بين التاريخ والأدب الشعبي – جحا الرمز ورقة بحثية مقدمة في ملتقى الشارقة الدولي للراوي 2016

أمينة الفردان – باحثة في التراث الشعبي / مملكة البحرين

مداخلات أولية :

إن اقتفاء الآثــار التاريخية و الشعبية التي رسّختها شخصية غنيّة الحضور في موروثنا الثقافيّ العربيّ كشخصيّة ( جحـا ) ليس بالأمر السّهل كما نتصوّر ، حيث تكتنف المسألة عدة أبعاد جوهريّة تتقاطع مع طبيعة الشخصيّة التي نتعرض لها ونحن ننقّب في مضمونها الملتحم بالواقع وصلته الجغرافية بالذات ، فمن البديهيّ هنا أن ( جحا ) بكلّ تراثه الغنيّ في الثقافة العربيّة ، يعدّ شاهداً على عصره في تقلّب الأحوال . البساطة و الهدوء والصبر ، سعة الحيلة أو مواجهة وجع الواقع بالحنكة ، جلّها تعدّ من مفردات هذه الشخصيّة المتفرّدة في مضمونها الداخليّ و الخارجيّ . جحا وما تركه لنا من آثار في المخيّلة الشعبيّة و الوجدان الجماهيريّ العربيّ من المحيط إلى الخليج ، إذ صارت الألسن من قديم الزمن تتناقل المِــلَح في صيغ مختلفة تكاد تتفق في المحتوى العام وهي تضع ( جحا) في مواضع عديدة لا نعرف أصالتها من حيث الحدوث من عدمـه ، هذا بالطبع مع الأخذ في الاعتبار أن هناك حالة ( خَلْق ) توازي فعل الإضافة و التأليف تسرّبت إلينا من التبادل و التفاعل الثقافيّ مع ثقافات شعوب أخرى نقلت مروياتها شفاهياً تارة وكتابةً تارة أخرى حتى بات تقصّي الصحيح منها و المختلق عصيّ الاقتفاء نظراً لقلة المصادر التاريخية و شحّة الدرس البحثيّ المفضي إلى إنصاف هذه الشخصية ونبش حياتها وفكرها وعرض مختلف جوانبها الحياتية .
وعليه تحاول هذه الورقة البحثية أن توضّح   جحا ” الرمز ” بين التاريخ والأدب الشعبيّ وذلك من أجل التعريف بهذه الشخصيّة المهمة لإزالة الغموض عنها قدر المستطاع.

في هذا الصدد علينا ضرورة توضيح  (1) جحا في الأدب الشعبيّ (2) حقيقة جحا من خلال ما ورد في الكتب والمراجع العلميّة المتاحة ..   (3)  جحا ورمزية حضوره في التراث العربيّ ، والمحليّ بشكل خاص ، وذلك حتى يصبح حديثنا واضحاً للقارىء والمستمع والباحث، وليعرف أكثر عن جحا هذه الشخصية الملتبسة أو الضبابية التي لا تكاد تبين من كل هذا التداخل التاريخي الذي أثرى وأثّر على رؤية الباحث العربيّ ، المهتم بتراثه الثقافي.
قبل أن ننطلق علينا أن نحدّد بعض الاسئلة ..

(1) من هو جحا ؟(2) هل ما نسمعه من نوادر صدرت من  جحا  نفسه ؟  (3) لماذا يتخذ الناس جحا ” رمزاً ” ؟ (4) هل لجحا بصمة في التراث الشعبيّ البحرينيّ بشكل خاص؟

 جحا – الرمز :

