صورة الجسد الأنثوي في المعتقد الشعبي : رؤية سوسيو – أنثروبولوجية (1)

 د. حسـني إبـراهيم عبـد العظيم – أستاذ الأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع المساعد
كلية الآداب – جامعة بني سويف / جمهورية مصر العربية

 

      تنطلق هذه الدراسة من قضية أساسية، وهي أن عمليات التهميش والإقصــاء التي تتعرض لها المرأة في كافة المجالات ترتد في جانب كبير منها إلى تلك الصورة التي تشكلت ملامحها – وتراكمت  عبر الزمن – عن الجسد الأنثوي في الوعي الشعبي.

       تهدف الدراسة إلى الكشف عن ملامح صورة الجسد الأنثوي في المعتقد الشـعبي، كما تتجـلى في مســتوى الخطاب(كالقيم والأمثـال والأغاني الشعبية) وفي مستوى الممارسـات الثقافية(الآليات والطقوس التي تجري على الجسد الأنثوي وفي حضوره) وتهدف كذلك إلى رصـد تأثير هذه الصورة على أداء المرأة لأدوارها ومشاركتها في التنمية.

        تستند الدراسة إلى مجمل المنجزات النظرية في سـوسيولوجيا الجسد، وتعتمد بشــكل خاص على إســهامات “بيير بورديو” وقضايا النظريـــة النسوية. وتعتمد الدراســة في جانبها المنهجي على منهج دراسـة الحالة والمنهج الأنثروبولوجي ،.

       أوضحت الدراســـة أن ثمة صورة نمطية عن الجسـد الأنثوي منقوشة في المعتقد الشعبي، صـورة ذات تفاصيل ثقافية معقدة، وأن هذه الصورة تؤثر تأثيرا سلبيا على وضعية المرأة ومشاركتها الفعالة في التنمية الاجتماعية، حيث يتم إقصاء المرأة عن مختلف الفضاءات الاجتماعية.

المصطلحات الأساسية:

صورة الجسد – المعتقد الشعبي – النسوية – بيير بورديو – رأس المال الرمزي– الجسد المدنس – الجسد المقهور.

