كيف تؤذي المواد الملوِّثة الإنسان؟


                    كيف تؤذي المواد الملوِّثة الإنسان؟

– تسبِّب كلُّ المواد الكيميائية التهاب الجلد التحسُّسي. وفي مقدمة هذه المسبِّبات: العطور، مواد التجميل، الإسمنت، الألبسة المحوكة من مواد صنعية، إلخ. 
 
– أما أكسيد الفحم فهو مادة سامة؛ إذ يتحد مع خضاب الدم، مسبِّبًا نقصًا في أكسجين الجسم بمنعه الأكسجين من الالتحام بالخضاب. يترافق ذلك مع أعراض مزعجة، كالصداع والدوار وطنين الأذنين وضيق التنفس. وقد بات من المؤكد اليوم أن لأكسيد الفحم علاقة وثيقة بأمراض القلب. 
 
– تفضي زيادة ثاني أكسيد الآزوت، بالمقابل، إلى انسداد القصيبات الهوائية وإنقاص مناعة الرئة وتعرُّضها للإنتانات؛ وتصل الرئة نتيجة ذلك إلى مرحلة الكهولة باكرًا.
– وماذا عن أكسيد الكبريت؟ إنه غاز مخرِّش ينحل في الماء؛ لذا يصيب الطرق التنفسية العلوية (حنجرة، رغامى، قصبات)، فيقبِّضها، محدِثًا فيها التهابات متعددة.
– تؤذي الجزيئات الصغيرة الطرق التنفسية أيضًا؛ وبعضها مُسَرْطِن، كالأسبستوس.
– تأكد العلماء مؤخرًا من التأثير السيئ للرصاص على الأطفال، وأثره التراكمي السيئ على الكبار. 
– يؤدي تلوث الهواء، بصورة عامة، إلى الإصابة بالربو والتهاب القصبات المزمن وسرطان الرئة. وتزداد هذه الأمراض خطورة عند المدخِّنين. ولا شكَّ أن التدخين هو شكل فعَّال من أشكال التلوث. لقد ثبتتْ ثبوتًا نهائيًّا علاقة التدخين بسرطان الرئة وسرطان الجنب؛ كما أن التدخين هو أحد الأسباب الرئيسية لتصلب الشرايين واحتشاء العضلة القلبية. 

لقد بلغت المواد الملوثة أعمق مكوِّنات البيولوجيا. فمثلاً وُجِدَ مركب الـد.د.ت. في حليب الأمهات وفي كبد طائر البطريق. ووصلت المواد شديدة السمية كلَّ أحواض المياه الجوفية في “وادي السيليكون” في أمريكا، حيث يصنعون أحدث الرقائق الإلكترونية. لقد كان لهذا التسرب أبعادًا مأساوية؛ إذ حدثت العديد من الولادات المشوهة. وما هو أدهى من ذلك أن أحدًا ما لا يستطيع نفي احتمال أن ينقل المولودون الأصحاء التشوهات الجنينية إلى أجيال تالية. وهكذا فقد وصلت الملوِّثات القلب الحقيقي للحياة، ألا وهو جهاز الوراثة.
 

يصنف الدارسون المعاصرون شكلاً هامًا من أشكال التلوث هو الضجيج. يصدر الضجيج عن السيارات، الطائرات، المصانع وغيرها. وإن العويل والصرير والدق والصفير والهدير تؤثر تأثيرًا ضارًّا على جسم الإنسان، وترهق الجهاز العصبي إرهاقًا مفرطًا؛ ويمكن لها أن تسبِّب مختلف الأمراض. ويمكن حتى قتل الإنسان بواسطة الضجيج. وقد أثبت علم السمعيات، الذي يبحث دراسة تأثير الضجيج على جسم الإنسان، أن للضجيج آثارًا تراكمية. فإن بعض مزعجات الضجيج تتجمع من يوم لآخر في الجسم، وتؤدي في نهاية الأمر إلى الإخلال بالوظائف الفسيولوجية، وفي بعض الأحيان، إلى اعتلال الصحة وسوء المقدرة على العمل. 
وبرهن العلماء على أن المدينة التي يعمُّها الضجيج تقصِّر حياة الإنسان عدة أعوام. إننا نتحول جميعًا، شيئًا فشيئًا، إلى مرضى مصابين بضعف الأعصاب. وإن التأثير التراكمي للضجيج يرهق الجهاز العصبي، وبالدرجة الأولى مقدرته على القيام بالعمليات الكبحية الوقائية. وقد صرنا نتضايق وننزعج من الضجيج الخافت بدرجة أكبر فأكبر؛ وإذا ما استمر الأمر على هذا المنوال سنستيقظ مذعورين لا عندما تطقطق دراجة نارية بشكل يصمُّ الآذان وحسب، بل حتى عندما تزقزق العصافير! 

