تعد المدارس من أهم الأماكن الأولى التي يتشكل فيها سلوك الطفل ونجاحه التربوي في المستقبل. والمعلمون هم الناقلون لذلك السلوك لطلبتهم، سلباً أو إيجاباً. والسبب الذي يجعل للسنوات الأولى من المدرسة هذه الأهمية الكبرى هو أن الأطفال يتعلمون فيها أساس حياتهم التعليمية. إنني أعتقد أن من واجب المعلمين والمعلمات أن يكونوا هذا الناقل ليعملوا على نقل الحماس لطلابهم ومساعدتهم على ذلك وتزويدهم بالبيئة الدافئة.
وفي رأيي كذلك أن المعلمة هي أم ثانية للأطفال جميعاً، حيث أنهم يمضون جل وقتهم معها. وفي الوقت نفسه، تصبح المعلمة الحقيقية كذلك من خلال سنوات عدة من التدريب والخبرة في هذا المجال. والأمهات بنفس القدر لا يولدن أمهات عظيمات ولكن مع توسع خبراتهن مع أطفالهن فإنهن يصبحن خبيرات في هذا المجال. إن الأمهات يبذلن غاية اهتمامهن بأطفالهن وإن واحداً من أهدافهن هي أن ينشئن أطفالهن حتى يصبحوا محترفين ورواداً في مجتمعاتهم. إن دور الأمهات هو إعطاء الأطفال العناية والاهتمام والحب والاحترام وتوجيههم وتوفير البيئة الآمنة لهم في البيت. ولكن، هل لهذه الأهداف علاقة بدور المعلمة مع تلميذاتها في حجرة الصف؟ إن كانت الإجابة بالنفي، فما هو دور المعلمات إذن؟
إنني أعتقد أن المعلمات يصبحن كذلك بعد سنوات عدة من التدريب والتمرين في هذا المجال. إنني لا أعرف معلمة واحدة كانت خبيرة منذ يومها الأول في هذه المهنة، وهذه مسألة مهمة لكل معلمة ولكل من تخطط وتستعد لكي تصبح واحدة ضمن هذه المهنة. بالطبع هناك يعض المعلمات أفضل من البعض الآخر. لقد صادفت في حياتي بعض معلماتي اللواتي تم إعدادهن جيداً والبعض الآخر لم يكنّ كذلك. كان لي بعض المعلمات اللواتي كن يأتين فقط إلى حجرة الصف ويبدأن في إلقاء الدرس، ولم يكن لديهن أي اتصال مع تلميذاتهن ونادراً ما كن يتحدثن إليهن. هؤلاء المعلمات لم يكنّ يبدين أي اهتمام حول إحساس ومشاعر تلميذاتهن. إنني أذكر جيداً أنه كان هناك بعض التلميذات الخجولات – وأنا منهن – لم تكن تتح لهن فرصة المشاركة أو الحديث في حجرة الصف. إنني أعتقد إن الطريقة التي يتصرف بها التلميذ تعتمد على موقف المعلم، ولذلك فإنني أوصي بشدة أن يقوم المعلمون بدعوة طلابهم للمشاركة في حجرة الصف. من الضروري جداً أن يشجع المعلمون طلابهم لأنهم سيستفيدون من ذلك.
إن المعلمة تحمل على عاتقها مسئولية عظيمة في حجرة الصف الخاصة بها لأن جميع التلميذات يعتمدن عليها. كل شيء تقوله المعلمة يكون له أثر على تلميذاتها، فإذا كانت المعلمة تحس مثلاً بالسعادة أو الضيق فإن هذا الإحساس سينتقل بالضرورة إلى التلميذات وأنهن سيصبن بعدوى ذلك الإحساس. إن المعلمات مسئولات لذلك عن السلوك الاجتماعي في حجرة الصف، وإن حدث خطأ ما في حجرة الصف فإن المسئول الوحيد هو المعلمة حتى إن يكن ذلك الخطأ خطأها.
