قصة اصحاب الأخدود

أصحاب الأخدود هي قصة ذكرها الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم، وذكرها لنا الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث شريف طويل بالتفصيل، والتي تحكي عن غلام أعطاه الله كرامات ليدعو إلى سبيله، وذاق كل ألوان العذاب، حتى قتل على يد الملك المتجبر، لكن بعد أن أثر في الناس وجعلهم جميعا يؤمنون بالله، فجن جنون الملك وحفر لهم أخاديد أضرم فيها النار، وقتل فيها كل من أصر على الإيمان بالله سبحانه وتعالى .

الحديث الشريف الذي يحكي قصة أصحاب الأخدود

عن صهيب رضي الله عنه، قال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” كان ملك فيمن كان قبلكم، وكان له ساحر، فلما كبر قال للملك : إني قد كبرت، فابعث إلي غلاما أعلمه السحر، فبعث إليه غلاما يعلمه، فكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه، فأعجبه، فكان إذا أتى الساحر مر بالراهب، وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكى ذلك إلى الراهب، فقال : إذا خشيت الساحر فقل : حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل : حبسني الساحر .

اتباع الراهب أم الساحر

فبينما هو كذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال : اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل، فأخذ حجرا فقال : اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر، فاقتل هذه الدابة، حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها، ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره، فقال له الراهب : أي بني، أنت اليوم أفضل مني، قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي، وكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء .

فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة فقال : ما ها هنا لك أجمع، إن أنت شفيتني، فقال : إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله سبحانه وتعالى، فإن آمنت بالله سبحانه وتعالى دعوت الله فشفاك، فآمن بالله سبحانه وتعالى فشفاه الله، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك : من رد عليك بصرك ؟ قال : ربي، قال : أولك رب غيري ؟ قال : ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام .

علاقة الغلام والملك

فجيء بالغلام، فقال له الملك : أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرئ الأكمه والأبرص، وتفعل ما تفعل ؟ قال : إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله سبحانه وتعالى، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب، فجيء بالراهب فقيل له : ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمنشار فوضع في مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك، فقيل له : ارجع عن دينك فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه .

ثم جيء بالغلام فقيل له : ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال : اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا، فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته، فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه، فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل، فسقطوا، وجاء يمشي إلى الملك فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ فقال : كفانيهم الله سبحانه وتعالى .

فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال : اذهبوا به فاحملوه في قرقور، فتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه، وإلا فاقذفوه، فذهبوا به، فقال : اللهم اكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة، فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك : ما فعل أصحابك ؟ فقال : كفانيهم الله سبحانه وتعالى .

طريقة قتل الغلام

فقال للملك : إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به، فقال : ما هو ؟ قال : تجمع الناس في صعيد واحد، وتصلبني على جذعٍ، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس، وقل : بسم الله رب الغلام، ثم ارمني، فإنك إن فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد وصلبه على جذعٍ، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال : بسم الله رب الغلام، ثم رماه، فوقع السهم في صدغه، فوضع يده في موضع السهم، فمات .

فقال الناس : آمنا برب الغلام ثلاثا، فأتى الملك، فقيل له : أرأيت ما كنت تحذر ؟ قد والله وقع بك حذرك، قد آمن الناس، فأمر بالأخاديد في أفواه السكك، فخدت، وأضرم فيها النيران، وقال : من لم يرجع عن دينه، فأقحموه فيها، ففعلوا، حتى جاءت امرأة معها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام : يا أمه، اصبري، فإنك على الحق ” رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي .

الآيات القرآنية التي ذكرت أصحاب الأخدود

قال الله سبحانه وتعالى في سورة البروج :” وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَىٰ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) ” .

قصة أصحاب الأخدود مفسرة ومختصرة

أولا كرامات الغلام

كان هناك ساحر يقوم بمساعدة ملك متجبر في تثبيت ملكه، وقد كبر هذا الساحر في السن، لذا طلب من الملك أن يأتي له بغلام ليبدأ في تعليمه أمور السحر، ليكون عون للملك بدلا منه، وفي أثناء ذهاب الغلام في الطريق للساحر، قابل راهب متعبد دعاه للإيمان بالله سبحانه وتعالى، فاستجاب الغلام له بعد أن دعا الله أن يكشف له أي منهم الحق الساحر أم الراهب، وأعطاه الله الإشارة باتباع الراهب .

وأعطاه الله بعض المميزات والمعجزات، فأصبح يستطيع أن يشفي الأعمى والأبرص والأكمه بإذن الله، وأصبح يدعو للإيمان بالله سبحانه وتعالى، وقد سمع به رجل جاء له ليشفيه، فأخبره الغلام أن الشافي هو الله، وأن الشفاء سيحل عليه إذا آمن بالله، فآمن، فشفاه الله بيد الغلام .

ثانيا معرفة الملك بأمر الغلام

كان هذا الرجل يجلس مع الملك، فذكر له قصة الغلام، فشعر أن هذا سيكون بداية زوال عرشه، فأخذ يعذب الرجل كل ألوان العذاب، حتى دل على الغلام، فأحضر الملك الغلام، وأخذ يعذبه كل ألوان العذاب، حتى دل على الراهب، فأتى الراهب للملك، وطلب منه الملك أن يتراجع عن إيمانه بالله، فرفض الراهب، فقتله الملك .

ثم أتى للرجل الآخر وطلب منه نفس الشيء فرفض فقتله أيضا، وجاء الملك على الغلام، وحاول قتله بكل الطرق، لكن الله كان ينجيه في كل مرة، لذا قال الله الغلام أنه إذا أراد قتله، فإن هناك طريقة واحدة فقط لهذا، وهي أن يحضر كل الناس في جمع، ويصلب الغلام، ويقوم بإخراج سهم يطضعه في القوس، ويقول : بسم الله رب الغلام، فيرميه، وحينها سيموت .

ثالثا قتل الغلام

ففعل الملك هذا وجمع الناس، وقال الكلمات التي أخبره بها الغلام بالفعل، ورمى السهم فقتل الغلام، فردد الناس كلهم : آمنا برب الغلام، آمنا برب الغلام، آمنا بري الغلام، فقان الملك بحفر الأخاديد لهم وأشعل النيران فيها، وكان يتم قذف كل الناس التي أصرت على الإيمان بالله فيها .

زر الذهاب إلى الأعلى