“الجبير” و”لافروف” جناحا السياستَيْن السعودية والروسية.. تعرَّف عليهما عن قُرب

تمتاز الدبلوماسيتان السعودية والروسية بالحنكة، والتصريحات المسؤولة بعيدًا عن التهور والأفعال الصبيانية. وبالرغم من التباعد في الأفكار والسياسات بين البلدَيْن تارة، والتقارب الذي يُكلَّل بزيارة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان – حفظه الله – تارة أخرى، إلا أنه تظل السياستان رمانتَيْ ميزان في استقرار وأمن المنطقة. ويمتلك “عادل الجبير” و”سيرجي لافروف” وزيرا خارجية البلدَيْن الكبيرَيْن مفاتيح الدبلوماسية، وتنسيق السياسات الخارجية للطرفَيْن.. وفي السطور الآتية نلقي بعض الظلال على الرجلَيْن.

“الجبير”.. المتحدث اللبق ذو الابتسامة الهادئة

جاء “الجبير” وزيرًا للخارجية بمرسوم ملكي لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز في 29 إبريل 2015م، الذي شهد مجموعة من التغييرات الوزارية خلفًا للأمير سعود الفيصل – رحمه الله -، الذي شغل المنصب الرفيع لمدة 4 عقود منذ عام 1975م. ولكن قبل ذلك كان “الجبير” حاضرًا بقوة على الساحة السياسية والدبلوماسية السعودية؛ فالرجل صاحب الخبرة العريضة بدأ مسيرته الدبلوماسية في عام 1987م مساعدًا خاصًّا لشؤون الكونجرس لسفير السعودية الأمير بندر بن سلطان في واشنطن. وأظهر الوجه الجديد لباقته سريعًا في عام 1990م بصفته ناطقًا رسميًّا باسم سفارة خادم الحرمين الشريفين في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك حتى صيف 1994م، وحينها انضم إلى الوفد الدائم للسعودية في جمعية الأمم المتحدة.

شارك خلال عامَيْ 1990-1991م في إنشاء مكتب المعلومات المشتركة في مدينة الظهران أثناء عمليات درع الصحراء وعاصفة الصحراء. وفي عام 1991م إبان حرب تحرير الكويت وقف الجبير أمام وسائل الإعلام العالمية معبرًا عن مواقف المملكة العربية السعودية من الغزو العراقي. وكان عضوًا في وفد دول مجلس التعاون الخليجي إلى مؤتمر مدريد للسلام أكتوبر 1991م، كما كان عضوًا في وفد السعودية للمحادثات متعددة الأطراف للحد من انتشار الأسلحة في واشنطن عام 1992م. وفي ديسمبر 1992م تم إيفاده مع القوات المسلحة السعودية إلى الصومال كجزء من عملية إعادة الأمل. وكان بين عامي 1994 و1995م زميلاً دبلوماسيًّا زائرًا في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك.

وفي عام 2000م عاد “الجبير” مرة أخرى إلى السفارة السعودية في واشنطن للإشراف على إدارة مكتبها الإعلامي، ثم عُيّن في خريف 2000م مستشارًا خاصًّا لشؤون السياسة الخارجية في ديوان الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، الذي كان يشغل منصب ولي العهد آنذاك. وفي أغسطس عام 2005م صدر قرارٌ بتعيينه مستشارًا في الديوان الملكي بمرتبة وزير. وفي 29 يناير 2007م عيَّنه الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز – رحمه الله – سفيرًا للمملكة لدى الولايات المتحدة، وقدم أوراق اعتماده للرئيس الأمريكي جورج بوش في 27 فبراير 2007. وفي عام 2015م أصدر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان قرارًا بتعيينه وزيرًا لخارجية البلاد.كان “للجبير” دورٌ فعال في إنشاء والمحافظة على الحوار الاستراتيجي الأمريكي – السعودي، الذي بدأه الملك عبد الله والرئيس بوش؛ باعتباره وسيلة لإضفاء الطابع المؤسسي للعلاقات بين البلدَيْن، وتعميق التنسيق بشأن القضايا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية. كما ألقى العديد من المحاضرات أمام الجامعات والمعاهد الأكاديمية في الولايات المتحدة الأمريكية.

عُرف “الجبير” بوصفه متحدثًا لبقًا، وابتسامته الهادئة تضفي عليه رونقًا، إضافة إلى قدرته على التوظيف الجيد للغة لتحقيق مآربه، وإقناع المتلقين بآرائه.. وكان ذلك أكثر ما لفت انتباه ولاة الأمر إليه، وأحد أسباب اختياره وزيرًا لخارجية السعودية، ومنسقًا خبيرًا لسياساتها الخارجية. وكثيرًا ما وقف المتحدث اللبق متصديًا للحملات العدائية التي شنتها وسائل الإعلام الأمريكية على السعودية والإسلام عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2011. كما كان “للجبير” دور يلعبه مع الساعات الأولى من إطلاق عملية عاصفة الحزم ضد معاقل الحوثيين في اليمن؛ إذ كان دائم الظهور الإعلامي لمخاطبة الخارج، وشرح وجهة نظر السعودية والدول الحليفة لها في سعيهم لإعادة الشرعية لليمن الشقيق.