على المعلمة أن توفر البيئة الآمنة والدافئة والاحترافية في الوقت نفسه. وإذا شعرت التلميذة بالأمن في حجرة الصف فإن النتيجة ستظهر حتماً في تقدمها الأكاديمي. لذلك فإن من مسئوليات المعلمة أن تعرف طالباتها في الصف جيداً، فالمعلمة تظهر في كل يوم موقفاً قد لا تنتبه إليه التلميذات والتلميذات يفعلن الشيء نفسه من أجل لفت انتباه المعلمة إليهن، وهذا تمرين جيد يجب أن يقوم به الجميع ليستفيدوا منه في كسر الحاجز النفسي بينهما وإذابة جبل الجليد القائم بينهن. من الطبيعي أن يبدي الكثير من الطلاب في الأيام الأولى للمدرسة خوفاً ونفوراً من المعلم لأنهم لا يعرفون شخصيته تماماً، ومن الطبيعي ألا يتلاشى هذا الخوف حتى يكتشف المعلم وتلامذته بعض الأشياء والهوايات المشتركة بينهما.
إنني أعتقد أن المدرسة هي مكان يذهب إليه الإنسان لكي يتعلم، وأعتقد ايضاً أنه يجب أن تكون هناك أحيان يكون فيها المرح والتسلية ضروري. ولهذا السبب أعتقد أنه يجب أن يكون المعلم مرحاً ودوداً مع تلامذته. فالصغار يتعلمون أسرع عندما يشعرون بالانجذاب إلى درس ما. على المعلمين ألا ينسوا حقيقة أن التلاميذ يشعرون بالملل سريعاً ولذلك ينبغي وضع خطة ابداعية ومبتكرة للدروس. يجب أن تكون هناك متعة فيما يريد أن يتعلمه الناس.
ينبغي أن يكون المعلم شخصاً يقود التلميذ ويوجهه وليس ديكتاتوراً مستبداً في حجرة الصف. يحتاج المعلم إلى أن يظهر الاحترام لتلاميذه حتى يبادلونه الاحترام. عليه ألا ينسى أنه يقوم بتدريس تلاميذ مختلفين ذوي عادات وتقاليد مختلفة وأنهم قادمون من خلفيات مختلفة. إن أحد المفاتيح المفيدة للمعلمين هي أن يفهموا ويتقبلوا الطريقة التي يتصرف بها التلاميذ، كما يقول الباحث توماس سبيد في مقالته “عقل الإنسان”. إن المعلمين في حاجة لأن يوجدوا منهجاً يقود الطلاب إلى طريق النجاح. ونتيجة لذلك، فهم في حاجة إلى تلقي التوجيه بناء على حاجة طلابهم.
في بعض الأحيان يمكن أن يكون للرعاية التي يظهرها المعلم تجاه تلاميذه أثر إيجابي أو سلبي طويل المدى عليهم. يمكن أن يرتفع احترام التلميذ وتقديره لنفسه وهذا بدوره يؤدي إلى أن يخلق الطموح في عقله ولنجاح الأكاديمي في المستقبل. يقول مايك روز في كتابه “الحياة في حدود” يجب على المربي أن يكون إنساناً منفتح الذهن وأن يحترم التنوع بين تلاميذه وأن يظهر لهم الحب والرعاية. وفي رأيي أن هذا أمر حاسم يجعل التلاميذ يثقون في أنفسهم. إن من أهم الأدوار التي ينبغي أن يقوم بها المعلم هي أن يشجع تلاميذه في القضايا التي تشغل بالهم وتؤرقهم في حياتهم الشخصية. ومن منظور نفسي، يمكن أن يتأثر التلاميذ إذا كانت لديهم مشاكل مع معلميهم، وإحدى نتائج ذلك التأثير هي أن يتجنبوا الذهاب إلى المدرسة.
