بينما يستغرق الاب في الدندنه باللحن الجديد كانت الابنه تتطور كجنين عظيم يتوق للخروج للعالم . ارتبطت دوما هي بتلك الهمهمه الخافته التى يعنى بها ابوها نفسه فهو يرددها ليسمعها هو فقط لكنها ملتصقه به فى الغالب و لذلك تخيلت انه يشركها فى عمله . لم يلحظ ذلك و هي طفله صغيره تجلس على رجليه بينما هو يهزها لتنام و لا حتى عندما اصبحت سيدة مهمه ترافقه لزياره طبيبه , دائما كان يستخدم درجة تقترب للهمس و دائما كانت تشعر انه يخصها بسماع ابداعه فى لحظة الميلاد .

” لالولى لا لولا لالولا لا لولى لا لولى” هذا هو لحنها الحقيقي .

امها المريضه كانت فى حياة الملحن الشاب بلا معنى اختيرت له و لم يستطع ان يصنع حولها اى نوع من الموسيقي . حتى انه لم ينتبه انها كانت تموت ببطء. اغلب مشاعره مملوكه لخياله يعشق هنالك و يكره و يعطف و يحن . بدت عزلته شديدة و الحياة بقربه موحشه حتى ظهرت الابنه.

عندما حضرت الالام الولادة انتزعه صياح زوجته من النوتات فقام مشدودا بنصف تركيز و لم ينتبه لحقيقة ما يحدث الا عندما لفته اخ زوجته فى المستشفى قائلا :

  • كنت مستني شنو يعنى اخرتها للوقت دا

رفع اصبعه السبابه الرفيع و الطويل و هزه امامه قبل ان يقبض كفه بتشنج و يبتعد عنه . ليس صديقا للكلمات مقل فى حواراته لكنه لاذع لذا فانه عندما الحوا عليه فى ايجاد اسم للمولودة بعد اسبوع من ولادتها و بينما كان ما زال يتقبل العزاء فى والدتها اجاب بضيق:

عليك الله ما تزهجونى .. اسميها الاسم البريحنى و فى الوقت البريحنى بخيته خرتيته انا حر .

نهض في الصباح التالي و مضي حتى وجد نفسه امام استمارة شهادة الميلاد ملئها بسرعه و ابتسم قليلا قبل ان يضحك باعلى صوت اطلقته حنجرته منذ تكوينها الاول . ضحك ضحكات اخرى متقطعه فى طريق عودته و هو يردد : ” مافى زول حيسألنى .. اصلوا ما حيسألوا “

و فعلا صدقت توقعاته فكل من سمع باسم المولوده فتح عينيه بالدهشه ثم حرر كلمات من نوع “ماشاء الله و ربنا يبارك ليك فيها و تتربى فى عزك” . ربما البعض يحسبه مجنونا فلا يجرؤ على نقاشه و البعض الاخر لا يفهم معناها لكنه يحسبها لغة غربية و يثق فى ثقافة الفنان الذي يجيد لغات عده و يظل معتكفا منكبا على كتابته النوتات التى ترسل بعدها لتصبح موسيقي تصويريه لدراما او كما يحدث في سفرياته يشارك بها فى اعمال فنيه خارج بلاده . فقط احتج اهله و اهل زوجته لكن احد لا يملك ان يثنيه عن رأيه . انه عازم على السخرية من المجتمع الذي يريده ان يعيش كما يروق للاغلبية.

“لالولى” ولدت مميزه باسمها الذي لا يعنى اي شئ لأى احد انها جزء من نغمه قرر والدها انه لن يكملها فاعطاها لها كاسم و اكمل عمله بتنشأتها ناعمه و متماسكه تصل للقلوب بسهوله و تعلق بدافئها و ذكائها  . تجلس قربه لتدرس لساعات طويله مستمتعه انها باجتهادها ذاك تشبه والدها الذي يلا يمل من العمل و لا يقطعه الا مضطرا .

لم يتزوج ..لم يفكر في ان يجد زوجه اخرى ربما تكون ذات معنى بالنسبه له . اكتفى برومانسيته فى كوكبه الخاص مع الات مختلفه يعزفها منتجا اشكال موسيقية لا تنتمى الا له هو كان يعشق ما يفعل لذلك كان مجددا يعزف العود و القانون و الربابه ثم الجيتار و السيسكفون و البيانو و الماندولين و يدخل الهمهمات فى اعماله فالحنجره لديه اكثر فعاليه من كل الاوتار . يعلق فى  الاستديو الخاص به صور له مع عمالقه العازفين و فى المنتصف صورة هى الاكبر مع طفله تبدو مشرده يجلس قربها و هي تمسك بكمانها و قد كتب عليها المعجزة التى ربما لن يدركها البشر.