الأدب الشعبيّ هو الأدب الذي يصدره الشعب ، وهو غنيٌّ بالمغزى والرموز ، وهو ككلّ عملية إبداع ، يصدر عن فرد ، إلا أنه لا يحمل طابع الشعبيّة إلا إذا تبنته الجماعة ، فيصبح بذلك معبِّراً عن وجدانها ، حاملاً خبرتها وتجاربها ، راصداً تطوّرها، عاكساً اتجاهاتها ، ويتضمن : الأغاني ، الأساطير ، الأمثال ، الحكايات ، النوادر ، السير … إلخ .(1) تم تناول شخصية جحا بين الواقع التاريخيّ والرمز الفني، وذلك من خلال شخصيّة جحا العربيّ، والتركيّ، والمصريّ فيقول عن جحا المصري: لعل النموذج الجحوي لم يلق من الذيوع والانتشار في العالم العربيّ مثلما لقي في البيئة المصرية، على الرغم من أنه شخصيّة غير مصرية، وإنما عرفته البيئة المصرية رمزًا فنيًّا منقولًا إليها، له أسلوب فنيّ مميّز في الحياة والتعبير، في إطار فنيّ أثير لدى الشخصيّة المصريّة، والمزاج المصريّ، هو إطار السّخرية والتندّر والفكاهة، فتلقفته نموذجًا فنيًّا وشعبيًّا.(2)

 ” جحا ” شخصيّة فكاهيّة دخلت الحكايات الشعبيّة الجزائريّة عن طريق التلاقح الثقافيّ حيث انتشرت في كثير من الثقافات القديمة ونسبت إلى شخصيّات عديدة عاشت في عصور ومجتمعات مختلفة، ويرمز به عادة للدّهاء والذكاء الخارق الذي لا يضاهى وقد صار اسمه في الحكايات الشعبيّة الجزائريّة ” بجحا الجزائريّ”  ونجد له نظيرًا في الثقافات العربية والأجنبية مثل العراق، تركيا وبلاد الشام.(3) وفي ضوء غلبة الرمز الفنيّ على الواقع التاريخي للنموذج الجحوي في الأدب العربيّ ، غاب عن بال الكثير من القرّاء أن جحا العربيّ شخصيّة حقيقية ذات واقع تاريخيّ ، وأن نسبه ينتهي به إلى قبيلة فزارة العربيّة .. إذ ولد في العقد السادس من القرن الأول الهجري وقضى الشطر الأكبر من حياته في الكوفة .. وبذلك تخبرنا كتب التراث العربيّ ، وبخاصة كتب الأدب والتراجم والسير.(4) ، ومثلما تردّد اسم جحا في بعض مؤلفات القرن الثالث والرابع والخامس للهجرة فإنّه تردّد أيضاً في بعض مؤلفات القرن السادس وأنه لا يزال ذائع الصيت ، حتى لنجد الميدانيّ الذي ( توفي في سنة 518 هـ ) في ” مجمع الأمثال ” يدون – من أمثال عربية في الحمق، هذا المثل .. ” أحمق من جحا “.(5)

من يكون جحا :

جحا هو ( دجين بن ثابت ) وأورد ابن حجر في ( لسان الميزان ) ترجمة لمحدّث من أهل البصرة اسمه ( دجين بن ثابت اليربوعي ) وكنيته ( أبو الغصن ) ( 130هـ – 747م). يضرب به المثل في الحمق والغفلة ، كانت أمه خادمة لأم ( أنس بن مالك ) ، وفي فهرست ( ابن النديم ) من الكتب المصنفة في أخبار المغفلين ( نوادر جحا ) وهذا غير كتاب ( نوادر جحا ) المطبوع بمصر وبيروت المترجم عن التركيّة المنسوبة أخباره إلى جحا الرومي المعروف ( بخوجة نصر الدين ) ، وقد دخلت حكايات نوادر جحا العربيّ في جملة ما ترجم إلى التركيّة من كتب العرب.(6) الأكثر عجبا أن هناك أممًا أخرى يدّعون أن أصل نسبه ينتمي إليهم  وأكثر من ينافح  بأنه  منهم، الفرس  والأتراك والأرمن  الأتراك صنعوا له تمثالًا كبيرًا في تركيا لإصرارهم أنه منهم.

