من وسائل الاتصال والتفاعل الداخلي بين الأعضاء وكذلك بينهم كجماعة وبين الأفراد الآخرين.
  4. يتميز افراد تلك الجماعة بشخصيات ذاتية مستقلة عن طريق عضويتهم وانتمائهم لها، كما يتميزون في الوقت نفسه بعضويتهم في بعض المنظمات الأخرى داخل المجتمع الذي تعيش فيه هذه الجماعة(41)، وفي هذا الشأن يقرر غانشر بصفة أساسية, أنه لابد للتجانس الأثني بين البشر أن يشير على الدوام إلى وجود عناصر من مجتمع الأصل ومجتمع الثقافة، فأن الأثنية أو الأثنيات تمثل كيف ماكان تعريفها حقبة اجتماعية بديهية قبلية لم يكتشفها العلم إلا فيما بعد. وهذا يعني من الوجه العملية, أن العوامل الأصلية كالأصل واللغة والدين ولون البشرة والتقاليد (من الثياب إلى وصفات الطبخ أو التبعية لرقعة من الأرض, عائمة, غير محددة بموجب القانون الدولي) وقد دخلت الأثنيات, من جراء ارتباطها بموقع معين ومن ثم رسم الحدود للمجموعات الأثنية في طور تبدل دائما. ويستطيع الأعضاء أن يحددوا مشاركتهم بأنفسهم بدرجة كبيرة. ومن أجل ذلك يعد الانتساب إلى اثنية معينة شأنـًـا ذاتيًــا أو كما يعبر عن ذلك كوهين يستطيع الناس أن يتصوروا أنفسهم وقد دخلوا في طور الفروق(42).
      النخب والنخب المقادة داخل المجموعات الاثنية تختار جوانب من ثقافة الجماعة وتربط بها قيمة جديدة ومعنى جديد، وتستعملها رموزاً للتعبئة الجماعية، والدفاع عن مصالحها والتنافس مع الجماعات الأُخرى. فأن تعدد الجوانب المتعلقة بالأصل والأساس، التي تشكل اثنية سوف يدل يخدم التعبئة الأسياسية. وإلى هذا التسوية والخلط بين التقاليد أشار رائد المفكرين في التاريخ الاجتماعي هانز اوليش قيهلر في نقده لنظرية التحديث. والآن ننجم الاسئلة الآتية: ما زال الناس, على وجه الاطلاق يريدون أن يتحدثوا عن التقاليد والقبائل, إلخ.. بالمعنى المتعدد الجوانب والمتعلق بالأصل والأساس(43).
   الأثينية( (Ethnic Groupمصطلح يدل على الأفراد الذين يعدون انفسهم، او يعدهم الآخرون، مشتركين في بعض الصفات والخصائص التي تميزه عن التجمعات الأُخرى في مجتمع يستطيعون في اطاره تطوير سلوكهم الثقافي الخاص أثنية وقد جرت صياغة مصطلح الأثنية تمييزاً له عن مصطلح العنصر(أو العرق)،مكونين جماعة لأنه على الرغم من احتمال هوية الجماعة الأثنية على أساس السمات والخصائص العنصرية فأن اعضاء الجماعة الأثينية يشتركون فضلاً عن ذلك في بعض الخصائص الثقافية الأُخرى كالدين، والمهنة، واللغة، أو حتى الممارسة السياسية. كما ينبغي تمييز الجماعات السلالية عن الطبقات الأجتماعية، على أساس أن عضوية الجماعة السلالية قد تتقاطع مع التدرج الأقتصادي الأجتماعي داخل المجتمع، إذ تستوعب مثل هذه الجماعات الأفراد الذين يشتركون (ويعتقدون أنهم يشتركون ) في بعض الخصائص. فاليهود مثلاً يشكلون في الولايات المتحدة جماعة أثينية طرازية، إذ تضم بداخلهم أفراداً ينتمون إلى أصول عرقية (عنصرية) مختلفة (بدءاً من شرق أوروبا ) وحتى (شمال افريقيا)، كما أنهم ينتمون إلى جماعات اجتماعية متباينة، ويتكلمون لغات متعددة، ويؤمنون بمعتقدات سياسية متنوعة، وانتماءات دينية مختلفة (بدءاً من المتزمتين وحتى الملحدين)، ولكنهم