قيام الليل

قيام الليل

قيام الليل هي الصلاة في الليل، ويبدأ وقته من بعد صلاة العشاء الى الفجر، ويفضل أن يكون في الثلث الأخير من الليل.

فعن أبي هريرة أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” ينزل اللهُ إلى السّماء الدّنيا كلَّ ليلةٍ حين يمضي ثُلثُ الليلِ الأول.

فيقول: أنا الملكُ. أنا الملكُ. من ذا الذي يَدعوني فأستجيبَ له! من ذا الذي يسألني فأُعطِيَه! من ذا الذي يستغفِرُني فأغفرَ له! فلا يزال كذلك حتّى يضيءَ الفجرُ “، رواه مسلم.

وقد كان النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – يصلّي إحدى عشرة ركعةً، كما في الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها، ولايعتبر ذلك تحديد لعدد الرّكعات أو أنّه لا يمكن الزّيادة عليه، بل هو مجرد فعل من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فمن رغب في الاقتصار على ذلك فهو أفضل، ومن زاد عليه فلا حرج في ذلك.

وكان الصّحابة رضي الله عنهم يصلون عشرين ركعةً في عهد عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، قال الترمذي:” وأكثر أهل العلم على ما روي عن عمر، وعلي، وغيرهما من أصحاب النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – عشرين ركعةً، فهو قول الثوري، وابن المبارك، والشّافعي، وقال: هكذا أدركت النّاس بمكة يصلون عشرين ركعةً “.

الأدلة على قيام الليل

هناك العديد من الادلة من القرآن الكريم والسّنة النبويّة، والتي تدعو وتحثّ على قيام الليل، لما في ذلك من الفضائل العظيمة والمنافع الكبيرة، وكان هدي النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – في كلّ أقواله وأفعاله هو القدوة لأمّته في اقتفاء أثره، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – سئل: أيُّ الصّلاةِ أفضلُ بعد المكتوبةِ؟ وأيُّ الصّيامِ أفضلُ بعد شهرِ رمضانَ؟ فقال:” أفضلُ الصّلاةِ بعد الصّلاةِ المكتوبةِ، الصّلاةُ في جوفِ الليل. وأفضلُ الصّيامِ بعد شهرِ رمضانَ، صيامُ شهرِ اللهِ المُحرَّمِ “، رواه مسلم.

وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول:” لأن أصلي في جوف الليل ركعةً أحبُّ إليَّ من أن أصلي بالنّهار عشر ركعات “. وكان أوّل ما كلم به النّبي -صلّى الله عليه وسلّم – المسلمين بعد هجرته إلى المدينة المنوّرة هو قيام الليل، فقال:” يا أيّها النَّاسُ، أفشُوا السَّلامَ، وأطعِمُوا الطعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصَلُّوا بالليلِ والنَّاسُ نِيامٌ، تدخُلوا الجنَّةَ بسلامٍ “، رواه الألباني. وكان – صلّى الله عليه وسلّم – يحثّ المسلمين على صلاة الليل ويتعهّدهم فيها، فعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال:” كانَ رسولُ اللَّهِ – صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ – إذا ذَهَبَ ثُلُثا اللَّيلِ قامَ فقالَ: يا أيُّها النَّاسُ اذكُروا اللَّهَ، اذكُروا اللَّهَ، جاءتِ الرَّاجفةُ تتبعُها الرَّادفةُ، جاءَ الموتُ بما فيهِ، جاءَ الموتُ بما فيهِ، قالَ أُبيٌّ: قلتُ: يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ علَيكَ، فَكَم أجعلُ لَكَ مِن صلاتي؟ فقالَ: ما شِئتَ قالَ: قلتُ: الرُّبُعَ، قالَ: ما شئتَ فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ، قُلتُ: النِّصف، قالَ: ما شِئتَ، فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ، قالَ: قلتُ: فالثُّلُثَيْنِ، قالَ: ما شِئتَ، فإن زدتَ فَهوَ خيرٌ لَكَ، قلتُ: أجعلُ لَكَ صلاتي كلَّها قالَ: إذًا تُكْفَى هَمَّكَ، ويُغفرَ لَكَ ذنبُكَ “، رواه الترمذي.

وفي وصية جبريل للنّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” يا محمدُ عِشْ ما شئتَ فإنكَ ميتٌ، وأحبِبْ مَنْ شئتَ فإنكَ مفارقُهُ، واعملْ ما شئتَ فإنكَ مجزيٌّ به، واعلمْ أنَّ شرفَ المؤمنِ قيامُهُ بالليلِ، وعزَّهُ استغناؤهُ عن النّاسِ “، رواه الألباني.كذلك لم يكن قيام الليل مقتصراً على الرّجال فقط، فقد دعيت إليه النّساء أيضاً، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” رحمَ اللَّهُ رجلًا قامَ منَ اللَّيلِ، فصلَّى، وأيقظَ امرأتَهُ، فصلَّت، فإن أبَت نضحَ في وجهِها الماءَ، ورحمَ اللَّهُ امرأةً قامَت منَ اللَّيلِ، فصلَّت، وأيقَظَت زوجَها، فصلَّى، فإن أبى، نضحَت في وجهِهِ الماءَ “، رواه أحمد.

أفضل وقت لقيام الليل

يبدأ وقت صلاة الليل من الفراغ من صلاة العشاء، ويستمرّ حتّى طلوع الفجر، ويعدّ أفضل الأوقات مطلقاً هو الثّلث الأخير من الليل، وذلك لأنّ الرّب تبارك وتعالى ينزل فيه إلى السّماء الدّنيا فيقول:” هل من سائل يُعطى؟ هل من داعٍ يُستجاب له؟ هل من مستغفر يُغفر له؟ حتّى يطلع الفجر “، رواه مسلم وأحمد.

