رموز لونية في لغة الحياة اليومية البحرينية

أمينة الفردان – باحثة في الأنثروبولوجيا / مملكة البحرين

يبرز اللون کعنصر من أهم عناصر الجمال التي نهتم بها في حياتنا، و علی الرغم من تعدد الألوان المحيطة بنا التي تزخر بها الحياة من ألوان طبيعية متمثلة في الأزهار و النباتات و الحيوانات و السماء و الأرض و البحار إلا أن الإنسان لم يقنع بهذه الألوان و أضاف إليها من فنه و علمه الکثير من الألوان. ولكل لون معنى نفسیا یتكون نتیجة لتأثیره الفیزیولوجی على الانسان. یقال أن الوقت یمضی بسرعة تحت أشعة خضراء ویمضی ببطء تحت أشعة حمراء، فاللون الأخضر لون هادئ، ومریح للأعصاب مما یشعر بمرور الوقت ضعیفا وأما اللون الأحمر فمشهور بأنه لون مثیر ومهیج ومقلق ویؤدی الى الشعور بالملل مما یجعل المرء یشعر بأن الوقت لا یمضی. (1)
وتلعب البيئة و المکان بانفتاحاتهما الطبيعية و الرمزية و الثقافية و التاريخية و الاجتماعية و الفلسفية و الأسطورية دوراً مهماً في تحديد الدلالة و إشاعتها و توسيع حدود تداوليتها  (2)
طبقًا لآراء جيرتز ، فإن الثقافة ينظر إليها على أنها حوار للمعاني ، ونقاش يتعلق بالرموز المتضمنة لتلك المعاني ، فالثقافة لا ينحصر مفهومها على مجرد التصورات والأفكار والجوانب المعرفية في عقول الأفراد ، إذ أنها عامة وخارجية ، وتخضع للدراسة العلمية.(3)
ويشير د. محمد شبابك في بحثه المعنون ” العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر إلى تلك الرموز   و التي من ضمنها :

 قلبه أبيض؛ كناية عن الطيبة وصفاء النفس، ومثلها: “قلبك أبيض”، تقال كدعوة للتسامح ونسيان الخطأ.

– قلبه أسود؛ (كناية عن قسوة القلب، وإضمار الشر وعدم الصفاء بسهولة).

– نفسه خضرة؛ (كناية عن ميله للسرور، وعدم تحمله للحزن).

– روحه حمرة؛ (كناية عن ثقله وفدامته، ومثلها: دمه تقيل، دمه يلطش).

– الدبان الأزرق ما يعرفلوش طريق جُرة؛ (تعبير يفيد التهديد، واستعير للدلالة على النفي إلى حد الاختفاء)

– عامله خضرة الشريفة؛ (قول مستحدث، إلا إن له أصوله التراثية، فهي أم أبو زيد الهلالي في السيرة الشعبية المعروفة. (4)

أما فيما يخص ثقافتنا البحرينية .. فإن لها تعبيراتها اللونية المنطلقة من بيئتها  و التي تخلق اشتباك يومي من المفردات التي يتم تداولها بين العامة من الناس في تعاملهم اليومي ..

في هذا البحث سنحاول أن نسلط الضوء على الرموز اللونية المرتبطة بلغة الحياة  اليومية المتداولة في مجتمع البحث البحرين تحديداً ..
تعبيرات باللون ” الأسود ” :
سود الله وجهك سوادٍ ما يبيض

المعنى هنا .. عندما يأتي احدهم فعلا قبيحا ،تقال له هذه الكلمات كدلالة على استنكار فعلته بحيث يحشره الله يوم القيامة بوجه أسود كسواد أفعاله في الدنيا ، حيث أن مثل هذه الصيغة الكلامية ذات الطابع الهجومي ، تستبطن في دلالتها تمني أشد أنواع العقاب للفرد الظالم وما جنت يداه ، فدلالة اللون الأسود تعطينا انطباع عن سواد المصير و خاتمة جرد حساب العمر !
أسود الوجه

هذه الكلمة تختزل أيضا المعني السابق ذكره ولكنه بلغة اخف وقعاً على السمع .
سود الله وجهك سواد التاوه

هذه الكلمات مرتبطة أيضا بالبيئة ولكون العوائل في القرية البحرينية تخبز خبزها على التاوه وهي قطعة حديد دائرية مسطحة الشكل يشعل أسفلها الحطب ومع كثرة الاستخدام تصبح سوداء من السخام ، حيث أنه من العادات أن تعلم الام بناتها بكيفية عمل خبز الرقاق . السواد هنا يختزل رمزية مبطنة ، تدل على سوء النية و الفعل أو أي شيء يحترق في داخل ( فلان ) من الناس ولا ندري به .