صورة الجسد الأنثوي في المعتقد الشعبي
رؤية سوسيو-أنثروبولوجية
مقدمة:
          شغل الجسد الإنساني موقعاً متميزاً في جدل النظرية الاجتماعية على مدار العقدين الأخيرين، وذلك من خلال الأطروحات والمناقشات الواسعة التي قدمتها المداخل المتنوعة في النظرية الاجتماعية (Wilkin 2008: 35) فثمة احتفاء بالجسد باعتباره مفهوماً نابضاً Animating Concept  من جهة، وحاضراً فعلياً في إطار الحداثة الراهنة من جهة أخرى، فهو يحتل مكانة عالية في تلك الحداثة، كما أنه يمثل مفتاحاً مهماً في تفسيراتها، فنحن نحتاج فقط أن نتأمل تلك الحقائق شديدة الوضوح المتعلقة بالخبرة الجسدية Bodily experience – والحقيقة أن كل خبرة هي خبرة جسدية بالضرورة – لنكون على وعي بالسمة الحقيقية للحياة المعاصرة. (Ferguson 1997: 1) ونتيجة لذلك فقد اتجهت العلوم الاجتماعية – والإنسانيات أيضاً- خلال العقود الأخيرة بشكل متزايد نحو استكشاف Exploration إشكالية الجسد في الحياة الاجتماعية؛ وذلك من أجل فهم تعقد مسارنا وتواصلنا التاريخي الإنساني. (Turner 1992: 31)
            ولقد تنوعت الخطابات Discourses المتمحورة حول الجسد وممارساته في الحياة اليومية فهناك الخطاب الأنثروبولوجي الذي يهتم بدراسة العلاقة بين الواقع الاجتماعي والجسد، وتحليل العمليات والميكانيزمات التي يتحول عن طريقها الجسد إلى شيء من صنع المجتمع، ودراسة الجسد الإنساني من حيث مدركاته، ودلالاته والمعاني التي ترتبط به، وعلاقة الجسد بالبناء الاجتماعي، وأنساقه المختلفة، واستخدام أجزاء الجسد في الممارسات الطقوسية والدينية، وبتأثير الجسد في التفاعلات الاجتماعية اليومية، وقدرته على التعبير عن المعاني المختلفة. (عاطف شحاتة 2004: 18)
          وهناك الخطاب الجمالي الذي يجعل من الجسد موضوعاً للتمثيل الفني، وخطاب علم النفس البيولوجي وعلم النفس الاجتماعي اللذان حاولا التمييز بين الجسد الموضوعي الذي يخضع للفحوص والاختبارات المعملية، والجسد الذاتي الذي تتداخل فيه الشهوانية والقصدية والإدراك والتفاعلات الاجتماعية وغيرها. (عاطف شحاتة 2004: 4)
          ولم يكن علم الاجتماع استثناءً لهذا الاحتفاء بالجسد، إذ تنامى في السنوات الأخيرة مقدار الاهتمام السوسيولوجي بالجسد، حيث برز علم اجتماع الجسد Sociology of The body بوصفه مجالاً متميزاً للدراسة، وصدرت في عام 1995 دورية علمية جديدة في انجلترا بعنوان «الجسد والمجتمع» Body and Society وتشغل دراسات الجسد مكاناً مهماً في علم الاجتماع وفي غيره من العلوم الاجتماعية في الوقت الراهن.
          ويفصل «هشام الحاجي» – ويؤرخ كذلك – القضايا التي يتناولها علم اجتماع الجسد بقوله إن اهتمام علماء الاجتماع بالجسد قد جاء عبر ثلاث زوايا: (عاطف شحاتة 2004: 4 – 5)
          الزاوية الأولى: الاهتمام الضمني بموضوعات الجسد، وتناول الباحثون في تلك الزاوية أمرين، الأول البؤس البدني والأخلاقي للطبقات الكادحة، وعدم توفر الشروط الصحية لأبدانهم، والإدمان، والبغاء، وغيرها مما لا تعد الجسدانية موضوعاُ اجتماعياً مستقلاً، والثاني دراسة الاختلافات الاجتماعية والثقافية بين الأفراد ودور الجانب الجسدي في ذلك.
          الزاوية الثانية: دراسة الاستخدام الاجتماعي للجسد، كتعبيرات الوجه، وأفضلية اليد اليمنى على اليسرى، التعبير الجسدي عن الأحاسيس، التأثير البدني لفكرة الموت. ويرى العلماء في هذه الزاوية أن حركات الجسد تساهم في النقل الاجتماعي للمعنى، وأن الحضارة أو المدنية ساهمت كثيراً في تنظيم حركات الجسد المختلفة (كالأكل والشرب والجنس … الخ). وقد استفادت دراسات السلالة والعرق من هذه الأفكار، وقدمت إسهامات حول الأساليب الجسدية المميزة للمجتمعات البدائية والمتقدمة، وقد أهدر أصحاب تلك الزاوية قيمة الإنسان الذي يحمل ذلك الجسد، وأدى ذلك إلى انتعاش المعرفة «البيو- طبية» للإنسان التي تقوم على التشريح الفسيولوجي للجسد، أي اختزال الإنسان في جسده.
          أما الزاوية الثالثة فيرى أصحابها أن الجسد ليس مجرد «تجميع» لأعضاء ووظائف مترابطة حسب قوانين التشريح والفسيولوجيا، وإنما هو بنية رمزية قادرة على التداخل مع الأشكال الثقافية حولها، ووسيط لكل الممارسات الاجتماعية، ومحور للحضور الإنساني؛ لذلك يتم إدراكه من خلال شبكة الرموز الاجتماعية التي تمنحه التعريف، وتضع جملة الطقوس والممارسات التي يتعين حضورها في مختلف وضعيات الحياة الفردية والجماعية، لهذا تتنوع هذه الرؤية الثقافية للجسد من ثقافة لأخرى، وتمثل هذه الرؤية أساس علم اجتماع الجسد.
          والحقيقة أن الأنثروبولوجيا تشاطر علم الاجتماع تلك الزاوية في تحليل الجسد، فالجسد موضوع ملائم للتحليل الأنثروبولوجي، لأنه (أي الجسد) يحدد هوية الإنسان، فبدون الجسد الذي يعطيه وجهه لن يكن الإنسان على ما هو عليه، إن وجود الإنسان هو وجود جسدي، وبما أن الجسد يوجد في قلب العمل الفردي والجماعي، وفي قلب الرمزية الاجتماعية، فإنه يعد عنصراً هاماً في فهم أفضل للحاضر. (لو بروتون 1997: 5)
          وانطلاقاً من الزاوية الأخيرة يأتي موضوع الدراسة الحالية الذي يدور حول صورة الجسد الأنثوي في المعتقد الشعبي الليبي. فالجسد الأنثوي – خاصة في المجتمعات التقليدية- يتم إنتاجه اجتماعياً، بمعنى أنه يتشكل من خلال التصورات والمعتقدات الاجتماعية الراسخة في أعماق البنية الاجتماعية والثقافية للمجتمع، وبناءً على تلك التصورات وهذه المعتقدات يكون الجسد الأنثوي مجالاً لممارسات وطقوس متعددة تهدف إلى ضبطه وانتظامه ليتوافق مع معطيات الثقافة التي ينتمي إليها.
أولاً: مشكلة الدراسة:
          تنطلق هذه الدراسة من قضية أساسية وهي أن عمليات التهميش والإقصاء Exclusion التي تتعرض لها المرأة في كافة الميادين ترتد في جانب كبير منها إلى تلك الصورة Image التي تشكلت -وتراكمت- ملامحها عبر الزمن عن الجسد الأنثوي في الوعي الشعبي.
          لقد طرح «بيتر برجر» P. Berger وهو واحد من رواد علم اجتماع الجسد، مفهومين مهمين في تصور الجسد، الأول أن يكون الإنسان جسداً Man is a body والثاني أن يمتلك الإنسان جسداً Man has a body (Turner 1992: 40) واستناداً لهذه الرؤية تفترض الدراسة الحالية أن المعتقد الشعبي في مجتمع البحث وهو المجتمع الليبي ينظر إلى المرأة باعتبارها جسداً Woman is a body ولا يراها كائناً اجتماعياً يمتلك جسداً has a body
       إن ذلك الاختزال للمرأة يعني في التحليل النهائي أن المرأة هي ذلك الجسد «العورة» الذي يختص بصفات وملامح معينة، وبالتالي ينبغي أن يحجب و«يحاصر» في نطاق محدد لا يتجاوزه، وتتمثل وظيفته الأسمى في القدرة على إعادة الإنتاج البشري (الإنجاب) ويظل ذلك التصور المختزل محايثاً للمرأة في مختلف مناشط الحياة الاجتماعية.
          وانطلاقاً مما سبق تتحدد مشكلة الدراسة في الكشف أولاً عن ملامح صورة الجسد الأنثوي في المعتقد الشعبي الليبي، كما تتجلى في مستوى الخطاب (كالقيم الاجتماعية والأمثال والأغاني الشعبية) وفي مستوى الممارسات الثقافية (الآليات والطقوس التي تجرى على الجسد الأنثوي أو في حضوره)، وثانياً تأثير هذه الصورة على أداء المرأة لأدوارها ومشاركتها بفاعلية في تنمية المجتمع.
          وبناءً على ذلك تجتهد الدراسة للإجابة عن تساؤل رئيس تنبثق منه طائفة من التساؤلات الفرعية، أما السؤال الرئيس فهو: ما هي أبرز ملامح صورة الجسد الأنثوي في المعتقد الشعبي ؟ وما تأثير تلك الصورة على أداء المرأة لأدوارها ومشاركتها في التنمية، أما الأسئلة الفرعية فهي:
1- هل الجســـــد الأنثوي جســــد مرغوب فيـه وفق المعتقد الشــــــعبي الليبي ؟
2- ما هي الآليات التي يبدعها المجتمع للمحافظة على هذا الجسد من أي انتهاك ؟
3- هل يعد الجسد الأنثوي جسداً مدنساً وفق المعتقد الشعبي ؟ وإن كان ذلك صحيحاً فما هي المظاهر
    والممارسات التي تكرس هذه النظرة ؟
4- ما هي النظرة الاجتماعيـــة – الثقافية للجســـد الأنثوي القادر على الإنجاب ؟ والعاجز عن
   الإنجاب (العاقـــــر) ؟
5- هل يعاني الجســـد الأنثوي من القهــر والإقصـــاء ؟ وإن كـان يعاني من ذلك فما هي
    تجليات هذا القهر وذلك الإقصاء ؟
6- ما هو تأثير صورة الجســــد الأنثوي الراسخة في الوعي الشعبي على مشاركة المرأة في
    تنمية المجتمع وتطوره ؟
ثانيا: مفاهيم الدراسة:
          تتضمن الدراسة مفهومين أساسيين وهما صورة الجسد والمعتقد الشعبي، وسـوف يشـرح الباحث هذين المفهومين، ثم يوضح التصور الذي تتبناه الدراسة الحالية تجاههما.
 صورة الجسد: Body Image