مازالوا على الرغم من ذلك يرون أنهم ينتمون إلى هوية يهودية مشتركة تميزهم عن غيرهم، ولا نضعهم بالضرورة في موضوع مناوئ للمجتمع الأمريكي الأوسع . من هنا تتسم الجماعات الأثينية بالسيولة في تركيبها، وتعرضها لتغيرات التعريف . ويشهد كل يوم تكون جماعات أثينية جديدة باستمرار، طالما استمرت هجرات السكان بين الدول، فالهنود في بريطانيا، على سبيل المثال، يشكلون جماعة أثنية واحدة على الرغم من أنهم بوصفهم أفراد في الهند نفسها يمكن أن يعودوا أعضاء في جماعات مختلفة تمامـًا، تبعـــًا للطائفة التي ينتمون إليها واللغة التي يتحدثون بها. مع ذلك فإن لمفهوم الأثينية أهمية خاصة عندما يشكل أساسـًا لعملية التمييز الاجتماعي ( كما هو الحال، على سبيل المثال، فيما يخص حالة اليهود في ألمانيا النازية)، أو منطلقـًا للحركات الانفصالية الداعية إلى الاستقلال (كما هو الحال في الاتحاد السوفييتي )(44).
     إن من تنازعة نفسه إلى هنا فهو يواجه مشكلات على الأقل إذ يستعمل كلمة (أثينة)، ومثال ذلك أن (فانديس) يعد هذا المفهوم غير علمي ويقول أن استعماله ما عاد مبرراً لأنه يكشف عن تعقيد الظاهرة, وليس له بديل. وعلى نحو مماثل تراه ثابار, فعندها أن مفهوم القبيلة بمعنى أنه الأثينة تسببه بقوة اللغة, وبات يفسر تفسيراً فضفاضـًا إلى حد مفرط, وأنه يستعمل على أنه تعبير عن وحدات مختلفة, اجتماعية واقتصادية, وحتى بيولوجية وعرقية, وتقترح بديلا ًله: إذ ينبغي للمرء أن ينطلق من منطلق المبدأ الضيق الدال على خط اصرة القرابي((lineage الذي يدخل فيه,إلى جانب الأصل أيضـًا، الوضع الاقتصادي والموارد الاقتصادية، الأثينة: هي مجموعة كبرى أو طبقة (راتر) من البشر يمكن النظر إلى أصلهم في ارتباطهم بقيمتهم الاجتماعية على أنه مشترك وتعد العادات والتقاليد واللغة والدين إلخ.. من مقالات الهوية المشتركة الاضافية. أما السمات المشتركة الأصلية الأساسية فهي منتشرة ومتوفرة في صياغات متباينة. وليس من الضروري أن تظهر كلها في وقت واحد. وأما الحدود عند الهوامش الخارجية للأثنيات فمائعة متقلبة تبعـًا لغرض معين, والتقاطعات وأشكال التوافق ممكنة وكل أثنية تعد فريدة فيها يحتضنها من تاريخ الأحداث. والأثنيات تتعارض مع مفهوم الدولة والقومية الأثنية. الدين + س = الأثنية أو يمكن أن تتمثل السين: بالغة, وبالتاريخ, وبالرموز, وبالعادات والتقاليد إلخ.. فهذه السمات المميزة الثانوية اضيفت جميعاً في ما بعد مستمدة مما يبدعه الفكر والخيال, وزيد في تأكيدها, أو ركبت تركيبـًا, لزيادة حدة الدين الذي يمثل السمة المميزة الأولية (مركز الأثنية) بحكم كونه وسيلة للنقاد في مواجهة المنافسة, والأثنية ومفهوم لرسم الحدود الفاصلة يرتبط بالموقع أو الوضع, ويمكن أن ينفصل عما يحتضنه من تاريخ الأحداث. أما الهوامش الخارجية للأثنيات فغير نافذة تبعـًا للميول(45).
أما أ. سميث فيورد تعريف المجتمع الأثني أو الأثنية بأنها سكان بشريون يحملون اسمـًا معينـًا, ويقال أنهم ينحدرون من أصل واحد من الأجداد ولهم ذكريات مشتركة, وينطوون على عناصر من الثقافة العامة, مع ارتباط بأرض بعينها, بوجه خاص, ومقياس للتضامن(46).
      