يشعر أحدنا، في كثير من الأحيان، أن رأسه يكاد ينفطر بسبب الضجيج. ومما يبعث على الأسف الشديد أنه توجد غالبًا مصادر للضجيج لا تولدها الأجهزة بالغة التعقيد التي لا يضمن أحد عدم صدور ضجيج منها، بل نولدها نحن بأنفسنا! ألم يحدث أن شغَّل أحدنا التلفزيون أو الراديو أو آلة التسجيل بأعلى صوت ليلاً؟ أولم يغلق الباب بشكل يجعل صوت الإغلاق مسموعًا في الشارع المجاور؟ أولم يشغِّل السيارة وسط هدوء الليل، أو يدخل فناء البيت بدراجة نارية مطلقًا الهدير والعويل؟ وأخيرًا، ألم يحدث أن استفاق أحدنا مذعورًا لأن أبناء الحي يجرِّبون مكابح سيارات آبائهم، ولاسيما في ساعات بعد الظهر، عندما يخلد هؤلاء الآباء إلى الراحة؟ 

لقد أظهرت التجارب في المختبرات أن الأصوات الناجمة عن حفيف أوراق الأشجار تبعث على الهدوء في النفس؛ في حين أن بعض الأصوات الأخرى تؤذي الجهاز العصبي وتُفضي إلى أمراض القلب، كتحليق الطائرات النفاثة أو تشغيل الضواغط الهوائية لتكسير الطرقات والأرصفة وغيرها.  إذا أراد أحدنا تجربة علمية على الضجيج، فما عليه إلا الانتظار لحظة انقطاع التيار الكهربائي في منطقة ما، ومراقبة ما يحدث في تلك اللحظة. سيلاحظ هبوطًا مفاجئًا للهدوء؛ إذ ستتوقف كلُّ البرادات والغسالات وغيرها من الأجهزة، بل وسينتفي طنين الأسلاك الحاملة للتيار الكهربائي. وقد دلَّتْ الدراسات الخاصة بالضجيج أن الناس الذين يعملون في الغابات وعلى ضفاف الأنهار أو في البحر يتعرَّضون بدرجة أقل من أبناء المدن للإصابة بالأمراض العصبية وأمراض القلب والأوعية الدموية. 
وبالإضافة إلى العوامل الأساسية، تلعب دورًا كبيرًا في ذلك، كما يبدو، أصواتُ الطبيعة. لقد ثبت أن لحفيف أوراق الشجر وتغريد الطيور وخرير مياه الجداول أو الشلالات تأثيرًا علاجيًّا صحيًّا على الجهاز العصبي ووظائف غدد الإفراز الداخلي. ويزداد نشاط العضلات بتأثير أصوات الشلالات. وهناك قانون متميز طريف: إن الموسيقى التي لها الفعالية الأكبر من وجهة النظر العلاجية إنما تحاكي في أغلب الأحيان أصوات الطبيعة. نذكر منها ما قاله تشايكوفسكي: “إنني نفسي أصبحت صوتًا لدى سماعي إنشاد الغابة.” إن الموسيقى تكتسب في الطبيعة قوتها وسحرها. ويؤثر الضجيج على العمل والإبداع، فينخفض معدل الإنتاج؛ وبسببه يزداد احتمال الخطأ.

زر الذهاب إلى الأعلى