قوارب النجاة في قصة يوسف عليه السلام:

ما هي الأمور التي تمسك بها يوسف عليه السلام فكانت سببا بعد اللّه وتوفيقه لحمايته ولنجاحه في هذا الابتلاء؟

أولا: الخوف من اللّه عز وجل، والخوف من اللّه سبحانه وتعالى هو العاصم من الوقوع في أي معصية و أي فاحشة، فقد قال الرسول r: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لاظل إلا ظله…وذكر منهم: ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إن أخاف اللّه” فالإنسان قد تدعوه للمعصية مغريات لكنه عندما يعلم أن اللّه سبحانه وتعالى مطلع عليه،  وأنه عز وجل يراقبه فلن يتجرأ على هذه المعصية قال تعالى :(إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير) ، وقال :(وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد. هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ .من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب).

فإذا أردت النجاة فربَّ في نفسك الخوف من اللّه سبحانه وتعالى فهذا أعظم مانع وحاجز ورادع للمرء من الإقدام على المعصية.

ثانيا: توفيق اللّه وإعانته، فقد قال سبحانه وتعالى (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) . فإنه لو لم ير برهان ربه لهمَّ بها. وقال اللّه عز وجل في آيه أخرى: (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين) ، وتأمل كيف أن اللّه لم يقل: لنصرفه عن السوء والفحشاء،  بل قال :(لنصرف عنه السوء والفحشاء) ، فالسوء والفحشاء صرفت عنه وهذا أبلغ من أن يصرف عنها هو.

وكلما ازداد المرء توكلا باللّه وأخذا بالأسباب،كان ذلك أولى أن يحفظه اللّه ويعينه، وقد قال r لابن عباس رضي الله عنهما :”احفظ الله يحفظك” وحفظ الله تبارك وتعالى لعبده يشمل حفظه في أمور دينه وحفظه في أمور دنياه، والأول أتم وأولى.

الثالث:  فراره من أسباب المعصية، فقد خاف من ربه، وحين رأى البرهان لم يقف بل فر وسابقها إلى الباب، وقد قميصه من دبر.

إن مفارقة الإنسان لموطن المعصية وفراره منه مما يعينه على تركها وهو دليل على تفويضه أمره لله عز وجل، ولذا فقد نصح الرجل العالم ذاك الذي أتاه يستفتيه وقد قتل مائة شخص، نصحه بأن يخرج من قريته فهي قرية سوء ومعصية، ويغادرها إلى قرية يعمرها الصالحون الأتقياء.

ولذا كان النبي r يقول في دعائه لربه :”اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا أقل من ذلك”، فعلى الشاب المسلم الحريص على مجانبة معصية الله أن يبتعد عن أسباب المعصية وطرقها، وأن يتخلى عن كل ما يذكره بها أو يدعوه إليها، وليحذر من الثقة المفرطة بنفسه في هذا الباب.

الرابع: الدعاء، فقد دعا يوسف عليه السلام ربه فقال :(رب السجن أحب إلى مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن وأكن من الجاهلين) سأل اللّه أن يصرف عنه كيد النسوة متبرئاً من حوله وقوته، ومسلمًّا أمره لخالقه ومولاه عز وجل.

وإذا كان يوسف عليه السلام لا يستغني عن دعاء اللّه عز وجل وسؤاله فغيره من باب أولى؛ فالدعاء هو الوسيلة التي يتصل بها المرء باللّه عز وجل، وقد قال عز وجل :(وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجبِ دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون) ، وفي آية أخرى :(وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين) ، وقال r في حديث جامع: ” ما على وجه الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه اللّه إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها”، فما بالك إذا كان هذا الداعي مقبلا على اللّه قد نفى عن نفسه الحول والطول؟ وما بالك إذا كان مضطرًّا؟ وقد وعد الله المضطر بإجابة دعائه (أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء) ، وهل هناك أمر أكثر ضرورة للإنسان من حفظ دينه؟ 

إذاً ينبغي لنا أن ندعو اللّه عز وجل في كل شيء نريده في دينينا ودنيانا ومهما بلغ العبد من التقوى والطاعة والإقبال على اللّه عز وجل فإنه لا يستغني عن استهداء اللّه وسؤال التثبيت، أليس اللّه فد افترض على كافة عباده الأتقياء قبل الفجار أن يتوجهوا إليه كل يوم بقولهم (اهدنا الصراط المستقيم. صراط الذين أنعمت عليهم)؟

أليس اللّه يقول في الحديث القدسي “يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم”؟

وهاهو نبينا r يدعو اللّه عز وجل فيقول :”اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرائيل فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدى من تشاء إلى صراط مستقيم “.

ويسأل النبي r ربه فيقول :” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك “.

وقبله إبراهيم عليه السلام يدعو اللّه سبحانه وتعالى بعد أن حطم الأصنام وواجه من قومه ما واجه يقول (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام) :إذا لا ينبغي أن نترك الدعاء أو نقصر فيه، ومهما شعر المرء بثباته وتقاه وطاعته فإنه لا يستغني أبدا عن دعاء اللّه تعالى أن يثبته وأن يعينه وأن يهديه إلى صراطه المستقيم.

الخامس: صلاحه وطاعته وتقواه وكان ذلك من أسباب توفيِق اللّه له (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين)”. فكلما كان المرء مطيعا للّه حافظا لحدوده كان ذلك أدعى إلى أن يحفظه اللّه وأن يثبته على طاعته.

ومن هنا فازدياد المرء على الطاعة والعبادة وحرص الشاب على ذلك. هذا مما يؤهله لتوفيق اللّه وإعانته له بعد ذلك.

السادس: اختياره الأذى على فعل الفاحشة  فهو يقول (رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه) يختار يوسف عليه السلام السجن ومرارته ولا أن يقع في هذه المعصية، فحينما وصل الأمر به إلى هذا الحد أعانه اللّه ووفقه،  أما الأذى الذي ناله فهو أذى الدنيا وما هذه الدنيا إلا دار مصائب ” فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى).

وقد يستجيب المرء لداعي الفاحشة فيواقعها فتكون النتيجة بدلا من مقاساته الصبر على هذه الشهوة أن يقاسي بعد ذلك مرضا جنسيا يناله فيه من شقاء الدنيا والآخرة أضعاف أضعاف ما حصله من تلك الشهوة العاجلة.

المصدر محاضرة للشيخ إبراهيم الدويش

زر الذهاب إلى الأعلى