مقدمة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين، أما بعد:
فإن الدعوة إلى الله تعالى، تبدو في هذا العصر، وعلى المستوى الإنساني كله، شاقة وعسيرة.
كما تبدو مهمة الدعاة داخل المجتمعات التي يعيشون فيها أو خارجها، معقدة ومتشابكة.
ولكن ذلك، لا يعني أن يقل الجهد في أداء الرسالة، أو ينصرف الدعاة عن مواجهة الصعاب، التي تعترضهم في أداء مهمتهم.
إن الدعوة إلى الله، وإلى الدين الحق، وإلى إصلاح النفوس والقلوب، على المستوى الإنساني كله، هي رسالة الأمة الإسلامية، إلى الناس جميعا.

ويجب أن تسير في أداء هذا الواجب، على هدي الرسول- صلوات الله عليه وسلامه- الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق إلى الناس جميعا،
وقد وعد الله سبحانه بظهور الإسلام 
وظهور الإسلام على الدين كله، يتحقق بالدعوة إلى الله تعالى، التي تحتاج في هذا العصر إلى التخطيط، واختيار أساليبها المناسبة، ومعرفة الواقع الذي يحياه الناس، في داخل المجتمعات الإسلامية وخارجها.
كما تحتاج إلى إعداد الدعاة؛ ليكونوا أهلا لنشر كلمة الله بين الناس، لإصلاح القلوب والنفوس.

وفي كتاب الله تعالى، بيان لأساليب الدعوة التي تخاطب العقول والنفوس:
وفي السنة الشريفة القولية والفعلية، المثل الأعلى في ممارسة الدعوة، ومخاطبة الناس، وإصلاح النفوس، وتزكيتها.
وفي عهد النبوة، تقررت أصول الدعوة وآدابها، والسنن التي تسير عليها، على اختلاف المخاطبين، في العقول والأفهام والظروف والأحوال.
ومعرفة هذا مما يجب أن يتسلح به الداعي إلى الله، وهو أول العلم في الدعوة، وأصدق التجربة فيها، وخير دليل لتحقيق المقصود منها.
ولا يستقيم عمل الدعاة في أي زمان ومكان، إلا بالعلم بالكتاب والسنة، ومدارسة علوم الإسلام، عقيدة وشريعة، والتحلي بفضائل الإسلام، واتباع سنة الرسول r في الإبلاغ والإعلام، والنصح والإرشاد، والشرح والبيان، للمخاطبين بالدعوة، على اختلاف الظروف والأحوال.
وفي هذا العصر بالذات، يحتاج ظهور الإسلام على الدين كله، إلى دعاة يظهرونه بعلمهم، وقدوتهم في مسلكهم، ومعرفتهم بأحوال الناس، وما يشغل حياتهم من أمور الدين والدنيا.
لقد جدت قضايا عديدة، شغلت عقول الناس وفكرهم ونالت حظا وافرا من اهتمامهم وسعيهم، وينبغي أن يكون الدعاة إلى الله، على علم بهذه القضايا، وما يراد منها، والقائمين بها، وما فيها من خير للناس أو شر.
وأهم من ذلك، أن يضعها الدعاة إلى الله تعالى على ميزان الإسلام، فتوزن به، وتقوم على أساسه، حتى يتميز الخبيث من الطيب، في الأفكار والأعمال، وحتى يعرف المسلمون حقيقة ما يعرض عليهم، ويميزون بين ما ينفعهم منه، فيستفيدون منه، وما يضرهم في دينهم ودنياهم، فيعرضون عنه.
وحين يتعرف الدعاة على حقيقة القضايا التي تثار بين الناس، باسم حقوق الإنسان، أو المساواة بين الرجل والمرأة، أو التسامح الديني، يستطيعون بما عندهم من علم بكتاب الله تعالى وسنة رسوله r وبما يعرفونه عن حقيقة هذه الدعوات، وأحوال أهلها والقائمين بها، والأهداف التي ترمي إليها، أن يكونوا هداة للناس إلى الحق فيما يثار، ودعاة إلى الخير، وروادا للإصلاح في مجتمعاتهم.
وبذلك يظهر الإسلام على الدين كله.
وفي هذه الصفحات، ألقي الضوء على قضية تثار في هذه الأيام، ويزداد الإلحاح على أهميتها، وهي قضية حقوق الإنسان.
إن المصطلح جذاب، يغري كثيرا من الناس، والمبادئ براقة، قد ينخدع بها المسلم المعاصر.
ومنذ أكثر من أربعة عشر قرنا، والمسلمون يسمعون عن كرامة الإنسان، والتسوية بين الناس، والتكافل والتراحم بينهم، بل إن المسلمين منذ ظهور الإسلام، وهم يقرؤون آيات الكتاب العزيز، وأحاديث المصطفى r ترشدهم، وتهديهم إلى هذه المعاني السامية.
ولكن الخطر كل الخطر، والضرر كل الضرر، على المجتمعات الإسلامية، يظهر حينما نوازن بين الشعارات التي تأتينا من كل حدب وصوب عن هذه المبادئ، وبين مفاهيمنا الإسلامية عنها.
فنحن نعرف من ديننا كرامة الإنسان، والمساواة بين الناس، والشورى، والتكافل، والتراحم بين الناس.
فهل ما يدعون إليه، هو ما نعرفه، وما نفهمه عنها، في ديننا؟
فالمبادئ، جذابة وبراقة، وربما تكون المصطلحات واحدة، ولكن ما هو المضمون؟ وما هي المفاهيم؟ وما أثر ذلك في عقيدتنا وأخلاقنا وسلوكنا، حين تخدعنا المبادئ والشعارات وحدها، دون أن نحقق في مضمونها، وفي المفاهيم التي تندرج تحتها؟
المقصود في هذا البحث، أن نتعرف على الحقيقة في قضية حقوق الإنسان، كما تثار في عالمنا المعاصر، وأهم من ذلك، أن نضع شعاراتها، ومفاهيمها، ونتائجها، في ميزان الإسلام، قاصدين من ذلك، الدعوة إلى سبيل الله، وإرشاد المسلمين إلى الحق، وهدايتهم إلى الخير، وإصلاح دينهم ودنياهم:
                                                              والله المستعان.
                       عبد الله بن عبد المحسن التركي
          وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد

حقوق الإنسان في الفكر الغربي

تظفر قضية حقوق الإنسان، بأهمية كبرى في العصر الحديث، على مستوى الشعوب والدول والمنظمات الدولية.
ويعد الميثاق العالمي لحقوق الإنسان الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في10/12/1948م ، تتويجا لحضارة الغرب، ولجهود المفكرين والمصلحين فيه في العصر الحديث.
وقد صدر الميثاق بعد نهاية الحرب العالمية الثانية بسنوات قليلة، تعبيرا عن الرغبة في وحدة البشرية، ووحدة حقوق الإنسان، في المجتمع الدولي، الذي قاسى من ويلات الحرب.
وكان تناسي حقوق الإنسان، أو إهمالها، قد أفضى إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، كما ورد في الميثاق.
ولذلك، دعا في مقدمته إلى توطيد احترام الإنسان وحرياته، والعمل عن طريق التربية والتعليم، واتخاذ إجراءات قومية وعالمية؛ لضمان الاعتراف بحقوق الإنسان، ومراعاتها بصورة فعالة، بين الدول الأعضاء في المنظمة العالمية، وكذلك بين الشعوب الخاضعة لسلطانها.
لقد توج الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، جهودا كثيرة لمفكرين وفلاسفة من الغرب.
وترجع هذه الجهود إلى القرن الثالث عشر الميلادي، حينما صدرت الماجنا كارتا سنة 1215م في إنجلترا، التي اكتسب الشعب الإنجليزي بمقتضاها، حقه في تجنب المظالم المالية، التي كانت توقعها به السلطة وقتذاك.
وقد تضمنت وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي سنة 1776م ما يعد من حقوق الإنسان، بتأكيدها على الحق في الحياة والحرية والمساواة.
وأصدرت الثورة الفرنسية وثيقة إعلان حقوق الإنسان في 26 / 8 / 1789م، وهي تعد إعلانا عن هذه الحقوق.
     وهكذا سبقت هذه المواثيق، الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، الذي يعد خطوة هامة وحاسمة، بعد جهود المفكرين والفلاسفة الأوروبيين لعدة قرون، والتي استهدفت حماية الشعوب من المعاناة والآلام، التي كانت ترزأ تحتها من السلطات الإدارية والدينية في أوروبا، خلال عصور الظلام، وبدايات عصر النهضة الأوروبية.
تلك المعاناة التي ترجع إلى استبداد الحكم الإقطاعي ورجال الكنيسة، واندفاع الكنيسة إلى محاربة كل الاتجاهات الفكرية، التي تسعى إلى تحرير عقل الإنسان ونفسه.
وهذه العوامل كلها، لم يكن لها وجود في الإسلام، عقيدة وشريعة، أو حضارة.
وثمة مسألة، ينبغي ذكرها، وهي:
أن فكرة حقوق الإنسان هذه، التي نشأت في داخل القارة الأوروبية، استخدمت في تحرير الإنسان الأوروبي من طغيان السلطة ورجال الكنيسة، ولم تمتد هذه الفكرة، لتشمل بالحماية شعوبا بأكملها، خضعت للاستعمار الأوروبي في العصر الحديث، بل لاقت منه من المظالم والاستبداد، كل ما يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان.