يدل سلوك الطلاب في بعض الأحايين على أن هناك شيئاً ما ليس على ما يرام يحدث. ولذلك فإنني أعتقد أنه من واجب المعلمين أن يولوا اهتمامهم لأي شيء يمكن أن يزعج التلاميذ. إنه من مسئوليتنا – كمعلمين – أن نعرف ما الذي يحدث مع التلاميذ في حجرة الصف. والتلاميذ يشعرون في قرارة أنفسهم أن في استطاعة المعلم مساعدتهم لكنهم في بعض الأحيان يشعرون بالخوف من سؤاله. لقد كنت أرى هذا الشيء تقريباً كل يوم في مدرستي التي كنت أعمل فيها. يفضل التلميذ الحديث مع زملائه حول مشاكله وفي بعض الأحيان يكون المعلم آخر من يعلم بتلك المشاكل. قد يكون خطأ المعلم هنا أنه لم يبن جسور الثقة بينه وبين طلابه. وأذكر جيداً إحدى المعلمات اللواتي عملت معهن، لم يكن التلاميذ يطلبون مساعدتها في شيء، بل كانوا يلجئون إليّ دائماً. كنت أساعدهم في أي شيء أستطيع فعله ولكن في بعض الأحيان يكون من الصعب جداً بالنسبة لي أن أقوم بكل شيء بمفردي. كنت أرى مراراً تلك المعلمة تقف بين تلميذاتها، وكنت أحس بأنه ليس هناك أي تواصل معهم.
يثور جدل في كثير من الأحيان حول إن كان على المعلم أن يكون قدوة لطلابه أم لا. إن المجتمع يحترم المعلمين لأنهم مصادر للمعرفة. إنني أظن أنه حتى ولو لم يرغب المعلمون في أن ينظر إليهم كقدوة، فإنني أعتقد بكل تأكيد أنهم كذلك. إن لديهم من المزايا ما يؤهلهم ليكونوا قدوة لغيرهم. لماذا ؟ لأن أغلب المعلمين يحترمون ويحبون ويعتنون ويوجهون طلابهم ليصبحوا أفراداً ناجحين. ينظر التلاميذ إلى معلم كونه الأكثر عقلاً وحكمة، ويدركون جيداً أنهم إن احتاجوا إلى شيء فليس أمامهم سواه. إنهم يتعلمون من كل درس يتلقونه من معلمهم. لذلك فإنني أعتقد أن للمعلم مسئوليات عدة على تصرفات تلاميذه. ولو اعتبرنا المعلمين قدوة فإنني أعتقد أنهم غير معصومين من الخطأ. من الطبيعي أن يقع الفرد في الخطأ بسبب طبيعته البشرية. وفي الوقت نفسه لا ينبغي على التلاميذ أن يقلدوا معلميهم في كل شيء، بل عليهم أن يتجنبوا أخطاءهم.
إن لدى كل معلم القدرة على توفير البيئة المناسبة لتلاميذه، وإن الفائدة من وجود بيئة ممتعة ومناسبة يجنيها كل من المعلم والتلاميذ. ولكن قبل أن يحدث ذلك، يحتاج المعلم أن يكون إعداده جيداً حتى يجد تلاميذه منه المعاملة الحسنة. من الضروري جداً للمعلمين أن يكونوا جاهزين لأن السنوات الأولى في المدرسة مهمة جداً بالنسبة للتلميذ، ولأن نجاحه في المستقبل يعتمد على سنواته الأولى تلك. إن الأوان لم يفت أبداً لبدء علاقة جيدة بين المعلم وطلابه، وبالتالي يمكن القول إن التواصل بين المعلم وتلاميذه هو واجب كل يوم. وإنني في الختام أقر بأنني وفي خلال حياتي العملية كمعلمة قد تعلمت دروساً قيمة من معلمين عظماء، ولكن كان لي أيضاً تأثير سلبي على البعض. لا أنكر ذلك ..
كتبت: جوزفين سميث – جامعة كورنيل
ترجمة: عمر خليفة – مكتب التربية العربي لدول الخليج

شاركها.