كيف نهيئ المعلم للإشراف التربوي؟

كيف نهيئ المعلم للإشراف التربوي؟

كنت ذاتَ مرَّة عند رئيس قسمي في إدارة التربية والتعليم، أعمل على جهازِه وعلى مكتبه، وكان خلفي شخصانِ يتحدَّثان في بداية السنة الدراسية، وكان محورُ حديثِهما عن صعوبة عملِهما في الإشراف التربوي.
فقال أحدهما:
إن مشكلة نقصِ الخبرة في المَيْدان تشكِّل العَقَبة الكبرى في عمله، حين يفاجأ بموقفٍ جديدٍ، لا يعرف كيف يتصرف حياله؛ مما يُشعِره بحرجٍ شديد أمام إدارة المدرسة ومعلّميها، حين لا يستطيع أن يؤدِّي دَوْره المتوقَّع منه كمشرِفٍ تربوي.
شدَّنِي هذا الحوار الدائر بينهما للالتفات إليهما، فوجدتُ شابَّين في العقد الثالث من العمر، وأسفت لِمَا يعانيانِه وأمثالهما بشكل يومي، وردَّنِي هذا إلى تلك السنوات التي كنتُ فيها مديرًا لمدرسة ثانوية حين كان يزورنِي بعضُ المشرفين التربويين، فإذا أقبل أحدُهم كنتُ أتعرَّف على مدى إمكاناته وخبرته من خلال أسئلتِه التي يطرحُها؛ حيث يتميَّز المشرف القدير بعمقٍ في التفكير، وبحث عن المسائل المفصلية، بينما لا تنمُّ أطروحات ذَوِي الخبرة القاصرة سوى عن أسئلة سطحية، وفي غير مكانها في أحيان كثيرة.
وفي رأيي أن سبب حدوث هذا – مع عزوفِ كثيرٍ من ذوي الخبرة عن الإشراف التربوي – عائدٌ إلى خطأ إداري في ترشيح المُشرِفين، حينما كان ترشيحًا شخصيًّا من قِبَل مشرف قديم، أو مسؤول في إدارة التربية والتعليم؛ ممَّا أدَّى إلى وجودِ عددٍ من المشرفين غير المؤهَّلين لتطوير المَيْدان التربوي، وإخال أن بعضَهم إنما يهمُّه أن يكون مشرفًا تربويًّا كنوعٍ من الوجاهة الاجتماعية، والتميز عن الأقران، ولا بأس بعد ذلك أن يقوم بأي عمل إداري، وإن كان لا يمتُّ للإشرافِ التربوي بأي صلة، وفي ذلك نوع من تغطية عجزِه عن مكابدة مشكلات المَيْدان.
كما يُضَاف لمشكلةِ نقصِ الخبرة مشكلةٌ أخرى، هي مشكلةُ ضعفِ تدريب المشرفين، والتي إن وجدتْ أصلاً في بداية التكليف بالإشراف، فهي لا تعدو أن تركِّز على بعض الأعمال الإدارية والإحصائية، المتعلِّقة بتقرير المُشرِف اليومي، دون وجود عمق أصيل فيما يطرح، وإذا رشح المشرف التربوي بعد عمر طويل لدورةِ المشرفين التربويين في إحدى الجامعات؛ يكون ما اكتسبه أصلاً من خلال عمله في المَيْدان، أكبر وأهم مما يمكن أن يستفيده في هذه الدورة التي جاءتْ متأخِّرة، والتي يبدو أنها غير ذات جَدْوَى كبيرة من الناحية العلمية أو العملية للمَيْدان التربوي، كما تبيَّن لي عند سؤالِ بعض الزملاء الذين التحقوا بها في سنوات متعدِّدة وجامعات مختلفة.
ومما يُحسَب لوزارة التربية والتعليم في الفترة الأخيرةِ محاولةُ اهتمامِها بخطوات الترشيح الصحيحة، التي أصبحتْ تقوم بعملية فرزٍ للمتقدِّمين للإشراف التربوي، والتي يمكن تطويرُها خلال السنوات القادمة للرقي بالإشراف التربوي بشكل أكبر.
وفي رأيي أنه عند اختيار المشرف التربوي، فلا بدَّ من العناية بالجوانب التالية:
ألاَّ تقل خدمتُه في التعليم عن عشر سنوات معلِّمًا.
 أن يكون ممَّن مارس الإدارة المدرسية (مديرًا أو وكيلاً) لمدَّة لا تقل عن سنتين؛ حتى يلمَّ بجميع الظروف التي تُحِيط بالمدرسة؛ وذلك لأن هنالك فرقًا في تصوُّر صعوبات المدارس وإدراك واقعها بين مَن مارس إدارتها وبين مَن لم يمارس إدارتها.
 تمكن المرشح من تخصُّصه وأدائه داخل الفصل.
