تدوين السنة في عهد الصحابة ، ومراحل التدوين

ماهو التدوين

التدوين لغة: تقييد المتفرق وجمعه في ديوان.
قال في تاج العروس: “وقد دونه تدوينا جمعه”.
والديوان: مجتمع الصحف.
وفي الإصطلاح: يستعمل التدوين بمعنى التصنيف.

نشاء التدوين وتطور

كان العرب قبل الإسلام يهتمون بالرواية، وكان عليها اعتمادهم في حفظ أشعارهم وأنسابهم وأخبارهم وخطبهم، فقد كانت لديهم ملكة الحفظ وقوة الذاكرة، فلم يكونوا يعتمدون على الكتابة، ولذلك قلت الكتابة فيهم، وقل عدد الكتاب، ووصفوا بأنهم أمة أمية، كما جاء ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى: {هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم}.
كما جاء هذا الوصف في الحديث على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا». أخرجه البخاري ومسلم
وهذا لا يعني أنه لا وجود للكتابة في مجتمع مكة والمدينة، بيد أن عدد الكتاب كان قليلا، وما إن اتسع الإسلام وانتشر في جزيرة العرب، حتى انتشرت الكتابة على نطاق واسع نظرا لأن القرآن الكريم حث على الكتابة في قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه}. واهتم النبي صلى الله عليه وسلم بتعليم أبناء المسلمين الكتابة.. وأذن لأسرى بدر أن يفتدوا أنفسهم بتعليم أبناء المسلمين القراءة والكتابة على أن يقوم كل أسير بتعليم عشرة من صبيان المسلمين حتى يطلق سراحه.
وظهر من الصحابة عدد كبير ممن كان يعرف القراءة والكتابة، ومنهم عبد الله بن سعيد بن العاص، وسعد بن الربيع الخزرجي، وبشير بن سعد بن ثعلبة، وأبان بن سعيد بن العاص وغيرهم.
وقد قام بعض الكتاب بتدوين القرآن الكريم، وكتب القرآن جميعه بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد كتب في عهده صلى الله عليه وسلم مفرقا في العسب واللخاف.

نماذج من الصحف التي دونها التابعون

توسع التابعون في كتابة الحديث ومن أسباب ذلك التوسع ما يلي:
أ- انتشار الروايات وطول الأسانيد، وكثرة أسماء الرواة وكناهم وأنسابهم.
ب- موت كثير من حفاظ السنة, فخيف بذهابهم أن يذهب كثير من السنة.
ج- ضعف ملكة الحفظ مع انتشار الكتابة.
د- ظهور البدع والأهواء وفشو الكذب.
هـ- زوال كثير من أسباب كراهية الكتابة.
وقد ذكر الدكتور محمد مصطفى الأعظمي في كتابه: (دراسات في الحديث النبوي وتاريخ تدوينه) عددا كبيرا من الصحف التي دونها التابعون، منها صحيفة أوصحف سعيد بن جبير (تلميذ ابن عباس)، وصحف مجاهد بن جبر المكي (تلميذ ابن عباس)، وصحيفة أبي الزبير محمد ابن مسلم المكي (تلميذ جابر بن عبد الله)، وصحيفة أيوب بن أبي تميمة السختياني، وصحيفة هشام بن عروة، وغير ذلك من الصحف التي رويت عن التابعين، وكانت هي الأساس الثاني لما صنف في القرنين الثاني والثالث.

التدوين الرسمي للحديث

أخرج البخاري في صحيحه عن عبد الله بن دينار قال:«كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: انْظُرْ مَا كَانَ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاكْتُبْهُ فَإِنِّي خِفْتُ دُرُوسَ الْعِلْمِ وَذَهَابَ الْعُلَمَاءِ، وَلَا تَقْبَلْ إِلَّا حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْتُفْشُوا الْعِلْمَ وَلْتَجْلِسُوا حَتَّى يُعَلَّمَ مَنْ لَا يَعْلَمُ فَإِنَّ الْعِلْمَ لَا يَهْلِكُ حَتَّى يَكُونَ سِرًّا».
وفي كتاب جامع بيان العلم وفضله ، عن ابن شهاب الزهري قال:«أمرنا عمر بن عبد العزيز بجمع السنن فكتبناها دفترا دفترا، فبعث إلى كل أرض له عليها سلطان دفترا».
وفي سنن الدارمي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أهل المدينة:«انظروا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبوه فإني قد خفت دروس العلم وذهاب أهله».
وأخرج ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله بسنده إلى الإمام مالك قال:«أول من دون العلم ابن شهاب الزهري».
والمراد بهذا التدوين: التدوين الرسمي الشامل الذي اتخذ صيغة العموم، وتداولت الأمة صحفه المكتوبة بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز، فجعل الصحف مرجعا متداولا معتمدا لا يختص بصاحبه فقط، ولم يلبث التدوين المبوب المرتب أن انتشر بعد ذلك في منتصف القرن الثاني، فجمعت الأحاديث في المجامع والمصنفات.

زر الذهاب إلى الأعلى