فليكن جحا من أي جنسية كانت يكفينا  أنّ نستمتع بنوادره وحكاياته  المختلفة  وطبائعه المتناقضة .(7)

جحا .. والإبداع الجمعي

على الرغم من محاولات بعض الباحثين المحدثين تحديد شخصية جحا، فإن المرحوم عباس العقاد يقول فى كتابه (جحا الضاحك المضحك) : ” شيء واحد ثابت كل الثبوت فى أمر جحا. ذلك الشيء الثابت – قطعا – أنه لم يكن جحا واحدا ، ولا يمكن أن يكونه لأن النوادر التى تنسب إلى جحا لا تصدر من شخص واحد”.(8) يستحيل أن تصدر هذه النوادر عن شخص واحد لأن بعضها يتحدث عن أناس في صدر الإسلام ، وبعضها يتحدث عن أناس في عصر المنصور العباسي أو عصر تيمور لنك أو ما بعده من العصور بأجيال.. ويستحيل أن تصدر عن شخص واحد لاختلاف الشخصيات التي تصورها في مجموعها ، فمنها ما يكون التغفيل فيه من  جحا ، ومنها ما يكون فيه جحا صاحب الذكاء النادر والطبع الساخر الذي يكشف عن الغفلة ويتندّر على البلاهة ، ومن هذه الشخصيات من تتمثل فيه الحماقة بغير مراء ، ومنها ما يتحامق ويبدو في كلامه وتمثيله أنه يتكلف ما يعمل وما يقول استهزاء منه بمن يدّعون الحكمة والذكاء.(9)

 لقد ازدهر الأدب الجحوي بعد النهضة الشرقية الحديثة ، فظهرت المؤلفات عنه على مناهج شتّى ، يقتبس بعضها من نوادره للأغراض التعليمية ، ويستخدم بعضها هذه ” الشخصية ” لأغراض النقد الاجتماعي على طريقة جحا في التحامق والحكمة التي تجري على ألسنة المجانين، ويعني بعضها بالإحصاء التاريخي والاستقصاء في تدوين الروايات والأسانيد ، ويرجع هذا الازدهار في الأدب الجحوي بعد عصر النهضة الحديثة إلى العناية بإحياء الآثار السلفية كما يرجع إلى شيوع النقد الاجتماعي بإسلوب الجدّ والفكاهة.(10) وعلى الرغم من أصالة الشخصية الجحوية في أدبنا الشعبي – من حيث الواقع التاريخي – لم يكن كلّه من تأليف أو إبداع جحا ، ( أبي الغصن دجين بن ثابت الفزاري ) بل كان تعبيراً جمعيّاً من إبداع الشعب العربي بعامة – ترسيباً للتجربة ، ونزوعاً إلى السمر في وقت معاً . فأعلن على لسان جحاه – الرمز أو النموذج أو المشجب الفني – تأملاته في الحياة والأحياء ، ومواقفه في الواقع الإنساني ، وتصوراته السياسية والاجتماعية ، ورؤيته للقيم والمثل والمعايير كما ينبغي أن تكون ، في صياغة جمالية ، توسلت فيها بقالب أو شكل فنيّ مميّز هو فن الحكاية المرحة ، أو ما عرف في بيئاتنا الأدبية باسم النوادر  ، وبخاصة تلك التي اتخذت من جحا بطلاً محوريّاً لها ، وتتمثل عبقرية الفلسفة الجحوية ، أو بالأحرى عبقرية الشعب العربي في أمرين : أحدهما : في أسلوب هذه الشخصية في المواجهة ، حيث اكتشفت بعبقريتها أن المأساة يمكن أن تتحول إلى ملهاة ، في ضوء الحالة النفسية التي نواجه منها وقائع وأعباء الحياة ، فاندماج الإنسان – كما نعلم – في بؤرة الحدث أو الموقف يضنيه ، وخروجه وفرجته عليه يسري عنه ، وقد يضحكه ، وهكذا استطاع جحا أن يكابد الحياة ، ويضطرب فيها ، وأن يخلق من نفسه شخصاً آخر بعيداً عن الأول ، يتفرج عليه ويسخر منه. وهكذا تحولت المآسي عنده إلى طرائف ومِـلح – ذات طابع إنساني – تخفف عنه وتسري عن أفراد الشعب العربي تأسياً به … والآخر في ” تنميط ” هذه الشخصية .. فلم يكن الحمق أو الغباوة السمة الغالبة عليه ولكنه التحامق أو الذكاء الباحث عن جوهر الحقيقة .(11)

