اقترب موسم العودة إلى المدرسة، وبينما يتطلع بعض الأطفال إلى العودة إلى الصف، فإن البعض الآخر يرتجفون من التوتر والقلق.

ففي حين يحاول والداهم طمأنتهم وتهدئتهم، لكنهم ربما يتساءلون أيضاً: هل يعاني طفلي هذا الذي يشعر بالقلق من مشكلة حقيقية، أم أن قلقه أمر طبيعي لمن هم في عمره؟

تقرير لصحيفة Washington Post الأميركية عرض أنواع القلق لدى الأطفال، وكيف يمكن أن يكون القلق أمراً طبيعياً أو حتى إيجابياً، ومتى يجب أن يقلق الوالدان من قلق أبنائهما باعتباره قلقاً اضطرابياً.

إنما للقلق 7 فوائد

يقول جون ووكاب، الطبيب النفسي في مستشفى لوري للأطفال في شيكاغو، إن «القلق هو شعور إنساني طبيعي وصحي».

ذلك لأن هناك الكثير من الأشياء في حياتنا نحن وأطفالنا تدعو للقلق، كما يُمكن للقلق أن يفعل الاستجابة المناسبة للتحديات. إذ يحفز القلق من الاختبار طالب المدرسة المتوسطة على المذاكرة، كما سيبتعد طالب آخر عن نحلة لأنه يشعر بالقلق منها في الملعب، وبالتالي سيتجنَّب التعرض للسعاتها.

ولكن ماذا عن طالبة في الصف الثالث تخشى أن يحدث أمر فظيع لوالديها أثناء وجودها في المدرسة؟ هذا هو القلق الذي يصعب تهدئته، وقد يجعل الطفلَ في حالة تعيقه عن استيعاب دروسه.

أنواع القلق.. بعضها جيدة ولكن أخرى قد تتحول لمرض

هناك القلق الطبيعي الفعال الذي يؤدي إلى نتائج جيدة، ولكنْ هناك أيضاً نوع خطير ومزمن ومَرضي، حسب تقرير الصحيفة الأميركية.

وهناك أنواع مختلفة من اضطرابات القلق، بما في ذلك اضطراب القلق العام، والخوف من أشياء معينة، واضطراب قلق الانفصال، والرهاب الاجتماعي، واضطراب الهلع.

تم تشخيص أكثر من مليوني طفل أميركي يعانون من اضطرابات القلق، من بينهم 3.5% تتراوح أعمارهم بين 6 و11 عاماً، كما يقول ووكاب، الذي شارك في دراسة جديدة مع باحثين من مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها.

الغريب أن اضطرابات القلق أكثر شيوعاً من تعاطي المخدرات

أجريت دراسة استقصائية متعمّقة شملت أكثر من 10 آلاف مراهق، عن طريق المقابلات الشخصية بين عامي 2001 و2004، لفحص الحالات النفسية.

ووجدت أن اضطرابات القلق هي الأكثر شيوعاً في هذه الفئة العمرية.

وهي تفوق في عددها بكثير الاضطرابات السلوكية والمزاجية وتعاطي المخدرات. وانطبقت المعايير التشخيصية لاضطراب القلق على مراهق واحد من بين كل أربعة.

والمشكلة أنها لا تلقى الاهتمام الكافي

يقول ووكاب، المتحدث باسم الأكاديمية الأميركية للطب النفسي للأطفال والمراهقين، إن اضطرابات القلق غير معترف بها ولا يتم تشخيصها بالقدر الكافي.

كما ينظر إليها على أنها ترجع إلى مزاج الطفل أو شخصيته فقط.

وتظهر اضطرابات القلق عادة بين سن 6 و12 عاماً. وإذا تم اكتشافها مبكراً فإن هذا يقلل من أعراض القلق.

إذن كيف يمكن للوالدين تمييز الخط الفاصل بين القلق الطبيعي واضطراب القلق المرضي؟

الأمر قد يتعلَّق بالتكرار والشدة، حسبما تقول ماري ألفورد، أخصائية علم النفس بجامعة جورج واشنطن الأميركية.