          استعمل مفهوم الجماعة الأثنية لأول مرة في عام 1909, وصار أحد أكثر المفاهيم تردد مضمونه بين التعبير عن جماعة فرعية أو أقلية, والتعبير عن جماعة أساسية أو أمة أو الجمع بين المعنيين على أساس أن من الشعوب من يملك كل خصائص الأمة، ومقوماته أو أن لم تكن له، دولته المستقلة فالجماعات الفرعية الايرلندية واليونانية والايطالية في المجتمع الأمريكي على سبيل المثال ليست في حقيقتها إلا امماًً بذاتها. لذلك فإن مفهوم الجماعات الأثنية لم يقدر لها الذيوع المرجو, لاسيما مع التضارب في تحديد نطاقه الذي قد يتسع لكل أشكال التمايز لتعبر بذلك الجماعة الأثنية عن خط متواصل يبدأ بالقبيلة وينتهي بالأمة, كما أنه قد يضيق ليقتصر على التمايز العرقي دون سواه، هنا قد يقع نوع من الفصل التعسفي بين مفهوم الجماعة العرقية

(Ethnic Group) بمعنى تلك الجماعة التي تتميز بمجموعة من التقاليد الثقافية والاجتماعية الخاصة بها, ومفهوم الجماعة العنصرية (Rthial Group) بمعنى تلك الجماعة التي تتمتع بمجموعة من الخصائص البيولوجية, وذلك على الرغم من أنه في صحيح اللغة العربية ليس ثم فارق يذكر بين مفهومي العرق والعنصر فكلاهما يشير إلى الأصل فضلا عن أنه في ظل امتزاج الدماء واختلاط العروق يصعب الحديث عن جماعة عرقية نقية. تُعد الجماعة العرقية ودراستها في رأي الكثير من الباحثين والعلماء الانثروبولوجيين. ويرى بارث أن الجماعة العرقية هي جماعة من السكان يمكن تحديدها في ضوء الخصائص الآتية :

1. تتحدد الجماعة العرقية بأنها ذات وضع سلالي خاص يميزها عن غيرها من الجماعات الأُخرى.

2. تتحد الجماعة العرقية من خلال اشتراكها في محتوي ومضمون النماذج الثقافية التي تحدد وحدة الجماعة من خلال نظرتها الادراكية لهذا المحتوي الثقافي المتميز.

3. أن يكون لتلك الجماعة العرقية بناء خاص من وسائل الاتصال والتفاعل الداخلي بين الأعضاء.

