أكد وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، أن الحب والتقدير اللذين كان يحظى بهما القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه” يعودان إلى الصفات النادرة التي اشتهر بها، ممثلة بالحب والعطف والرحمة والعطاء بلا حدود إلى جانب كونه رجل سلام من الطراز الأول عمل على بناء و تعزيز جسور الانفتاح والتسامح والعطاء قولاً وعملاً. وكشف الشيخ عبدالله بن زايد في حوار أجرته معه بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الدولة بمناسبة افتتاحه اليوم الأحد معرض “الشيخ زايد و أوروبا.. رحلة” في صرح زايد المؤسس بأبوظبي ويستمر لمدة شهر، عن جانب هام من علاقته بالوالد القائد المؤسس منذ نعومة أظفاره وكيف كانت أولى رحلاته معه إلى خارج الوطن وأجمل ذكرياته فيها.

وقال: “كان والدي رحمه الله يحب سرد القصص المليئة بالعبر، و لم يكن يوجهني بشكل مباشر حتى لا أنسى أو ربما ليرفع عني الإحراج وكانت الأمثلة التي يسوقها في سردياتها عميقة الأثر في تكوين شخصيتي”.

الرحلة الأولى
وفيما يلي نص الحوار:

هل لك أن تخبرنا عن رحلتك الأولى إلى أوروبا بصحبة الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “رحمه الله”؟ وهل لك أن تشاركنا بعض الذكريات التي لا تنسى حول هذه الزيارة بصحبة الوالد؟

-كانت رحلتي إلى سويسرا أولى الرحلات التي قمت بها برفقة الوالد رحمه الله، وكان من أفضل الذكريات المتعلقة بهذه الزيارة تجوالي برفقته سيراً على الأقدام في شوارع مدينة لوزان وتبادلنا لأطراف الحديث، كان رحمه الله يحب سرد القصص المليئة بالعبر لم يكن يوجهني بشكل مباشر حتى لا أنسى أو ربما ليرفع عني الإحراج و كانت الأمثلة التي يسوقها في سردياتها عميقة الأثر في تكوين شخصيتي، وما زالت سويسرا تحظى بسمعة رائعة في دولة الإمارات، وهي المكان المفضل الذي يقصده المواطنون الإماراتيون للزيارة.

جيل الشباب
ما الذي تريد من جيل الشباب أن يعرفوه عن الوالد المؤسس “رحمه الله” حول دوره كشخصية عالمية بارزة ودوره كأب؟

-يتساءل الكثير عن سر الإعجاب والحب الذي يحظى به الشيخ زايد سواء من المواطنين في دولة الإمارات أو من الناس في مختلف أرجاء العالم وأحب أن أقول باختصار إن السر يكمن في الصفات النادرة التي اشتهر بها الشيخ زايد والمتمثلة بالحب والعطف والرحمة والعطاء اللامحدود، وفي عالم تعصف به الصراعات والأزمات، كان الشيخ زايد رجل سلام من الطراز الأول حيث عمل على بناء وتعزيز جسور الانفتاح والتسامح والعطاء قولاً وعملاً.

وفي دولة الإمارات، كان الشيخ زايد كما يعرف الكثير من الناس، ليس والدي فقط بل كان أبا لكل مواطني الدولة و المقيمين على أرض دولة الإمارات على السواء، وقد كان رحمه الله ملتزما التزاماً تاماً بتحقيق رفاهيتهم وجلب السعادة لكل من يسكن معنا، كما أنه استثمر كثيراً في تنمية و تطوير دولة الإمارات، بهدف ضمان تقديم الخدمات المثالية لشعبه كبناء المدارس والجامعات والمستشفيات وملاجئ الأيتام وفي الوقت نفسه مد يد الصداقة والمساعدة للناس والشعوب في مختلف مناطق العالم.