          إن الجسد –كما يستخدم في المجال السوسيولوجي- لا يقصد به الجسد في خصائصه البيولوجية أو الفسيولوجية، أي مجموعة من الأعضاء والمهام المتراصة في تركيب طبيعي حسب قانون علم التشريح، وإنما يقصد به الجسد كمنتوج اجتماعي، كبناء اجتماعي- ثقافي، مجال تمثلات ومخيالات، أي الجسد في مظاهره وتعبيراته الخارجية الرمزية المكتسبة، المعبرة عن ثقافة الجماعة التي ينتمي إليها حامله. إن الجسد الطبيعي يختفي وراء شبكة من الرموز والطقوس والعلامات تبرزه على الواجهة الاجتماعية. (زينب المعادي 2004: 15)
     إن التحليل السوسيولوجي الأنثروبولوجي المعاصر للجسد يميل إلى تجاهل العمليات «المادية» للجسد، باعتبار أن هذه العمليات تقع خارج دائرة اهتمام العلوم الاجتماعية، ويحاول الخطاب السوسيولوجي والأنثروبولوجي أن يعطي الأولية للطرق التي يصبح من خلالها الجسد موضوعاً للخطاب الرمزي. (Lyon 1997: 83) فالمقاربة السوسيولوجية الأنثروبولوجية لا تتعاطى مع الجسد باعتبارة كيانا عضويا فقط، وإنما باعتبارة بنية اجتماعية – ثقافية، وهو مايعرف بصورة الجسد.
          يعرف معجم التراث الأمريكي The American Heritage Dictionary في طبعته الرابعة الصادرة عام 2000 “صورة الجسد” Body Image بأنها التصور الذاتي للفرد عن مظهره العضوي مرتكزا في هذا التصور على ملاحظته الذاتية ووجهة نظر الآخرين. وفي التراث العلمي تعد صورة الجسد مفهوما متعدد الأبعاد يتضمن الإدراك الذاتي للفرد واتجاهاته حيال مظهره العضوي، ويشمل أيضا الأبعاد المعرفية والسلوكية والوجدانية والتصورية. (Friedman& Martinez 2008:500)
    ويستخدم مصطلح «صورة الجسد» لوصف كل الطرق التي يكون بها الفرد مفهوماً عن جسده، ويشعر به سواء بوعي أو بدون وعي، ويتضمن ذلك أحاسيس الفرد وتخيلاته عن جسده، بالإضافة إلى الأسلوب الذي يتعلم الشخص من خلاله تنظيم وتكامل خبراته الجسدية، ومن ثم فإن صورة الجسد هي شيء يكتسب بواسطة الشخص في جماعة أو مجتمع معين وذلك على الرغم من وجود اختلافات في هذه الصورة داخل المجتمع الواحد. (نجلاء خليل 2006: 222)
          إن صورة الجسد ليست إلا الجسد كما يُرى، وكما يبدو في المجتمع، إنها مشابهة له، لكنها ليست الجسد ذاته، هي شيء أكبر من الجسد، أي أكبر من تلك البنية الفسيولوجية المترابطة، إن ثمة ترابط بين الجسد وصورته، وصورة الجسد هي أمر جوهري بالنسبة للجسد، بحيث لا يمكن فهم الجسد دون تلك الصورة التي يبدو عليها في الواقع، ولهذا؛ فإننا نصنع لأنفسنا صورة لكيفية ظهورنا للآخرين، إن صورة الجسد هي بنية عقلية Mental Construct لمظهرنا في المجتمع. (Ferguson 1997: 5-6)
          يتبين إذن أن صورة الجسد هي مفهوم عقلي يعكس رؤية المجتمع للجسد، أي كيف يبدو الجسد ويظهر لأفراد المجتمع، وبمعنى آخر تعني الإنتاج الاجتماعي للجسد، فالجسد يتم إنتاجه اجتماعياً Socially produced ويتم تشكيله ثقافياً Culturally constructed. واستناداً إلى ذلك فإن الدراسة الحالية تتبنى تلك المقاربة السوسيو-أنثروبولوجية للجسد، التي تستوعب البعد العضوي وتتجاوزه إلى البعد الاجتماعي –الثقافي، فعلى الرغم من أن الكيان العضوي للجسد متشابه بنائياً ووظيفياً لدى كل البشر، إلا أن القيم والمعتقدات والممارسات المرتبطة به تتباين تبعاً لتباين البنى الاجتماعية والنظم الثقافية للمجتمعات الإنسانية.
– المعتقد الشعبي:
          يعني المعتقد Belief بشكل عام التصديق الجازم بشيء ما، ويعد اليقين والإيمان أسمى درجات المعتقد، ويقومان على تصديق جازم لا يقبل الشك، وليس من الضروري أن يقوم كل معتقد على حجج منطقية، ويرجع كثير من معتقداتنا السائدة إلى شيء من التسليم والثقة بما قاله الآخرون، القدامى والمعاصرون. (سامية الساعاتي 2003: 215)
          أما المعتقد الشعبي Folk belief فهو مجموعة الأفكار التي يؤمن بها الشعب، فيما يتعلق بالعالم الخارجي والعالم فوق الطبيعي، وتمثل منظور الجماعة في حياتها الاجتماعية وتعاملها مع هذه الحياة، وهو كذلك نسق فكري يضم الاعتقاد والشعائر والطقوس وغيرها، يزود الشعب بأسباب الخلق والحكمة والرشد في الأفعال. (علي المكاوي 1982: 255)
          والمعتقدات الشعبية تعد موروثات احتلت عقول الناس وشغلت حياتهم، وشغفت بها نفوسهم وملكت قلوبهم وصارت معتقدات، وأضحى التسليم بها والخضوع لحكمها من المسلمات والبديهيات التي لا يمكن أن يرقى إليها الشك، وقد أخذت هذه المعتقدات سبيلها إلى قلوب الناس ونفوسهم، عامتهم وخاصتهم، منذ بداية عمرها الطويل، في تعاقب الأجيال وتداول الأزمنة حتى رسخت في الوعي وأصبحت جزءاً هاماً من الوجدان الشعبي. (نجلاء خليل 2006: 199)
          وتقرر النظرة السوسيولوجية للمعتقدات الشعبية أن تلك المعتقدات توجد في بيئة اجتماعية، يحملها إلى حد كبير نوع من التنظيم الاجتماعي، فالمعتقدات -إذن- لا تقل شأناً عن الدين أو السياسة أو الفن، أو آداب المعاشرة، أو الفنون المادية.. الخ، ومع ذلك فقد تظهر أنساق الاعتقاد المتباينة في صورة يشارك فيها الجميع، ويبدو فيها الترابط الداخلي، وهذا ما يجعلها مألوفة بدرجة تؤهلها للاستئثار بالدراسة كنمط مميز من أنماط السلوك. (علي المكاوي 1982: 258)
          وتحرص النظرة السوسيولوجية للمعتقد كذلك على اعتباره ظاهرة اجتماعية تسمو على الفردية Super individual phenomenon ومن ثم نسقط من حسابنا تجسداتها الفردية، ونراعي الطابع الاجتماعي- الثقافي لها، ولعل الشخص المعتقد Believer لا يعرف نسق الاعتقاد كله، بل يعرف فقط قشوراً من عنصر بسيط منه، وعليه أن يلتزم به، سواء كان على علم به أو دون علم. (علي المكاوي 1982: 260)
          ومن خلال ما سبق يمكن القول إن المعتقد الشعبي هو موروث ثقافي يقوم على التصديق الجازم واليقين الحاسم في شيء ما، بصرف النظر عن مدى منطقية ذلك الشيء أو عقلانيته، ويترسخ المعتقد الشعبي في وعي الناس نتيجة تقادمه الزمني، بحيث أصبح يشكل «سلطة» قوية على فكر الأفراد وسلوكهم، والمعتقد الشعبي كامن في صدور الناس غير أنه يتجلى في الممارسات والطقوس الاجتماعية المتنوعة.
          وتتبنى الدراسة الحالية قضية أساسية، وهي أن الجسد الأنثوي يمثل مجالاً خصباً لتأثير المعتقد الشعبي، حيث تشكلت حول ذلك الجسد طائفة من المعتقدات الشعبية الراسخة، أسهمت في صياغة صورة محددة للجسد الأنثوي في الوعي الاجتماعي، وقد تكونت تلك المعتقدات من مصادر ثقافية متنوعة: دينية وأسطورية، وقد ظلت المرأة أسيرة لتلك الصورة – بوعي حيناً وبلا وعي في أحيان كثيرة – بحيث تسرب في بنيتها الشعورية واللاشعورية إحساس قد يصل لدرجة اليقين بأن تلك هي صورتها المثلى التي ينبغي أن تحافظ عليها، بل وأن تدافع عنها أيضاً.
ثالثا: الإطار التصوري للدراسة:
          تستند هذه الدراسة بشكل عام إلى مجمل المنجزات النظرية في سوسيولوجيا الجسد، وتعتمد بشكل خاص على إسهامات «بيير بورديو» الذي أولى الجسد الأنثوي اهتماماً خاصاً، كما تستلهم الدراسة قضايا النظرية النسوية Feminist theory باعتبارها من أكثر الاتجاهات الفكرية انشغالاً بقضايا الجسد الأنثوي وإشكالياته المتنوعة.
1- بيير بورديو Pierre Bourdieu
          لقد أسهم «بورديو»(2002 – 1930)إسهاماً فاعلاً في ظهور علم اجتماع الجسد، وذلك في سياق تحليلاته للمفاهيم الجديدة التي قدمها لعلم الاجتماع مثل الممارسة Practice والهابيتوس Habitus والأشكال المختلفة لرأس المال وعلاقة كل ذلك بالسلطة الرمزية للجسد. (Turner 1992: 23, 54)
          وعلى الرغم من أن انشغاله بالجسد لم يكن مباشراً، إلا أن سوسيولوجيا «برديو» تمثل نموذجاً للدراسات التي يمثل فيها الجسد مساحة مهمة وخاصة منذ أبحاثه الاثنوجرافية المبكرة في منطقة القبائل بالجزائر الحاضرة في أهم مؤلفاته. (زينب المعادي: 27)
      يبدو الجسد الإنساني في نظرية «بورديو» كموقع Site أو فضاء Space تدون عليه الممارسات الثقافية لمختلف الطبقات الاجتماعية، فكل طبقة لديها نشاط مميز –خاصة في مجال الرياضة- حيث تستعرض سماتها الاقتصادية والثقافية. إن الجسد – وفقاً لرؤى «بورديو» –  يمكن اعتباره حاملاً للتمايزات الطبقية، ومن المهم أن يكون واضحاً أن «بورديو» يؤكد على وجود الجسد الإنساني العضوي، ولكنه يؤكد في ذات الوقت أن تلك «المادة الخام» Raw material  تقوم القوى الطبقية بتشكيلها وإعادة صياغتها، بحيث يصبح الجسد جزءاً من رأس المال الثقافي*” للفرد، ويصبح من ثم مؤشرا للقوة أيضاً. (Turner 1992: 54- 55)
