المدرس و التكنولوجيا
هل أصبح بمقدور الأساتذة والأستاذات، المدرسين و المدرسات اليوم، في عصر التكنولوجيا الرقمية والمعلوماتية، والهواتف الذكية، واللوحات الالكترونية، الحديث عن إمكانيات المفاضلة بين الوسائل التقليدية والحديثة، في ممارسة عمليات التعلم والتعليم ؟؟
هل يوجد بالفعل اليوم متعلمون، قادرون على مسايرة مدرسين متأخرين عن فقه أسرار التكنولوجيا، ناهيك عن كفاياتهم في الاستعمال والتوظيف والاستثمار ؟
هل لازالت مدارسنا ومؤسساتنا التعليمية بمختلف أسلاكها وفضاءاتها قادرة على استقطاب، واستيعاب، تلاميذ ومتعلمين تصوغ التكنولوجيا، والصورة السريعة المتدفقة، يوميا، وفي كل ساعة، ودقيقة وثانية، أفكارهم، وتقصف عقولهم، والأخطر من كل ذلك، تشكل شخصياتهم الفتية ؟؟؟
هل سيبقى لمدارسنا زبناء من المتعلمين المولودين في عصر الثورة الرقمية والحوسبة والشبكة العنكبوتية ؟
هل جربنا تخيير أبنائنا وتلامذتنا، بين الذهاب للمدارس والتوجه نحو مقاهي الانترنت ؟
هل حاولنا قياس دافعية التلاميذ نحو قاعات الدراسة التقليدية ذات اللوح الأسود والأخضر وهلم جرا، وميولاتهم نحو القاعات المتعددة الوسائط، حيث التكنولوجيا ووسائلها المتنوعة ، أشد باعا وأوسع ذراعا ؟
أتعرفون جواب ولدي الذي يدرس بالسلك الإعدادي، حين أسأله، ما المادة التي تهوى في المؤسسة التعليمية ؟
يقول لي، تعجبني مادة علوم الحياة والأرض ، فأسأله ، ولماذا ؟
يجيبني بعفوية، إن أستاذة علوم الحياة والأرض تدرسنا باستعمال العاكس الضوئي المربوط بالحاسوب؛ الذي يستخدم برمجيات تعليمية ؛ تعمل بمؤثرات الصوت والصورة …قلت له وأنا مدرس اللغة العربية، وما الفرق بين وسائل أستاذة اللغة العربية وأستاذة العلوم ؟
يجيبني بالقول، إن اللغة العربية وقواعدها تقدم لنا بطريقة تقليدية تدفعنا للحفظ والاستظهار دون أن نتمكن من استخدام جميع حواسنا …ودون القدرة على الشعور بالمتعة.
هذا مثال بسيط يحكي لنا قصة التعلمات اليوم كيف تجري في حجراتنا الدراسية وبمدارسنا، وإذا لم نبادر لجعل المدرسة مواكبة للتقدم العلمي والتكنولوجي، وبسرعة لا نقول مماثلة لسرعة الاكتشافات والاختراعات التي تملأ فضاءاتنا يوميا ….فسيأتي يوم تصبح المدرسة خطرا على عقول أبنائنا وعلى رغباتهم وأحاسيسهم ، وعلى اللذة والمتعة الواجب على المدرسة تحقيقها لهم ؛  لأنها ستصبح عاجزة عن جعل التلاميذ / المتعلمين يفكرون بأسلوب من وحي عصرهم، ويستخدمون المهارات والقدرات التي يكتسبونها خارج أسوار المؤسسات التعليمية…هل ستفقد مدارسنا جاذبيتها- هذا إذا كانت المدارس لاتزال تملك جاذبية ؟؟-  في القريب المأمولة بفعل نأيها عن تقنيات العصر الرقمي ؟؟؟
ما أتعس المدرس اليوم ! حين يبصر بأم عينيه كيف أوشك دوره الريادي التقليدي على الانتهاء، وأقصد دوره الذي جعله يعتلي منصة إلقاء المعرفة، والتحكم في روافدها ومصادرها …
إن التحديات التي تواجه المدرسة والمدرسين الآن، ومستقبلا ، ونقصد المستقبل القريب، ستكون كبيرة جدا، وخطيرة، إذا لم نتسلح جميعا بالتكوين المستمر، والتكوين الذاتي في مجال إدماج تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التربية والتكوين …
بالأمس القريب ، كان المدرسون في وضع قوي، محصنين من أسئلة المتعلمين التي تروم أحيانا التعجيز والإفحام ، بسبب احتكارهم للمعرفة ومصادرها المتعددة …كان الأستاذ أو المعلم  يملك كتابا يدعى كتاب الأستاذ ، يتضمن الدروس والتمارين مع حلولها …كتاب ليس للتلميذ إليه سبيل، فكان المدرسون يبهرون، ويقودون الفصول الدراسية والعقول التي بداخلها، سواء بسلطة العصا ، أو بسلطة العلم والمعرفة، أما اليوم وفي ظل هذا السيل العرم من المعلومات والمعرفة المنهمرة كالشلالات المديدة والعميقة، سيحس المدرسون، وعليهم الإحساس ، بخطورة الموقف، وجلال السياق ، ووجوب إنقاذ الموقف قبل فوات الأوان ….
إن المدرسة والمدرسين الآن في وضعية المضطر لا في مقام المخير بين المنهاج الورقي والمنهاج الرقمي ، فهل قمنا بما يلزم ، لمد العون له ؛ ليبحر في دروب المقررات الرقمية، ويزاول مهام المدرس الرقمي ؟؟

شاركها.