وعمل بشكل دؤوب على منح المرأة الحقوق نفسها التي يتمتع بها الرجل وخلق الفرص لمواصلة تعليمها العالي والالتحاق بسوق العمل، وكان مجلسه مجمعاً للحوار والنقاش الصريح والمباشر مفتوحاً على الدوام للجميع كما كان يشجع ويدعو الناس للحضور إليه شخصياً لمناقشة أي مشكلة، صغيرة كانت أم كبيرة.

وعلى الصعيد العالمي، أرسى الشيخ زايد أسس السياسة الخارجية لدولة الإمارات، المستوحاة من حكمته الشخصية مراعياً تحقيق مبدأ الاعتدال استناداً إلى ضرورة ضمان مراعاة التوازن في العلاقات الدولية، والدفاع عن الحقيقة و تكريس العدالة، ومراعاة استخدام لغة الحوار والتفاهم مع جميع الأطراف، وأصبح هذا النهج المتوازن السمة الرئيسية لسياسة دولة الإمارات الخارجية.

ونال الشيخ زايد ثقة الزعماء العرب و الأجانب على السواء ما جعلهم يطلبون منه التوسط في كثير من النزاعات المعقدة بين الدول، كما نال شهرة عالمية كونه إنساناً رحيماً محباً لعمل الخير والعطاء قدم دعما غير منقطع لعدد كبير من القضايا الإنسانية في أرجاء العالم كافة.

الشيخ زايد وأوروبا
تتمحور المواضيع الرئيسية في “معرض “الشيخ زايد وأوروبا.. رحلة” الذي تنظمه بعثة الاتحاد الأوروبي بدولة الإمارات حول الصداقة والوحدة في ظل الاختلاف والتنوع.. من وجهة نظرك ما هي أهمية عقد مثل هذه المعارض وما النتائج التي تأملون أن يحققها؟

-شعرت بسعادة بالغة حين علمت أن بعثة الاتحاد الأوروبي لدى دولة الإمارات ستنظم هذا المعرض، وإنه لشرف عظيم لي أن أكون راعياً لهذا المعرض المشترك الذي يعد اليوم الأكثر رمزية في أوروبا.

ويجسد هذا المعرض الاحتفال بإلإنجازات، كما يعد وسيلة رائعة للاحتفال بالصداقة التي تجمع بين دول الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات، كما يعد هذا المعرض مميزاً بالنسبة لي لكونه يعتبر إشادة بوالدي الشيخ زايد، لدوره الفاعل في إقامة العلاقات المتينة بين دولة الإمارات و الاتحاد الأوروبي استنادا إلى قيم الصداقة والوحدة والتعاون.

علاقة الإمارات وأوروبا
تعود العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والإمارات إلى زمن بعيد حتى قبل قيام الدولة كيف تنظرون إلى أهم المعالم البارزة لتلك العلاقة التاريخية بين الجانبين؟

-تجمع بين أوروبا ودول الخليج روابط وعلاقات تاريخية عميقة، وقد طورت دولة الإمارات بصفتها منتجا رئيسياً للنفط ومركزاً مالياً وتجارياً استراتيجياً، علاقات متينة مع عدد من الدول الأوروبية على مستوى العلاقات الثنائية في بداية عهدها، ومع ذلك، أقيمت العلاقات الرسمية بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات في بادئ الأمر ضمن اتفاقية مجلس التعاون الأوروبي- الخليجي في العام 1988، وكانت علاقات بين منطقة و آخرى، وقد تطورت العلاقات بيننا و بين الاتحاد الأوروبي منذ ذلك الوقت ليس فقط من خلال أجندة اقتصادية قوية ترتكز على التجارة والاستثمار، بل من خلال تقوية وتعزيز التعاون المتواصل بين الجانبين في مجالات الأمن والتنمية والمساعدات الإنسانية والطاقة والتعليم والثقافة.