          ويمثل الجسد عنصراً حاسماً في أفكاره حول رأس المال الطبيعي Physical capital الذي يدخل تحت المعنى الأوســع لرأس المال الثقافي. فالجسد كمنتج اجتماعي Social product يتم إنتاجه في هابيتوس** Habitus محدد من خلال الرياضة، الترفيه، ونمط الاستهلاك. والجسد بهذا المعني هو محصلة الممارسات الطبقية، فهذه الممارسات تدون على الجسد، الذي يعد بدوره منتجاً اجتماعياً لأنشطة طبقية خاصة. إن الجسد في نظرية «بورديو» يعد مكوناً جوهرياً في عملية إعادة إنتاج التفاوتات الطبقية، حيث تكشف الوسائل المتنوعة التي تدير بواسطتها الجماعات الاجتماعية أجســـادها (من خلال الرياضة، الحمية، الجراحة، الممارســـات التربوية الجنســـية) الترتيبات العميقة للهابيتوس. (Turner 1992: 88- 89)
          ويطرح «بورديو» مفهوماً مهماً في تحليل الجسد، وهو ما يمكن أن نسميه عادات الجسد Body hexis ويقصد به مختلف السبل الراسخة اجتماعياً Socially Inculcated التي يحملها الفرد ويتحرك بها، والأوضاع التي يشغلها جسده (أو جسدها) في العالم المعاش. فالأطفال يتعلمون كيف يؤدون حركات الجسد، إيماءاته، وقفاته وفقاً لترتيبات مفروضة تلاءم الطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها… إن عادات الجسد بهذه الطريقة تمثل الجانب الأدائي Performative aspect للهابيتوس باعتباره تنظيم دائم لجسد الفرد، ووفقاً لرؤية «بورديو» ترتبط عادات الجسد مباشرة بالوظيفة الحركية للجسد، فالحركات والإيماءات والتعبيرات تعد مرشداً لإدراك الفرد الحي لجسده وأجساد الآخرين. (Throop & Murphy 2002: 188)
          واستناداً لمفهوم “عادات الجسد” يرصد برديو ما يسـميه البناء(اوالتشـكيل) الاجتماعي للجسد،  حيث يعتبر أن الجسد يخضع لعملية تشكيل أو نحت اجتماعي من خلال استيعابه لعادات المجتمع وقيمه، ويصبح ذلك الاستيعاب وكأنه نظام تعليمي ضمني implicit pedagogy قادر على غرس تصور كامل عن الكون:  تصورات فلسفية وأخلاقية وميتافيزيقية من خلال أوامر بسيطة، مثل “قف مستقيماً” أو “لا تمسك سكينك بيدك اليسرى”((Manen 2007:18
         إن التشكيل الاجتماعي للجسد –حسب تعبير «بورديو»- يجعل أشكال استخدامه وسيلة من وسائل التعبير عن بنيات وعلاقات اجتماعية، ومرآة للتقابلات الاجتماعية، سواء تعلق الأمر بالفوارق بين الطبقات الاجتماعية أو الفئات العمرية أو التمايزات النوعية، وفي نفس الوقت تدعيمها وتطبيعها Naturalized أي إظهارها بمظهر التقابلات أو الفروق التي تحتمها طبيعة الأشياء. (زينب المعادي 2004: 27)
          وقد أفاض «بورديو» في شرح تلك الفكرة عند حديثه عن التقابل بين الذكورة والأنوثة، فهو يرى أن الوسيلة في تطبيع naturalization التقابل بين الذكورة والأنوثة هي إدخال تلك الثنائية في سلسلة من التقابلات التي تعمل على حصر المرأة في مواقع محددة – منزلية ورعوية – في مقابل المواقع الذكورية التي تنتشر في الفضاء العام لمجتمع القبائل في الجزائر. (Mcnay 1999: 99)
          وبالإضافة إلى ذلك تتجسد تلك التقابلات في شكل استعمال الجسد، أو اتخاذ أوضاع وسلوكيات معينة: تقابلات بين المستقيم والمنحي، الرجل يمشي مستقيماً رافعاً الرأس، والمرأة تفرض عليها الحشمة أن تمشي منخفضة الرأس، طريقة استخدام الفم في الأكل: الرجل يأكل بكل فمه يفتحه بشكل واسع، في حين تأكل المرأة بشكل مخالف بنهاية الفم  وكأنها لا تأكل، كما تتجلى التقابلات في طريقة استقبال الناس، الرجل ينظر مباشرة وبصورة مواجهة لمن يستقبله، أما المرأة فتنظر بمواربة بنوع من الخجل والانحناء، إنها خصائص فيزيقية ترتبط بها سمات أخلاقية متقابلة، الصرامة والاستقامة والصراحة بالنسبة للرجل، والاحتشام والرقة والانعزال بالنسبة للمرأة. (زينب المعادي 2004: 28)
     إن علاقة الرجال والنساء / الذكورة والأنوثة مع الجسد تعكس نوعين من العلاقات مع العالم، ومع الآخر، ومع الزمن، تعكس نسقين من القيم فالبناء الاجتماعي للجسد يطبع جسد المرأة بالانحناء، ويجعل جسد الرجل مستقيماً إلى أعلى، إن هذه التقابلات تستمد رمزيتها من حيث كونها تترجم إلى حركات تبدو تلقائية، وكأنها تعبر عن طبيعة الأشياء، فالرسم الاجتماعي لخصائص الجسد وحركاته هو في نفس الوقت إضفاء صفة الطبيعي على الاختيارات الاجتماعية الأكثر عمقاً. (زينب المعادي 2004: 28)
          ويستند «بورديو» إلى مفهوم العنف الرمزي(*) لتعميق فكرة تطبيع الفوارق بين الجنسين، أي إظهار تلك الفوارق وكأنها فوارق تحددها طبيعة الأشياء، فالعنف الرمزي هو شكل من السلطة يمارس على الجسد، بطريقة مباشرة، وكأنه يملك مفعولاً سحرياً، إذ أن تلك السلطة تتم خارج كل «إكراه» إلا أن هذا «السحر» لا يكون مؤثراً إلا إذا ارتكز على استعدادات كامنة في عمق الجسد … إن النساء بصفتهن ضحايا للعنف الرمزي يقبلن علاقات التراتبية الجنسية الاعتيادية بطريقة تلقائية، وهذه التلقائية هي التي يصفها «بورديو» كنوع من الخضوع لمفعول الســــحر. (فاطمة المرنيسي 2002: 231- 233)
          ويخلص «بورديو» من تحليله للجسد إلى قضية مهمة وهي أن البناء الاجتماعي للجسـد يقدر ما يجعل الفوارق الاجتماعية تبدو طبيعية، فهو كذلك يريد أن يجعل من الفوارق الطبيعية تبريراً للفوارق الاجتماعية، أو يحول الاختلافات البيولوجية الطبيعية إلى اختلافات في المكانات الاجتماعية، الاستثمارالاجتماعي للجسد –حسب «بورديو» ليس في نهاية الأمر إلا تعبيراً عن “ميثولوجيا سياسية” تحولت إلى استعداد مستمر، في شكل طريقة دائمة لاتخاذ أوضاع جسدية للكلام والمشي، ومن ثم الإحساس والتفكير. (زينب المعادي 2004: 29)
           يتبين من قراءة ما يطرحه برديو حول البناء الاجتماعي لعادات الجسـد أن ثمة خلطاً وقع بين “الطبيعي” و “الاجتماعي _ الثقافي “  وأدى ذلك الخلط إلى حدوث نوع من التهميش للجسد الأنثوي _ خاصة في المجتمعات التقليدية _ حيث تعمل الثقافة على جعل الفوارق الطبيعية بين الرجل والمرأة أساساً ومبرراً للفوارق الاجتماعية ، ومن ثم ، يظل الجسد الأنثوي في وضع أدنى، ليس هذا فقط ، بل أنه من خلال العنف الرمزي ، يستقر في وعي المرأة _ وفي لا وعيها أيضاً _ أن ذلك من طبائع الأشياء التي لا يمكن تغييرها ، وبالتالي فإنها تخضع لهذا التمييز النوعي ، وتعتبره أمراً مألوفاً ومقبولاً؛ ومن ثم يرى برديو أن عادات الجسد لا تعبر فقط عن أوضاع جسدية ، وإنما تعكس بناءً ثقافياً وأخلاقياً راسخاً، وبالتالي فهو يصف البناء الاجتماعي للجسد بأنه “ميثولوجيا سياسية” تبدو من قراءة برديو أنها مصطنعة ومقصودة ، لتحقيق الهيمنة الذكورية وتعميقها.”*
3- النظرية النسوية Feminism
          تمثل النسوية خطاباً فكرياً وفلسفياً وسياسياً يهدف إلى صياغة حقوق عادلة وحماية قانونية للنساء، وتضم النسوية حركات Movements ونظريات وفلسفات متنوعة تهتم كلها بقضايا النوع gender وتدافع عن مساواة المرأة، وتجاهد من أجل حقوق المرأة ومصالحها. ويقسم مؤرخو الفكر الاجتماعي تاريخ النسوية إلى ثلاث مراحل (أو موجات) waves تمتد الموجة الأولى من منتصف القرن التاسع عشر حتى بدايات القرن العشرين، وتشغل الموجة الثانية الفترة من بداية الستينات حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي، وبدأت الموجة الثالثة في تسعينات القرن العشرين وما تزال مستمرة حتى الآن. (Barrett: 2005)
          والنظرية النسوية في جوهرها محاولة لتفسير طبيعة وتعقيدات اللامساواة المرتبطة بالنوع Gender inequality وتهتم تبعاً لذلك بقضايا عديدة ومتنوعة مرتبطة بالنساء كالطبقة، العمل، العجز Disability الأسرة، العولمة، حقوق الإنسان، الثقافة الشعبية، السلالة، الإنجاب، والممارسات الجنسية، وأصبح الجسد من القضايا الأساسية المطروحة في الأدبيات النسوية. (Walby 2000: 236)
          ولقد تطورت النظرية النسوية المعاصرة من خلال الحوار الكثيف والمستمر مع الاتجاهات النقدية في العلوم الاجتماعية، وقد كان هناك واحد من أهم الأصوات النقدية والإبداعية في علم الاجتماع الحديث أحدث تأثيراً كبيراً في الخطاب النسوي، هذا الصوت هو «بيير بورديو» حيث أعتبر من خلال أعماله المتعددة أن «الرجال والنساء –سواء بسواء- فاعلون اجتماعيون» وأسس بعمق لذلك الجدل النظري المتعلق بالنوع gender. (Krais 2006: 119)
          وفيما يتعلق بالجسد، فقد انصب اهتمام الباحثات النسويات بالبناء الاجتماعي الذي يخضع له الجسد الأنثوي، فقد وجهت النظرية النسوية الأنظار –والنقد أيضاً- نحو صور اللامساواة الاجتماعية المرتكزة على النوع، وكذلك نحو تلك النمطيات الجاهزة التي تبرز في ممارسات اجتماعية تمييزية تجاه النساء، يتم تبريرها دائماً استناداً إلى الخصائص البيولوجية لأجسادهن، حيث يراد لدونيتهن في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية أن تبدو طبيعية، تجد تفسيرها وأسبابها في طبيعة الأشياء، وفي حين أنها مصنوعة اجتماعياً، ومبررة بفعل عملية «قلب» تريد أن تجعل من الاجتماعي والسياسي طبيعة «فطرية» ثابتة. (زينب المعادي 2004: 29- 30)
