رصاص «البهجة» يحول الأعراس لمآتم.. ولا أحد يكترث

ظاهرة منتشرة في العالم العربي تحصد الأرواح وتحول الأعراس إلى مآتم. 

حين يتعلق الأمر بالزواج لكل مجتمع عاداته وتقاليده، ولكن وعلى ما يبدو رصاص البهجة يجمع بين الجميع من دون استثناء والحجة هي أنها «عادة قديمة». 

إطلاق النار قديماً

الهدف من إطلاق الرصاص خلال الأعراس قديماً يختلف باختلاف المجتمعات. بشكل عام في الخليج العربي كانت عادة مجتمعية وشكلاً من أشكال التفاخر محصورة بأبناء البادية. كانت على شكل تنافس خلال فترة العصر قبل حفل الزفاف؛ إذ كان يتم وضع هدف يتم رميه ومن يصيبه يربح. ومع مرور السنوات تحولت إلى عادة مصاحبة لوصول العريس لمكان الحفل. في الإمارات مثلاً كان العريس قديماً يطلق ٣ طلقات لإبلاغ اهل قريته بخبر زواجه. في المقابل في بعض المناطق إطلاق النار يتم بشكل استعراضي وخلال الرقص. 

في مناطق ودول عربية أخرى إطلاق النار هو امتداد لعادات وتقاليد لم تعد موجودة في يومنا هذا. إذ إنها كانت سابقاً استعراضاً للقوة؛ حيث كانت القبيلة التي تحتفل بزفاف أحد أبنائها تستغل المناسبة لإخافة الآخرين واستعراض قوتهم وإظهار روح القبلية والعصبية. 

مع السنوات باتت هذه العادة محصورة في الأرياف، ولكنها خلال السنوات الماضية عادت وبقوة إلى المدن وبات السلاح نفسه مصدر تفاخر، ثم عدد الرصاصات التي تطلق . لم يعد الأمر محصوراً ببندقية صيد ورصاتين أو ثلاث بل هناك الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والرشاشات الحربية، وقد وصل بالبعض إلى إطلاق أر بي جي خلال الزفاف. 

القتلى بالجملة 

هي ظاهرة بكل ما للكلمة من معنى ومنتشرة في كل المجتمعات العربية من دون استثناء. الحجة هي أن إطلاق الرصاص الحي هو مظهر من مظاهر الفرح، وكأن ليس هناك أساليب أخرى للتعبير عن الفرح خصوصاً وأن غالبية الأعراس باتت تتحول إلى مآتم عديدة ولكن لا أحد يرتدع أو يتعلم الدرس. 

إطلاق النار في الأعراس مخالف للقانون، ولكن التساهل جعل الظاهرة تكبر وتأثيرها يتعاظم ما جعل الجهات الرسمية تعيد النظر في التساهل وتضع العقوبات. ولكن حتى الآن العقوبات لم تترك أثرها؛ لأن «البهجة بالرصاص» ما زالت على حالها. 

أصوات الزغاريد سابقاً كانت كافية لإعلام الحضور أن الزواج قد تم أو أن الاحتفالات بدأت، ولكن الأصوات هذه لا تكفي على ما يبدو لإرضاء هوس الاستعراض، فكان لا بد من أصوات أعلى تسمع من على بعد، وتثبت «رجولية» لم يطلب من أحد إثباتها فكان الرصاص الذي يطلق كيفما اتفق، وكأن حرباً تدور في الحي. 

أعراس تحولت لمآتم 

في السودان يعتبر إطلاق دفعات متتالية من الرصاص «إشارة»، فحين تسمع النسوة اللواتي يتجمعن في منزل العروس أزيز الرصاص يبدأن بإطلاق الزغاريد. الزغاريد هذه تثير حماسة الرجال فيطلقون النار مجدداً وبشكل كثيف. 

شاب سوداني يدعى نهشل الرشيد أثار موته موجة من الغضب؛ لأنه كان من الشباب الناشطين اجتماعياً؛ حيث يرأس جمعية خيرية لرعاية الأطفال. في ليلة عرسه وبعد عقد قرانه قتلته رصاصة من رصاصات «البهجة». 

قبله بأسبوع كان عريس آخر قد قتل بالطريقة نفسها. ورغم أن السلطات منعت إطلاق الرصاص في حفلات الزفاف وذلك بسبب تكرار حوادث القتل سواء للعريس نفسه أو العروس أو الضيوف أو أحد الجيران ولكن لا أحد يلتزم. المشكلة الاخرى تكمن في أن أولياء القتيل عادة يتنازلون عن حق القصاص باعتبار القتل لم يكن متعمداً . 

مأساة بكل ما للكلمة من معنى

في العام ٢٠١٢ تحول حفل زفاف في عين دار في محافظة بقيق في السعودية إلى مأساة. إطلاق النار ابتهاجاً بالزفاف تسبب في قطع أحد خطوط الضغط العالي وسقوطه على موقع حفل الزفاف؛ ما أدى إلى وفاة ٢٥ شخصاً من الأطفال والنساء والرجال وإصابة ٣٠ شخصاً آخرين.

الحادثة هذه ليست الوحيدة في السعودية، ففي أحد الأعراس وخلال إطلاق النار ابتهاجاً وبينما كان العريس يهم بالنزول من سيارته استقرت رصاصة في ظهره وأسقطته قتيلاً. 

حادثة أخرى في السعودية وخلال قيام المدعوين بالرقص، وهم يطلقون النار أصابت رصاصة شماغ أحد الضيوف، وأشعلت النيران فيها، الضيف هذا نجا بأعجوبة وإن كان قد عانى من بعض الحروق. 

ضحايا من كل الأعمار

تحول حفل زفاف في الأردن إلى كارثة وذلك لأن أحد الضيوف أراد رد التحية للمغني فأطلق رصاصتين في الهواء، وعلقت الثالثة وعندما هم بإنزال المسدس انطلقت الرصاصة وأصابت ابنه واستقرت في عينه فتوفي على الفور. 

في لبنان يتم إطلاق النار في كل المناسبات وضحايا الرصاص الطائش كثر. مؤخراً انتشر مقطع فيديو لشخص أطلق النار عن طريق الخطأ على المدعوين في حفل زفاف؛ ما أدى إلى إصابة المصور. حفلات الزفاف قتلت قبل ذلك أحد الضيوف، وحفلة أخرى أدت إلى إصابة شخصين، وأخرى أسفرت عن إصابة ٣ والقصص تتشابه والأعداد تختلف والكارثة واحدة. 

القصص تتشابه في كل الدول، مصري يقتل ابنته عن طريق الخطأ احتفالاً بزفافها، حفل زفاف في العراق ينتهي بكارثة.. العناوين نفسها تكرر، والاختلاف الوحيد هو اسم الدولة. 

زر الذهاب إلى الأعلى