 جحا / حريّة للنقد والسخرية :

يخطئ مَنْ يظن أن التراث الشعبي – باعتباره سجلّ الطبقات الفقيرة والمطحونة والمهمشة – خال من النقد والسخرية وإثارة الضحك ، لأنه في الواقع يحتوى على الكثير منها ، بل إنها تتميّز فيه بمقدار أكبر من الحريّة ، لكنها الحريّة التي تخلو من ذكر أسماء أصحابها . وهذا أمر طبيعي . فالذين كانوا يوجّهون النقد أو يستخدمون السّخرية لم يكن من السهل عليهم أن يعلنوا عن أنفسهم خوفًا من التنكيل والتضييق ، ولذلك كانوا ـــ كما يفعل منتجو النكتة في عصرنا الحاضر – يطلقونها ثم يختفون . ومن المؤكد أن أصدقاءهم وجيرانهم كانوا يعرفونهم جيدا ، لكنهم كانوا أيضا يحافظون على أرواحهم .. التى لم يكونوا يملكون سواها ! وهذا ما ينطبق ببساطة على نوادر جحا ، وعلى شخصيته العجيبة ، التي وجدت في التراث الشعبي لدى كل من : العرب ، والأتراك ، والإيرانيين، والاكراد ، والبلغار ، والأرمن ، واليوغسلاف ، والمالطيين ، والإيطاليين .. كما أنها عبرت مختلف العصور ، حتى نسبها بعض المؤرخين العرب إلى أحد التابعين ، أي في القرن الهجري الأول ، واستمرت في النزول خلال عهد الأمويين ، ثم العباسيين ، ثم العثمانيين ، والمغول ، والمصريين . (12)
 

التراث البحرينيّ والرمز جحا :

إنّ لجحا اسماً كبيراً وحضوراً مدهشاً في البحرين . الرجل الذي حفظ الناس حكاياته الحكيمة والظريفة، حظي باهتمام أهل البحرين قديماً وحديثاً. وبعيداً عن أصله ومن أي البلاد هو، صاحب البحرينيون جحا، حتى عدّوه واحداً منهم يعيش بين ظهرانيهم، ونسجوا له من القصص، ما يوافق بيئتهم، بل زادوا وأضافوا الكثير من المقالب والمواقف، ما جعله يفوز بالقدح المُعلّى من الاهتمام والإكبار. أمر مدهش بالفعل أن تعيش شخصية كل هذا البهاء!. لقد استطاعت أن تدخل مجالي التراث والأدب من أوسع الأبواب، وأن تنسخ منها شخصيات شتّى، وأن تنسج لها حكايات هي الآن سلوة السمار في مجالسهم، وأداة المعلمين في دروسهم، ومنبع الكُتّاب في إبداعهم!. (13)

               في البحرين شاعت النوادر الجحوية ، وها نحن اليوم نسمع بعض الأمثال المتداولة بين البحرينيين ، تلك الأمثال التي هي عنوان لبعض النوادر وتجري مجرى المثل الشعبي منها مثلاً :

وين أذونك يا جحا :

هذا المثل معروف لدى الشعب البحريني ومتداول بكثرة ، إذ يقال في الحالات التي تتعلق بالجدال والمحاورة وحينما نعرف أنّ الإنسان يلف ويدور مراوغًا كي يخفي موقفه.
 

وعند البعض تقال : يا جحا وين إذنك؟

ربما اقترنت عبارة «وين أذنك يا جحا» باسم جحا جزافا. والمقصود هنا هو جحا العربي (أبو الغصن ) ، وتنتقد تلك العبارة التعقيد وسلوك الطرق الصعبة الملتوية بدلا من السهلة المباشرة. وإذا كان من جهة تصح عليها تلك العبارة فهي بعض قطاعات الخدمات التي تعشش في زواياها البيروقراطية، ولديها قدرة فائقة على تعقيد ما هو معقد بطبيعته.(14)

حين سألوا جحا :  “يا جُحا أين أُذُنك؟” فرفع يده اليمني ولفها خلف رقبته ليشير إلى أذنه اليسرى! منذئذٍ صارت عبارة “يا جحا أين أذنك” تطلق على من يلف ويدور حول أمر ما بشكل ممجوج.(15)

مسمار جحا

وأيضاً ..