          تقول «سيمون دي بوفوار» S. De Beauvoir وهي إحدى رائدات الاتجاه النسوي في كتابها «الجنس الثاني» The second sex: «إن الإنسان لا يولد امرأة بل يصبح كذلك، وليس ثمة قدر بيولوجي أو نفسي أو اقتصادي يحدد الصورة التي يظهر بها الإنسان في المجتمع، إنها الثقافة ككل هي التي تنتج وتخلق ذلك التمييز بين المذكر والمؤنث». إن العبارات السابقة “لدى بوفوار” تؤكد حقيقتين، الأولى أن كون الإنسان رجلاً أو امرأة هي عملية اجتماعية Social Process بالأساس والثانية أن البيولوجيا ليست هي قدر النساء. (Hughes & witz, 1997: 48)
          واستناداً إلى ذلك تركز النسوية على الطريقة التي يتم من خلالها ضبط الجسد الأنثوي وقهره داخل النظام الأبوي Patriarchy فثمة طائفة من النظم الاجتماعية كالطب والقانون والأسرة تسهم في ضبط المرأة من خلال التحكم في جسدها، ولقد لفتت النسوية الانتباه إلى أن المرأة تمثل في الثقافة بصورة جسدية أكثر من الرجل، وذلك من خلال اختزالها في الجسد ذاته. (Powell 2001: 2)
          والحقيقة أن النسوية قد لعبت دوراً حاسماً في إعادة صياغة الأسئلة المتعلقة بالجسد، والنوع، والجنسانية Sexuality المطروحة في أجندة النظريات الاجتماعية، لقد انتقدت النسوية بشدة ذلك التمييز التقليدي في النظريات الاجتماعية الكلاسيكية بين الطبيعة والثقافة، خاصة بين فكرة التقابل بين المرأة في الطبيعة، والرجل في الثقافة، كما ناقشت ذلك التقسيم التاريخي بين المذكر والمؤنث الذي تجلى بصورة واضحة في التقسيم النوعي للعمل. (Turner 1992: 45)
          وقد كشفت «مرجريت ميد» زيف تلك الثنائية، فقد أوضحت من خلال دراسة إثنوجرافية لثلاث مناطق في غينيا الجديدة النسبية الثقافية للمكانة التي تمنح للجنسين في المؤسسات الاجتماعية، وللخصائص التي تنسب لكليهما، وأكدت غياب أية فكرة لدى الجماعات التي درستها عن إلحاق أي صفة كالشجاعة أو العدوانية بجنس دون آخر، كما استنتجت أن الخصائص الفيزيقية أو الأخلاقية المنسوبة لجنس دون آخر ترجع لاختيار ثقافي اجتماعي ينسب للطبيعة، فوضعية الرجال والنساء في المجتمع ليست مرسومة على أجسادهم، وإنما هي مشكّلة اجتماعياً. (زينب المعادي 2004: 30)
          وبناءً على ذلك، فقد كانت قضية «قهر الجسد الأنثوي» اجتماعياً ونفسياً و«جنسياً» قضية محورية لدى باحثي النسوية إذ يؤكد عدد من الكاتبات النسويات أن الجسد الأنثوي يتم الحط من قدرة باستمرار من خلال اللامساواة الجنسية، والأعراف الاجتماعية، ويرجعن ذلك إلى الإذعان الذي يتشكل اجتماعياً «فالمرأة –وفقاً لتلك الأعراف- ينبغي أن تكون مرتبطة بالآخرين، وينبغي أن تصيغ حياتها وفقاً لإرادة الرجل، ويؤدي ذلك إلى ضعف ثقة المرأة بنفسها، ومن ثم انعزالها واغترابها». (Bertram 2003:3)
          وتؤكد «دي بوفوار» هذا المعنى، فمن خلال إطارها التصوري المستند إلى الوجودية، ترى أن الجسد الأنثوي في العالم المعاصر يعاني من الاغتراب، فعلى الرغم من أن الرجال والنساء متشابهان (في امتلاكهما للجسد) إلا أن المرأة، هي شيء آخر مختلف عن ذاتها، ويشكل من ثم مصدراً عميقاً لاغترابها وانعزالها. (Hughes & witz 1997: 50)
          إن القضية المطروحة هنا أن ثمة قهر واضح واقع على الجسد الأنثوي، وأن هذا القهر يؤثر سلباً على سيكولوجية المرأة، وقد قدرت منظمة الصحة العالمية W.H.O عدد المصابين باضطرابات نفسية في عام 2000 بنحو 450 مليون شخص على مستوى العالم، تتراوح نسبة النساء في هذا الرقم ما بين مرة ونصف إلى ثلاث مرات مقارنة بالرجال، ويعني ذلك أن متغير النوع يمثل عاملاً حاسماً في هذا الصدد. (Bertram 2003: 4)
          ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل أن دراسات الجغرافيا النسوية Feminist Geography تؤكد أن ثمة صراع تاريخي بين الرجال والنساء فيما يتعلق بالاستفادة من الخدمات الصحية، فالعلاقات التاريخية بين الرجال والنساء تعد أمراً مهماً لفهم الوضع الصحي في المجتمع، فالقوة تتوزع بطريقة غير عادلة لصالح الجماعة الاجتماعية المهيمنة وهي الرجال بطبيعة الحال. (Gatrell 2002: 40)
          ومن خلال القضايا المطروحة في النسوية يمكن القول بوجه عام إن ثمة تأكيد على الوضعية التي يشغلها الجسد الأنثوي في المجتمع، ورصد مظاهر القهر التي يتعرض لها، كما أن باحثات النسوية مهمومات بالكشف عن أسباب ذلك القهر، ومشغولات بمحاولة تجاوز الوضعية السيئة التي يعايشها ذلك الجسد على مختلف المستويات.
رابعا: الإجراءات المنهجية للدراسة:
1- المنهج والأدوات:
           اعتمدت الدراسة على المنهجين التاليين:
أ- منهج دراسة الحالة Case study method باعتباره من أكثر المناهج العلمية ملائمة لموضوع الدراسة؛ لما يتمتع به من قدرة على كشف الدلالات العميقة للممارسات الظاهرة، واعتمد الباحث على إحدى الأدوات المعروفة في منهج دراسة الحالة وهي دليل المقابلة.
ب – المنهج الأنثروبولوجي وما يتضمنه من أدوات متقنة تكشف عن طبيعة الواقع الاجتماعي والثقافي المرتبط بالظاهرة موضوع الدراسة، وقد استخدم الباحث الأدوات التالية:
– الملاحظة وهي تساعد في فهم موضوع الدراسة من خلال رصد العناصر المختلفة، ومحاولة تفسيرها وفق الإطار النظري للدراسة.
– الإخباريون وهم مجموعة من الأفراد يعيشون في مجتمع البحث، منهم طالبات بالجامعة وموظفات ومعيدات وأعضاء من هيئة التدريس، بالإضافة إلى بعض السيدات اللاتي تربطهن صداقة بأسرة الباحث، وثمة تنوع في سمات الإخباريين في السن ومستوى التعليم والمستوى الاقتصادي.
– دليل العمل الميداني: وهو أداة منهجية تحوي تفصيلاً دقيقاً لموضوع الدراسة، وتراعى طبيعة المجتمع محل الدراسة، كذلك فالدليل أداة تنظيمية؛ فهو يتضمن أفكار وعناصر الموضوع بشيء من الترتيب، مما يتيح الفرصة للجمع الميداني المنظم، وكذلك التحليل والتفســير المنظم أيضاً (علي المكاوي 1994: 245)
2- أبعاد الدراسة:
أ- البعد الجغرافي:
          أجريت الدراسة في منطقة الخمس التي تضم مدينة الخمس وضواحيها حيث تتكون المنطقة من عشرة مؤتمرات شعبية أساسية، وذلك حسب التقسيم الإداري لشعبية المرقب(*) وهذه المؤتمرات هي:
          المؤتمر الشعبي الأســاسي كعــام – المؤتمر الشعبي الأساسي الساحل – المؤتمر الشعبي الأساسي قوقاس – المؤتمر الشعبي الأساسي سيدي خليفة – المؤتمر الشعبي الأساسي رأس الحمام – المؤتمر الشعبي الأساسي الخمس – المؤتمر الشعبي الأساسي المعقولة – المؤتمر الشعبي الأساسي غنيمة – المؤتمر الشعبي الأسـاسي لبدة – المؤتمر الشعبي الأســـاسي شـــهداء المرقب. (سعاد الرفاعي 2007: 98)
          ومدينة الخمس هي عاصمة شعبية المرقب، وتقع على البحر المتوسط شرق مدينة طرابلس العاصمة بنحو 120 كيلومتر، وتحدها من الجنوب مدينة مسلاته، ومن الشرق وادي كعام، أما من جهة الغرب فيحدها وادي غنيمة.
          ويغلب على المنطقة الطابع الريفي والبدوي –باستثناء مدينة الخمس- وتتسم بالكثافة السكانية المنخفضة، ويتمثل النشاط الاقتصادي في الزراعة (خاصة الشعير والخضروات والزيتون)، بالإضافة إلى رعي الإبل والأغنام، أما مدينة الخمس فتتسم بالطابع التجاري والصناعي (حيث يوجد بها المحلات التجارية المتنوعة بالإضافة إلى مصنع الإسمنت).
ب- البعد البشري:
          يتضمن البعد البشري مجموعة الأشخاص الذين أجريت عليهم الدراسة الميدانية، أي النسوة اللائي طبقت عليهن دراسات الحالة، وعددهن عشرون سيدة، وهي حالات متنوعة روعي أن تكون ممثلة لكل المؤتمرات الشعبية الأساسية (بواقع حالتين من كل مؤتمر شعبي أساسي). وقد روعي في الحالات العشرين أيضاً تنوع خبراتها الاجتماعية وثرائها، ولذلك فقد كان الحرص على ألا تقل أعمارهن عن ستين عاماً.
جـ البعد الزمني:
          امتد البعد الزمني لهذه الدراسة من بداية شهر أكتوبر 2008 حتى شهر يونيو2009، حيث تم جمع المادة النظرية وتصنيفها في الفترة من اكتوبر2008حتى منتصف شهر فبراير عام 2009، وتم إجراء الدراسة الميدانية في خلال الفترة من أول مارس حتى نهاية يونيو 2009. ومن الجدير بالذكر أن التقسيم السابق هو تقسيم نظري، حيث تداخلت المراحل الزمنية، وتداخل الجانب النظري مع الجانب الميداني، حيث كان الباحث حريصاً على إضافة كل ما يصل إليه من معلومات نظرية أوبيانات ميدانية حتى اللحظات الأخيرة من كتابة تقرير الدراسة.
خامساً: ملامح صورة الجسد الأنثوي في المعتقد الشعبي الليبي:
