كيف حقي ممن ظلمني بهدوء

بالتأكيد تعرضتِ/تعرضتَ يوماً ما لموقف في حياتك ظُلمت فيه.

ربما عن طريق الخيانة من الشريك أو قد أفسد أحد الأقارب أو الأصدقاء ما كنت تعمل عليه منذ مدة، وآذاك وأنت لم تدر بذلك إلا بعد حين.

كلّ هذه المواقف تترك فينا جرحاً عميقاً وشعوراً كبيراً بالغضب. وحتى لو كنت تدرك أن الخطوة الصحيحة والسليمة هي أن تغفر له، لكن غالباً تكون الرغبة في الانتقام هي الأقوى.

لكن لماذا؟

وفق ما تشرح أستاذة السلوك الصحي لدى جامعة ألاباما في برمنغهام، روبين لانزي في حديثها لصحيفة  The New York Times الأمريكية.، بأن «كل شيء يعزى إلى طبيعتنا البشرية نظراً لأننا نحن البشر كائنات وقائية خاصة عندما نشعر بالتهديد».

وأضافت لانزي أنه «إذا كنا نخشى أن يتعرض أبناؤنا أو أزواجنا أو أحباؤنا أو عملنا أو أي أمر نكن له قدراً من التعاطف للضرر أو التهديد بأي شكل، فمن الطبيعي أن نتخذ أي خطوة تكون في صالحهم».

وبالتالي «الرغبة في الانتقام عند التعرض للظلم تعتبر أمراً غريزياً»، كما قالت الدكتورة، إذ سنرغب بردّ الصاع صاعين.

وهنا تبدأ المشكلة. أو قد لا تكون.. فهل يعد الانتقام سلوكاً صحياً؟

يعدّ الانتقام أمراً صحياً وغير صحي في الآن ذاته. وتقول الكاتبة في المجال العلمي ومؤلفة كتاب «Mean Mothers: Overcoming the Legacy of Hurt»، بيغ ستريت إنه «في الروايات والأفلام، يتحول الانتقام إلى لحظة حاسمة للتخلص من أي مظلمة، مما يسمح للإنسان الذي كان محل ضعف لتحقيق نصر على عدوه».

وأضافت أن «الانتقام يعتبر أمراً محورياً ضمن الحبكة القصصية نظراً لأن الثأر يعتبر أمراً مرضياً للغاية خاصة في هذا العالم غير العادل».

وفي حين أن البطل الذي يحاول الاقتصاص لنفسه يُعد شخصية متواترة في كل شيء بدءاً من الكتب المصورة المثيرة إلى أفلام الحركة، أثبتت الدراسات أن الانتقام ليس فقط ذا أثر قصير الأمد، بل يمكن أن يجعل من إمكانية تجاوز المسألة أكثر صعوبة.

وقالت ستريب إن «القصاص يربطك مجدداً بالشخص الذي تريد أن تنتقم منه عوضاً عن أن تلملم شتات نفسك وتمضي في سبيلك».

«الانتقام يجعل تركيزك منصباً على سوء المعاملة التي تلقيتها ويعيقك عن المضي قدماً وإعادة توجيه مسار حياتك».

ثم تتحول القصة إلى هوس..

يعد تحول التفكير في المظلمة التي تعرضت لها إلى هوس طريقة خاطئة للتعامل مع سوء المعاملة. ترتكز الطريقة السليمة في التعاطي مع ذلك على كيفية التحكم في هذه المشاعر السلبية ومعالجتها.

وتقول مديرة العيادات في أقسام الخدمات النفسية المتخصصة في المركز الطبي بجامعة كولومبيا، الدكتورة إيرين إينجل، إنه «في كثير من الأحيان، ليس من الضروري أن تكون المشاعر نفسها سيئة أو سلبية، لكن كيفية التعاطي معها».

«لهذا السبب، يلجأ الأفراد للعلاج النفسي خاصة بسبب مشاكل على غرار الغضب. لا يعتبر الغضب مشكلة في حد ذاته، ولكن التعبير عن الغضب يؤدي إلى تداعيات سلبية نوعاً ما».

لكن متى يكون الانتقام مفيداً لك؟

تقول الأستاذة المساعدة في قسم الإدارة لدى جامعة جون هانتسمان للأعمال بجامعة ولاية يوتا، ميريديث تومبسون إن «الشعور بالرغبة في الانتقام يمكن أن يربطك بالماضي بطريقة تشوه أي نتيجة إيجابية قد يحققها هذا الحافز، وقد يجعل الإنسان غارقاً في حيثيات الماضي».

ولكن «في حال لم يكن دافعنا للانتقام يعمل على استنزاف طاقتنا وقوتنا ويجعلنا نغرق في علاقة سلبية، فقد يكون الانتقام مفيداً».

وقالت: «إذا حاول شخص ما الانتقام واتبع منهجاً يرتكز على بعد مستقبلي، يدفع هذا النوع من التفكير الشخص إلى الأخذ بعين الاعتبار المستقبل ويجعله أكثر قوة وسعادة ويتمتع بحالة صحية أفضل».

المواجهة قد تكون حلاً..

ويتحدث الكاتب ديلان مارون المهتم  بقضايا الإل جي بي تي، عن كيفية التعامل مع الرسائل البغيضة التي قد تصلنا على صفحات التواصل الاجتماعي أو على هواتفنا.

ويقول مارون: «أردت مواجهة الأشخاص الذين ينتقدونني، ليس بغرض إحراجهم وإنما أريد فقط أن أسألهم لماذا كتبوا عني هذه التعليقات السلبية، ثم متابعة إلى أين يمكن أن تقودنا المحادثة».

أصبحت تلك المحادثات جزءاً من البودكاست، الذي أنشأه مارون وأطلق عليه تسمية «محادثات مع الأشخاص الذين يكرهونني».

ومن خلال هذه المحادثات، استطاع مارون أن يسخر الأمور السلبية ويحولها إلى شيء تمكن الاستفادة منه.

تخلّص من المشاعر السامة.. ستصبح أقوى

من خلال تخلصك من المشاعر السامة، قد تحظى بإيجابيات أكثر، حيث ستشعر أنك أقوى، ليس من خلال ممارسة سلطتك على الآخر وإنما عبر التحكم في نفسك.

وفي هذا السياق، تقول الطبيبة المختصة في علم النفس السريري والطب الشرعي التي عملت مع سجناء تلقوا إطلاق سراح مشروطاً ويميلون إلى الانتكاس بسرعة، تيفاني تاورز، إن «الشخص، الذي يشعر بأنه تعرض للظلم أو الخيانة أو الأذى من شخص أو أي نظام، قد يكون فقد إحساسه بالقوة الشخصية، هو ما يمكن أن يكون مقلقاً للغاية».

وقالت تاورز إن «الشخص يستطيع تطوير رؤية والشروع في الاعتقاد بأنه لا يمكنه استعادة سلطته إلا من خلال الانتقام، في حين أن القوة تكمن في المضي قدماً».

خلاصة القول

لا يمكننا التحكم بسيطرة العواطف السامة على عقولنا، لكن يمكننا التحكم فيما نفعله كرد فعل على ذلك.

قد يبدو البحث عن الانتقام أو الثأر فكرة جيدة في البداية، ولكن على المدى الطويل، قد ينعكس ذلك سلباً علينا. ويتمثل الخيار الأفضل في التركيز على ذواتنا والعثور على جذور هذا الشعور السلبي والتعامل معه إما على اعتباره تجربة نتعلم منها أو رسالة تحذير أثناء مضينا قدماً.

زر الذهاب إلى الأعلى