وفي وقتنا الحاضر، تجمع بين الاتحاد الأوروبي و دولة الإمارات علاقات دبلوماسية متينة ترتكز على المصالح السياسية والإقليمية المشتركة ويعد الاتحاد الأوروبي أحد أهم شركاء دولة الإمارات في المجال التجاري، كما تستضيف دولة الإمارات سفارات 25 دولة من دول الاتحاد الأوروبي و في العام 2013 أقام الاتحاد الأوروبي بعثة له في أبوظبي ما يعتبر شاهداً على الصداقة التي تربط الجانبين و الزخم الملحوظ في تطور العلاقات الأوروبية – الإماراتية.

ومن المعالم البارزة الآخرى لهذه العلاقة التاريخية، قرار الاتحاد الأوروبي في مايو 2015 إعفاء المواطنين الإماراتيين الذين يرغبون بزيارة دول “الشنغن” من متطلبات الحصول على تأشيرة الدخول المسبقة ما جعل دولة الإمارات أول دولة عربية تحصل على الإعفاء من التأشيرة.

وفي الآونة الأخيرة قمنا بتوقيع اتفاقية تعاون في يناير (كانون الثاني) 2018، بين الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية ووزارة الخارجية والتعاون الدولي ما يعزز علاقاتنا من خلال زيادة وتيرة الحوار السياسي والتعاون حول القضايا الاستراتيجية الرئيسة والمصالح المشتركة التي تهم الجانبين.

ويجمع بين دولة الإمارات والاتحاد الأوروبي اهتمام ومصلحة مشتركة في وجود شرق أوسط يسوده الاستقرار وما زالت دولة الإمارات تلعب دوراً فاعلاً على الساحة الإقليمية و الدولية ما يدلل على أنها شريك قوي و موثوق للاتحاد الأوروبي في العديد من المجالات و من ضمنها مكافحة الإرهاب، والطاقة، والبيئة، والتغير المناخي ومنع إنتشار الأسلحة الكيماوية و النووية.

ويسعدني الإشارة إلى أن تعاوننا المشترك في مجال مكافحة الإرهاب قد تطور بشكل بارز في الآونة الأخيرة خاصة بعد الاتفاق على عقد جلسات حوار سياسي منتظمة.

كما يوجد تعاون وثيق بين الاتحاد الأوروبي ودولة الإمارات حول الأمن البحري ونثمن عاليا الدور القيادي البارز الذي يلعبه الاتحاد الأوروبي في الجهود الدولية لمكافحة القرصنة في المحيط الهندي، وعلاوة على ذلك لدينا مصالح مشتركة في القرن الأفريقي ونعتقد أنه يجب الحفاظ على أمن وسلامة الممرات البحرية الدولية في جميع الأوقات، كما آمل أن نواصل سوياً تعزيز شراكتنا في تلك المجالات وفي مجالات أخرى في المستقبل.

رؤية زايد لأوروبا
شهد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مرحلة بناء الاتحاد الأوروبي هل لك أن تخبرنا عن رؤية وتصور الشيخ زايد لفكرة إنشاء الاتحاد الأوروبي؟ وهل هناك شخصيات أو قادة أوروبيون أحبهم الشيخ زايد تحديداً أو جمعته بهم علاقات ودية مميزة؟

-كانت بداية الاتحاد الأوروبي شراكة اقتصادية بين عدة دول أوروبية وتوسعت لتصبح شراكة سياسية واقتصادية تغطي معظم دول أوروبا، ومنذ البداية، قامت هذه الشراكة على رؤية ومصالح وقيم وموارد مشتركة، والتزام مشترك نحو تحقيق السلام والازدهار.

والتقت رؤية الاتحاد الأوروبي و تناغمت مع رؤية الشيخ زايد الشخصية نحو توحيد الأراضي والمناطق التي تشكل دولة الإمارات حالياً كما كانت هذه الرؤية الدافع والمحرك الرئيس لفكرة إنشاء مجلس التعاون الخليجي وقد شكل ما رآه الشيخ زايد في أوروبا أثناء رحلاته إلى الخارج في خمسينيات وستينيات القرن العشرين مصدر إلهام له فعقد العزم على أن تنعم دولته و شعبه بما لمسه من تطور ونهضة هناك.

