التعاملات النقدية في القطيف من خلال الوثائق الحكومية إبان فترة الملك عبد العزيز آل سعود وأبنيه الملك سعود والملك فيصل

 بقلم : جعفر البحراني / باحث سعودي
مقتنيات وتصوير: محمد الشافعي

كانت منطقة القطيف وما جاورها في القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين تتعامل تجاريا بالمقايضة من جانب وبمجموعة من العملات والنقود من جانب آخر ومن بين تلك العملات والنقود الروبية الهندية، التي كانت من أكثر العملات والنقود رواجا وتداولا فيما عرف قديما بإقليم البحرين أو ما يعرف حاليا بدول مجلس التعاون الخليجي، عندما كانت الهند تمثل مركزا تجارية هاما لهذه البلدان.

ورغم أن الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله ضم الأحساء والقطيف في العام 1331هـ الموافق لعام 1913م تحت حكمه إلا أن التعامل بالنقود والعملات المختلفة ظل ساريا دون تغيير في حكمه وحكم أبناؤه الملك سعود والملك فيصل رحمهما الله، بل أن الملك عبد العزيز رحمه الله قام بسك أول إصدار سعودي للنقود من فئة نصف قرش، وربع قرش من النحاس في العام 1343هـ الموافق للعام 1925م بعد أن ضم الحجاز لمملكته، إلا أنه ترك المجال مفتوحا للتعامل بالعملات المتداولة محليا كالريـال الفرنسي ووحدات النقد العثماني والهاشمي وكذلك وحدة النقد البريطاني المعروف بالبيني برونزي وغيرها من النقود التي كانت متداولة بين الناس آنذاك.

ووفقا لمتطلبات السوق قام الملك عبد العزيز رحمه الله في العام 1344هـ الموافق لعام 1926م بسك نقود من معدن الكوبر نيكل من فئة القرش الواحد، ونصف القرش وربع القرش، ومع ذلك لم يصدر مرسوما ملكيا بإلغاء التعامل بالعملات الأخرى.

لكن في العام 1346 هـ الموافق لعام 1928م قام الملك عبد العزيز بسك نقود فضية من فئة الريـال ونصف الريـال وربع الريـال، وبهذا أكمل عقد العملة السعودية من الريـال وأجزاءه والقرش وأجزاءه ثم أصدر مرسوما ملكيا تضمن العديد من المواد التي رسمت السياسة النقدية للدولة آنذاك، وكان من أهم مواد وبنود المرسوم ما يلي:

المادة الأولى:يسمى هذا النظام نظام النقد الحجازي النجدي المعبر عنه فيما يلي بالنقد العربي.

المادة الثانية:اعتباراً من غرة شعبان 1346هـ يبطل التعامل بالريالات العثمانية وأقسامها وتحل محلها الريالات العربية وأقسامها.

المادة الثالثة:الريـال العربي مساوٍ بحجمه ووزنه وعيار فضته للريـال العثماني ونصف الريـال العربي مساوٍ لنصف الريـال العثماني، وربع الريـال العربي مساوٍ لربع الريـال العثماني.

المادة الرابعة:

أولاً: الجنيه الإنجليزي هو الأساس المقياسي لأسعار العملة الفضية العربية.

ثانياً: يساوي الجنيه الذهب عشرة ريالات فضية عربية.

ثالثاً: يساوي الجنيه الذهب(110) قروش أميرية أي ( 220) قرشاً دارجاً.

رابعاً: يساوي الريـال العربي الفضي (11) قرشاً أميرياً أي (22) قرشاً دارجاً.

وبصدور هذا النظام أصبح التعامل بالريـال السعودي وأجزاءه والقروش السعودية وأجزائها ملزما، وقد تطلب ذلك إعادة سك تلك النقود مرة أخرى بجميع فئاتها ووفق مواصفاتها السابقة عدا سنة سكها والتي حملت العام 1348ه الموافق 1930م، وطرحت للتداول في السوق وفق معيار خاص لصرفها بما يقابلها من العملات والنقود الأخرى.

وعندما تمكن الملك عبدالعزيز من توحيد البلاد، وتحويلها من مملكة الحجاز ونجد وملحقاتها إلى المملكة العربية السعودية بتاريخ 29/02/1351هـ الموافق 03/09/1932م واستخدام لقب (ملك المملكة العربية السعودية) بدلاً من لقب (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها)، قام في العام 1354ه الموافق 1935م بطرح أول نقد سعودي حمل الاسم الجديد للملك والدولة معا، على الريـال الفضي الجديد وأجزائه من فئة نصف الريـال، وفئة ربع الريـال(1).