جحا وحماره
المثل ( مسمار جحا ) يُضرب فى اتخاذ الحجة الواهية للوصول إلى الهدف المراد ولو بالباطل. وأصل الحكاية أن جحا كان يملك داراً، وأراد أن يبيعها دون أن يفرّط فيها تماماً، فاشترط على المشتري أن يترك له مسماراً في حائط داخل المنزل، فوافق المشتري دون أن يلحظ الغرض الخبيث لجحا من وراء الشرط، لكنه فوجئ بعد أيام بجحا يدخل عليه البيت. فلما سأله عن سبب الزيارة أجاب جحا: جئت لأطمئن على مسماري!! فرحب به الرجل، وأجلسه، وأطعمه. لكن الزيارة طالت، والرجل يعاني حرجًا من طول وجود جحا، لكنه فوجئ بما هو أشد؛ إذ خلع جحا جبته وفرشها على الأرض وتهيأ للنوم، فلم يطق المشتري صبراً، وسأله?                                                       

ماذا تنوي أن تفعل يا جحا؟! فأجاب جحا بهدوء :      
سأنام في ظل مسماري!! وتكرر هذا كثيراً.. وكان جحا يختار أوقات الطعام ليشارك الرجل في طعامه، فلم يستطع المشتري الاستمرار على هذا الوضع، وترك لجحا الدار بما فيها وهرب!!(16)
    حكاية مسمار جحا صار لها فيما بعد بُعد سياسيّ فقد انتشرت كالهشيم  وكذلك  جحا وحماره  فقد وضعت لهم القصص والحكايات المختلفة  والهادفة ـ منها هذه الحكاية ـ  طرق باب جحا جاره يطلب استعارة حماره فقال جحا ان حماري غير موجود  فإذا بالحمار ينهق من الزريبة فقال الجار هذا حمارك في الزريبة فرد جحا .. انك رجل قليل الحياء  تكذّبني وتصدّق حماري فطرده .  فهذه الطرفة ليست للإضحاك  وإنما لها بعد آخر 0 وعندما ضاع حماره قيل له لماذا تضحك؟  فقال لأنني لم أكن فوقه وإلا لضعت معه. وأخرى بنفس المعنى ضياع ثوبه فقال لأنني لم أكن فيه وإلا لضعت معه بمعنى لأنني لم أكن متواجدًا وإلا لضعت  وضيعوني  !(17)
وقد اشتهر حمار الشيخ نصر الدين الرومي «جحا» في التراث العربي، وليس هناك ما هو اشهر منه سوى «حمار الحكيم» الذي ورد ذكره في رواية توفيق الحكيم والذي كان يعبّر دائما عن فلسفة توفيق الحكيم وروحه الساخرة ومن خلال الحمار استطاع «جحا» ومن ورائه الشعوب العربية ان يعبّروا عن الكثير من جوانب الفلسفة والحكمة الإنسانية.(18)
يشار إلى أن ” جحا وحماره ” يجري مجرى المثل حيث يطلق ” على الشيئين المتلازمين / لا ينفصلان عن بعضهما ، كحال ” جحا وحماره”.(19)
(( الخلاصة )) :-
 الخلاصة من الناحية التاريخية – وهي أقل النواحي ثبوتاً وأهميّة في هذا المبحث – أننا نستطيع أن نتقبل أبا الغصن جحا كما ذكره الميدانيّ في أمثاله كأنه شخصيّة تاريخيّة لا غرابة في وجودها ولا داعي للشك في امكان وقوع النوادر المنسوبة إليها ، فإن الذين يشبهون أبا الغصن هذا في غفلته وسهواته يوجدون في كل بيئة ، وفي كل زمن ، وأن تنوعت المناسبات والأحوال التي تكشف للناس عما طبعوا عليه من الغفلة.(20)
أصبحت كلمة (جحا) الآن كافية للتعبير عن كل جحا، في كل عصر، وفي كل أمة كما أصبحت كلمة (خرافة) أيضاً كافية للتعبير عن كل حديث خيالي لا حقيقة له: قديمًا كان أو حديثًا، رائعاً أم سخيفًا، عربيّا أم أعجميّا، شرقيّا أم غربيّا، وقد اصبح الرمز الجحوي – على توالي الأجيال أشبه بالرمز الجبري.(21)
مهما كانت تلك الأبعاد التاريخية متضاربة في فحواها في تباين وجود  ” جحا لكل شعب ” بهيئةٍ تتفق في الشكل و المضمون ، لسنا هنا في وارد البتّ في إشكاليتها أو حتى المجادلة بشأنها ، فالهدف الأساس أن روح هذه الشخصية المميزة عابرة للزمن ولحدود الثقافات ، فـ.. جحا ربما يكون في الحيّ عندنا ، طريفًا بمواقفه و روحه البسيطة البعيدة عن التكلّف لكنه ينتمي لزمن مختلف وحسب ، لو تأملنا بلا شك سوف نجده في الجوار!
 (( النتائج )) : –
 
