في أي عام كانت حادثة الإفك

الله سبحانه وتعالى قد اصطفى أنبيائه وكرمهم برسالاته السماوية حتى يرشدوا الناس للحق ويخرجوهم من الظلمات إلى النور، والعديد من الأنبياء إن لم يكن جميعم، قد تعرض لحادث جلل بمثابة إختبار من الله عز وجل لنبيه؛ ليُثبت من خلاله لقومه الذين أُرسل إليهم مدى صدق النبي المبعوث إليهم في دعوته، ومثالٌ على تلك الأحداث ما مر به نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من إتهام زوجته الطاهرة عائشة بفعل الفاحشة مع الصحابي الجليل صفوان بن المعطَّل، وعُرفت تلك الحادثة بإسم حادثة الإفك، والتي نعرض لكم اليوم كافة التفاصيل التي تتعلق بها، والتي من بينها في أي عام كانت حادثة الإفك التي قد عانى منها الرسول والسيدة عائشة، وماذا حدث بها، وكيف أُثبتت برائة السيدة عائشة رضي الله عنها من تلك التهمة الشنعاء.

في أي عام كانت حادثة الإفك
في أي عام كانت حادثة الإفك

في أي عام كانت حادثة الإفك

ويمكن أن يكون البعض منا قد سمع عن حادثة الإفك، لكن القليلون فقط يعلمون في أي عام كانت حادثة الإفك، حيث وقعت حادثة الإفك في يشهر شعبان من العام الثاني من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد كانت في طريق رجوع النبي، وزوجته عائشة، وأصحابه، وأتباعه من غزوة بني المصطلق بعد هزيمتهم لبني المصطلق ودحر خطتهم لمهاجمة المسلمين في المدينة، وقد اصطحب النبي زوجته السيدة عائشة في تلك الغزوة كنتيجة للإقتراع الذي إعتاد أن يجريه بين زوجاته لإختيار أحدهنَّ لتصحبه في الغزوة.

كيف حدثت حادثة الإفك وانتشر خبرها بين الناس

أثناء طريق الرجوع من غزوة بني المصطلق،وكما جرت عادة القوافل والجيوش حينها، نزل جيش الرسول صلى الله عليه وسلم منزلاً ليستريحوا فيه من عناء الطريق وليقضى كل ذي حاجةٍ حاجته، وعندها ذهبت السيدة عائشة لحاجتها، وبعد رجوعها لمكان الجيش تفقدت العقد الذي كان حول رقبتها فلم تجده، فذهبت للبحث عنه في المكان الذي كانت فيه لكونه هدية من أختها وله قيمة معنوية لديها، في تلك الأثناء نادى المنادي برحيل الجيش لإستكماله مسيرته، فهمَّ النفر حاملون الهودج الذي تجلس به السيدة عائشة خلال المسيرة ورحل مع الجيش مكملاً رحلة الرجوع، ولم يلاحظ من يحملون الهودج غياب السيدة عاشة وعدم وجودها بداخله؛ لما كانت عليه من خفة الوزن كحال سائر النساء في زمنها.

بعدها عثرت السيدة عائشة على عقدها ورجعت لمكان الجيش فلم تجد أحداً، فجلست في مكانها منتظره رجوعهم حين يتفقد الرسول صلى الله عليه وسلم هودجها ولا يجدها بداخله، وفي حال إنتظارها غلبها النعاس فنامت، وحينها مر بها الصحابي صفوان بن المعطّل والذي كان يتبع الجيش بمسافة، فتعرف عليها فور أن لمحها، حيث كان يرا وجهها قبل الحجاب، فما قال إلا “إنا لله وإنا إليه راجعون” وسكت بعدها وقد إستيقظت السيدة عائشة بعد سماعها لصوته وغطت وجهها، فأشار لها بالمساعدة فحملها على ناقته للحاق بمسيرة الجيش، وحينما لحقوا به وشاهدهم كل الحاضرون ظهر حينها أصحاب النفوس الضعيفة والمنافقون ليشعلو الفتنة ويقذفو السيدة عائشة الطاهرة والصحابي صفوان بالفاحشة.

وكان أول من تقوَّل في حقهما الأقاويل هو عبد الله بن سلول حيث قال حينما رءاهما قادمان ”والله ما سلمت منه وما سلم منها“، وإنتقلت كلمته تلك بين الناس يتلفظون بها بين حاسدٍ، ومنافقاً، وكاذبٍ، وضعيف الإيمان، حتى وصلت الأمر إلى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وحينها لم يعقِّب وظل في سكونه صامتاً وهادئاً حزناً على ما سمعه عن زوجته، فهو يعلم علم اليقين أنها لم تفعل فاحشةً قط، لكنه يحزنه الخوض في عرضها.

