بعد انتهاء عملية الفحص، تجلس إلى مكتب الطبيب ويقوم هو بشرح حالتك وما تحتاج إليه من أدوية.

يحمل قلمه ويبدأ بكتابة الأدوية وهو يتحدث إليك عن الطريقة المثالية لتناولها.. وحين تكون التعليمات عديدة يبتسم لك ويطمئنك قائلاً بأنه سيكتب التعليمات على «الروشتة». 

ثم تكون المفاجأة التي من المفترض أنها لم تعد مفاجأة.. خط غير مفهوم على الإطلاق. فلا يمكنك معرفة اسم الدواء ولا فهم التعليمات المرفقة. 

خربشات الأطباء تختلف وتتنوع، فبعضها يملك الأشكال الدائرية وبعضها أشبه بخط ممدود مع بعض المنحنيات والبعض عبارة عن خربشات متصلة ببعضها البعض منذ بداية الوصفة وحتى نهايتها. 

الأمر طبيعي تماماً فجزء من سمعة الطبيب هو خطه السيئ. في البداية كان الأمر «ظريفاً».. طبيب وخطه السيئ ونكات عديدة حول الموضوع، ولكن الظرافة هذه تحولت إلى مشكلة خطيرة، خصوصاً أن رداءة الخط ما تنفك تتزايد ما يجعل فك شفرة ما يكتبه مستعصية ليس على المريض فحسب بل على الصيادلة أيضاً. 

في دراسة أجراها المعهد الطبي في واشنطن تبين أن خط الأطباء السيئ يقتل ٧٠٠٠ شخص سنوياً، ولكن هذه الدراسة قد لا تعبر بشكل دقيق عن الواقع؛ لأن الدراسات التي تحاول رصد تأثير هذا الخط السيئ شبه معدومة. 

في بريطانيا حالة يجب التوقف عندها؛ لأن قرار المحكمة كان كالتالي: «الطبيب ملزم قانونياً بالكتابة بخط واضح» وذلك بعد دعوى قضائية رفعها مريض على طبيبه بعد إصابته بضرر دماغي؛ لأن الصيدلي خلط بين عقار وآخر بسبب رداءة خط الطبيب.

والآن السؤال المطروح.. لماذا خطهم رديء لهذه الدرجة؟ 

مهنة الطب تتطلب الكتابة أكثر من المهن الأخرى

خلافاً لما يظنه البعض الطبيب عليه أن يكتب أكثر من أي شخص آخر في أي مهنة أخرى. في مجال الطب إن لم يتم توثيق كل حالة فهذا يعني أنه لا وجود لها. كل شيء يتم الحديث عنه مع الطبيب يقوم بكتابته، تاريخك الطبي، ما تشعر به، وكل نقطة قد يشعر الطبيب بأن لها أهميتها الطبية سيقوم بكتابتها في ملفك الخاص. 

أيام العمل الطويلة تعني ساعات وساعات من الكتابة، وفي نهاية المطاف عضلات اليد ستكون منهكة بعد ١٠ أو ١٢ ساعة من الكتابة المتواصلة. النظرية تقول إن الطبيب المتخرج حديثاً يكون خطه «مقبولاً» إلى حد ما ولكن ومع مرور السنوات فإن الخط يصبح أسوأ فأسوأ؛ لأن عضلات اليد تصبح في حالة يرثى لها. 

مدة المعاينة لها تأثيرها 

لو أمضى الطبيب ساعة مع كل مريض فإن ذلك سينعكس بشكل إيجابي على خطه؛ لأنه سيتمكن من الكتابة بشكل أبطأ، وبالتالي سيمنح يده الراحة التي تحتاج إليها بشدة. ولكن الواقع هو أن معظم الأطباء يعملون بشكل سريع؛ كي يستقبلوا المريض التالي وعادة مدة المعاينة قد لا تتجاوز ١٥ دقيقة. هذه الدقائق المعدودة سيصار خلالها إلى مناقشة الحالة وتاريخ المريض والأدوية والعلاج وغيرها من الأمور. لذلك فإن الهم يكون كتابة كل ما عليه كتابته خلال أقصر مدة زمنية ممكنة. 

المصطلحات الطبية طويلة 

غالبية الأطباء حتى في عالمنا العربي وحين يريدون كتابة ملف المريض أو الملاحظات يقومون بالكتابة باللغة الإنكليزية أو الفرنسية بشكل عام. المصطلحات الطبية وأسماء الأمراض وحتى أسماء الأدوية «طويلة»، ونسبة ارتكاب الأخطاء الإملائية فيها مرتفعة جداً، لذلك عوض إضاعة الوقت في محاولة كتابتها بشكلها الصحيح إملائياً فإن الطبيب يعتاد على كتابتها بشكل خربشات ولكنها تكون واضحة ومفهومة بالنسبة له. لذلك فإن نمط الكتابة في الملفات هذا ستتنقل عدواه إلى كل شيء آخر. 

هو يكتب لنفسه.. أو للصيادلة 

الملفات التي يكتبها الطبيب سينتهي بها الأمر في خزانة خاصة وهو الوحيد الذي سيطلع عليها، وطالما يدرك ما الذي كتبه فهو لا يكترث لأن يتمكن أي شخص من قراءة خط يده، فهو لم يكتبه للاطلاع العام بل ليعود إليها هو شخصياً. 

في المقابل بشكل عام الصيادلة يتمكنون من فهم خط الطبيب، وذلك لأنهم على دراية واسعة بأسماء الأدوية، وبالتالي حرف أو حرفان غير مفهومين لن يكون لهما التأثير الكبير، وسيتمكنون من معرفة اسم الدواء. ولكن الحال ليس كذلك عندما يكون الخط سيئًا للغاية، فأحياناً يجد الصيدلي نفسه ملزمًا بالاتصال بالطبيب أو الطلب من المريض الاتصال بطبيبه للتأكد من اسم الدواء، وفي احيان أخرى يحاول الاستنتاج، ويقوم بوصف الدواء غير الصحيح..

في المقابل هناك بعض الاختصارات غير المخصصة لفهم «عامة الشعب»، بل هي موجهة للصيادلة.. فمثلاً حين يكتب الطبيب QD فهي تعني مرة في اليوم وحين يكتب TID بجانب الدواء، فهذا يعني ثلاث مرات في اليوم. هذه الاختصارات يفهمها الصيادلة ولكنها بالنسبة لنا غير مفهومة على الإطلاق. 

الوصفة الإلكترونية.. هل هي الحل؟ 

التوجهات في دول العالم ومن ضمنها بعض الدول العربية هو للوصفة الإلكترونية. والوصفة الإلكترونية هي إرسال وصفة الدواء إلكترونيا للصيدلي عبر ملف المريض في النظام الخاص من دون الحاجة إلى كتابة الوصفة يدوياً. ولكن ورغم أن هذا الحل يوفر الوقت والجهد ويقلص نسبة وقوع الخطأ ولكنه لا يقضي عليه كلياً. كتابة الوصفة الإلكترونية ستتطلب وقتاً أطول من الطبيب، ما يعني أنه سيجد نفسه ملزمًا «بطباعتها» بسرعة وكما هو معروف يسهل كثيراً طباعة ٣٠٠ عوضاً عن ٣٠ مثلاً، وبذلك يكون قد وصف للمريض جرعة كافية لإحداث أضرار كبيرة. 

شاركها.