وكانت لقوة التأثير والإقناع التي تمتع بها الوزير في الولايات المتحدة، وارتفاع وتيرة نشاطه داخل الكونجرس الأمريكي لتأييد التدخل الأممي ضد نظام بشار الأسد، سببٌ في محاولات إيران لاغتياله في عام 2011م؛ إذ كشف وقتها مكتب التحقيقات الفيدرالي عن أبعاد مؤامرة الاغتيال وتنظيمها التي أسموها “عملية التحالف الأحمر”، عبر مؤامرة اتفق عليها الإيرانيون مع عصابة مخدرات مكسيكية؛ لتبعد الشبهات عن إيران. وتم القبض على المواطنَين الإيرانيَّين غلام شكوري ومنصور أربابسيار، واتهامهما من قِبل المحكمة الاتحادية في نيويورك بالتآمر لاغتيال “الجبير” في 11 أكتوبر عام 2011م. ووفقًا لمسؤولين أمريكيين فإن المتهمَين خططا لاغتياله عن طريق تفجير المطعم الذي اعتاد ارتياده، وبعد ذلك التوجه للسفارة السعودية وتفجيرها.

وُلد عادل الجبير في تاريخ 1 فبراير 1962م لأسرة من أسر مدينة المجمعة التابعة لمنطقة الرياض، وتلقى تعليمه الأساسي في ألمانيا؛ إذ كان يقيم برفقة والده الذي كان يعمل في الملحقية الثقافية السعودية. وقد حصل على درجة البكالوريوس من جامعة شمال تكساس في مجال الاقتصاد والعلوم السياسية عام 1982، كما نال درجة الماجستير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية من جامعة جورج تاون في العاصمة الأمريكية واشنطن عام 1984م، إضافة إلى أن جامعة شمال تكساس منحته دكتوراه فخرية في عام 2006م نظير جهوده وإسهاماته الدبلوماسية. ويجيد الجبير التحدث باللغتَيْن الإنجليزية والألمانية بطلاقة.

“لافروف”.. عميد الدبلوماسية الروسية

يُعتبر سيرجي لافروف عميد الدبلوماسية الروسية بحق؛ فالرجل الذي وُلد في 21 مارس 1950م في موسكو لأب أرميني وأم جورجية (كانت الدولتان جزءًا من الاتحاد السوفييتي قبل تفككه) تقلَّد منصب وزير خارجية روسيا الاتحادية منذ عام 2004، ومن ذلك الحين لم يبرح مكانه. وقبل ذلك كان دبلوماسيًّا سوفييتيًّا بارزًا، كما مثل روسيا في الأمم المتحدة على فترات طويلة من الزمن. تخرج “لافروف” من معهد موسكو للدراسات الدولية عام 1972م. وفي عام 1976 تم إرساله إلى سريلانكا دبلوماسيًّا سوفييتيًّا، ثم بعد ذلك عاد إلى موسكو، وعمل في المنظمات الدولية التابعة لوزارة الخارجية الروسية. وهو يتحدث لغات عدة، منها الروسية، والإنجليزية، والفرنسية، والسنهالية (لغة سريلانكا).

وفي عام 1981م عُيِّن مستشارًا في بعثة الاتحاد السوفييتي لدى الأمم المتحدة في مدينة نيويورك، وعمل هناك حتى عام 1988م، ثم عمل لصالح وزارة الخارجية الروسية حتى العام 1994م. بعد ذلك عاد مجددًا للعمل في الأمم المتحدة، ولكن هذه المرة بصفة سفير روسيا الدائم. وخلال عمله في هذا المنصب ترأس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حتى عام 2004م. وفي 9 مارس عام 2004 عيَّنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وزيرًا لخارجية روسيا خلفًا لإيجور إيفانوف. ويمتاز “لافروف” بكونه دبلوماسيًّا محنكًا، ومدافعًا مدنيًّا أكثر من كونه رجلاً سياسيًّا؛ فالسياسة الخارجية الروسية تقاد عبر الرئاسة الروسية كما جرت العادة. ويصفه الدكتور بوبولو، أحد الخبراء في السياسة الخارجية الروسية، بأنه “شخص صعب، ولكن موثوق به. مفاوض من الدرجة الأولى، ولكنه يبدو أنه ليس جزءًا من فريق بوتين” بحسب صحيفة سبق.

يُعرف كذلك الرجل بأنه مدافع شرس عن السياسات الروسية في سوريا، وكثيرًا ما خرج على وسائل الإعلام مدعيًا أن التدخل الروسي في سوريا “استدعاء من الحكومة الشرعية للبلاد”. كما أنه حريص بشدة على عودة العلاقات السعودية – الروسية إلى عهدها الطبيعي؛ إذ قال في المؤتمر الصحفي الذي جمعه بـ “الجبير” على هامش زيارة الأخير لموسكو: “لا خلافات لا يمكن تجاوزها بين موسكو والرياض بشأن سوريا”. وأشار إلى: “استعداد روسيا والسعودية للمُضي قُدمًا في تعزيز العلاقات السعودية – الروسية خدمة لمصالح الشعبَيْن، والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط”. ولدى الدبلوماسي الروسي الكثير من الهوايات؛ فبجانب عزفه الجيتار، وكتابة القصائد والأغاني، فهو حريص أشد الحرص على الرياضة وممارستها.. ولكن – وللمفارقة الغربية – لا تفارق السيجارة فمه؛ فهو مدخن بصورة كبيرة!

زر الذهاب إلى الأعلى