بعض الأماكن تملك خصوصية تاريخية جعلت مكانتها مميزة عند الشعوب، ولكن بين الوقائع التاريخية والأساطير مساحة كبيرة تسمح للناس بتصديق ما يريدون تصديقه من خرافات. 

من البقع المباركة إلى قصص الجنيات والقدرة العجائبية لقبور، عشرات القصص التي تنسج وتغري كل من فتك به اليأس. قلعة شالة في المغرب وقبور «السبع بنات» في مصر، لكل واحدة منهما قصتها وطقوسها، ولكن الغاية واحدة: الشفاء من العقم. 

قلعة شالة 

قلعة شالة المغربية موقع أثري شيد في القرن السادس قبل الميلاد. حملت القلعة أسماء مثل «سلفيس» في عهد القرطاجيين، وعندما دخلها الرومان سميت «سلا كولونيا»، أما الأمازيع فأطلقوا عليها تسمية «شالة» التي تعني «كثيرة الخيرات». 

ازدهرت تحت حكم الملوك الموريين، ثم شهدت تحولاً في العهد الروماني، ولكن القلعة هجرت منذ القرن الخامس حتى القرن العاشر الميلادي حيث تحولت إلى قاعدة لتجمع المحاربين الذين كانوا يواجهون إمارة بورغواطة البربرية. عام ١٢٨٤ اتخذها السلطان المريني أبو يوسف يعقوب موقعاً لدفن ملوك وأعيان بني مرين الذين حكموا المغرب، وشيدوا مسجداً وداراً للوضوء وقبة.

وفق عدد من المؤرخين فإن القلعة وفي حقبة متأخرة من تاريخها تحولت إلى مكان لخلوة الصالحين والصوفيين ومدفناً لبعضهم. وما تزال الآثار موجودة حتى يومنا هذا، ففي الزاوية الغربية بقايا النزالة التي كانت تأوي الحجاج والزوار، وفي الجزء السفلي بقايا المقبرة المرينية المعروفة بالخلوة، وفي الجهة الجنوبية الشرقية الحمام وقاعاته الأربع، وفي الجهة الجنوبية الغربية للخلوة حوض كان في الأصل قاعة للوضوء لمسجد أبي يوسف، وقد نسجت حوله الكثير من القصص والأساطير ما حوله إلى مزار لكل من يبحث عن خلاص وعلاج. 

الذين يقصدون المكان يؤمنون بأن المياه في حوض نون مباركة، وبالتالي تتم إضاءة الشموع ورمي النقود في الماء بغية الحصول على مباركة الأولياء والصالحين وتحقيق الأمنيات كالشفاء من بعض الأمراض، ومن العقم تحديداً. 

الأسماك لها أهميتها أيضاً؛ فهنا وفق الروايات جنيات اتخذن هذا الشكل، ويحرسن كنوز الملك سليمان، وعليه كل زائر يحرص على إطعام هذه الأسماك. وتقول الأسطورة إنه بعد هبوط الظلام تخرج جنية الحوض من مخبئها وتتبعها الجنيات اللواتي يتخذن شكل الأسماك التي تطير في سماء القلعة وقد يخيل للناظر إليها من بعيد بأنها أسراب نحل أو طيور؛ لأنها عديدة جداً. 

 في حوض نون نجد الركن الذي يعرف بركن العاقرات، وهو عبارة عن ساحة صغيرة تحيط بها الأشجار الكثيفة. هناك تغتسل النسوة بالماء الذي يشفيهن من العقم بعد أن فشل الطب، أو هكذا على الأقل تقول الروايات العديدة المتداولة؛ فهذه أنجبت بعد سبع سنوات من العلاج، وتلك حملت مباشرة بعد زيارتها للمكان والاغتسال بمائه؛ فالماء مباركة، والأسماك جنيات، وهناك تتحقق كل الأماني.

قبور «السبع بنات»

من المغرب إلى مصر، مقصد آخر للحالمين والحالمات بالإنجاب، وهو منطقة «السبع بنات» في محافظة المينا جنوب البلاد. 

أرض البهنسا هي أرض مباركة مما لا شك فيه لأنها تضم أجساد ورفات عدد من صحابة الرسول والمقاتلين. ولكن قصة «السبع بنات» التي لا مصادر تاريخية تؤكدها تحولت لما يشبه الخرافة. 

تختلف الروايات حول هويتهن وعددهن فمنهم من يقول إنهن ٧ ومنهم من يقول إنهن ٧٠، أما من ناحية الهوية فبعض الروايات تقول إنهن قبطيات قتلن على أيدي الروم، وروايات أخرى تقول إنهن مسلمات قتلن خلال حروب الفتح انضممن إلى جيش عمرو بن العاص بعد أن ارتدين ملابس الرجال، ولكن زغاريد الفرح بعد النصر كشفت هويتهن، فقام الرومان بالتسلل إلى خيامهن ليلاً وقاموا بذبحهن، وهكذا أصبحن رمزاً للتضحية والفداء. 

الطقوس التي تمارس هناك ما تنفك تثير غضب علماء الدين لكونها كما يقولون «جهل وبعد عن الله». الباحثون والباحثات عن حل للعقم يقصدون المكان فينامون على جانبهم الأيمن على الكثبان الرملية التي يوجد فيها حصى صغيرة واضعين أيديهم خلف رؤوسهم. من هناك تقوم سيدة متقدمة بالسن بدفعهم للتدحرج من أعلى الكثبان الى أسفلها، ويتم تكرار العملية سبع مرات. بعد الانتهاء من هذه المرحلة يتم التوجه إلى بئر قريبة ليخطوا فوقه ذهاباً واياباً متخذين الجانب الأيمن وهم يدعون الله أن يحقق أمنيتهم بالإنجاب. وهكذا وفي كل يوم جمعة مئات الرجال والنساء يقومون بهذه الطقوس بغض النظر عن مستوياتهم الاجتماعية أو التعليمية وفق شهادات العاملين هناك. 

وفي حال حدث الحمل في أي مرحلة بعد هذه الطقوس على الشخص أن يعود إلى المكان مجدداً؛ ليفي بنذوره ويقدم القرابين. 

هناك طقوس أخرى «متقدمة»؛ إذ يقوم البعض بإخراج عظمة من عظام ميت ويخطون فوقها ثلاث مرات، ثم يحرصون على زيارة قبور «السبع بنات» مرة كل أسبوع لثلاثة أسابيع متتالية. البداية تكون بزيارة بئر الكبسة بمدينة البهنسا والمرور عليه والدعاء والتمني، ثم بعد الانتهاء من هذه الطقوس تتم عملية التدحرج، وإنما هنا لثلاث مرات وليس سبع مرات. 

شاركها.