وفي حال صلّى المسلم في أيّ وقت فإنّه قد أصاب السّنة، ونال الأجر إن شاء الله، وأمّا من خاف أن لا يستيقظ فالأفضل أن يصلّي ويوتر قبل أن ينام، كما صحّ ذلك عن النّبي – صلّى الله عليه وسلّم – في سنن الترمذي وغيرها.

قيام الليل في القراَن

الصلاة يجب ان تكون بعدد فردي.

قال تعالى:  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ  فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (سورة السجدة، الآيات 16-17)؛ قال ابن كثير في تفسيره: «يعني بذلك قيام الليل ، وترك النوم والاضطجاع على الفرش الوطيئة . قال مجاهد والحسن في قوله تعالى : ( تتجافى جنوبهم ) يعني بذلك قيام الليل ».

وقال القرطبي: «أي ترتفع وتنبوا عن مواضع الاضطجاع . وهو في موضع نصب على الحال؛ أي متجافية جنوبهم. والمضاجع جمع مضجع؛ وهي مواضع النوم. ويحتمل عن وقت الاضطجاع، ولكنه مجاز، والحقيقة أولى. ومنه قول عبد الله بن رواحة : “وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الصبح ساطع … يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع”».

وقال عبد الحق الأشبيلي: «أي تنبو جنوبهم عن الفرش، فلا تستقر عليها، ولا تثبت فيها لخوف الوعيد، ورجاء الموعود».

وقد ذكر الله عز وجل المتهجدين فقال عنهم:  كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ  وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ  (سورة الذاريات، الآيات 17-18)، قال القرطبي: «قوله تعالى : كانوا قليلا من الليل ما يهجعون معنى يهجعون ينامون؛ والهجوع النوم ليلاً ، والتهجاع النومة الخفيفة؛ قال أبو قيس بن الأسلت : “قد حصت البيضة رأسي … فما أطعم نوما غير تهجاع”».

وقال تعالى:  أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ  (سورة الزمر، الآية 9). أي: هل يستوي من هذه صفته مع من نام ليله غير عالم بوعد ربه ولا بوعيده، قيل: “يا رجال الليل جدوا … ربّ داع لا يُرَدُ”.

قيام الليل في السنة

حث النبي على قيام الليل ورغّب فيه، فقال عليه الصلاة والسلام: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة إلى الله، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد». وقال النبي في شأن عبد الله بن عمر: «نعم الرجل عبد الله، لو كان يصلي من الليل»، قال سالم بن عبد الله بن عمر: فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً. وقال النبي عليه الصلاة والسلام : «في الجنة غرفة يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها» فقيل: لمن يا رسول الله؟ قال: «من أطاب الكلام، وأطعم الطعام، وبات قائماً والناس نيام».

وقال عليه الصلاة والسلام : «أتاني جبريل فقال: يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس».

وقال عليه الصلاة والسلام: «من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين»، والمقنطرون هم الذين لهم قنطار من الأجر.

وذكر عند النبي رجل نام ليلة حتى أصبح فقال: «ذاك رجل بال الشيطان في أذنيه».

وقال: «أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».

وقال صلى الله عليه وسلم: «أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.

الأسباب الميسرة لقيام الليل

ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل: فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:

الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.

الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.

الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.

الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.

وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:

الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا.

الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.

الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.

الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه.

فوائد قيام الليل

  • سببٌ أساسي لنيلِ الجنّة، وهي من أعظم الفوائد، قال تعالى:” تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ “، السّجدة/16-17. وقال صلّى الله عليه وسلّم:” أَيُّها الناسُ أَفْشُوا السلامَ، وأَطْعِمُوا الطعامَ، وصَلُّوا والناسُ نِيَامٌ، تَدْخُلوا الجنةَ بسَلَامٍ “، رواه الترمذي.
  • سبيلٌ لشكر الله سبحانه وتعالى على كلّ نعمه وأفضاله على العبد، وقد وعد الله من شكره بالزّيادة، فقال تعالى:” وإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ “، إبراهيم/7.
  • يقرّب العبد إلى الله سبحانه وتعالى، وهو سبب في تكفير سيّئات العبد وغفران ذنوبه، فقال صلّى الله عليه وسلّم:” عليكم بقيامِ الليلِ، فإنّه دَأْبُ الصّالحين قبلَكم، وإنّ قيامَ الليلِ قُرْبَةٌ إلى اللهِ، ومَنْهاةٌ عن الإثمِ، وتكفيرٌ للسيئاتِ، ومَطْرَدَةٌ للداءِ عن الجسدِ “، رواه الترمذي في جامعه وحسّنه الألباني.
  • يعرّض صاحبه للنّفحات الإلهيه، وقيام الليل سبب من أسباب إجابة الدّعاء، وإعطاء السّؤال، وذلك لأنّه يكون في وقت نزول الله عزّ وجل إلى السّماء الدّنيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله – صلّى الله عليه وسلّم – قال:” يَنْزِلُ ربُّنا تباركَ وتعالى كلَّ ليلةٍ إلى السماءِ الدنيا، حينَ يَبْقَى ثُلُثُ الليلِ الآخرِ، يقولُ: من يَدعوني فأَستجيبُ لهُ، من يَسْأَلُنِي فأُعْطِيهِ، من يَستغفرني فأَغْفِرُ لهُ “، رواه البخاري.

زر الذهاب إلى الأعلى