زوجي مهملني

يطن الهاتف منبّئاً بورود بريد إلكتروني، يمسكه ويبدأ في النقر والتفكير وربما يتوتر بعض الشيء. تنظر من بعيد منزعجةً من غيابه الذهني، وهي التي انتظرت نوم الأطفال ليقضيا معاً وقتاً يذكِّرها بأنها أكثر من مجرد أُمٍّ أو طباخة.

سيناريو يتكرر في معظم البيوت، فمنذ أن دخلت رسائلُ العمل مع هاتفِ صاحبِها المنزلَ، لم يعد الوقت داخل البيت مخصصاً للعائلة، وبات رب العمل يحضر مع الموظف حتى داخل غرفة النوم!

وفي حال كان شريكك يرى أن قضاء ليلة رائعة بالمنزل يتمثل في الجلوس على الأريكة وقراءة الرسائل الإلكترونية المتعلقة بالعمل، فهناك احتمال كبير أنه ليس على دراية بمدى تأثير تصرفاته سلباً عليكِ.

باحثون قالوا إن أولئك الذين يتحققون من الرسائل الإلكترونية الخاصة بالعمل في المنزل باستمرار، لا ينتبهون إلى أن هذه العادة تعود بالضرر على علاقاتهم بمَن حولهم، إلا أن أزواجهم وشركاءهم يرون العكس.

يظنون أن التوتر بسيط والزوجة قادرة على التحمل

وفي إطار دراسة استقصائية أُجريت على موظفِين بدوام كامل، تراوحت أعمارهم بين 31 و40 سنة، أشار من اعتادوا التحقق من حساباتهم على البريد الإلكتروني بشكل متكرر خارج أوقات العمل، إلى أن هذه العادة لم تتسبب سوى في توتر بسيط داخل المنزل. في المقابل، أعرب شركاؤهم عن استيائهم من هذه العادة، وأنهم لم يعودوا قادرين على تحمُّل ذلك.

وأفاد ويليام بيكر، وهو مختص في دراسة وتحليل مشاعر الموظفين بمكان العمل، في جامعة فرجينيا للتقنية في بلاكسبرغ، لصحيفة The Guardian البريطانية، بأنه «من الواضح أن الموظفين أنفسهم غير مدركين مدى تأثير هذه العادة سلباً على شركائهم؛ إذ إنهم لا يعتبرونها مشكلة. لكن أزواجهم قالوا إنها فعلاً تخلق توتراً في العلاقة».

لكنَّ إجهاد العمل ينعكس على أفراد العائلة أيضاً

وكان بيكر قد شرع في دراسة ردود فعل الموظفين عندما طلب منهم التحقق من رسائل البريد الإلكتروني الواردة من العمل خارج ساعات الدوام المعتادة. وبالتعاون مع باحثين في كل من جامعتي ليهاي وكولورادو الحكومية، تمكَّن بيكر من التوصل إلى أن توكيل الموظفين بالاطلاع على الرسائل طوال الوقت، والمسؤولية التي تقع على عاتقهم، كانا كافيَين لجعلهم يشعرون بالمزيد من التوتر والقلق، فضلاً عن تدهور صحتهم. وإن لم يكن ذلك كافياً، فقد ارتفعت مستويات الإجهاد والتوتر لدى شركاؤهم أيضاً.

الاتصال الدائم بالإنترنت يؤدي إلى «سلبيات خفية» تحت عنوان «الدوام المرن»

وفي تقرير، من المقرر مناقشته خلال الاجتماع السنوي لمؤسسة Academy of Management في شيكاغو، وصف بيكر ما سماه «السلبيات الخفية»، التي اجتاحت مجتمعاتنا المتصلة بالإنترنت على الدوام، بأنها «تتحمل المسؤولية جزئياً عن وباء التوتر والقلق الذي انتشر في العالم».

وفي حين تروِّج العديد من الشركات لما يطلقون عليه أسلوب العمل المرن من خلال مد الموظفين بالهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب المحمولة، فإن هذا قد يعني استحواذ العمل على حياة الأشخاص بالكامل. وأشار بيكر إلى أن «المشكلة مع المرونة تتمثل في كوننا غير قادرين على إيقاف تشغيل هذه الأجهزة».

بالنسبة للدراسة، أقدم فريق الباحثين من الولايات المتحدة على الاستعانة بموظفين بدوام كامل في مختلف المجالات، ما بين الوظائف الحكومية والرعاية الصحية ومجال التكنولوجيا، إلى جانب التعليم والبنوك والتمويل.

بعد ذلك، اعتمد الباحثون على سلسلة من الاستطلاعات؛ للتعرف على عادات الموظفين المتعلقة بالتحقق من الرسائل الإلكترونية خارج أوقات الدوام، ومستويات القلق والسعادة، ومدى حدة التوتر بينهم وبين شركائهم. كما استطلعت المزيد من الدراسات الاستقصائية آراء الشركاء وأرباب العمل.

وكلما ازداد تصفُّح البريد ارتفع مستوى التوتر

وفي النهاية، وجد بيكر أن أولئك الذين قاموا بالاطلاع على رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بهم أكثر من غيرهم، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، شعروا بأكبر قدر من التوتر وأظهروا أدنى درجات السعادة. فضلاً عن ذلك، طال هذا التأثير أفراد العائلة الآخرين في المنزل، ما جعل الشركاء أكثر توتراً أيضاً.

 واقتراح بمنع الرسائل بعد الساعة السابعة مساء

عموماً، يعتقد بيكر أن الشركات بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لمساعدة موظفيها، حيث قال إن بمقدورها تحديد موعد يتوقف فيه إرسال الرسائل الإلكترونية المتعلقة بالعمل ابتداء من الساعة السابعة مساء. كما يمكن تخصيص فترات لا يتعين فيها على الموظف الرد على الرسائل الإلكترونية، أو وضع نظام مناوبة يكفل تمتع الموظفين بأمسيات خالية من الواجبات الوظيفية. وفي حال تعيَّن على المديرين إرسال رسائل إلكترونية على الساعة الـ11 مساءً، فمن المستحسن أن يشيروا إلى أن الرد الفوري غير مطلوب.

وفي الحقيقة، ينصح العديد من الموظفين بفعل ذلك؛ إذ يمكن للأشخاص الذين يتحققون من الرسائل الإلكترونية الواردة من العمل في أثناء العشاء التساؤل عما إذا كان هذا ضرورياً فعلاً أم لا.

فإهمال العائلة لتفقُّد البريد بمثابة تصريح «أنتم غير مهمين»

ونوَّه بيكر إلى وجود خيار آخر؛ ألا وهو الحضور الذهني، على أمل أن يساعد هذا الحل الأفراد في الاندماج والتفاعل بشكل أفضل مع أُسرهم وأصدقائهم حين لا يكونون منشغلين بهواتفهم الذكية.

وفي هذا الصدد، أوضح بيكر أنه «عند ترك ما كنا بصدد فعله مع عائلاتنا فقط للتحقق من هواتفنا، فإن هذا من شأنه أن يبعث برسالة إليهم، مفادها أنهم ليسوا مهمين فعلاً. وفي حال لم نتوصل إلى حل، فسوف يزداد الأمر سوءاً، وسيبدأ الأشخاص في الشعور بالإنهاك، فضلاً عن خلق المزيد من المشاكل في صلب العلاقات».

زر الذهاب إلى الأعلى