كيف أظهر الله براءة السيدة عائشة

براءة عائشة من حادثة الافك
براءة عائشة من حادثة الافك

ومر ما يزيد عن الشهر ولم تكن السيدة عائشة بعلم بما قالوه المنافقون في حقها، فقد كانت تمكث في بيت أمِّها نتيجة مرض أصابها، وهي من أخبرتها بما يتناقله الناس بعد تساؤلها عنه، وقد استفتى الرسول صلى الله عليه وسلم أصحابه في هذا الأمر فمنهم من شار عليه بفراقها، لكن رسول الله توجه إلى بيت أبي بكر لرؤية عائشة، ولما رءاها قال صلى الله عليه وسلم: ”أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ، فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا، فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ، وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ، فَإِنَّ العَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ إِلَى اللَّهِ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ“.

فصبرت السيدة عائشة ووكلت أمرها إلى الله وتلت رضي الله عنها قوله تعالى:

(فَصَبْرٌ جَمِيلٌ ۖ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ)، [سورة يوسف، الآية 18].

وبالفعل قد حصل، فقد برَّأها الله سبحانه وتعالى في آياتٍ من سورة النور بوحيٍ منزل من فوق سبع سماوات، بل وبعد إنقطاعٍ للوحي دام لأكثر من شهر، حيث أراد الله برحمته أن تكون تبرئتها مثبتة في آيات القرآن التي لا مجال للشك فيها، وليست برؤيا في المنام للنبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ لكي لا يتقول المنافقون وأصحاب الإيمان الضعيف بأنه لا يهتك ستر زوجته وما إلى ذلك من أقاويل لا تليق به صلى الله عليه وسلم، فسبحانه الرؤف الرحيم بعباده والعالم بحالهم.

براءة السيدة عائشة من حادث الإفك

قال جل في علاه مبرءاً للسيدة الطهرة عائشة:

(إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ ۚ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ*لَّوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَـٰذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ*لَّوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ ۚ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَـٰئِكَ عِندَ اللَّـهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ*وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ*إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّـهِ عَظِيمٌ*وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَـٰذَا سُبْحَانَكَ هَـٰذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ*يَعِظُكُمُ اللَّـهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ*وَيُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ۚ وَاللَّـهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ*إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ*وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّـهَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [سورة النور: من الآية 11 وحتى الآية 20].

رد فعل السيدة عائشة رضي الله عنها

حادثة الافك وسورة النور
حادثة الافك وسورة النور

فما أن نزلت آيات الله المحكمات لتكون الفيصل في تلك الأقاويل الكاذبة، إلا أن غمرت الفرحة قلب السيدة عائشة رضي الله عنها، فما كان يخطر ببالها أن ينزل الله وحياً في حقها، وقد ظهرت تلك السعادة في قولها: ”وَأَنَا حِينَئِذٍ أَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى، وَلَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ يُتْلَى، وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا“.

بعض الحكم المكتسبة من حادثة الإفك

  • عدم الخوض في أعراض المؤمنين بأي شكلٍ من الأشكال، لا بالتلفظ به ولا بالتحدث عنه فور سماعه.
  • مراعاة ما نتلفظ به من أقوال قد تؤذي غيرنا تجرح كبرياءه ومشاعره.
  • كما يجب دائما أن نتذكر قوله تعالى (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)، أنه العادل ستجتمع عنده الخصوم.
  • أن لا ننساق وراء الإشاعات والأقاويل الكاذبة، وأن نتحرى صحَّة الخبر فور سماعه.
  • ينبغي عدم الترويج لما نسمعه من أخبار تضر بسمعة من تخصه، بل يجب علينا تنبيهه لنكفله حق الرد.
  • عدم الحكم على شخص قبل سماع دفاعه عن نفسه.
  • التوكل على الله في المصائب والإبتلاءات مع الأخذ بالأسباب.
  • الصبر على الإبتلاءات، فلا يجزع المرء ويقنت من رحمة ربه فهو الغفور الرحيم.
  • كما يجب على المبتَلَى أن يكون على يقين من أن الله سينجيه من تلك الإبتلاءات أو سيجزيه خيراً لصبره عليها.
  • الثقة في عدل الله ورحمته بنا، وأنه سيرد لكل ذي حقٍ حقَّه ولو بعد حين.
  • التقرب إلى الله والبعد عن ما يغضبه، فسبحانه وتعالى يختبر عبده المؤمن بالإبتلاء ليغمره برحمته ويزيله عنه ليزداد قرباً إليه.
  • وأخيراً في حال السفر في جماعات يجب التحقق من عدم غياب أحد الحضور، لكي لا يتسبب هذا في إضاعة أحدهم.

زر الذهاب إلى الأعلى