كتب الله عز وجل لشاب سعودي أصيب في حادث، ومات سريرياً وفقد الذاكرة لأكثر من 9 أشهر، عمراً جديداً، بل وقارع التحديات ليحصل مؤخراً على درجة الماجستير مع مرتبة الشرف من الولايات المتحدة.

وروى “راكان البجاد” قصته ليبعث الأمل في روح كل من فقده بسبب أي ظرف من ظروف الحياة، قائلاً: “على كل شخص أن يعتبر البلاء ما هو إلا لخير أراده الله بالإنسان، فلا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس، فما دام الشخص متوكلاً على الله فكل أمور الدنيا سيسخرها وييسرها له”.

“راكان” الذي قضى 13 عاماً بين المرض والدراسة، كان الأمل والطموح هما المحركان له، كما لحديث والده جرس إنذار أيقظ الحلم بداخله، وجعله يفكر بإكمال دراسته التي اغتالها حادث مروري – بسبب شاب متهور، بعد انتهائه من الثانوية – أدخله في غيبوبة 9 أشهر، عاشها بين أنابيب الأكسجين والأجهزة الطبية، وخلالها شارف على الوفاة، حتى وصل الأمر إلى انتظار توقف قلبه في أي لحظة، فكانت غيبوبته بسبب كومة من الإصابات، حيث أصيب في الحادث بكسور في “الصدر، والحوض، والرقبة، والورك، والرأس، والرئتين والقلب والكبد”.

وخلال هذه الفترة توقف قلبه عن النبض مدة 4 دقائق، وتم إنعاشه واستجاب للعلاج، إلا أنه عندما أفاق من غيبوته وجد نفسه فاقداً للذاكرة، ولم يستطع التعرف على أهله، وبعد شهرين تقريباً أجريت له عملية جراحية بالرأس لسحب المياه المتجمعة على مركز الذاكرة بالدماغ وعادت له ذاكرته تدريجيًّا.

وتحدث “راكان” – بحسب العربية نت –  عن المحطات المؤلمة بقصته قائلاً: “كانت أصعب اللحظات عندما وجدت نفسي مقعداً وغير قادر على الحركة، وكنت أحتاج إلى علاج طبيعي ونفسي، لأنني لم أكن أتحمل نظرة الشفقة في عيون المجتمع، لذلك حرصت على العلاج الطبيعي، وبتشجيع والدي وأهلي استطعت بعد عامين من العلاج أن أمشي على رجلي باستخدام عكازين، وفي أحد الأيام قال لي والدي: عليك أن تختار بين أن تبقى رهين إعاقتك وتمكث بالمنزل، أو تواجه المجتمع وتكمل حلمك بإكمال دراستك والعيش حياة طبيعية.. وكان لكلماته وقعها في نفسي”.

وتابع “حينها قدمت أوراقي لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وتم قبولي في عام 2008م، وكانت هذه المرحلة صعبة علي نظير معاناتي من نظرات الطلاب، كوني أمشي بعكازين وأكبر منهم سناً، إضافة لكوني أشكو من مشاكل في السمع، الأمر الذي استدعى لجوئي لاستخدام السماعات الطبية التي أسهمت في تحسُّن ذلك.

وبالعزيمة والإصرار والدعم من كل من حولي استطعت إتمام دراسة مرحلة “البكالوريوس” في تخصص “التمويل والاستثمار”، وكانت لحظات التخرج لا توصف”.

واستطرد: “طموحي بتحقيق مسيرتي العلمية والعملية لم يتوقف، حيث أتيحت لي فرصة القبول وظيفيًّا في (هيئة الاستثمار)، وفي الوقت نفسه تم ترشيحي من قِبل جمعية الإعاقة السمعية التي كنت عضواً فيها عن طريق برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، وبعد تفكير عميق قررت القبول بالعمل مع أمل مواصلة الحلم الدراسي”.

وواصل بجاد حديثه: “بعد 9 أشهر من العمل بهيئة الاستثمار، رغم البيئة العملية الجميلة، لا يزال هاجس الابتعاث ينبض في داخلي، وبعد تفكير واستخارة قررت أن أعلن ذلك لوالدي الذي كان غير متقبل الأمر في بدايته خوفاً على صحتي، ولأني لا أزال بحاجة لمزيد من الرعاية الصحية، ولا أجيد اللغة الإنجليزية، إلا أن إصراري على التحدي دفعه لقبول ذلك، وإعلان دعمه المعنوي لي، وسط شعوري بأنني أستطيع التغلب على إعاقتي، وكسب رهان المغامرة والطموح”.

راكان، بدأ تعلم اللغة رغم الصعوبات واستطاع تجاوزها ، وتم قبوله لدراسة الماجستير في جامعة “جاكسونفيل” بـ”ولاية فلوريدا” الأميركية في تخصص “المحاسبة والمالية”، وبعد تجاوزه الفصل الدراسي الأول بتميز رغم صعوبته إلا أنه واجه الآلام في أحد المفاصل، وبمراجعته الطبيب أفاد بأنه يحتاج لتدخل جراحي عاجل.

وقال راكان: “كنت متخوفاً من إبلاغ والدي بذلك، لأنه سيكون قلقاً، إلا أن الوقفة الصادقة للأصدقاء دفعتني لإجراء العملية الجراحية التي تكللت بالنجاح – ولله الحمد – والتقدم بطلب تأجيل الدراسة، والذهاب للسعودية في إجازة استمرت فصلاً دراسيًّا، وبعد الشفاء عدت إلى أميركا وأكملت دراستي وبعد عامين حصلت على درجة “الماجستير” في “المحاسبة والمالية” بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف، وها أنا أنتظر الفرصة الوظيفية المناسبة لخدمة ديني ثم وطني بكل فخر واعتزاز.

شاركها.