العقل يملك «زر تشغيل» لحرق الدهون بعد الأكل.. هكذا يعمل

على ما يبدو العقل في قفص الاتهام مجدداً والتهمة هي نفسها: دوره في التسبب بزيادة الوزن. 

الوزن الزائد بطبيعة الحال يرتبط بعدد السعرات الحرارية المستهلكة مقابل تلك التي يتم حرقها، وعندما نستهلك أكثر مما نحرق فحينها سنعاني من الوزن الزائد. 

الأمر قد يبدو بسيطاً، ولكن عقلنا يعشق تعقيد الأمور على نفسه وعلينا، وبالتالي اتُّهم أكثر من مرة خلال السنوات الماضية بدوره الكبير بالتسبب بالوزن الزائد. ومن التهم السابقة أن التفكير السلبي يؤثر في عادات الطعام؛ لأن العقل يبلغنا بأنه حان الوقت للشعور بالسوء عندما ننظر إلى طعام غير صحي، التوتر كما هو معروف يؤثر في هرمونات الجسم، والذي يصدر الأوامر هنا هو العقل.

وبالتالي تبدأ بتناول كميات كبيرة من الطعام. الأمر نفسه ينطبق على الاكتئاب، والنقطة الأهم هو أن العقل مبرمج على الخوف من الجوع، فيدخل مرحلة الخوف من المجاعة في كل مرة نجوع فيها، ويطالبنا وبإلحاح بتناول كل ما تقع عليه أيدينا. 

هذه هي، باختصار شديد، الاتهامات السابقة للعقل، فما قصة الاتهام الجديد؟ وهل هو حقاً اتهام أو كشف علمي قد يساعد على حل مشكلة البدانة؟ 

المفتاح الكيميائي 

اكتشف العلماء في جامعة موناش أن العقل يملك مفتاحاً كيميائياً يعمل على حرق الدهون بعد تناول الطعام. بعد تناول الطعام يستجيب العقل للأنسولين؛ وذلك لأن مستويات السكر في الدم ترتفع بعد تناول الطعام.

في هذه المرحلة على العقل إرسال إشارة إلى الجسم للبدء بحرق بعض من هذه الطاقة من خلال تحويل الدهون البيضاء إلى دهون بنية.

التسمية هذه تأتي من الخلايا الدهنية، وهي الخلايا الأساسية التي تشكل الأنسجة الدهنية، وتتخصص في تخزين الطاقة على هيئة دهون، ويوجد فيها نوعان وهما: الأنسجة الدهنية البيضاء والأنسجة الدهنية البينة. 

الخلايا الدهنية البيضاء تمثل النسبة الكبرى من دهون الجسم بنحو ٩٠٪ تقريباً، وهي توجد تحت الجلد مباشرة وفي الأرداف والبطن والفخذين، ومهمتها تخزين الطاقة وعزلها. 

أما البنية فهي تتوزع في عدة مناطق في الجسم حول الأمعاء والعمود الفقري، ووظيفتها تحويل الدهون البيضاء الى بنية من أجل إنفاق الطاقة. 

تنتج السمنة من نقص عدد خلايا الدهون البنية التي تحرق الدهون وزيادة عدد خلايا الدهون البيضاء التي تخزن الدهون داخل الجسم، أو بسبب وجود الخلايا الدهنية البنية، ولكن عدم فعاليتها وكفاءتها يؤدي إلي تخزين السعرات الحرارية الزائدة بشكل آلي دهوناً مختزنة بالجسم، وعليه فالدهون البنية أساسية لعملية الأيض. 

ما علاقته بزيادة الوزن؟ 

عند الأشخاص الذين لا يعانون من السمنة المفتاح هذا يعمل بعد كل وجبة، فيرسل الإشارات، ويتم تحول الخلايا الدهنية البيضاء إلى بنية، وعند مراحل الصوم أو الانقطاع عن الطعام فترات فإن هذا المفتاح يعكس العملية ويبلغ الجسم بأنه حان الوقت لتحويل الدهون البنية إلى بيضاء، وذلك من أجل المحافظة على الطاقة. 

هذه الآلية تمنع الشخص من اكتساب الوزن بشكل مبالغ به أو خسارته بشكل مبالغ به، وذلك استجابة لتناول الطعام أو للانقطاع عن تناول الطعام، ما يعني أن الوزن يبقى ثابتاً معظم الوقت. 

وعليه فإن العلماء تمكنوا من اكتشاف قدرة الدماغ على الاستجابة مع مستويات الأنسولين وتنسيق استهلاك الطعام مع إنفاق الطاقة من خلال تحويل الخلايا الدهنية البيضاء إلى بنية من خلال زر تشغيل، وهو مفتاح كيميائي يعمل بعد الانقطاع عن تناول الطعام لتثبيط الاستجابة للأنسولين ومنع تحويلها إلى بنية من أجل المحافظة على الطاقة، ويتوقف عن العمل بعد تناول الطعام استجابة إلى الأنسولين من أجل تحويل البيضاء إلى بنية، وبالتالي استهلاك الطاقة. 

ما يحدث عند الذين يعانون من السمنة هو أن المفتاح هذا يعمل طوال الوقت وفي كلتا الحالتين، الصوم أو تناول الطعام، وبالتالي فإن كمية الطاقة المستهلكة متدنية طوال الوقت. 

ما أهمية هذا الاكتشاف؟ 

الاكتشاف هذا مهم جداً في الواقع؛ ففي العام ٢٠١٥ تمكن العلماء من إظهار الآلية التي ينسق بها العقل آلية تحول الخلايا الدهنية البيضاء إلى بنية والعكس. ولكن القطعة المفقودة من الأحجية كانت السبب؛ فهم لم يتمكنوا من اكتشاف السبب الذي يجعل هذه الأمور تحدث في الجسم. 

حالياً تم العثور على القطعة المفقودة هذه، وتم إثبات أن هناك آلية أساسية تتحكم بحرق الدهون. 

ما سيحصل لاحقاً هو أن العلماء سيحاولون استغلال وجود هذا المفتاح الكيميائي من أجل ابتكار طرق علاجية تساعد على خسارة الوزن. 

وبما إن العقل عند الأشخاص الذين لا يعانون من وزن زائد يتمكن من خلق التوازن بين الطاقة المستهلكة وتلك التي يتم حرقها فإنه بالإمكان معرفة الخلل الذي يجعل هذا المفتاح الكيميائي غير قادر على القيام بالمهمة نفسها عند الذين يعانون من الوزن الزائد. 

وبمجرد معرفة الخلل حينها يمكن الانطلاق لابتكار علاجات تعيد للمفتاح هذا توازنه، وبالتالي يعمل كما يجب.  

زر الذهاب إلى الأعلى