وتضيف ألفور، إن المحك هو «هل تؤثر على الحياة الطبيعية؟ هل تُمثل عائقاً في الطريق؟ إلى أي مدى يستطيع الوالدان التعامل مع الأمر؟»

ولاحظ أن القلق الطبيعي له دوافعه بينما الاضطراب يرتبط بأشياء أقل مدعاة للتوتر

«القلق الطبيعي يتميز بدوافع يمكن التنبؤ بها، حسبما يقول ووكاب.

مثل الاختبارات المدرسية أو وجود نحلة في الفناء الخلفي، وهي أشياء تقلق معظم الناس بدرجات متفاوتة.

لكن غالباً ما ينشأ القلق المرضي من التجارب اليومية التي لا تكون مقلقة في العادة، مثل الذهاب إلى الفراش أو طلب الطعام في المطعم. بالإضافة إلى ذلك، يصاحب القلق المرضي، رد فعل مفرط وغير متناسب».

على سبيل المثال، قد يشعر الطفل البالغ من العمر 6 سنوات بقلق شديد بشأن الانفصال عن والديه للذهاب إلى المدرسة. بينما قد يقلق الطفل البالغ من العمر 9 سنوات بشكل مفرط من المبيت عند صديق «إذ ينتابهم القلق من أن شيئاً سيئاً سيحدث لوالديهم في أثناء غيابهم»، حسب ووكاب.

وهناك مواقف معينة للأطفال المصابين باضطرابات القلق تجاه أجدادهم

غالباً ما يقلق الأطفال الذين يعانون من اضطرابات القلق من الماضي والمستقبل. قد يشعرون بالقلق من وفاة أجدادهم، على الرغم من أنهم يتمتعون بصحة جيدة.

يضيف ووكاب: «معظم الأطفال لا يفكرون كثيراً في الحياة أو الموت. بينما الأطفال الذين يعانون من اضطرابات القلق يفكرون في الحياة أو الموت طوال الوقت».

ويتميّز الأطفال الذين يعانون من القلق بأنهم حذرين للغاية، كما تُعد ردود أفعالهم مبالغاً فيها، ويميلون إلى الشعور بالتهديد الشديد.

وعندما يصف ووكاب السيناريوهات الكلاسيكية التي يقوم الأطفال المصابون باضطرابات القلق للوالدين، أو لأطباء الأطفال الذين يدربونهم، فإنهم غالباً ما يردون باعتراف مفاجئ، قائلين «إن طفلي يفعل ذلك!»

ولكن هناك أطفال مصابون بالقلق ولكن المشكلة ليست لديهم في الأصل

هناك فئة أخرى من الأطفال القلقين: أولئك الذين تكون بيئة حياتهم اليومية، في المنزل أو في المدرسة مجهدة بشكل مُستمر.

كما يمكن أن تثير الظروف العائلية المختلفة، أو الحي الذي تنتشر فيه الجريمة محفزات قلق شديدة وشائعة.

يقول ووكاب عن هؤلاء الأطفال، إن هذه ردود أفعال طبيعية على محفزات يمكن التنبؤ بها، ولكن لأنها ثابتة فالقلق يصير مزمناً.

أكثر الأنواع شيوعاً

يعد قلق الانفصال هو الأكثر شيوعاً لدى الأطفال الأصغر سناً، بينما يميل الرهاب الاجتماعي إلى الظهور في مرحلة لاحقة من الطفولة «حين يصبح الزملاء أكثر أهمية»، كما تقول ألفورد.

وتؤكد أن القلق لا يختفي بالضرورة مع تقدم الأطفال في العمر «لا تفترض أنهم سيتخلّصون منه مع التقدم في العمر».

والأخطر أن محاولتهم للهروب من أسباب القلق قد تؤدي إلى أزمة أكبر لدرجة محاولة الانتحار

وبغرض تجنُّب أسباب ومحفزات القلق من حولهم، قد ينسحب الأطفال كثيراً لدرجة أن علامات الاكتئاب السريرية تظهر عليهم.