ومع تدفق الإيرادات المالية الجديدة التي وفرتها مبيعات النفط، استطاع البدء بالمشاريع الإنشائية والتنموية الهامة في دولة الإمارات، لضمان أن ينعم الناس برفاهية اجتماعية عالية ويحصلوا على فرص للنمو وتحقيق طموحاتهم.

والتقى الشيخ زايد معظم الزعماء الأوروبيين في عصره، وعمل على تطوير علاقات ودية وصداقة مع هؤلاء الزعماء جميعاً، وكان من بينهم ملوك ورؤساء دول كالملكة اليزابيث ملكة بريطانيا وملوك إسبانيا وبلجيكا إلى جانب المستشار الألماني و النمساوي والرؤساء الفرنسيين على التوالي، كما كان من بين القادة والزعماء سياسيون ورؤساء وزراء كإدوارد هيث ورئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر.

أقوال الشيخ زايد
لو أتيح لك أن تختاروا واحداً أو إثنين من أقوال الوالد المؤسس رحمه الله والتي ينبغي على كل المواطنين حفظها واتخاذها المثل الأعلى ماذا ستكون تلك الأقوال الحكيمة؟

-إن التعامل مع كل شخص بصرف النظر عن عقيدته أو جنسه كروح ونفس بشرية سمة من سمات الإسلام وبالنسبة لي شخصياً تدلل هذه الكلمات الحكيمة على إيمان عاطفي بمفهوم الإنسانية وقيمها، كما تسلط الضوء على سعي الشيخ زايد دون كلل لتحقيق المساواة و الكرامة للجميع دون استثناء لذلك آمل أن تشكل هذه الكلمات مصدر إلهام للآخرين كما هي بالنسبة لي شخصياً.

سيكون فخوراً جداً
لو قدر للشيخ زايد أن يرى ما وصلت إليه دولة الإمارات اليوم ماذا سيقول من وجهة نظرك؟

ولد والدي قبل 100 عام تماماً، ولم تكن دولة الإمارات حينها كما هي الآن غير أنه وفي وقت قصير نسبياً نجح بتوحيد سبع إمارات في اتحاد فيدرالي كما حول الأراضي الصحراوية إلى دولة عصرية، أنا متأكد تماماً أنه سيكون فخوراً جداً بالمكانة التي وصلت إليها دولة الإمارات اليوم والشوط البعيد الذي قطعته لتحقيق رؤيته.

كما سيكون فخوراً دون أدنى شك بنتائج استبيان الشباب العربي الذين أبدوا رغبتهم في أن تحذو بلادهم حذو الإمارات وأن الدولة هي الوجهة المفضلة للزيارة لكثير من الناس حول العالم ولكونها دولة أصبحت مركزاً عالمياً للسلع والبضائع والخدمات وللناس من مختلف أنحاء العالم وللأفكار الرائدة التي تسهم بفاعلية في خلق مجتمع يقوم على المعرفة و الاستثمار بشدة في مجالات كالطاقة المتجددة والذكاء الصناعي.

وفي السنة الماضية، استضفنا ما يقرب من 20 مليون زائر من مختلف دول العالم وقد أصبحت دبي اليوم من أشهر المدن العالمية للسياحة أسوة بعواصم عالمية كلندن وباريس، كما سيكون والدي فخوراً بالناتج المحلي الإجمالي الذي يصل إلى ما يقرب 400 مليار دولار أمريكي، ويعد اقتصاد دولة الإمارات ثاني أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط والأكثر تنوعاً في المنطقة.

كانت هذه رحلة ومسيرة تحول هائل لأمة اعتمدت لعقود طويلة على صناعة اللؤلؤ الموسمية في الكثير من تجارتها و أعتقد أن الأهم من ذلك كله سيكون والدي رحمه الله فخوراً أكثر من أي شيء آخر بوجود حوالي 200 جنسية يعملون و يعيشون في دولة الإمارات جنبا إلى جنب في انسجام و وئام اجتماعي و ديني تام.

شاركها.