  •  تعرفنا من خلال هذه الورقة أن جحا هو ..أبو الغصن دجين بن ثابت الفزاري .
  • النوادر الجحوية كما مرّ علينا في ورقتنا هذه ليست بالضرورة صادرة عن جحا نفسه ، إنما حصيلة إبداع شعبيّ عابر للعصور.

 

  • ممارسة الحريّة في النقد الاجتماعي و السياسي هو بمثابة السبيل للتغلب على أوجاع ومتاعب الواقع المعيش ، فكان جحا هو الرمز.

  • التراث الجحوي ترك بصمات واضحة في المنطوق الشفهي البحرينيّ كما العربيّ بلا انفصال عنه من خلال بعض الأمثال المحلية التي تم ذكرها.

(( الـــــتوصـــيات )):-

  • أهمية توسيع رقعة البحث العلميّ في شخصية جحا بغية إنارة جوانب كثيرة غير معروفة عن هذه الشخصية وذلك عن طريق تحقيق وشرح كتب التراث و التاريخ التي لم يُلتفت إليها بعد .

  • ضرورة إعادة إنتاج التراث الجحوي بما يتوفر من أدوات العصر الراهن ، كأن يتم إنتاج مسلسلات درامية ترسخ شخصية جحا في أذهان العامة أو تحويلها لشخصية كرتونية تعكس الأبعاد التربوية لفائدة الطفل العربي ولتكون بديلا عن الإنتاج الأجنبي .

  • تقع  على عاتق الجهات  الثقافية العربية مسؤولية عقد مؤتمر سنوي يركز جلّ مبحثه العلمي و الثقافي على هذه الشخصية و تحفيز الباحثين و المهتمين بعمل بحوث و دراسات معمّقة ، بحيث نقدّم جحا للعالم كنموذج لشخصيّة العربيّ الضاحك و المحب للحياة على نقيض صورة الإرهابيّ المتعطش للدم كما يروج الخطاب الإعـلاميّ الغربيّ.

  • بذل جهود حثيثة في الترجمة لتعريف مختلف ثقافات العالم بشخصية جحا و اعتباره رمزا ثقافيا وخير سفير للعالم العربي.

  •  إفساح المجال لاعتبار شخصية جحا ” تميمه ” على شكل دمية يتم إطلاقها ضمن المهرجانات التراثية و السياحية كي ما تنشر الفرح و السعادة وتؤكد حضورها في الأذهان في أوساط العامة .

