رجلٌ عابر

كانت ضحى جالسة في المقهى المجاور للحديقة العامة, شاردة, تنظر الى الأطفال الذين يلعبون, هي لا ترى وجوههم بوضوح, فالحديقة بعيدة نوعاً ما. فجأة, وصلت صديقتها نهى محدثةً جلبة (كعادتها), وقبل أن تسلّم على ضحى, رسمت ضحكة بلهاء على وجهها, وضحى تمعن النظر اليها, قبل الأمس كانت نهى تشكو همها وحظها البائس مع الرجال, ما الذي تغيّر حتى عادت الابتسامة على وجهها, تساءلت ضحى في سرّها.

 

–       سأقابله بعد ساعة في الحديقة العامة, ما زال يذكرني, وقال انه سيشرح سبب تخلّفه عن اللقاء, قالت نهى بانفعال واضح!

–       من هو هذا الذي ستقابلينه؟ عمّا تتحدثين؟ سألتها ضحى.

–       قصة طويلة سأخبرك عنها لاحقاً, الآن سأذهب الى المنزل كي أبدّل ملابسي, قبل أن يحين موعد لقائه.

–       كل القصص تتشابه يا صديقتي, لا تتصوري أن قصتكِ محتلفة.

–       كان بيننا اعجاب متبادل حينها, اتفقنا على موعد, لكنه لم يأتِ!

 

نظرت ضحى الى نهى بعينين مدهوشتين دون أن تقول شيئاً.

–       ماذا؟ لا تعكري علي فرحتي الآن, أرجوكِ, سأسأله عمّا حدث معه حين أقابله.

–       ما أودّ معرفته الآن هو سبب فرحتكِ بهذا اللقاء المفاجئ, ألم تخبريني قبل يومين أنكِ تعتبرين أن الرجال متشابهين؟ وأنكِ لن تثقي برجل مجدداً؟ سألتها ضحى بغضب.

–       أجابت نهى بانفعال: أخبرتكِ أنه لم يحصل شيء سابقاً, اتفقنا على أن نتواعد, ولكننا لم نفعل, و….

–       لهذا السبب أنتِ متحمسة لهذا اللقاء, قاطعتها ضحى, لأن الشغف باللقاء ظل موجوداً رغم مرور السنوات, الشغف بلقاء لم يحدث.

–       لم أفهم قصدك!

–       سأخبركِ يا صديقتي, تظنين أن هذه العلاقة ستنجح لأنها لم تستمر, تواعدتما ولكنكما لم تتلاقا. هكذا هي العلاقات العابرة تبقى على وهجها رغم مرور السنين, والآن حين عاد, عاد معه ذلك الوهج.

تابعت ضحى بنبرةٍ أقل انفعالاً:

لكن تذكّري, غداً بعد أن يخذلكِ سيتحوّل الى رجلٍ عادي, يمر أمامك كغريب, لن تلاحظي وجوده حتى, وسوف تتسائلين في سركِ: من يكون هذا العابر؟ ربما عرفته في زمن سابق, متوهمةً أنه مختلف عن الباقين, وانه سيحميني وسيحارب من أجلي, ليتضح فيما بعد أنه ليس سوى شبه رجل! لو كنتُ مكانكِ لما ذهبتُ للقائه, لتركته حلماً جميلاً في ذاكرتي.

 

وهي تخرج ببطء من المقهى التفتت ضحى الى صديقتها وقالت: لا تجرّحي حاضركِ به, ابقه كالطير الذي ينقر كل صباح على نافذة غرفتك ولا تستطيعين الامساك به.

بقيت نهى وحيدة في المقهى, تنظر الى المفرق المؤدي الى الحديقة حيث الموعد المفترض, تفكّر بكلام ضحى, وقفت فجأة, مشت قليلاً نحو أطراف الطريق الجانبية, الضجيج في رأسها جعلها تتوقف وتعود أدراجها.

زر الذهاب إلى الأعلى