النفس وطبقاتها : العقل الباطن

النفس وطبقاتها : العقل الباطن
 العقل الباطن هو هذا العقل الذي نحلم به والذي يورد إلينا الخواطر اللذيذة. فقد أثبتت الأبحاث أنه هو الذي يقرر عقائدنا الدينية والسياسية ويكوّن الأخلاق والأمزجة للناس ويعمل لرقيهم أو انحطاطهم فدرسه هو درس للشخصية الإنسانية كلها. وهذا العقل الباطن قديم في نفوسنا وطريقة اقناعه ليست المنطق بل الإيحاء. وهويجري على أساليب قديمه في تفكيره . فهو لا يفهم مثلا الصور المجردة للمعاني. ولذلك فطريقة تفكيره هي الرموز أي أنه يضع للمعنى المجرد كالموت أو الشرف أو الحياة رمزًا مجسما كما نرى ذلك في الأحلام.
ثم هو في أغراضه يسير على الطرق الصبيانية فيطلب اللذة والسرور فقط. فنحن مثلا إذا تخاصمنا مع أحد الناس وتركنا الخواطر تجري بلا عائق من العقل الواعي أيبلا رقابة منه ألفينا أنفسنا نتخيل هذا الخصم وهو مقهور مهان أمامنا. فإذا نمنا وزالت سيطرة العقل الواعي تماما رأينا هذا الخصم ونحن نضربه أو نقتله مع أن موضوع الخصام قد لا يتطلب منا وقت وعينا ويقظتنا سوى أن نلوم هذا الخصم لومًا خفيفًا.
عقلنا الباطن يجري على أساليب آبائنا المتوحشين وغرائزه كلها غشيمة في الحب والانتقام لم تتهذب. وهو يجري على الثقافة القديمة ويكتسب تجارب من حياة الصبا أو الشباب ثم يحيلها إلى رموز. وهذه الرموز التي نراها في الحلم تشبه كل الشبه بلقد تتفق أحيانًا كثيرة والرموز التي كان يرمز بها آباؤنا للمعاني حين شرعوا في تأليف اللغات ووضع الألفاظ وإيجاد الاستعارات والمجازات التي هي في الواقع رموز.
يمكن أن نسمي العقل الواعي: عقل الثقافة الحديثة.أما العقل الباطن فهو: عقل الثقافة القديمة ونحن في تفكيرنا نستعمل العقلين كما هو ظاهر مثلا من الشاعر الذي يؤلف القصيدة فإنه يدبر الأفكار أولًا ويرصد المعاني ويختار الألفاظ على وعي. ثم مع ذلك يستعين بما يلهمه إليه عقله الباطن من خواطر في المعني أو في اللفظ على غير وعيمنه. وإذا أنت تأملت القصص القديمة والأشعار الجاهلية وأدب القدماء على وجه العموم  ألفيته في أكثره من عمل العقل الباطن خواطر متوالية تنبئ عن أغراض وأمان صبيانية كما نرى في أساطير المصريين القدماء. أما العلم الحديث فقائم على العقل الواعي.ويحدث أحيانًا أن هذا العقل الباطن يطمو بالعقل الواعي فيحدث من ذلك جنون بحيث يعمل المريض أعمالا لا يعي بها ويسلك مسالك صبيانية ويتخيل الخيالات أو يأتي بحركات هي كالرمز لأشياء ينويها في نفسه أو هو يستجيب للمنبهات استجابات قديمة كما يحدث في الكابوس مثلا.

زر الذهاب إلى الأعلى