  •  محاولة جمع ما يتوفر من التراث الشعبيّ الخليجيّ الذي تمحوّر حول شخصية جحا من حكايات و نوادر بغية توثيقها ونقلها من محيطها الشفاهيّ إلى حيز التدوين .
  • تفعيل مهرجانات مسرحية ( كوميدية ) تستقي مضمونها الفني من شخصية جحا لتحفظ حضورها في أذهان الجماهير العربية ضمن معالجات فنية حديثة في إيقاعاتها تصبّ في خلق مسرح متمسك بالتراث العربي يخفف من وتيرة العروض الاستهلاكية التي لا ترتقي بذائقة المشاهد العربي .
                                                              

المراجع المعتمدة :

1-الضحك والفكاهة الشعبية – مقاربة ، علي هاشم ، أنتروبوس : الموقع العربي الأول في الأنثروبولوجيا والسوسيوأنثروبولوجيا .

2- نفس المرجع السابق.
3- جزايرس، شخصيات شعبية جحا رمز الدهاء ، نشر  يوم 09 – 07 – 2012، محرك بحث أخباري” الكتروني “
4- محمد رجب النجار ، جحا العربي ، دار السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع ، الطبعة الثانية ، 1989 ، ص 17
5- محمد رجب النجار ، جحا العربي ، الطبعة الثانية ، 1989 ، دار السلاسل للطباعة والنشر والتوزيع ، ص 24
6- سامر محيي الدين ، موسوعة قصص وطرائف ونوادر العرب، ص 257، الطبعة الأولى ، 2004، دار عالم الثقافة، الأردن.
7- اقرأ المزيد من عدن الغد | جحا بين السياسة والتهريج http://adengd.net/news/30854/#ixzz4HhilX500
8- أ.د. حامد طاهر ، نوادر جحا- تراث شعبى ونقد اجتماعى ، نسخة الكترونية .
9- عباس محمود العقاد ، جحا الضاحك المضحك ، المكتبة العصرية ، صيدا – بيروت ، ص 96
10- عباس محمود العقاد ، جحا الضاحك المضحك ، المكتبة العصرية ، صيدا – بيروت ، ص 132
11- هشام بنشاوي ، بلاغة السخرية في تراثنا العربي ، دراسات ، مجلة البحرين الثقافية ، العدد 84 ، ابريل 2016
12- أ.د. حامد طاهر ، نوادر جحا- تراث شعبى ونقد اجتماعى ، نسخة الكترونية .
جحـــا عـــاش فــــي البحـــريــــن
14- حسن السبع ، وين إذنك يا جحا ! ، العربية ، الأربعاء 08 جمادى الأولى 1434هـ – 20 مارس2013م.
15- حياة الياقوت ، مقال  يا جحا أين أذنك؟” والوقوع في فخ الإيقاع! ، دار ناشري للنشر الالكتروني.
16- المسيلة نيوز ، قصص قصيرة /  http://www.almiseelanews.com/?cat=148
17- أحمد علي عولقي عدن الغد | جحا بين السياسة والتهريج http://adengd.net/news/30854/#ixzz4Hhh8elKO
18- عبدالله الهدلق ، الحمار رمز الفلسفة والحكمة الإنسانية ، الوطن – موقع تلفزيون الوطن. http://alwatan.kuwait.tt/articledetails.aspx?id=187579
19- أحمد علي عولقي عدن الغد | جحا بين السياسة والتهريج http://adengd.net/news/30854/#ixzz4Hhh8elKO
20- عباس محمود العقاد ، جحا الضاحك المضحك ، المكتبة العصرية ، صيدا – بيروت ، ص 136
21- الأستاذ كامل كيلاني ، مجلة الرسالة/العدد 683/ تاريخ جحا https://ar.wikisource.org/wiki/%D9%85%D8%AC%D9%84%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%B3%D8%A7%D9%84%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%AF%D8%AF_683/%D8%AA%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%AE_%D8%AC%D8%AD%D8%A7

مصدر الصورة :

https://www.google.com.bh/search?q=%D8%AC%D8%AD%D8%A7&biw=1012&bih=476&source=lnms&tbm=isch&sa=X&ved=0ahUKEwiytvqoroXRAhWH2RoKHZj6AkAQ_AUIBigB#imgrc=MM1JJpwzpZJBSM%

3A

زر الذهاب إلى الأعلى