مع تضاءل حجم التوعية المبذولة حول مخاطر وتبعات الاستهلاك المفرط للسكر، ومع توغل ثقافة الاستهانة واللامبالاة التي وصلت بنا إلى درجة اتهام الجهود التوعوية ضد مخاطر استهلاك السكر بأنها نوع من المبالغة، أجد لزامًا علي أدبيًا ومعرفيًا أن أخبركم بحقيقة جلية: السكر يقتل إن لم تكونوا تعلمون!

جرة نوتيلا وقلب مكسور..

«أستطيع تحمل فقد أي شخص، طالما كنت أمتلك في ثلاجتي جرة نوتيلا» قرأت هذه المقولة ذات يوم لكاتبة قصصية، كذلك قرأت أن خبراء التغذية المولعين بالأرقام يقولون إن كل 100 جرام من النوتيلا تحتوي على 55 جرامًا من السكر المضاف «14 ملعقة سكر»، وإن لم تكن مولعًا مثلي بالأرقام فدعني أخبرك أن هذا رقمٌ كارثي وأنك ستعاني خللًا كبيرًا ووجعًا حقيقيًا في حياتك إذا ظللت تداوي أوجاع قلبك بجرة نوتيلا! وفي حين يظن بعضنا أن مذاق السكر يداوي أوجاع القلب المكلوم، فإن الواقع يقول إن السكر هو المسئول الأكبر عالميًا عن أمراض القلب التي انتشرت بشراسة في هذا العصر المغموس في السكروز.

معلومة رقم 1

وزن مكعب السكر = وزن ملعقة سكر صغيرة = 4 جرام .

السكر حولنا

«نحن لا نحتاج السكر لنعيش، ولا نحتاجه كمجتمع» د. أوز مقدم برامج تليفزيونية شهير.

السكر منتشر حولنا بفظاعة، موجود بقوة في كل طعام نراه، ربما أكثر مما يظن كثيرٌ منا، من يتخيل أن جرعة الكاتشب التي تضعها على البطاطس المقلية تحتوي على سكر مضاف أو أن منتجات الدريسنج المضافة على السلطات تحتوى على سكر، إن مصنعو الطعام لا يبخلون بوضع السكر بإفراط في أي منتج، لأنهم ببساطة حين يفعلون ذلك يضمنون «إدماننا» لتلك المواد التي يصنعونها والمسماة مجازًا «طعامًا»، حين يتواجد السكر في الطبيعة فإنه لا يتواجد أبدًا بشكل منفرد، إنه يتواجد مع العديد من الألياف التي تبطئ امتصاصه، كذلك يتواجد مع كثير من المغذيات والفيتامينات والمعادن التي تفيد الجسم، وهذا سر النصيحة التي ظللنا نسمعها ونحن صغار: «تناول الفاكهة كل يوم» والفاكهة بلا شك تحتوي على الكثير من السكر، بينما حين يوجد السكر في الأطعمة المصنعة فإننا نواجه كارثة! في العقود الأخيرة زاد استهلاك البشرية بشكل هستيري للمحليات، وتمت إضافة كل من السكروز «السكر الأبيض المكرر» وشراب الذرة عالي الفركتوز إلى الآلاف من المنتجات الغذائية المعلبة، أتحداك أن تجد ملصقًا غذائيًا واحدًا على أي منتج يضع أمام كمية السكر الموجودة به النسبة المئوية من الاحتياج اليومي كباقي العناصر! لقد ضمن هذا للمصنعين تدفقًا لا يهدأ من الأموال وضمن لنا تدفقًا مماثلا للإنسولين في دمائنا وطلبًا لا يهدأ للسكر وللمزيد من السكر، ببساطة: صرنا مدمنين.

معلومة رقم 2

وفقًا للجمعية الأمريكية للقلب:

مسموح للذكور البالغين الأصحاء باستهلاك 9 مكعبات سكر يوميًا بحد أقصى.

