د. يسري عبد الغني عبدالله – باحث وخبير في التراث الثقافي / مصر 

أنا لا أبحث بحثًا مفصلاً في حكم الشعوب وأمثالها ودراسة شخصياتها ، فهذا يحتاج إلى فصول طويلة تحتكم إلى منهج البحث العلمي ، على أن أحق الأمثال علينا بالدراسة المفصلة أمثالنا ، ففيها تقاليدنا وأساليب تفكيرنا ، وشخصية وطننا الحبيب ، ولها مميزاتها التي تطبعها إلى جانب البساطة والعمق وطابع الخفة والمرح الذي يتسم به شعبنا الضحوك ، وإني لعارض شيئًا من زهورها الباسمة على سبيل المثال ..

        يتندرون على تلك التي لا تتأنق إلا خارج بيتها فيقولون : ” بره وردة وجوه قرده ” .. ويقولون فيمن يتدخل فيما لا يحسنه : ” أخرس وعامل قاضي ” .. ويقولون في معان أخرى : ” البطيخه القرعة لبها كتير ” ..ويقولون : ” لما يشبع الحمار بيعزق عليقه ” .. و ” قالوا للجمل زمر قال : لا فم مضموم ولا صوابع مفسرة ” .. ويسخرون من القبيح الذي لا يحس عيب نفسه ولا يحاول التستر ، فيقولون : ” عورة ودخلتها الضهر ” .. ويقولون : ” على ما تتكحل العمشة يكون السوق خرب ” و ” المفلس يغلب السلطان ” و ” اتلم المتعوس على خايب الرجا ” ..

        ويعرضون بمن ينصح غيره بالنزاهة ويبيح لنفسه أن يكون مطاط الذمة فيقولون : ” يفتي على الإبرة ويبلع المدرة ” .. ويقولون : ” الخايب زي بياع الباذنجان ما يهاديش صاحبه إلا بالسودة ” .. ويقولون : ” النصاب ياخد من الحافي نعله ” .. كما يقولون : ” الخيبة عز تاني ” ، فيجملون في ثلاث كلمات المعنى الذي أراده الشاعر العربي حين يقول :

أفاضل الناس أغراض لذا الزمن

يخلو من الهم أخلاهم من الفطن  

        هذه بعض أمثالنا الضاحكة ، نعرضها على سبيل المثال لا الحصر مع مراعاة أنه من الواجب علينا تمجيد الممتاز من أمثالنا والتعريف بها ، وفي نفس الوقت علينا أن نوضح أن بعض أمثالنا ربما كانت صالحة لوقت مضى إلا أنها لم يصبح لها مكان اليوم في عالمنا الحديث الذي تطورت أساليبه ومثله العليا الذي ينهج إلى السرعة والإقدام ، وإلى مسايرة العلم ومسابقة الزمن .

وأذكر هنا أنني قرأت أن صحفيًا نابهًا ، قال : إنه بعد أن تخرج في كلية الآداب ، اختار العمل بالصحافة ، و سأله عمه ذات مرة :

ـ انت بتشتغل إيه يا ابن أخويه ؟

ـ فقال له : صحفي

ـ قال له : يعني إيه صحفي دي ؟

ـ قال : يعني باكتب في الجرائد والمجلات

فقال عمه : قول يعني جرنالجي .. يا شيخ روح شوف لك استخدامه في الحكومة .. دول بيقولوا : ” إن فاتك الميري اتمرغ في ترابه ” .. وسمع الصحفي من عمه ذلك المثل فضحك متعجبًا . ولكنه سار في طريقه ، فلم يجر وراء الميري ، ولم يتمرغ في ترابه ، ولو اتبع ذلك المثل لما أصبح اليوم صحفيًا يشار إليه بالبنان  ، بل كان من أسرى الوظائف والدرجات .. وكم جنى هذا المثل على مواهب وعبقريات فربطها بعجلة الميري ، وأقعدها عن العمل الحر ، ميدان التجارب المفيدة والمغامرات المربحة .. فما أحرانا بأن نحيل مثل هذه الأمثال إلى التقاعد .. وكم بين أمثالنا العامية الخالدة من أقوال منحرفة من نوع هذا المثل يجب أن نطهر منه هذا التراث المجيد الذي نفخر به .. ونعتز بما فيه من روائع الحكمة وسديد المنطق ..

        وترى رجلاً ينفق بغير حساب إذا رزقه الله الرزق الوفير ، غير عابئ بما قد يطلع به المستقبل ، وإذا دعوته للاتزان في الإنفاق .. قال لك باستهتار : ” يا سيدي إحيني النهاردة وموتني بكره .. ولا يهمك أصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب ” ، أليس من الأنفع أن نعدل هذا المثل فنجعله هكذا : ” وفر مما في الجيب لما في الغيب ” .

        أو تلك الأمثلة التي تقول لنا : ” إمشي سنة ولا تعديش قنا ” ، أو تلك التي توصي الزوجة أن تنتف ريش زوجها أولاً  بأول  حتى لا يلوف بغيرها ، وحبذا لو جعلته دائمًا على الحديدة لتضمن بقاؤه لها ، أو ذلك الذي يقول : ” يا عم خذ من عبد الله واتكل على الله ” و ” أسأل مجرب ولا تسأل طبيب ” ، والواقع يقول أن الله خلق الطب والدواء ، والطب يتقدم كل يوم بحمد الله ، فلا يصح أن نلجأ إلى العلاج البدائي المتخلف الذي يضرنا ولا ينفعنا ، وليتنا نقول : ” أسأل مجرب ولا تنسى الطبيب ” .

        وتلك الأمثلة عن الحماة التي تسمم العلاقات العائلية وتهدم بنيانها ، أو ذلك الذي يقول لك : ” رزقك حيجيلك لحد عندك .. الرزق مش بالشطارة ” ، وبالطبع هذا يخالف ما دعانا المولى عزل وجل إليه بأن نسعى في مناكب الأرض ونأكل من رزقها ، أو ذلك الذي يجامل صديقه بالباطل ويقول لك : ” الصاحب علة ” .

        ويدعوك رجل للقعود عن الإصلاح بين الناس فيقول لك : ” وانت مالك .. خليك على البر .. ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه ” .. أين هذا من قولهم : ” الناس للناس .. ما استحق أن يولد من عاش لنفسه فقط ” .. ما أجدرنا بأن نعمل بالتي هي أحسن و أن نترك اللغو عن القول !!.  
      

شاركها.