4. يتميز أفراد تلك الجماعة بشخصيات ذاتية مستقلة من خلال عضويتها وانتمائهم لها, كما يتميزون في الوقت نفسه بعضويهتم لبعض الاجتماعات والمنظمات الأُخرى داخل المجتمع الكبير(47).
استعمال مفهوم العرق (Race) وهو مصطلح بيولوجي – في النقاشات العامة لتوصيف جماعة من البشر, تنبني روابطهم بين بعضهم بعض على عوامل أُخرى غير العلاقات الوراثية. فمصطلحات مثل العرق الانكليزي والعرق اليهودي والعرق الافريقي والعرق الفرنسي على سبيل المثال, تبدو صحيحة هنا. إذ تنطوي هذه المصطلحات على أن اللغة مشتركة, والدين, الاقامة في البقعة الجغرافية نفسها, والمواطنة في دولة واحدة, توجد روابط عرقية. لكن البشر يطورون تشابهات وراثية بين بعضهم بعض ويكرسون الاختلافات عن الشعوب الأُخرى بغية تأسيس عرق منفصل, وذلك عندما تفصل الحواجز التي استمرت لآلاف من السنين احدى الجماعات عن الجماعات الأُخرى،  لقد هاجر البشر عبر العالم لالاف السنين, ينزرعون في كل شبر في بيئاتهم الجديدة, وعندما كانت الهجرات جرى الاختلاط البيولوجي, ولم تمنع الفروق الجسدية, ولا التحريمات الدينية, والقومية, من الاتصال مع الغرباء، أي من اختلاط الأجناس, فقد موهت العوامل البيئية والاختلاط المتداخل, والحدود بين الأجناس. وتظهر مئات الدراسات أن الخصائص الجسدية التي تميز عرقـًـا من عرق آخر ليس لها معاير بيولوجية ثابتة, بل هنالك عوامل أُخرى كالمناخ, والتغذية, والأمراض, من بين عوامل عديدة يمكن ان تحدث اختلافات من جيل إلى جيل(48).
   
          على الرغم من أن الانثروبولوجيين يشيرون إلى العرق, فهم يقصرون هذه الإشارة على نوع الاختلافات البشرية الأساسية  أو إذا ما سلم المرء بأن هناك العديد من الأعراق في ضمن كل تقسيم من التقسيمات الأساسية البشرية, عندئذ يمكن نلبس الممارسات التمييزية للبيض ضد السود والسود ضد السود, قبعة النزعة العنصرية، ولكن ماذا إذا كان هنالك ثلاثة أجناس بشرية رئيسة، عندما يبدو السود والبيض والأسيويون التمييز ضد بعضهم بعض, نستطيع القول بوجود تطبيق محكم للنزعة العنصرية. أما إذا كانت الأجناس غير موجودة, فذلك يستتبع أن النزعة العرقية غير موجودة أيضـًا. من دون اتفاق واجماع بين الانثروبولوجيين والمعنيين بمسألة الاجناس, يصبح تحديد النزعة العنصرية غير دقيق. لقد تطور, وكما أسلفنا, مفهوم هذه النزعة من الأنموذج النازي, متخذاً ثلاث مقدمات الأولى الإعلان أن الأغلبية من الشعب تتميز عن الأقلية الثانية. عملية عقلنة للتميز العنصري تتأسس على نظريات التفوق العرقي أما الثالثة فتبنى مقولتها على تحريم الزواج المختلط الذي يفسر الطهارة العرقية المتفوقة المزعومة. لكن هذه الملامح لاتحتاج لأن تظهر في سياسة التميز العنصري. ولم يستطع الباحثون الاتفاق على أُسس ثابتة ومحددة في تصنيفهم للأعراق البشرية، ونتيجة لذلك نجد تقسيمات عدة للسلالات البشرية بحسب الصفات التي تتخذ أساسـًاللتقسيم، على الرغم من تصنيف علماء الإنسانيات والبايولوجيات للأجناس البشرية إلى أعراق وعناصر سلالية، إلا أنهم يعتمدون علي معايير محددة في كل منحى علمي وقد ثبت أن اعتماد معيار أو حد للتفوق مثل اللون أو الجنس أو الشكل يؤدي إلى نتائج سياسية خطيرة.(49).
   
     العرق لغة يعني كل شيء، والجمع أعراق وعروق، والرجل العريق هو الرجل الكريم ذو النسب الأصيل، وعروق الشجر تعني جذوره الممتدة في الأرض، والعرقاء من الشجر ازومة الأوسط ومنه تتشعب العروق(50).
          