 إلمامه بالجوانب الإدارية، والتربوية، وخصائص النمو؛ فقد لاحظتُ أن بعض المُشرِفين التربويين لا يفرِّقون بين خصائص الطلاب في كل مرحلة دراسية.
 أن يكون لديه مَلَكةُ الحسِّ النقدي المتَّزِن، التي تمكِّنه من التعرف على مواطن الخلل في المَيْدان الذي يعمل فيه؛ ليُسَاعِده ذلك على اقتراح حلولٍ عملية لمشكلات المدارس.
 أن يكون له تجاربُ ومشاركاتٌ مفيدة في عمله تنبئ عن أصالة تفكيره، وقدرته على إفادة الميدان، مع تجنُّب التجارِب المقلدة المعتمدة على القصِّ واللصق، أو استنساخ أفكار الآخرين دون تطوير وتأصيل.
• أن يتحلَّى بالخلقِ الحسن، والسيرة النظيفة، وهذا ينطبق على المعلِّمين بشكل عامٍّ.
 أن يكون الترشيح عبرَ لجنةٍ مكوَّنة من أعضاء ذوي خبرة في مجالات التربية المختلفة الملمَّة بالمَيْدان التربوي، على أن يكونوا مختلفي التخصصات، والخبرات، والمشارب.
إن المفاضلة متعدِّدة الجوانب التي تَسبُر الجوانب الشخصية للمرشَّحين للإشراف التربوي، ستوفِّر لنا فئة من ذوي الأصالة التربوية، الذين يهمُّهم الارتقاء بالعملية التربوية، وليس صحيحًا أن نعتذرَ بسبب عزوف المتقدِّمين عن الإشراف التربوي؛ لتكون لنا حجة القبول بالحد الأدنى من المؤهِّلات؛ إذ لو كان هنالك حوافزُ تُقدَّم للمتميِّزين، لوجد تنافس على الإشراف التربوي، أما أن يشعر المتقدِّمون بأن العمل في الإشراف التربوي مجرَّد زيادة أعباء دون مقابل، فإن ذلك سيُعَدُّ حاجزًا كبيرًا، وعثرة في طريق الارتقاء بالإشراف التربوي، أَضِفْ إلى ذلك أن وجودَ الدعم المعنوي للمُشرِف التربوي، وتفريغه؛ ليقومَ بدورِه الحقيقي، وعدم استنزاف جهده وطاقته في الأعمال الإدارية، وجمع البيانات لأقسام وإدارات أخرى، كلُّ ذلك يُعدُّ سببًا في عزوف المعلِّمين المميَّزين عن الإشراف التربوي، وقلْ مثلَ ذلك في إدارات المدارس، وبخاصة الثانوية.
ويحقُّ لي بعد ذلك أن أتساءَلَ:
لماذا تَرضَى وزارة التربية والتعليم وإداراتُها بأن يتَّجِه مديرو الإدارات والمشرفون التربويون إلى المدارس الأهلية، التي تستقطبهم عبر منحِهم حوافزَ مادية تعادل نصف رواتبهم شهريًّا، إضافة إلى إعطائهم هامشًا كبيرًا لتطوير أداءِ مدارسهم، ودعم أفكارهم التطويرية؛ فيجتمع لهم الدعم المادي والدعم المعنوي في آنٍ واحد؛ مما يتيح مجالاً كبيرًا للتنافس فيما بين المدارس الأهلية، التي تسعى للتميز واستقطاب أكبر عددٍ من الطلاب وأولياء الأمور، من خلال تكوين سُمْعة طيِّبة عن مستوى أداء مدارسهم.
ألا يحسنُ بالوزارة أن تبادرَ هي لهذا الأمرِ، لا سيما أنه على المدى البعيد سيُحدِث وفرًا ماليًّا ضخمًا حينما تقلُّ أخطاء العاملين في المَيْدان التربوي، تلك الأخطاء التي تستنزف الوقت والجهد والمال للتخفيف من آثارها.
نأمل أن تكونَ وزارة التربية ساعيةً – بشكلٍ جادٍّ – لتطويرِ الإشراف التربوي، وألاَّ تبقى خاضعةً للبند المادي، بحيث تتسبَّب في تعطيل عنصر مهمٍّ لتطوير المَيْدان التربوي بشكل أسرع مما يتوقع المسؤولون لو تم عملُه بشكل صحيح.
 تختلف المدارس الأهلية فيما بينها اختلافاً يَعرِفُه كلُّ مَن له عَلاقة بالتعليم ومستوى المدرسة الأهلية، مرتبطًا مباشرة بمالكِها ونظرته إلى مدرسته، وماذا ينتظر منها؟ وكلامنا هنا منصبٌّ على المدارس الأهلية، وليس الدكاكين الأهلية.

رابط الموضوع: http://www.alukah.net/Social/0/47972/#ixzz2FOKiWFZg

زر الذهاب إلى الأعلى