خطر الموت المبكر يتربص بأبناء أسرى الحرب!

وجدت دراسة جديدة أن أبناء جنود جيش الاتحاد، الذين لم يختبروا دمار الحرب الأهلية الأمريكية، كانوا أكثر عرضة للوفاة المبكرة في حال كان آباؤهم أسرى حرب.

واستنتج باحثو جامعة كاليفورنيا، بيركلي، أن الارتباط يجب أن يكون مثالا آخر للصدمة التي يتم تمريرها وراثيا، حيث تضع الصدمة الجسم في وضع دفاعي بإرسال الدم إلى العضلات الرئيسية الجاهزة للقتال، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات السكر في الدم، وإغراق الجسم بهرمون الكورتيزول.

وحللت الدراسة الجديدة التي نُشرت هذا الأسبوع في مجلة PNAS، من قبل المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية، حالات أبناء جيش الاتحاد بين عامي 1863 و1864، عندما كانت معسكرات أسرى الحرب وحشية لدرجة أن الوفيات الناجمة عن الإسهال والاسقربوط، كانت أكثر شيوعا.

وحلل الباحثون بيانات 4758 رجلا ولدوا بعد انتهاء الحرب، خدم آباؤهم في جيش الاتحاد، ممن عاشوا إلى ما لا يقل عن 45 عاما. ووجدوا أن أولئك الذين قضى آباؤهم وقتهم في معسكر أسرى الحرب، يعانون من خطر الموت المبكر بنسبة أكثر من ضعف احتمال موت أقرانهم، الذين عانى آباؤهم من مشاكل السجن.

ويقول الباحثون: “تشير نتائجنا إلى أهمية الإجهاد الأبوي على طول عمر الأبناء في الأعمار المتقدمة، وهو انتقال قد يحدث من خلال القنوات الجينية”.

ومنذ قرن من الزمان، كان يوجد القليل مما يوحي بأن هذا التأثير دام طويلا، ولكن ذلك بدأ يتغير في مجال علم النفس من أوائل القرن العشرين لغاية منتصف القرن العشرين.

وفي القرن التاسع عشر، أظهر عالم الأعصاب الفرنسي، جان مارتين تشاركوت، أن الصدمة سببت مرضا عقليا، وذلك في أول دراسة تكشف أن الهستيريا ليست اضطرابا في الرحم (يعالج عادة باستئصال الرحم)، ولكنها تنبع من المعاناة النفسية.

وبعد فترة وجيزة، بدأ الباحثون في التركيز على النقاط التي تربط بين الصدمات النفسية والأمراض العقلية والمرض الجسدي. ومن بين أمور أخرى، دفعت الحربان العالميتان الباحثين إلى التحقيق في تداعيات الألم والمعاناة.

ولكن الآن، يوافق المجتمع الطبي على نطاق واسع على أن التجارب المؤلمة، مثل الاعتداء الجنسي أو التنشئة القاسية أو الطلاق أو وفاة شخص محبب، لها تأثير طويل الأمد على صحة المصابين.

وأظهرت الدراسات أن الصدمة يمكن أن يكون لها تأثير مستمر على الدماغ، ما يحد من القدرة على خلق الذكريات، والحفاظ على الفرد في حالة تأهب قصوى. كما يمكن أن تزيد من مخاطر ارتفاع ضغط الدم والسكري وأمراض القلب.

وفي الشهر الماضي، أظهرت كلية Pitt للطب أن الناجيات من الاعتداء الجنسي، يمكن أن يعانين من خطر ارتفاع ضغط الدم. وأظهرت دراسة أخرى نشرتها جامعة جورجيا Regents عام 2015، أن صدمة الطفولة مرتبطة بارتفاع ضغط الدم في وقت لاحق من الحياة.

كما أوضح الباحث، باسيل فان دير كولك، أنه ردا على الصدمة نفسها وفي مواجهة الفزع الذي استمر لفترة طويلة بعد ذلك، تعلم هؤلاء المرضى إغلاق مناطق الدماغ التي تنقل المشاعر العاطفية وتلك المحددة للإرهاب.

وظهر حقل جديد من علم التخلق في منتصف القرن العشرين، وهو دراسة بيولوجية للجينات التي تُحفز وتُعزل. وكانت المجاعة الهولندية في نهاية الحرب العالمية الثانية، والتي أدت إلى ولادة جيلين من الأطفال (الأصغر حجما من المتوسط)، مثابة نقطة تحول في هذا المجال من الأبحاث، وفيما بعد، تم اعتبارهم المثال الأول المعترف به “للصدمة الموروثة”.

ومنذ ذلك الحين، اكتسب هذا الحقل الوزن، ولا سيما في العقدين الأخيرين.

وأظهرت دراسة رائدة في عام 2013، أن الفئران يمكن أن ترث مخاوف أجدادها، وأن هذا الخوف يمكن أن يحدث بسبب الرائحة نفسها، حتى وإن لم تتعرض للألم. وأظهر فريق جامعة Emory أن هذا الأمر لم يكن نتيجة طفرة جينية، وإنما نتيجة “تعديل كيميائي” للحمض النووي الذي منع تحفيز الجين دون تغييره.

كما أوضحت دراسة أجريت عام 2017، أن بنات النساء الفنلنديات اللواتي انفصلن عن والديهن خلال الحرب العالمية الثانية، عانين من معدلات أعلى من الاستشفاء النفسي.

وفي وقت سابق من هذا العام، أظهرت دراسة كندية أن النساء ذوات البشرة الداكنة لديهن خطر أعلى بنسبة 20% من اكتئاب ما بعد الولادة، مقارنة بالنساء ذوات البشرة البيضاء، وهو ما يعزى إلى أجيال عانت من الصدمات والمعاناة.

المصدر: ديلي ميل

زر الذهاب إلى الأعلى