ورغم كل ذلك فقد كانت هناك جملة من الاستثناءات في استخدام العملات والنقود الأخرى المتداولة بين الناس، وهو نوع من التسامح في تلقي الواردات من العملات والنقود الموجودة في أيدي الناس، لحين نفاذها كلية من أيديهم بشكل تدريجي ومن ثم الاعتماد على النقد السعودي بشكل تام، وقد أستمر ذلك حتى عام 1356هـ الموافق 1937م، حيث كانت الروبية وأجزائها متداولة بين الناس في القطيف وبين الجهات الحكومية المختلفة.
 

وقد وجدت وثائق عديدة بينها عدد 6 وثائق صادرة من إدارة مالية المملكة النجدية وملحقاتها في القطيف وسيهات تحديدا بين عام 1347هـ وعام 1350هـ عبارة عن إيصالات زكاة مثبت فيها استلام نقود عبارة عن روبية وأجزائها (آنة)، فيما وجد طابع خدمات على أحد الإيصالات ممهور بـ”الحكومة العربية” بنصف قرش إلى جانب النقود المستلمة من الروبية وأجزائها(2).

وعلى الرغم من صدور القروش في عام 1343هـ، إلا أن ظهورها وتداولها في القطيف كان في عام 1352هـ أي بعد ما يقارب العشر سنوات من إصدارها، وذلك وفقا لما ورد في إيصال إدارة الرسوم للمملكة النجدية وملحقاتها لفرع سيهات تحديدا في عام 1352هـ حيث دون في الإيصال استلام نقود من القروش وأجزائها (باره) إلى جانب طوابع الخدمات من القروش، ممهور بـ”الحكومة العربية”.

ومع ذلك أيضا كانت الروبية وأجزائها متداولة حتى العام 1356ه، وفق ما يبينه إيصال إدارة برقيات المملكة العربية السعودية، فضلا عن سندات واردات مالية – حسب جهة الإصدار – سيهات، الأحساء، أو ما هو معنون بالحكومة العربية السعودية منذ عام 1352ه حتى العام 1355هـ.

ولم أجد في تلك الوثائق انتظام في استخدام النقد من القروش وأجزائها ومن ثم الريالات وأجزائها إلا في العام 1357ه مشمولة بطوابع الخدمات من خلال سند كوشات تحصيلات رسم المعارف في جمرك سيهات، وكذلك من خلال سند مقبوض في مقابل الرسوم الجمركية بدائرة رسوم سيهات، وأيضا سند واردات مالية الحكومة العربية السعودية وكلها صدرت في العام 1357ه.

كما وجدت استمرار للتعامل بالقروش خلال الأعوام التي تلت ذلك من خلال مستودعات المالية بالاحساء وتوابعها عام 1358هـ وكذلك من خلال الوصول الذي يعطى لقاء المدفوعات إلى الجباة وموظفي المصالح المأذونين بالقبض باسم خزينة المملكة العربية السعودية في العام 1359هـ والعام 1360ه والعام 1361ه.

وقد وجدت دخول التعامل بالريـال إلى جانب القروش ضمن التعاملات الرسمية من خلال سند واردات رسوم كتابة العدل في القطيف في العام 1367ه وفي العام 1375ه من خلال سندات واردات بلدية سيهات، التي كانت تتعامل بالقروش فقط خلال الأعوام 1372ه و1373ه، ويتضح أن استخدام الريـال وأجزائه دون القروش بدأ في العام 1392ه كما هو مثبت في ايصال استلام نقود بلدية سيهات، وكذلك في العام 1392ه من خلال لجنة جمع التبرعات لصالح المجهود الحربي المنبثقة عن إمارة سيهات.

لكن من المفاجئ جدا أنني وجدت في تلك الوثائق ما يشير إلى استلام مواد عينية عبارة عن زكاة من التمور خلال الأعوام 1362ه و1363ه و1372ه و1374ه و1385ه من خلال مذكرة استلام الأعيان من المستودعات.

وكل هذا يكشف مدى التسامح في تحصيل الرسوم سواء كان عينيا أم نقديا وسواء كان من خلال النقد السعودي أم من غير السعودي.


(1) الوثائق جميعها من مقتنيات الأستاذ محمد إبراهيم الشافعي، وقد اعتمدت في هذه الدراسة على 39 وثيقة

 

زر الذهاب إلى الأعلى