الجيش الأسود :

عبارة تطلق على اجتماع النسوة ” بلباسهن الأسود ” حين يجتمعن في مكان ما ، وقد ذكر الناصري من الأمثال الشعبية ” بيت أسود : ويضرب استعظاماً للبيت الكثير العائلة ، وعلى الأخص إذا كان جلهم نساء وأطفال ، ويطلق على وجه استثقال المؤنة ، و ( أسود ) بمعنى كثيف ، والمثل من الكنايات ، والمعنى : لما كان أظهر لباس النساء الأسود ، فإذا اجتمعن يعبرون عنهن كالغمامة السوداء ، أو الجيش الأسود ، وإلى غير ذلك ، فإذا كان أحدهم يعيل أسرة بيت جلهن نساء يقول : أنا مبتلي ببيت أسود ، أو فلان مبتل ببيت أسود”.(5)
يا سواد ليلك

تعني تهديد مبطن يوجه لأحدهم  ، بأنك يافلان ستواجه عاقبة ما فعلته وانك سوف ترى كيف ننتقم منك ، فسوف تبصر أمامك الظلمة فقـــط !
الدنيا سوده في عيونها

تعني فقدان الأمل و ذوبان آخر الفرص أمام المرء حينما تغلق في وجهه جميع الأبواب حيث لا يبصر أمامه غير ظلمة نفقٍ طويل بلا نهاية !
يا سودات الوجه

إشارة إلى فعل قبيح تأتي به المرأة و يكون خارج القيم و العادات ، فيتم توبيخها بهذا الكلام وتمني الطرف الآخر أن يحشر هذه المرأة العاصية سوداء الوجه يوم الدينونة. فالسواد هنا بصيغته المعنوية يترجم ما أقدمت عليه الأنثى وهناك تمني بأن ينقلب عليها فعلها الذي أرادته لمنفعة دنيوية أن يكون خاتمته سوء وحساب عسير بدايته سواد الوجه ، كعلامة على الإجرام .
جزات الخير ، سواد الوجه

هذه الكلمات تعني في مضمونها لهجة إستنكارية من أحدهم عندما يعمل خيراً لوجه الله فتتم مقابلة عمله الطيب بالسوء وهو هنا كمن حلت عليه ظلمة السواد من أثر الاحراج بلا داعي !
يا ويله يا سواد ليله.

عندما يتم توعد أحدهم بالقصاص منه ، فسيكون ليله القادم مختلف عن بقية الأيام!

قلبك أسود مثل الطفو.

تقال لهذا المشحونة نفسه بالحقد و الضغينة ، قلبه يتماثل ولون الرماد أي بقايا النار، وهي إشارة مبطنة تعني شدة الحقد الذي يشتعل بداخل الرجل!

تعبيرات باللون ( الأبيض ) :
قلبه أبيض

توصيف للمرء الطيب الخصال حيث ان افعاله بيضاء بعمل الخير وكل أمر جميل. اللون الأبيض هنا يعكس الراحة النفسية المتولدة عن المرء في تعامله الحسن مع المحيطين به بما يعكس جميل سريرته .
فلان رايته بيضاء

تطلق على المرء صاحب السيرة الحسنة بين الناس ، حيث لم يرى أحد منه غير الصدق و المحبة والرحمة وكلها خصال طيبة تجعل من هذا البياض علامة فارقة في شخصية هذا الإنسان الذي لاشيء يشوب بياض نفسه بين الخلق ، لكون سمعته و دماثة خلقه هي ما هو معروف عنه وسط محيطه الاجتماعـــي.
بياض على وجهه

القصد هنا .. أن أثر الطيبة يتضح على (فلان ) من الناس ، بحيث أن حالة البياض من الناحية المعنوية تترك هذا الأثر الطيب الذي تراه الناس وتلمسه في وجه هذا الرجل . كذلك فإن السمعة الحسنة هي الرصيد الحقيقي للفرد وسط أهله وبين أفراد مجتمعه .
بيض الله وجهه

كما سبقت الإشارة .. التمني للمرء الخبيث الخصال بأن يحشره الله يوم القيامة أسود الوجه ، هنا الصورة تكون عكسية حينما يكون المرء طيب الحال والسيرة . حيث أن بياض الثوب مستحسن في النظر ويجلب الراحة وهي صورة موازية في المضمون مع بياض الوجه حينما يحصد الرجل ما زرعه في الدنيا ، يتقدم بوجه أبيض فيدخل الجنة.