          يرسم المعتقد الشعبي الليبي صورة شديدة التعقيد للجسد الأنثوي، صورة مليئة بالتفاصيل الثقافية، تحدد بدرجة كبيرة الوضع الاجتماعي للمرأة في هذا المجتمع. تبدأ تلك الصورة في التشكل منذ اللحظات الأولى لوجود الجسد الأنثوي في هذا العالم (أي عندما يتشكل ذلك الجسد في صورة جنين في رحم أمه)، ثم تكتمل تفاصيل تلك الصورة عبر المراحل (العضوية والثقافية)، التي يعيشها الجسد، بدءً من مراسم استقباله بعد الولادة، ومروراً بمختلف مراحل التطور العضوي حتى وصوله إلى مرحلة التوقف عن الإنتاج البشري، وهو ما يعرف بسن اليأس.
          وقد حاول الباحث من خلال المادة الاثنوجرافية التي جمعها من دراسته الميدانية الكشف عن أبرز ملامح صورة الجسد الأنثوي في المعتقد الشعبي الليبي، كما تتجلى في الأفكار والتصورات (والأساطير) من جهة، وكما تتجسد في الممارسات والطقوس الثقافية من جهة أخرى.
          وقد كشفت الدراسة الميدانية الملامح الأساسية لصورة الجسد الأنثوي وذلك فيما يلي:
1- الجسد الأنثوي جسد غير مرغوب فيه
          تبدأ ملامح صورة الجسد الأنثوي في التشكل منذ اللحظات الأولى لوجوده في عالم المادة، فثمة تصورات وأفكار سلبية تستبق وجود الجسد الأنثوي، أفكار وتصورات تعكس أمراً واضحاً وحاسماً: «إنه جسد غير مرغوب فيه undesirable وغير مرحب به». يعاني الجسد الأنثوي في لحظاته الأولى من التمييز النوعي، يعايش مبكرا إشكالية المقارنة بالجسد الذكوري، وبالتالي فالمكانة الاجتماعية التي سيشغلها ذلك الجسد قد عرفت و«حددت» سلفاً.
          وتتضح أولى مظاهر التمييز في المؤشرات التي تدل على نوع الجنين، فالمعتقد الشعبي يحدد سمات معينة للحامل بأنثى، وسمات أخرى مغايرة للحامل بذكر، سمات الحمل بأنثى هي سمات سيئة وسلبية، أما سمات الحمل بذكر فهي إيجابية.
          فالحامل بذكر تبدو عليها علامات الجمال «إتكون المرأة سمحة» أما الحامل بأنثى فتسوء حالتها الجمالية، فيحدث لها تفلطح في الأنف، وتضخم في الشفتين، ويمتلئ وجهها بالبقع السوداء (المعروفة بالكلف) ويحدث ترهل في جسدها.
          تتسم حركة الجنين الذكر بالقوة والحيوية، وتبدأ حركته مبكراً منذ الشهر الثالث، أما حركة الأنثى فهي ضعيفة ساكنة، «إنها تشبه حركة الدودة» أو «السمكة في المياه»، وتبدأ حركة الأنثى متأخرة عن الذكر.
          الحامل بالأنثى تتسم بالضعف، وتعاني كثيراً أثناء حملها، لأن وضع الأنثى متجه نحو «الأسفل» ولذا فإن الأم تشعر بضغط شديد على أسفل الظهر، مما يجعلها غير قادرة على الحركة بخفة ونشاط، أما وضع الذكر فيكون متجهاً «لأعلى» ولذلك فلا يمثل مشكلة لأمه، وبالتالي فهي دائماً نشطة وأكثر حيوية. إن الحمل بذكر يعد حملاً «سهلاً ميسراً»، أما الحمل بأنثى فهو حمل «صعب ثقيل».
          الملاحظ هنا أن ثمة ثنائية حادة: جمال / قبح، قوة وحيوية / ضعف وسكون، اتجاه نحو الأعلى / اتجاه نحو الأسفل، حمل ميسر سهل / حمل صعب ثقيل، إنها ثنائية تكشف عن تمييز مبكر ضد الجسد الأنثوي، يعلي من قيمة المذكر، ويحط من قدر المؤنث.
          ولا يقف الأمر عند تلك الثنائية «النظرية» وإنما يتجاوز ذلك إلى مستوى الممارسة، فعندما يتأكد نوع الجنين بالوسائل العلمية الحديثة، يحدث تباين كبير في معاملة الأم، فالاهتمام بالناحية الصحية في حالة الذكر يكون شديداً، حيث تتردد باستمرار على المصحة «المستشفى» كما تعفى من مسئوليات كثيرة، ويكون الجميع في خدمتها، وهذا الأمر لا يحدث غالباً في حالة الأنثى، فالاهتمام يكون ضعيفاً من جانب الزوج والمحيطين به، ولا تتم المراجعة الـدورية لدى الطبيب، كما أنها قد تمارس أعمالها المعتادة وكأنها ليست حاملاً.
          وتكرس لحظة المخاض والولادة التمييز الواضح بين الذكر والأنثى، فثمة اعتقاد شائع بين النساء في مجتمع البحث بأن آلام ولادة الذكر تكون بسيطة ومتقطعة، في حين تتسم ولادة الأنثى بالآلام الحادة والمخاض الطويل، ويرتبط ذلك بالطبع بالاعتقاد السائد عن أن حركة الذكر تكون قوية أثناء الحمل، وبالتالي فإن عملية الولادة تكون سهلة.
      إن عملية آلام المخاض ليست عملية عضوية خالصة، وانما هي فوق ذلك عملية نفسية اجتماعية وثقافية معقدة، ترتبط بآليات التمييز النوعي بين الذكر والأنثى وما يترتب عليها من نتائج خاصة في المجتمعات التقليدية.
      والحقيقة أن الاختلاف في درجة آلام الولادة يلعب فيه الخيال الشعبي دوراً بالغ الأهمية، حيث تتحدث النساء عن اختلافات لا يؤكدها الطب، وإنما توجد فقط في الخيال الاجتماعي، ويلعب الجانب النفسي دوره فيه، فالحقيقة أن ولادة الأنثى ليست صعبة، وإنما تأكد الأم من جنس وليدها أنه أنثى جعل قدرتها على التحمل أضعف ومن ثم زاد إحساسها بالألم، في حين أن الأم بعد تأكدها أن وليدها ذكر وما يتضمنه ذلك من ترقية اجتماعية في وضعها «نسيت» الآم الولادة وتحملتها بجسارة.(زينب المعادي 2004: 62)
          وتمثل مراسم استقبال المولود بعداً آخر في رسم صورة الجسد الأنثوي، ذلك الجسد غير المرغوب فيه، فبمجرد ولادة الجنين والتأكد من ذكورته تعم الفرحة المكان، وتنطلق الزغاريد وتملأ المكان، وتتردد الأغاني الشعبية المبتهجة بمجئ الذكر:
 «ينجيه .. ينجيه … وعين عدو ما تحوكش فيه([1]) … كان الزغراطات عليه».
 «هلي جاب ولد سعدوده([2]) … ياكل وكراعه([3]) ممدودة».
 «من إيد لايد … يكبر ويزيد».
 ولد بكر وأمه سجيه([4]) مكروته([5]) والليالي   . . .   كان عيطت في عشية([6]) يجي كيف ريم الغزالي.
          تدعو الأغنية الأولى بالسلامة والنجاة للوليد، وألا تصيبه «عين» الأعداء الحاسدة، والأغنية الثانية تقول ما أسعد من ينجب ولداً، فيأكل وكراعه (ساقيه) ممدودة، كناية عن الرضاء والفخر أيضاً، وتعكس الأغنية الثالثة العناية بالذكر والاهتمام به (من يد إلى أخرى) أما الأغنية الرابعة فتوضح أن الأبن البكر (الأول) سيكون سنداً لأمه من خلال شجاعته وإقدامه، حيث يأتيها بسرعة إذا نادته في أي وقت إذا ألم بها أي مكروه.
          أما لحظة ولادة الأنثى، فهي لحظة حزينة، فلا يمكن لإحدى الحاضرات أن تطلق زغرودة واحدة، فالحدث غالباً ليس سعيداً، بل إنه حدث سيئ ومؤلم، وتؤكد بعض الأمثال الشعبية ذلك المعنى: «يا جايبة البنات، يا حاصدة الهم بالحفنات» و«خسارة حليب البكرات في البنات» «ويا تعس من عنده البنته حارة([7]) هي واحدة وتفقع المرارة» و«البنت حرفة ولو جابها الوادي» حرفة أي أنها كارثة أو مصيبة، فالبنت كارثة وإن جاءت بسهولة ولم يتعب والداها في تربيتها.
          لاشك أنه استقبال فاتر، ويعكسه بعض الأغاني الشعبية المعروفة في تلك المناسبة، ولكن لا يتم غنائها في لحظة الولادة، مراعاة لمشاعر الأم، ولكنها معروفة، وأصبحت تقال كأمثال شعبية، منها على سبيل المثال:
  – ليلة جيتينا يا بنـية            سبعة وعيوني مش فيا
– ليلة جيتينا يا جتيتة([8])                 براد الشاهي([9]) ما لقيته
          توضح الأغنية الأولى أنه في ليلة مولد البنت، لا تكاد الأم ترى شيئاً (عيوني مش فيا) من كثرة الحزن والبكاء، والأغنية الثانية ترى أنه مع مولد البنت حدث فقر في الأسرة (حتى أن البيت ليس به براد الشاي).
          تدعم الأمثال الشعبية تلك الصورة التمييزية ضد الأنثى، حيث تعلي من قيمة الذكر، وتحط من قيمة الأنثى، والملفت للنظر هنا أنه ثمة أمثال كثيرة تتفاخر فيها «النساء» بالذكور، ومن الأمثال الشعبية المعروفة ما يلي:
1- «يا خوي، يا ولد أمي وبوي، يا سلسلة في خلالي([10])، اعقد انقابك([11]) نشتكيلك من اللي جرالي».
2- «يا سعد من عندها خو، دزت([12]) لخوها إجيها، يركبها فوق حمرة([13]) يشق النواجع([14]) عليها».
3- «يا ريت خوتي ثلاثين، وضنى عمي بزايد، ما ناكلو لقمة الدين، ولا نلبسوا جرد بايد([15])».
4- «يا خيل قدامكن خيل، قدامكن جرف عالي([16]) قدامكن خيل خوي صيفة ولاد الهلالي([17])».
5- «يا سعد من عندها هو، يمشي لها وهي بعيدة، يشق النواجع عليها، يقولها أني خوك يا وديدة».
6- «السوء اللي يجي فيك يا خوي، يقل الجمل والحوية([18]) جملنا نردوه بالمال، إلا خوي ماله فدية».
7- «الدار اللي ما فيها راجل ضلام في القايلة»([19]).
8- الخوت([20]) عز البناويت([21]) والخيل عز الرجال.
          تكشف مجموعة الأمثال الشعبية السابقة عن إعلاء لقدر الذكر، باعتباره يمثل حماية للأنثى، ودرعاً واقياً لها، لدرجة أن أحد الأمثال (المثل السابع) يصف المنزل الخالي من الرجال بأنه ظلام وقت القيلولة، أي وقت وجود الشمس في كبد السماء.
          إذن فالجسد الأنثوي جسد غير مرغوب فيه، ويمثل وفق المعتقد الشعبي حدثاً سيئاً، لا ينبغي بحال الابتهاج له، أو الفرح بمقدمه، بل يجب تحمله على مضض، إذ لا مناص من استقباله.