عطائه لعمله لا يقف فى وجه تفرغه  لهذه الصغيره التى اصر ان يتركه الاخرون ليرعاها دون تدخل . اهم صفاته انه لا يأبه لما يظنه اي احد فيه . و هذا يفسر اجاباته لسؤال ابنته المتكرر :

يا بابا .. انا اسمي معناهو شنو ؟

لالولى … حلو و لا ما حلو ؟

حلو

عاجبك

ايوه

طيب ما عندو معنى

.

.

يا بابا بالجد ياخ حاسألك تانى اسمى دا معناهو شنو ؟

لالولى .. اغريقي

جد

لالا  يتهئ لى فتنامي ..و لا لا كدى جيبى لى القاموس السواحيلي

بابا

قلت ليك ما عندو اى اصل و ما عندو اى معنى

.

.

لازم تورينى معناهو شنو ؟

لالولى .. مزيكا حلوه زيك

.
.

طيب اخر مره معناهو شنو ؟

لسه فى ناس بتسألك

كل يوم

كويس كل يوم عندك فرصه تبتكرى ليك معنى

بعد فتره تكونت لديها مناعه ضد السؤال و تبنت سياسة الاب . شخصيتها فيها مزيج من سخريته التى لا يعرفها الا المقربين له و جديتها التى تدفعها للتوفق فى مجال علمي دقيق . ساندها في دراستها رغم انه لا يفهم تمام كيف تستمع بالتعمق في تفاصيل الاحياء الدقيقة . انشاء لها معمل متوسط الحجم لكنه يفي بالغرض . حصلت على دعم من منظمة و اجرت عده تجارب و بحوث . يلتقيان فيكون هو معبء بدقه وتر نشطه فى اعصابه و هي بصوره منطبعه فى عينها من المجهر تظل تحلم بها لايام .

و في صباح احد الايام لوح بتذكرتى سفر و تأشيرتى خروج . فى البداية لم تفهم ما الذي يريد ان يفعله فى اوروبا لفتره غير محدده . اقصي فتره كان فيها بعيدا كانت سته اشهر . لكنه اخيرا اعطاها ملف يحتوى على رساله قبولها من جامعة كانت قدمت لها و فقدت الامل لعدم حصولها على منحه ماليه تغطى تكاليف البحث و الاقامة .

دون ان يترك لها مجال لنقاشه انتقل معها لحلمها دافعا بمدخراته كلها و قام ببيع حقوقه فى عده اعمال انتجها و قرر انه وقتها فقد عاش حلمه كاملا .

بتوفر البيئة و كما توقع تفتحت عبقرية “لالولى” لتصبح مثار الدهشه و الاعجاب . و بعد ان اطمئن عليها عاد لبيته و عمله و تركها مغمورا بالامتنان لهذه المعجزة التى وهبت له .

كان نطق اسمها فى نشرات الاخبار غريبا ” لالولى حميد احمد ابراهيم” و لم يكن اقل صعوبه فى الصحف التى تخطئ في طباعته فساعه يأتى “لاولى” و احيانا “ليلي” و يضطر مدير التحرير ان يصحح و يعتذر فى العدد التالى .

سمع الخبر منها كما لو انه شئ ينتظره و كانت اجابته :

الحمد لله الف الف مبروك .. اخيرا فهموك .

ضحكت الحائزة على جائزة نوبل للعلوم و هي تجيب والدها :

مش عليك الله يا بابا ..اصلوا الخواجات ديل فهمهم تقيل .

لم تعد مضطره للاجابه عن معنى اسمها فهناك مئات المتبرعين من صحفيين و اعلامين تركوا اشغالهم و تركوا بحثها و تفرغوا لقصه اسمها و سره . اصبحت بطله قومية فبلادها لا تعرف جوائز نوبل و لم يحملها الا عدد قليل لا يجاوز اصابع اليد الواحده .

و فى فراش احتضاره اخبرها والدها :

ما كان ممكن ءالف اى حاجة عندها لون وطعم لو خليتهم يدخلوا مخى و يعكروا على مزاجى .. و لا انت كنت حتبقي الانتى فيه الليله لو يوم فكرتى بجدية انو اسمك عجيب و ما مفهوم . اسمك دا حيبقي اسم جيل كامل او امكن اكتر و لما يسألوا الشفع الجداد معنى اسمهم حيقولوا مسميننا على “لالولى حميد” .

شاركها.