فوائد الصوم

الصوم أمر زاوله البشر منذ فجر التاريخ، ولقد ورد في أوراق البردي وفي النقش الذي تركه المصريون القدماء ما يدل على أنهم زاولوا الصوم، بل إن الهنود والبوذيين في عبادتهم تعاليم تحضهم على الصوم.

وفي القرن الخامس قبل الميلاد، قام أبوقراط بتدوين طرق الصيام وأهميته العلاجية، وفي عهد البطالسة كان أطباء الإسكندرية ينصحون مرضاهم بالصوم تعجيلاً للشفاء.

ظاهرة حيوية فطرية:

ولقد لاحظ العلماء أن الصوم ظاهرة حيوية فطرية تحدث لكثير من الكائنات، وأنها ضرورية لاستمرار الحياة السوية والصحة الكاملة لهذه الكائنات، كما لاحظوا أيضاً أنها تخرج من فترة الصيام هذه وهي أكثر حيوية ونشاطاً، والمثل على ذلك مرحلة التشرنق في حياة الحشرات، كذلك فإن الكثير من الحيوانات تصوم، وتبقى أياماً وربما شهوراً في جحورها، ممتنعة عن الطعام والحركة، مثل بعض الطيور والأسماك والضفادع والحشرات.

وتقول دائرة المعارف البريطانية: «إن أكثر الأديان قد فرضت الصيام وأوجبته، فهو يلازم النفوس حتى في غير أوقات الشعائر الدينية، ويقوم به بعض الأفراد استجابة للطبيعة البشرية».

وأكد البروفسور نيكولايف بيلوى من موسكو في كتابه «الجوع من أجل الصحة» سنة 1976: أن على كل إنسان وخاصة سكان المدن الكبرى أن يمارس الصوم بالامتناع عن الطعام لمدة 3-4 أسابيع كل سنة كي يتمتع بالصحة الكاملة طيلة حياته.

وبيّن آلن سوري فائدة الصوم في تجديد حيوية الجسم ونشاطه، وأورد حالات كثيرة من المسنين الذين تجاوزت أعمارهم السبعين، استطاعوا بفضل الصوم استرجاع نشاطهم وحيوية أجسامهم وتحسنت حالتهم النفسية.

ويقول أحد علماء الصحة الأمريكيين: إن كل إنسان سليم يحتاج إلى الصوم؛ لأن سموم الأغذية تجتمع بالجسم وتجعله كالمريض فتثقله وتقلل نشاطه، فإذا صام خف وزنه وتحللت هذه السموم من جسمه، وذهب عنه حتى يصفو صفاءً تاماً وتجدد خلاياه في مدة لا تزيد على 20 يوماً بعد الإفطار، لكنه يحس بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل.

ويذكر الباحثون أن تخزين المواد الضرورية في البدن من فيتامينات وحوامض أمينية يجب ألا يستمر زمناً طويلاً، فهي مواد تفقد حيويتها مع طول التخزين، لذا يجب إخراجها من «المخزن» واستخدامها بواسطة الجسم، وإن أحسن وسيلة لذلك هي الصوم.

كما أن للصوم فائدة عظيمة لكثير من مرضى القلب، وذلك لأن 10% من كمية الدم التي يدفع بها القلب إلى الجسم تذهب إلى الجهاز الهضمي أثناء عملية الهضم، وتنخفض هذه الكمية أثناء الصوم حيث لا توجد عملية هضم أثناء النهار، وهذا يعني جهداً أقل وراحة أكثر لعضلة القلب.

ويقول ألكسيس كاريل الحائز على جائزة نوبل في الطب في كتابه «الإنسان ذلك المجهول»: «إن كثرة وجبات الطعام ووفرتها تعطل وظيفة أدت دوراً عظيماً في بقاء الأجناس الحيوانية، وهي وظيفة التكيف على قلة الطعام، ولذلك كان الناس يصومون على مر العصور، وإن الأديان كافة لا تفتأ تدعو الناس إلى وجوب الصيام والحرمان من الطعام لفترات محدودة، إذ يحدث أول الأمر شعور بالجوع ويحدث أحياناً تهيج عصبي، ثم يعقب ذلك شعور بالضعف، بيد أنه تحدث بعد ذلك ظواهر خفية أهم بكثير، فإن سكر الدم يتحرك ويتحرك معه أيضاً الدهن المخزون تحت الجلد، وتضحي جميع الأعضاء بمادتها الخاصة من أجل الإبقاء على كمال الوسط الداخلي وسلامة القلب».

وسيلة للتداوي:

ولقد استخدم الصوم كوسيلة للتداوي من الأمراض العديدة من أقدم العصور، ونذكر على سبيل المثال: كتب الطبيب السويسري بارسيلوس في بداية عهد النهضة قائلاً: إن فائدة الصوم في العلاج تفوق مرات ومرات استخدام الأدوية المختلفة.

ورغم وجود العديد من آراء الأطباء العرب والمسلمين في هذا المجال، إلا أننا استشهدنا بآراء الغرب حتى يكون الشاهد من أهله. والفضل ما شهدت به الأعداء.

كل ما سبق ذكره ليس لإثبات أننا على دين الحق، أو لنشجع أنفسنا على الصوم، فنحن المسلمين يجب أن نصوم امثتالاً لأوامر اللَّه تعالى، كما أشرنا، حتى ولو لم نعرف حكمة الصوم أو فوائده، {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً} [الأحزاب: 36].

وإنما سقنا هذه الأدلة لبيان بعض جوانب حكمة التشريع وفوائد اتباع أوامر الخالق، فهي برغم ما تحوي من أحكام للامتثال والعبادة، إنما جاءت في نفس الوقت لفائدة الإنسان المكلف بها.

عن كتاب الصوم الطبي

Advertisements

زر الذهاب إلى الأعلى