* يشير ” برديو” إلى عدة أشكال من رأس المال منها رأس المال الثقافي الذي يعبر عن مجموعة من الرموز والقدرات الثقافيـة  واللغوية والمعاني  التي تمثل الثقافة السائدة . وهناك رأس المال الاجتماعي الذي يشير إلى قدرة الفاعلين على الحصول على منافع بموجب عضويتهم في شـبكات أو   بناءات اجتماعية أخرى. أما رأس المال الرمزي  فيعني امتلاك الشخص لبعض القيم ذات القبول الاجتماعي العالي مثل الشرف والأمانة والهيبة .  أنظر :( أشرف عبد الوهاب 1999 :99 – 104) وأيضا(Walters 2002 :379)

(*) العنف الرمزي  حسب ما يطرحه ” برديو” هو الهيمنة غير الملاحظة ( وغير الواعية في أحيان كثيرة) التي تمارسها العادات الاجتماعية على وعي الأفراد، ولذالك لا يدرك العنف الرمزي على أنه نوع من العنف ، فعلى سبيل المثال تعد الهيمنة الذكورية مجالا بارزا للعنف الرمزي ، إذ تبدو هذه الهيمنة وكأنها جزء من طبيعة الأشياء ، حتى أن النساء وهن المضطهدات قد لايشعرن أنهن في مرتبـــة أدنى(Krias 2006 :122) Inferior

