حملة تدعو الرجال للتوقف عن عادة تقبيل النساء على الخدّين تثير جدلاً في فرنسا

ما أن أطلقت رئيسة بلدية إحدى المدن الفرنسية الصغيرة، منذ أيام، حملة واسعة للتوقف عن عادة تقبيل الرجال للنساء على الخدّين بشكل تلقائي كتحية عند اللقاء، حتى ثارت التساؤلات حول حقيقة وواقع المساواة بين المرأة والرجل في كل نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في فرنسا. جاء ذلك، في الوقت الذي فاجأت فيه الممثلة الفرنسية المعروفة عالمياً كاترين دينوف، مُجتمع بلادها، بدفاعها عن حق الرجال في مغازلة النساء وإظهار الاهتمام لهن. وشاركت رأيها مع 100 امرأة فرنسية، فنانات وأكاديميات وكاتبات، نشرن رسالة في صحيفة “لوموند” للتحذير من نزعة فضائح التحرش الجنسي التي انطلقت من هوليوود نحو العالم. وقد أجمعت المُشاركات على أنّ تلك الحركة تتبنى كراهية الرجال والحياة الجنسية، وهو ما يخلق الشعور الدائم بأن النساء ضعيفات وضحايا.

وكانت رئيس بلدية موريت بمدينة غرونويل، أودي بيكار وولف، قد طالبت في رسائل إلى نظرائها رؤساء وأعضاء بلديات في جنوب فرنسا، بالامتناع عن تقبيل النساء على الوجنتين، مُعتبرة أنّ ذلك يُعتبر نوعاً من التمييز ضد النساء وعدم المساواة مع الرجل، وأنه حان الوقت لكي يغير الفرنسيون من سلوكهم الاجتماعي وعاداتهم المُتعارف عليها، وأن يعودوا إلى تحية النساء عبر المصافحة باليد، كما مُصافحة الرجال للرجال.

وأوضحت بيكارد وولف، أنّ مشكلتها مع هذا النوع من السلوك الاجتماعي ليس بسبب أنه غير ضروري، أو لأنه قد ينقل الجراثيم والأمراض، بل لأنه يجعل المرأة أقل ارتياحاً وفي مرتبة أدنى اجتماعياً.

في الحقيقة يندر أن تجد المرأة صالون تجميل خاص بالنساء فقط في باريس على سبيل المثال، إذ لا يسمح القانون بالفصل بين الرجال والنساء في أيّ مجال، حتى ولو كانت المرأة الفرنسية التي يُضرب بها المثل في عالم الأناقة، تحتاج إلى بعض الخصوصية في هذه الأمور الأهم بالنسبة لها، وذلك وفقاً لما قالته ستيفان كاربتنر، سيدة أعمال فرنسية.

فرنسا التي ترفع على الدوام، وفي كل مكان، شعارات الثورة الفرنسية “الحرية والإخاء والمساواة”، تعمل على المساواة بين الجنسين في جميع مجالات الحياة، وهذه بالفعل حقيقة دامغة، ففي المدارس، رغم أنّ عدداً كبيراً منها في باريس قد حُفر على الحجر في أعلى مدخلها عبارة “مدرسة للبنين”، ويبدو أنّ ذلك قد تمّ منذ عشرات السنين، إلا أنّ الاختلاط دون تمييز بين الذكور والإناث يتم بالفعل بنسبة 100% منذ مراحل الطفولة المبكرة، ويبقى الأمر كذلك في كافة الفصول الدراسية والأنشطة الرياضية المُختلفة، من الحضانة وحتى الجامعة.

أما في الحياة المهنية، فلا توجد أي مهنة ممنوعة على المرأة، بما في ذلك الشرطة والجيش وأعمال البلدية والحفر وتنظيف الشوارع وقيادة مختلف أنواع الحافلات، وصولاً للبرلمان والوزارة وأعلى المناصب السياسية، وهي بالتأكيد لا تحتاج لموافقة من أحد للعمل.

كما أنّ الزواج الديني غير معترف به لكافة الأديان، ولا يتم الاعتراف إلا بالزواج المدني الذي يجري عادة في دار البلدية بإشراف رسمي.

تمييز حقيقي
لكن لو نظرنا لحقيقة هذه المساواة من جوانب أخرى، لوجدنا أنّ التمييز قائم في الكثير من الأمور الأساسية في الحياة.

تقول سيلين برنارد، وهي مديرة مدرسة ابتدائية، أنا لا أحبذ على سبيل المثال إحدى أهم العادات والتقاليد في الزواج، الموجودة في المجتمع الفرنسي والغربي عموماً، والمُتعلقة باتخاذ المرأة لقب عائلة زوجها. فأن تقوم الزوجة بتغيير اسمها والاستغناء عن لقب عائلتها، لا يصب أبداً في إطار المساواة بين المرأة والرجل، متسائلة عن عدم قيام الزوج بهذه الخطوة بالمقابل، فهي برأيها عادة لا بدّ من العمل على إلغائها، ولا بدّ أن تحتفظ المرأة باسمها الكامل الذي تُعرف به مدى الحياة.

تمييز مادي
أما صوفيا روجيه، وهي موظفة بنك، فقد أعربت عن استغرابها من استمرار عدم المساواة بين الجنسين في الرواتب، وهي تؤكد بالفعل أن لا مهناً ممنوعة على النساء، لكن الطريق نحو المساواة في الجوانب المادية ما زال طويلاً في فرنسا، فالمرأة وفق إحصائيات رسمية تحصل على راتب أقل عن الرجل عندما يكون لديهما نفس الشهادات الجامعية والمهارات والخبرات المطلوبة، هذا إجحاف لا يليق بفرنسا، كما تقول.

تمييز لغوي
وهنا تتداعى للأذهان، قضية قواعد اللغة الفرنسية، وهي قضية لا يُستهان بها نظراً لمدلولاتها العميقة، وقد تمّت إثارتها في الأوساط الأكاديمية والمُجتمعية والحكومية نهاية العام الماضي، حيث رأى المطالبون بالمساواة بين الجنسين أنّ تغليب المذكر على المؤنث في قواعد اللغة هو تحيّز كبير ضد النساء، ولا مكان له في اللغة الفرنسية في عام 2018.

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي سبق وأعلن في مناسبات كثيرة أنّ المساواة بين الجنسين هي القضية الكبرى لفترة حكمه المُمتدة على 5 سنوات، وطالب باعتماد منهج دراسي لمكافحة التمييز ضد المرأة، وفشل بمنح زوجته لقب السيدة الأولى، مُطالباً بالمقابل بالقيام بأفعال كثيرة تجاه القضاء على التمييز والتحرش الجنسي، حيث تلقى امرأة حتفها كل ثلاثة أيام في فرنسا بسبب العنف.

زر الذهاب إلى الأعلى