قصة قصيرة

chiraton
ركنتُ سيارتي غير بعيدٍ من فندق ( شيراتون ).أشعلتُ سيجارة وأخذتُ أذخنُ باسترخاء.
بعد هنيهة،دقَّتِ الساعة الثانية عشرة زوالا.ألقيتُ السيجارة واعتدلتُ في جلستي.في هذه الأثناء،فُتِحَ باب السيارة وصعدتْ فدوى.فقلتُ وأنا أُديرُ المحرِّكَ:
ـــ هل تمَّ كل شيء على ما يُرام؟
فأجابت بالفرنسية:
ـــ خمسة على خمسة.
بالأمس،وكالعادة،توقفتُ بالقرب من فندق ( شيراتون).فأنا سائق سيارة أجرة كبيرة،وكان علي أن أبحث عن زبائن أقلهم إلى مطار محمد الخامس.غير أن في بعض الأيام يكون المردود سلبيا؛لأن أغلب الزبائن يفضلون التنقل في القطار الوحيد الذي يُقلُّ إلى المطار.فذلك القطار كان،كما يقول المثل،يتذكَّرُ جدَّ النمل.فهو بطيء ومُتعب،والزبائن البورجوازيون يفضلون سيارات الأجرة عن ذلك القطار.فثمن الرحلة كان باهضا لأن القليل من السائقين من يعمل بهذا الخط.
وبالفعل،فقد تعرَّفتُ على فدوى هناك،لأنها كانت تعمل بالمطار كمنظفة.فكنتُ،بعد أن أخبرتني قصتها في الرحلة الأولى،أتساهل معها وأقِلُّها مجاناً مع مستأجري الرحلة،ذهاباً وإيّاباً.
وكالعادة،أوقفت سيارتي في تمام الساعة الثامنة صباحا بالأمس حين هرَعَ نحوي أحدهم وطلب مني أن أقله للمطار وهو يلهث:
ـــ من فضلك…سأدفع لك ضعف المبلغ إن أقللتني ثم أعدتني للفندق…فقد نسيت بعض الأغراض بالمطار.
فلم أتردد وأخذت طريق المطار.وكالعادة،مررت بمنزل فدوى بحيث وجدتها تنتظر من يقلها لأن في بعض الأحيان لا أجد زبائن.فتوقفت أمامها واستدرتُ نحو الزبون قائلا:
ـــ من فضلك!…هذه أختي وعلي أن أبلغها للمطار لأنها تعمل هناك.
فلم يُعارض،وصعدت فدوى للخلف.
طيلة الرحلة،لم نتحدث إلا قليلا،غير أني علمتُ أن الشخص ذو جنسية إماراتية وقد تردد على المغرب عدة مرات ويتحدث جيدا بالدارجة المغربية.لكن ما أثار انتباهي هو أنه بين الفينة والأخرى كان يُحاول جذب الحديث مع فدوى غير أنها كانت تجيبه باقتضاب.
ولما وصلنا إلى المطار،غادر الإثنان.وبعد نصف ساعة عاد وهو يحمل حقيبة كبيرة وضعتها في صندوق السيارة وأخذنا طريق العودة إلى الرباط.وما لاحظته هو أنَّ الإماراتي لم يغيِّر دفة الحديث وركزَّ على فدوى يسأل عن حالتها الإجتماعية.وكنتُ أجيب بأنها أختي من أبي ونحن قد تفارقنا منذ مدة طويلة ولا أعرف سوى أنها تعمل بالمطار،وأتممتُ قائلا:
ـــ لكنها لم تتزوج بعد.
فضحك وقال:
ـــ كأنك حدستَ تفكيري…فأنا ترددتُ على المغرب كثيرا…وغرضي هو أن أعثر على شريكة حياتي…غير أني أجد صعوبة في ذلك…وفي الحقيقة لقد أعجبتني أختك وأريد أن أتحدث معها في الموضوع إن لم يكن هناك مانع…
فقلتُ:
ـــ لا،لا…المسألة طبيعية…ومن حقك أن تكون على دراية بالإنسانة التي سوف تصبح زوجتك…ومن جهتي،سيسرني أن أزفَّ الخبر لأختي…
فقال بانشراح:
ـــ أنا أحجز الغرفة 27 في الطابق الثالث…سأوصي مدير الفندق والعاملين هناك أن يرشدوها للغرفة…وبالطبع بإمكانك أن تنتظرها لوقت قصير حتى نضع النقط على الحروف…ما إسمها؟
فأجبت:
ـــ فدوى…
وبعد برهة زمنية وصلنا إلى الفندق.فنزلنا واتجهنا إلى صندوق السيارة.وأنا أستعد لإخراج الحقيبة،سبقني وفتحها.فارتعشت مفاصلي حين رأيتها مملوءة عن آخرها بفئات من الأوراق النقدية من اليورو.فسحب ثلاث ورقات بقيمة 200 أورو للواحدة وقدمها لي قائلا:
ـــ هذه أجرتك…وزيادة…وإذا أصبحنا صهرين فسأكون أكثر كرما ومعروفا.
فشكرته ووعدته بأنني سأقل فدوى إلى الفندق في تمام الساعة العاشرة ليلا.لكنني لم أفعل ما وعدته به.فقد كانت نظرية فدوى أن نتركه على جوعه إلى الغد.
وفي الغد،أوصلتُ فدوى إلى الفندق وجلستُ أنتظرها.
نظرتُ إلى فدوى وأنا أسوق بسرعة جنونية.كانت تضع الحقيبة فوق ساقيها وتبتسم بسخرية.فقلتُ:
ـــ كيف مرت الأحداث؟
فأجابت:
ـــ ما ظننته هو ما أرادني أن أقوم به…بالفعل كان فقط يريدُ أن يُشبع غرائزه…فقمتُ أنا بالدور الذي خططنا له…
فقلتُ متسائلا:
ـــ وكم وضعتِ له من قرص البرازولام؟
فقالت:
ـــ العلبة بأكملها…ولم تمرَّ إلا دقائق حتى سقط مغميا عليه…
فصحتُ مذعورا:
ـــ هل جننتِ؟…وإن مات؟…سيتعرف عليك العاملون بالفندق…
فقالتْ:
ـــ هناك الآلاف ممن إسمهن فدوى…لكن عليك أنت أن تحتاط في إجاباتك…فأنت معروف عند العاملين بالفندق…وأنتَ من أقله للمطار…سأغادر الآن المدينة وسأتصل بك عندما تهدأُ العاصفة.
كانت استجوابات الشرطة عسيرة ومضنية…وفي الأخير أفرغتُ ما بجُعبتي وأقررتُ بالحقيقة.فالإماراتي لقِيَ حتفه وتبيَّنَ أنه من عائلة نافذة.لكنهم لم يعثروا على فدوى إلى يومنا هذا.

 

الكاتب والشاعر المغربي مصطفى بلقائد.

زر الذهاب إلى الأعلى