تعبيرات باللون ( الأخضر ) :
حرقوا الأخضر واليابس / ما خلوا لا أخضر ولا يابس / أكلوا الأخضر واليابس .التعبيرات الواردة تنم عن قسوة المضمون ، ففعل الحرق يتضاد مع جمالية اللون الأخضر ، لكن حالة اليباس هي فعل الموت ، هذا يعني أن طمع بني آدم في بعض الأحيان لا يفرق بين أخضرٍ أو يابس حيث يكتسح ما هو أمامه بعيداً عن الأخلاق و القيم الإنسانية .
يا خضرات العيون

إشارة إلى السلوك الغير سوي أو غير المألوف من الفتاة ، وهنا إحالة على حديث نبوي حذر فيه الرسول الكريم محمد (ص) من خضراء الدمن ، حيث قال : رسول الله (ص) اياكم وخضراء الدمن , قيل يارسول الله وما خضراء الدمن ؟ قال(ص) : المرأة الحسناء في منبت السوء.

وما ورد في معرض الحديث عن الزوجة المناسبة للرجل المؤمن , حيث يحذر من المرأة الحسناء في منبت السوء وقد اخذ هذا المعنى من كلمات نتعرف عليها معاً:
اولاً خضراء المقصود منها النبتة الجميلة
ثانياً الدمن هو فضلات الابل وغيرها من الحيوانات.
فيكون المعنى اياك ان تغتر بجمال النبتة وخضرتها فقد تكون هذه النبتة قد نبتت في فضلات الحيوان.
(6)
إمخوضر

تقال هذه الكلمة للطفل المشاغب الذي لا يهدأ و كثير المشاكل ، أشبه بالمجنون .

وهذا اللفظ شائع الاستعمال في قرى البحرين  كأن تقول إحدى الجارات لجارتها وهي تشتكي مشاكسات ابنها .. ( ابنك هذا شق الأرض و طلع .. مخوضر ما شفت مثله ) ! حيث أن هذا الطفل يجنح إلى ارتكاب الأفعال المتهورة.
الثياب خضره

الثياب مبللة ( خضره). المصطلح يستخدم في بعض قرى البحرين ولعنا نصيب في تحليلنا عندما نحيل ( البلل) إلى ترافقه مع حالة النبات عندما يبلله الندى ، فهنا الحالة ترابطية أعطت هذا المعني إرتباطاً بالبيئة الزراعية في تكوين القرية .
إعطه الضوء الأخضر

هذه الكلمة حديثة ترتبط بدخول الاشارة الضوئية إلى البحرين ، تعني  بما انه عندك الضوء الأخضر فعليك المبادرة بالعمل .
لابسه ” أخضر ” كأن بقل

تعني هنا .. أن الأخضر مرتبط بالبيئة كون البقل نبته غذائية منتشرة بين الناس و الكل يستهلكها .

استلطاف اللون الأخضر واستبشار الخير بمجرد رؤية من تلبسه/ يلبسه، فاللون الأخضر يعطي معنى آخر يدخل في باب التفاؤل بالأيام الجميلة التي ينمو معها الخير و يزدهر ، كما يرتبط بنسب (السادة / الهواشم ) المرتبط نسبهم بالرسول الكريم (ص) . لذا هؤلاء السادة في الكثير من مناطق البحرين يرتدون الثياب الخضراء في بعض المناسبات ( ذكرى مواليد أهل البيت – ع – ) تأكيدا لمكانتهم الاجتماعية والثقافية المرتبطة بالمعتقد الديني .

تعبيرات باللون ( الأحمر ):
تفشل وصار وجهه أحمر –إفتشل وتحمر وجهه  

معروف أن الشخص الذي يتعرض للإحراج يحتقن الدم  في وجهه ، لهذا تقال هذه العبارة .
إستحى وصار وجهه أحمر

دلالة عل الإحراج و الخجل هي أقرب ضمن هذه الحالة التي سبق و ذكرناها أعلاه بما يشرح ذات الحالة و لكن بصيغة تعبيرية مختلفة تتفاوت بين الرجال و النساء من حيث الاستعمال .
إمايوه ؟! إحمرت عيونه

عندما يغضب أحدهم فأول إشارة هو احمرار الوجه واحتقان الدم في العين ، هنا يجب الابتعاد عن هذا الشخص لتلافي المتاعب ! فعادة من يعيش هذا الموقف يردد هذا التعبير ثم ينصرف كي لا يتورط !
الدنيا صايره حمرا

هذه الكلمات ترددها النسوة مع هلال عاشوراء و هن يبكين حزناً و ألماً على ما أصاب حفيد رسول الله (ص) الحسين بن علي وآل بيته وأنصاره وأصحابه في يوم الطف . والإحمرار هنا رمزية للدم الطاهر و المسفوك في أرض كربلاء.