كما قد يقترن القلق والاكتئاب معاً، فالأطفال الذين يعانون من اضطرابات القلق يواجهون خطراً متزايداً للإصابة بالاكتئاب، الذي قد يؤدي إلى تعاطي المخدرات والسلوك الانتحاري في وقت لاحق من الحياة.

كيف يمكن اكتشاف القلق لدى الأطفال الذين لا يعرفون كيفية وصف أفكارهم؟

تعد إحدى الصعوبات التي يواجهها الآباء هي التعرف على القلق لدى الأطفال الذين لا يستطيعون وصف أفكارهم، والتعبير عن مشاعرهم.

تقول ماري ألفورد، أخصائية علم النفس بجامعة جورج واشنطن: «الأطفال الصغار لا يقولون «أنا قلق»، لكنهم يظهرون سلوك التجنب، أو الأعراض الجسدية مثل آلام المعدة، والصداع، وعدم تناول الطعام بشكل كاف أو الصعوبة في النوم.

ويظهر المراهقون أعراضاً جسدية للقلق أيضاً، مثل الصداع والغثيان والعصبية.

وتوصي ألفورد بالبحث عن تلك الأنماط، وملاحظة الوقت الذي تظهر فيه تلك الأعراض، والبحث عن المحفزات المحتملة.

كيف تساعد طفلك على تجاوز القلق؟ الأمر قد يحتاج أن تذهب أنت بنفسك إلى متخصص

يمكن للوالدين المساهمة بالكثير لدعم أطفالهم. قد يكون الأهم من ذلك مساعدتهم على مواجهة مخاوفهم، ومساعدتهم على التكيف مع الموقف.

تقول ألفورد إن أهم شيء هو القيام بهذا تدريجياً. وتوصي بسؤال الطفل عن قلقه ومعرفة ما يحدث به نفسه «عندما يحدث شيء ما، فيما تفكر؟».

وتضيف: «بصفتنا معالجين نفسيين، فإننا نتحدى الحديث السلبي مع النفس». (وهو الحديث الداخلي الذي يجول في خواطرنا). فالشخص الذي لديه قلق قد يتخيل أسوأ السيناريوهات، مما يؤدي بدوره إلى تفاقم مشاعر التوتر.

وقد يتعامل المعالج مع الطفل مباشرةً، ولكنه قد يتعامل أيضاً مع أولياء الأمور لمساعدتهم على دعم أطفالهم.

وهذه خيارات العلاج.. بعضها يعتمد على المواجهة

للحصول على المساعدة، ابدأ مع طبيب الأطفال، الذي يمكنه فحص طفلك من اضطرابات القلق ومساعدتك في الحصول على المساعدة المتخصصة.

تشمل خيارات العلاج: العلاج السلوكي المعرفي، الذي قد يكون فعالاً مع صغار السن. قد يتضمّن العلاج السلوكي المعرفي تعريض الطفل لمحفزات القلق لإضعاف حساسيتهم للقلق.

ويمكن للأدوية أن تساعد أيضاً، خصوصاً فئة الأدوية المضادة للاكتئاب المعروفة باسم مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين الانتقائية.

كما يُمكن الاطلاع على الكتب المتخصصة للعائلات التي لديها أطفال يعانون من القلق مثل: «أساسيات تربية الأطفال الذين يعانون من القلق»، للطبيبة النفسية كاتارينا مانسيس، وكتاب «قهر التفكير السلبي لدى المراهقين» من قبل ماري ألفورد وآن ماكغراث.

ويسرد ووكاب الأشياء التي يمكن لأي شخص القيام بها لإدارة المواقف العصيبة، مثل التخفيف من وتيرة الحياة، والاستراحة، وممارسة التمرينات الرياضية، والتنفس بعمق. يمكن أن تكون طرق حل المشكلات مفيدة: ابدأ بالتهدئة، ثم حدد المشكلة، وابحث عن حلول وحاول تطبيق الحلول التي تبدو مناسبة بشكل أفضل.


إقرأ أيضاً..

اقتراح تصحيح

شاركها.