إن الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، والذي يربط البعض بينه وبين ميثاق الأمم المتحدة، قد ركز النظر على حقوق الإنسان على المستوى الدولي.
ولم تصبح هذه القضية في كل دولة، خاضعة لاعتبارات السيادة الوطنية، بل امتزج الاعتراف بهذه الحقوق وممارساتها بطابع دولي، ولم تعد علاقة الدولة بالفرد خارجة عن إطار القانون الدولي، ولا تهم سوى القانون الداخلي.
بل أصبح لها طابعها الدولي المميز، والذي جعل موضوع حقوق الإنسان يخرج من إطار النسبية الزمانية والمكانية، التي كانت تستغل من جانب النظم الاستبدادية، كالنازية والفاشية والنظم الماركسية، في إهدار كرامة الأفراد، كما استغلت من جانب الدول الاستعمارية، في التعامل غير الإنساني، وغير العادل، مع الشعوب التي كانت خاضعة لسلطانها في العصر الحديث.
غير أن لذلك الأمر، وهو الطابع الدولي لحقوق الإنسان، محاذيره.
فقد أصبح موضوع حقوق الإنسان، موضوعا متشابكا ومعقدا، يختلط فيه الفكر بالمواقف، وأصبح هذا الموضوع، يشغل العالم في الوقت الحاضر، وربما لعقود قادمة.
لقد أصبحت قضية حقوق الإنسان الآن، أحد أسلحة السياسة الخارجية للدول الكبرى، يبدو ذلك في استخدام قضية حقوق الإنسان، معيارا في تقديم المساعدات الدولية للدول النامية، فتحجب هذه المساعدات عن الدول التي تخالف، أو تتهم بمخالفة حقوق الإنسان، في نظر الدول القوية.
كما ظهرت فكرة إنشاء وظيفة “مفوض سامي” في الأمم المتحدة؛ لمراعاة تطبيق مبادئ حقوق الإنسان.
ولا يخفى ما يترتب على تنفيذ ذلك، من مشكلات في الواقع المعقد لنظام عالمي جديد، أعلن عن وجوده منذ سنوات، ولم تتبلور حتى الآن اتجاهاته وقيمه الأساسية وموازينه، مما يفتح الباب لصور من التدخل غير المسوغ في الشؤون الداخلية للدول، تحت شعار حقوق الإنسان. 

 

ومن ناحية أخرى، فإن أطرافا أخرى غير الدول والحكومات، أصبحت بمقتضى أهدافها وأنشطتها، ذات صلة كبيرة بالموضوع، مثل الجمعيات الأهلية، والمنظمات غير الحكومية، في البلاد المختلفة.
لقد كان للمنظمات غير الحكومية، أثر مهم في مؤتمر فينا لحقوق الإنسان، الذي انعقد في الفترة من 24 ذي الحجة 1413 هـ إلى 5 محرم 1414 هـ الموافق 14 25 يونيه 1993م، وشاركت فيه المملكة العربية السعودية بوفد على مستوى عال، برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية.
وكان عمل المنظمات غير الحكومية فيه، مكافئا ومناظرا للدول والحكومات.
مما يفتح الباب لمزيد من الاقتناع بالحق في التدخل الدولي في البلاد التي تتهم بخرق مبادئ حقوق الإنسان، في نظر هذه الدول، أو هذه المنظمات الأهلية، تحت ستار المحافظة على تطبيق مبادئ حقوق الإنسان. ومن بينها منظمات، رسخت عملها في هذا المجال، ولها تقاريرها التي لا تخلو من افتراءات، ولا تقيم وزنا للخصوصية الاجتماعية والثقافية والدينية للشعوب، إزاء نموذجها الغربي الوحيد.  

شاركها.