روح جهنم الحمرا  تصليك

تقال هذه العبارة في الغالب من ردات الفعل الغاضبة على أي سلوك مزعج ، جدال او اختلاف او غضب منفلت ، فيتمنى أحدهم للآخر ان يذهب إلى الجحيم ( جهنم الحمراء ) مثل هذه الصيغة الهجومية من الكلام تعتبر ” عالمية ” من حيث الاستعمال ولها تعبير شائع ( أذهب إلى الجحيم ) .
عيونه حمرا

إشارة تضمر الشر في مضمون غير مباشر يتوقع السوء من أحدهم . خصوصاً وأن اللون الأحمر يعطي دلالة تفيد قرب الخطر .
وجهه أحمر جنه ” كأنه ” كمبارة ضو

الوجه الأحمر ها هنا يختزل عدة دلالات ، فهو ربما يكون محرج أو غاضب أو خجلان . الكمبارة في الموروث الشعبي تعني شعلة النار التي تضاء في احتفالات الربيع سابقاً ، حيث يخرج الجميع كباراً و صغاراً للإحتفال بالربيع وانقضاء شهري الحزن محرم وصفر ، حيث تتغير الألوان من قتامة الأسود إلى ألوان الربيع الزاهية بحب الحياة و الفرح.
تعبيرات بلون ” الأصفر – الذهب ” :
الثلاجة إمصفره

تعني هنا خلو المكان من أي شيء ذي جدوى ، كما هو حال الجسم البشري عندما يمرض و يكون مصفراً وكأنما تسربت منه دماء الحياة ، فصار خلواً من العافية.

وجهه أصفر.

تعني أن (فلان ) من الناس مريض .
الدنيا صايره صفره

إشارة واضحة للغبار الصحراوي الذي يسيطر على اجواء البحرين بين وقت وآخر من السنة .
طاحت صفرا / طاح أصفر  / إمصوفر

هي عبارات تشير إلى حالة المرء عندما يمرض .. اللون الأصفر يبدأ بسرقة حالة العافية التي عليها المرء ، هنا تكون العبارة مفعلــة هذا الاختصار في الحديث لوصف المرء من وضعه الخارجي الواضح للعيان .
إمصفرجه

تقال هذه الكلمة إلى من امتد بها المرض و طال عليها عذابها و وجعها فأصفر لونها ، هي تماماً تتشابه مع وصف الحالة السابقة أعلاه ولكن مع (تأنيث) الحال.

فلان ذهب / الرجال ذهب

إشارة إلى أصالة الخلق الذي لا يتغير وأن الناس مثل المعادن ، وكل شخص يعمل أو يعكس طيب معدنه أو العكس !

هي هكذا بعض اللمحات في الثقافة اللونية المتداولة في قرى البحرين والتي تتأثر بها الناس في محيطـها الاجتماعي ذي الصبغة القروية المكتسبة من البيئة كمعطى مكاني يترك بصماته في وجدان الناس ، هي إذاً مسيرة الحياة وكيف تشكلنا ونحن في خضم أحداثها نؤثر فيها وتؤثـــر فينا .
المراجع المعتمدة:

(1)    دلالة الألوان في الذاکرة الشعبية-د.رسول بلاوي.

https://ahwaziculture.wordpress.com/2012/03/14/%D8%AF%D9%84%D8%A7%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%84%D9%88%D8%A7%D9%86-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%B0%D8%A7%DA%A9%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B9%D8%A8%D9%8A%D8%A9-%D8%AF-%D8%B1%D8%B3%D9%88/

(2)   نفس المرجع السابق.

(3)   مبروك بوطقوقة ، والأنثروبولوجيا والفلكور ومناهج التحليل الرمزي ، أرنتروبوس: الموقع العربي الأول في الأنثروبولوجيا والسوسيوأنثروبولوجيا

(4)   العنصر الثقافي في تشكيل الاستعارة في لغة الحياة اليومية في مصر
د. عيد محمد شبايك –  بحث نشر على شبكة الألوكة

(5)   محمد علي الناصري ، موسوعة الأمثال الشعبية في دول الخليج العربي ، منشورات دار المشرق العربي الكبير ، بيروت ، ص 231
(6)   http://alhussain-sch.org/forum/showthread.php?8259-%C7%ED%C7%DF%E3-%E6%CE%D6%D1%C7%C1-%C7%E1%CF%E3%E4

مصدر الصورة :
https://www.google.com.bh/search?q=%D8%B1%D9%85%D9%88%D8%B2+%D9%84%D9%88%D9%86%D9%8A%D8%A9&biw=1242&bih=585&source=lnms&tbm=isch&sa=X&ved=0ahUKEwin673qstzRAhUCwxQKHRknClYQ_AUIBigB#imgrc=uAwa9bZwOeYsbM%3A

 

زر الذهاب إلى الأعلى