(*)  يعد الباحث لإنجاز دراسة مستقلة عن الإسهام  الذي قدمه بيير بورديو في سوسيولوجيا الجسد ، ودوره في تطور هذا الفرع  الواعد من 

           فروع علم الاجتماع..

(*) الشعبية تناظر المحافظة في التقسيم الإداري المصري، أما المؤتمر الشعبي الأساسي فيماثل –إلى حد ما- المجلس الشعبي المحلي في مصر. مع الأخذ في الاعتبار أن النظام السياسي في ليبيا قائم على نظرية «سلطة الشعب»

([1])  ما تحوكش فيه، لا تؤثر فيه ولا تصيبه بأذى.

([2])  سعدودة: يا لسعادته.

([3])  كراعه: ساقيه.

([4])  سجيه: لها صفات حسنة.

([5])  مكروته: أي جواده أو فرسه.

([6])  العشية: الوقت من بعد العصر حتى أذان المغرب.

([7])  الحارة هي إشارة للرقم 4، يقال حاره بيض أي أربع بيضات وهكذا.

([8])  جتيتة: رمز لكل أمر شؤم أو شيء.

([9])  الشاهي: الشاي.

([10])خلالي: جزء من مجوهرات المرأة.

([11]) اعقد انقابك: استعد وكن جاهزاً.

([12]) دزت: أرسلت.

([13])  حمرة: المهرة.

([14]) النواجع: المساكن.

([15]) جرد بايد: ملبس متهالك، والجرد هو الزي الشعبي الليبي.

([16]) جرف عالي: مكان مرتفع.

([17]) ولاد الهلالي: أبناء قبيلة بني هلال العربية.

([18]) الحوية: الهودج الذي يوضع فوق الجمل.

([19]) القايلة: وقت القيلولة.

([20]) الخوت: الأخوة.

([21]) البناويت: البنات.

مصدر الصورة :

زر الذهاب إلى الأعلى