قطر .. وقصة التغريد خارج السرب

يعود تاريخ تغريد قطر خارج السرب لليوم الذي قرر فيه الأمير الوالد الانقلاب على والده، فبعد أن كانت قطر دولة من دول مجلس التعاون الخليجي الذي تأسس مع إنقلاب الملالي في إيران على حكم الشأة، وكان إدراك قطر كشقيقاتها من دول الخليج بأن خطر تصدير الثورة هو خطر مشترك، وأن مصير وحدة دول الخليج هو السبيل لقوة الخليج العربي.

تغير هذا النهج مع تولي الأمير الوالد، فبحثت قطر عن دور أكبر من دورها الطبيعي، وبحثت عن وسائل لتحقيق هذا الهدف، فكان أن استعانت بالإعلام بشكل مباشر عبر شبكة قنوات الجزيرة، وعقدت الصفقات غير المربحه لإحتكار البطولات الرياضية بأضعاف قيمها، واشترت وانشئت العديد من المحطات والصحف للترويج لأجندتها بشكل غير مباشر، لكنه غدى جليا للجميع مع تكشف الأقنعة.

وعلى مستوى الإنفاق فقد حاولت أن يكون الغاز دافعا لإستقلاليتها عن القرار الخليجي، بحيث لا تكون مرتهنه لأوبك وقراراتها النفطيه، وذهب الغاز أبعد من ذلك ليصل إلى إسرائيل، التي تسميها الكيان الصهيوني على شاشة الجزيرة، لكن الشاشة ذاتها تلتزم الصمت حول المكتب التجاري الإسرائيلي الذي افتتح في الدولة في أواسط التسعينات الميلادية من القرن المنصرم.

وعلى مستوى التحالفات والخصوم في المنطقة، فقد إختارت القضية الفلسطينية كفرس رهان رابح، واطالت الساعات بالحديث عن معاناة الشعب الفلسطيني، والذي لم يشهد إنشقاقا كالذي حدث في وحدته الداخلية، كما حدث بعد أن ولجت أصابع قطر للعبث بقضيته، فأضحى منشقا بين سلطة شرعية في الضفة الغربية، وبين حماس الحركة الإخوانية الهوى في غزة.

وفي المسير على خطى الدعم المزعوم للقضية الفلسطينية من أصدقاء إسرائيل في الدوحه، كان لزاما أن تُعد مصر خصما خصوصا في فترة الرئيس محمد حسني مبارك، وأن تكون إيران وفرعها اللبناني “حزب الله” من ضمن جوقة الأوركسترا عينها، بين أيام للقدس وأيام للشهيد، ولكن لا تسل من قتل الشهيد.

ذهبت الدوحه ابعد من ذلك لتدعم علاقتها بنظام القاتل بشار الأسد، حيث كانت الفترة من غزو العراق في 2003 حتى العام 2010 ذهبية في العلاقه بين البلدين، وبالتالي كانت جزءا من محور المقامرة الذي سمي حينها محور “المقاومة” زورا وبهتانا، وأي مقاومة تلك التي يشكلها بشار الأسد وحزب الله وإيران، بالإضافة إلى قطر بالطبع.

ومن متطلبات هذا الإصطفاف كان دعم جماعة الإخوان المسلمين، والعمل على علاقات جيدة مع أنظمة إستبدادية كنظام القذافي في ليبيا، وبالنتيجة كان هناك سعي كبير لتحدي قبلة المسلمين المملكة العربية السعودية، ومحاولة السحب من دور المملكة ككبير للعرب وجامع لهم، لصنع دور قطري بديل.

هذا جربته قطر عبر إحباط قمة مكة التي جمعت الأطياف الفلسطينيه، واقسموا أمام الكعبة المشرفه على عهدهم، لكن عادت حماس ونكثت بوعدها لأن هذا ما يرضي الدوحه، الأمر تكرر بعد أشهر من الفراغ في لبنان، وإستخدام حزب الله لسلاحه في الداخل، ليهاجم أماكن السنه في بيروت، ومقرات الدروز في الجبل.

فكان أن جمعت قطر الفرقاء اللبنانيين في شيراتون الدوحه، لتخرج بحل يكون بمقتضاه قائد الجيش ميشيل سليمان رئيسا للجمهورية، وبتفاصيل أخرى تنهي الفراغ في لبنان، لكن الهدف لم يكن حل أزمة لبنان بقدر ما كان سعيا ليكون “إتفاق الدوحه” بديلا ل”إتفاق الطائف” الذي اقره اللبنانيون في العام 1989 في مدينة الطائف السعودية، ومر الزمن وتبخر إتفاق الدوحه وبقي إتفاق الطائف الذي رعته السعودية هو الأساس الجامع للبنانيين.

التغريد خارج السرب كان هو الأصل والتوافق العربي والخليجي كان هو الخارج عن المألوف في السياسه القطرية، أتى الربيع العربي لتحلم قطر حلما كبيرا، واشرقت الشمس لتعود الأشياء لأحجامها الطبيعية، وفي فجر آخر إنطلقت عاصفة الحزم لتبدد ما بقي من غيوم.

زر الذهاب إلى الأعلى