أما اصطلاحـًا فيقصدبهذا المفهوم طائفة من الأفراد تلتقي في جملة سمات بيولوجية وسيكولوجية واجتماعية، تنحدر من أصل واحد، وتتميز بتركيب فيزيقي خاص كالشعر وشكل الرأس أو لون البشرة أو الجلد أو طول القامة.(51) 


(1) د. عبد الباسط محمد حسن، أصول البحث الاجتماعي، ط3، مكتبة الأنجيلو المصرية ، القاهرة، 1971، ص 172 .
(2) R.K.Merton, social theory an Social structure , u.s.a the free press. Glengo . 11 thedition , 1968, p.5.
(3) د. عبد الرزاق ماجد، مذاهب ومفاهيم في الفلسفة والاجتماع، المكتبة العصرية، بيروت، ص 77.
(4) د. أحمد أبو زيد، الانساق، ج2، الدار القومية للطباعة والنشر، القاهرة، 1967، ص308.
(5) د. وسام العثمان، المدخل الى الانثروبولوجيا، الاهالي للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، 2002، ص85.
(6) جون سكوت وجوردون مارشال، ترجمة احمد زيد وآخرين، موسوعة علم الاجتماع، المجلد الاول، المركز القومي للترجمة، القاهرة، 2011، ص284.
(7) د. عبد الله رشدان، علم أجتماع التربية، دار الشروق،1999،ص107.
(8) معجم العلوم الاجتماعية، إعداد نخبة من الاساتذة المصريين،الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1975، ص165.
(9) محمد عاطف غيث , التغير الاجتماعي والتخطيط, ط1, دار المعارف, مصر, 1962, ص14.
(10) اوسي مير, مقدمة في الأنترولوجيا الاجتماعية ترجمة د.مصطفى شاكر سليم, دائرة  الشؤون الثقافية للنشر, 1983, ص357.
(11) مصطفى الخشاب, دراسة المجتمع الانجلو – المصرية, 1977, ص188
(12) د. علاء الدين جاسم محمد البياتي, علم الاجتماع بين النظرية والتطبيق, ريد فيلد في دراسة المجتمعات المحلية وتطبيقها في دراسة انثروبولوجية اجتماعية لواحة شثاثة في البادية العراقية, 1975, ص18.
(13) أحمد زكي بدوي, معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية, مكتبة لبنان – بيروت – 1987, ص382.
(14) د. أحسان محمد الحسن, التصنيع وتغير المجتمع, دار الطليعة للطباعة والنشر, بيروت, 1981, ص24.
(15) د. ميشل وينكش: معجم العلوم الأجتماعية, ترجمة د. أحسان محمد الحسن, دار الطليعة بيروت, ط, 1981, ص190-191.
(16) د. شاكر مصطفى سليم, قاموس الانثروبولوجيا, ط1، الكويت، 1981, ص894.
(17) د. إبراهيم مدكور (مراجعة وتصدير) معجم العلوم الاجتماعية, الهيئة المصرية العامة للكتاب, 1975, ص165.
(18) د. فادية عمر الجولاني, التغير الاجتماعي, دار الاصلاح للطبع والنشر والتوزيع, المملكة العربية السعودية، الدمام، 1984, ص10-13.
(19) د.محمد عاطف غيث, قاموس علم الاجتماع, الهيئة المصرية للكتاب, 1979, ص415.
(20) د.قيس نعمة النوري, محاضرات في علم الاجتماع(التغير الاجتماعي), مطبعة النعمان, النجف 1969, ص4.
(21) زيدان عبد الباقي, علم الاجتماع الحضري والمدن العصرية, القاهرة, 1974, ص165.
(22) يوسف خضور, التغير الاجتماعي بين النظرية والتطبيق, منشورات جامعة دمشق, سوريا, 1994, ص46.