مسموح للإناث البالغات الصحيحات باستهلاك 6 مكعبات سكر يوميًا بحد أقصى

الذائقة السكرية

«الكأس الأولى هي التي تُسكرك» مثل غربي

تعتبر أحد المشاكل المتعلقة بالتقدم في العمر هي فقد حاسة التذوق، وهو عرض معروف عند المسنين، لربما وجدت أحد أقاربك يشكو من أنه «لم يعد مذاق الطعام كما كان قديمًا» أو «أن طعام عصركم هذا عديم المذاق» أو «فاكهتكم كالبلاستيك بلا سكر»، وسواء أكانوا يظنون أنهم محقين في مقالتهم هذه أم لا، فإن السبب الرئيسي لهذه الشكاوى أن حلمات التذوق لديهم قد «هرمت» ولم تعد تعمل كالسابق؛ لذا لم يعودوا قادرين على تذوق الطعام. بشكلٍ ما ولتقريب المفهوم هذا ما يفعله السكر بنا هذه الأيام، أنه يجعل حلمات تذوقنا «عبدة» له فلا تستطيع تذوق غيره، ولا تتنازل عن المستوى المرتفع الذي اعتدنا عليه، والذي يحدده لنا منتجو الأطعمة! ما زلت أدين لقطع السكر في ضبط «ذائقتي السكرية» وفي جعلي أعود للاستمتاع بالفاكهة ومعرفة الطعم الحقيقي للقهوة، والتفرقة باحتراف بين أنواع الأطعمة الطبيعية أو المطهوة، قبل قطع السكر كانت كل هذه الأطعمة بالنسبة لي «عديمة المذاق/ مُرة» وإن كنت تظن أن هذا رأي شخصي فدعني أؤكد لك أني سمعت هذا الكلام ما لا يُحصى من المرات من القراء والمتابعين، إن الحقيقة التي أستطيع قولها بيقين تام: إن استهلاكنا المفرط للسكر يجعل كل شيء سواه: مُرًا! هل تأملتم رد فعل أطفالكم مع أطباق الخضار في غذائهم، أو ما مدى حماسهم لتناول حبة من الكمثرى أو التفاح؟ ألم نتساءل يومًا عن السر وراء نفور أطفالنا من الخضروات والفواكه، وإقبالهم بلا تردد على أنوع البسكويت والشيكولاتة والحلويات؟ نحن السبب بلا شك، لأننا ومنذ صغرهم عودنا مذاقهم على السكر، لذا لم يعودوا قادرين على استساغة أي طعام لا يحتوى على كمية السكر نفسها التي اعتادوا عليها، وفي حال انتبهنا أم لا فإن جميع المنتجات التي تحيط بنا وخاصة تلك التي تحاصر أطفالنا تحتوي على كميات هائلة من السكر تفوق أية توصيات طبية أو عالمية، راجعوا أرقام النوتيلا!

معلومة رقم 3

تحتوى عبوة واحدة من الصودا «المشروبات الغازية» على 9 ملاعق سكر.

السكر مادة إدمانية

«لقد أصبحنا نعد طعامنا حاليًا بطريقة شبيهة جدًا بإعداد مخدر الكوكايين». جاك وانج

لقد اقتنعنا مع الوقت أننا لا نستطيع أن نقاوم المذاق السكري، لأن السكر إدمان، هل تعرف سر ذلك الصداع أو العصبية أو قلة التركيز التي تصيبك وقت صيامك في الأيام الأولى من رمضان: إنها ببساطة الأعراض الانسحابية لفقد السكر «وكذلك الكافيين والنيكوتين إذا كنت معتادًا على القهوة والتدخين بإفراط»، إن الأمر لا يتوقف عند استهلاك عبوة واحدة من الصودا، أو التهام مغلفـًا كاملاً من الشيكولاتة المفضلة لديك، لأن قائمة المنتجات المغمورة بالسكر لا تنتهي، ولأنك ستظل تطلب السكر في مشروباتك ومأكولاتك، ستجد أن حصيلتك اليومية من السكر بلغت رقمًا صادمًا، ومع كل تلك الكميات التي تغزو خلاياك، يصبح جسمك مبرمجًا على طلب السكر، إنه يطلب السكر باستمرار لأنه احتفظ بما يسمى «الذاكرة السكرية» التي ستظل تطالبك بالسكر بلا انقطاع، إن النتيجة التي أود الوصول لها في هذا المقال هي تسليط الضوء على نوع من السلوك الشاذ غير المنطقي في تعاملنا مع السكر، إننا نتعامل مع هذه المادة الخطرة بنوع كبير من الاستهانة، والمحزن أن هذه الاستهانة لا تطالنا وحدنا ولكن تطال أطفالنا أيضًا بشكل أكثر خطورة وحساسية، في المقال القادم بإذن الله سأتكلم عن التغيرات الكيميائية التي يحدثها السكر بأجسادنا وآثارها.

«الحقيقة التي لا هروب منها هي أن هناك أشخاصًا معينين يحصدون اليوم قدرًا ضخمًا من المال عن طريق بيع أطعمة غير صحية، إنهم يريدون منك الاستمرار في تناول الأطعمة التي يبيعونها، حتى إذا كان ذلك يجعلك بدينًا، ويقلل نشاطك، ويقصر ويدهور حياتك، إنهم يريدونك سهل الانقياد، ومطيعًا وجاهلًا، لا يريدونك على علم، ونشيطًا وتحيا بشغف، وهم على استعداد تام أن ينفقوا بلايين الدولارات كل عام لتحقيق أهدافهم». تي. كولين كامبل عالم كيمياء حيوية وباحث.

لقد اعتدت حين أتكلم عن السكر ومخاطره أن أسمع استنكارات تدور كلها حول مفهوم: «إن الحياة مُرة بما فيه الكفاية، فلم تريدنا أن نزيد مراراتها بترك السكر»، ولكني ظللت متمسكًا بإجابة واحدة: :ولأجل ألا تزيد مرارتها أكثر: اقطعوا السكر.

شاركها.