(23) د. علي ليلة ومحمد الجواهري وعلياء شكري, التفكير الاجتماعي والثقافي, ط1, دار المسيرة للنشر والتوزيع, الاردن, 2010, ص415.
(24) د. عبدالله رشدان, علم الاجتماع التربية, مصدر سابق, ص255-258.
(25) د. عبدالله رشدان علم اجتماع التربية, مصدر سابق, ص255-256.
(26) عبد الرحيم عبد المجيد، علم الاجتماع الحضاري، مكتبة الانجلو المصرية، 1975، ص24.
(27) د. شاكر مصطفى سليم ، مصدر سابق، ص1009.
(28) د. صبري فارس الهيتي، جغرافيا المدن، دار الصفا للنشر والتوزيع، عمان، ط1، ص37.
(29)Kottak, conrd phillip, culture anthropology, Michigan, eleventh edition, 2006, P63.
(30) جون سكوت وجوردون مارشال، ترجمة احمد زايد وآخرين، مصدر سابق، ص539.
(31) د. علية حسن حسين و د. أحمد حامد، مجالات الانثروبولوجية، دار القلم للنشر والتوزيع، الكويت، 1985، ص59.
(32) د. السيد حافظ الاسود، الانثروبولوجيا الرمزية، شركة جلال للطباعة، الاسكندرية،2002، ص113.
(33) د. شاكر مصطفى سليم, قاموس الانثروبولوجيا, مصدر سابق, ص929.
(34) د. علي محمد المكاوي, الانثروبولوجيا وقضايا الإنسان المعاصر, الدار الدولي للأستثمارات الثقافية, القاهرة, ط1, 2007, ص105.
(35) د. محمد عباس إبراهيم, الثقافات الفرعية, دار المعارف الجامعية, الاسكندرية, 1985, ص127-129.
(36) د. محمد منير مرسي ود. محمد عزت ويوسف ميخائيل, الاصول الثقافية للتربية كتاب مترجم, عالم الكتب, القاهرة, بدون سنة طبع, ص141-142.
(36) د. علي محمد المكاوي, الانثروبولوجيا وقضايا الإنسان المعاصر, مصر سابق, ص106.
(73) فاروق محمد إسماعيل, العلاقات الاجتماعية بين الجماعات العرقية, الهيئة المصرية العامة للكتاب, الاسكندرية, 1975, ص93.
(83) كارستن فيلاند, ترجمة محمد جديد, الدولة القومية خلافاً لادارتها تأسيس الاثنيات واثنية السياسة, المدى للثقافة والنشر، ط1، سوريا، 2007, ص32-33.
(40) د. حميد الهاشمي، عراقيون في هولندا، مؤسسة مسارات للتنمية الثقافية والاعلامية، بغداد، 2012،ص76.
(41) المصدر نفسه، ص77.
(42) كارستن فيلاند, ترجمة محمد جديد, الدولة القومية خلافاً لادارتها تأسيس الاثنيات واثنية السياسة, مصدر سابق, ص34-35.
(43) المصدر نفسه, ص36-40.
(44) جون سكوت وجوردون مارشال, ترجمة أحمد زايد وآخرين موسوعة علم الاجتماع، مصدر سابق، ص66-67.
(45) كارستن فيلاند, ترجمة محمد جديد, الدولة القومية خلافأ لاراتها وتسيس الاثنيات وأثنتة السياسية, مصدر سابق, ص41-125.
(46) المصدر نفسه, ص51.
(47) د. محمد عباس إبراهيم, الثقافات الفرعية, دار المعارف الجماعية, مصدر سابق, ص130.
(48) صخر الحاج حسين, نظرة إلى مفهوم العرق ام الاثنية, مجلد العدد الخامس عشر, 2006, ص1.
(49) د. خليل أحمد خليل، معجم المصطلحات الاجتماعية، دار الفكر اللبناني، بيروت، 1995، ص 274-275.
(50) محمد ابن مكرم بن منظور، لسان العرب، دار احياء التراث العربي، ط1،بيروت، 1999، ص160-161.
(51) د. أحمد زكي، معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية، مصدر سابق، ص344.

زر الذهاب إلى الأعلى