لماذا تعلق بعض الأغاني والألحان في رأسك ولا تستطيع إخراجها؟

فجأة ومن دون سابق إنذار تجد نفسك تردد أغنية ما رغم أنك لم تكن تفكر بها، ولم تكن تستمع لأي موسيقى. أو تستمع إلى أغنية ما وتعلق في رأسك وتجد نفسك تكررها مرة تلو الأخرى مدة طويلة رغم محاولتك التوقف عن ذلك لكنها ما تنفك تكرر نفسها. 

الظاهرة هذه شغلت العلماء منذ مدة، وهم بطبيعة الحال قاموا بعدد من التجارب؛ لمعرفة الأسباب. الظاهرة هذه تسمى «ديدان الأذن»، لكن لا داعي للقلق؛ لأن الأمر لا علاقة له بالديدان الفعلية، بل هي اختصار لتعبير الصور الموسيقية غير الطوعية «Involuntary musical imagery»، التي هي تذكر وتكرار غير طوعي لأغنية ما أو لحن ما. 

بعد دراسة شملت عددًا كبيرًا من الأشخاص وآلاف المقاطع التي وصفت بأنها لا تزول من الرأس بسهولة؛ تبين للعلماء أن الأمر يرتبط بمجموعة من العوامل بعضها يرتبط بالأغنية أو اللحن نفسه، وبعضها يرتبط بنا باعتبارنا أشخاصًا، وهذا ما يبرر اختلاف الأغاني التي تعلق في الأذهان بين شخص وآخر. 

تركيبة النجاح الثلاثية 

الأغاني والألحان التي تعلق في رؤوسنا تملك ٣ عناصر أساسية، وهي: الإيقاع السريع، ومجموعة اللحن المألوف، وفاصلة موسيقية جذابة. وكما هو معروف اللحن هو تعاقب خطي من النغمات الموسيقية التي نسمعها بوصفها كيانًا واحدًا، وتتكون من جملة موسيقية واحدة أو أكثر تتكرر طوال مدة الأغنية أو القطعة الموسيقية، وإنما بأشكال مختلفة. الألحان تتضمن حركة اللحن؛ أي الاهتزازات والفترات الفاصلة بين الاهتزازات. 

العناصر هذه هي أساس أي أغنية ناجحة نسمعها مرة تلو الأخرى على الراديو. ونجاح الأغنية يعني استماعنا المتكرر لها، ما يعني تحولها إلى ديدان أذن محتملة. لكن بعض الأغاني الناجحة يتم نسيانها بعد فترة خلافًا لأنواع أخرى تعلق في الذاكرة حتى بعد مرور سنوات طوال على إصدارها. السبب يرتبط بأنها تمتلك العناصر الثلاثة تلك، ولكن بشكل أفضل من تلك التي تنجح فترة محدودة خصوصًا لناحية اللحن المتكرر والجذاب، ما يجعلها تصمد رغم مرور الزمن. 

سرعة اللحن 

الأغاني التي تملك لحنًا بطيئًا نادرًا ما تتحول إلى ديدان الأذن، وعليه فإنه كلما كان اللحن أسرع علقت في الذهن أكثر. البشر حين يستمعون إلى اللحن السريع عادة ما يتحركون معه، وعليه فهو يعلق في الذهن ويرتبط بحركة معينة. وبالتالي في كل مرة يقوم بها المرء بحركة تتناسب مع الإيقاع حتى لو لم يكن يستمع إلى تلك الأغنية، أو لم يستمع إليها منذ مدة طويلة فسيجد نفسه يتذكرها. المشي وفق إيقاع معين، أو غسل الأسنان أو حتى تنظيف الزجاج حركات بدنية يمكنها أن تحفز تلك الأغاني العالقة في الذاكرة فتنطلق لكونها تتناسب تمامًا مع وتيرة الحركة الجسدية التي نقوم بها. 

بنية اللحن المألوفة 

الأغاني التي تعلق بالأذهان عادة تملك بنية لحن بسيطة ومألوفة. الدماغ عادة يبحث عن مستوى معين من التعقيد؛ كي يتحول اللحن إلى ديدان الأذن عليه أن يكون مثيرًا للاهتمام، لكنه في الوقت عينه ليس صعبًا لدرجة أنه يصعب تذكره. أغاني الأطفال مثلاً التي هدفها جعل الأطفال يقومون بحفظها ظهرًا عن قلب تبدأ عادة بنغمة منخفضة، ثم ترتفع، ثم تتراجع إلى النغمة المنخفضة الأساسية مجددًا، وعليه فهي نمط متكرر سهل يملك قليلاً من التعقيد. النمط هذا هو عينة من مجموعة كبيرة من الألحان المألوفة التي تعلق في أذهاننا، ما يجعلنا نتذكرها بسهولة، ثم نكررها مرة تلو الأخرى. 

كلمات الأغنية والعواطف 

عندما يستمع أي شخص للأغنية فالعقل لا يسجل الإيقاع واللحن فحسب، لكنه أيضًا ينتبه الى كلمات الأغنية والمشاعر والعاطفة المرتبطة بها. جميع هذه المعلومات يتم تسجيلها في مركز الذاكرة السمعية. وكلما كان اللحن يسهل حفظه تركت الكلمات أثرها، وكلما كان المغني يؤديها بإحساس عالٍ منح الدماغ اللأغنية اهتمامًا أكبر. اجتماع هذه العناصر يجعل اللحن يعلق في الذهن بقوة لدرجة أنه مهما كانت الأغنية قديمة لكن الفرد يتذكرها بوضوح تام بكل تفاصيلها.  

الإشارات والمحفزات 

اللحن موجود في الذاكرة السمعية للدماغ، لكنه في مرحلة السبات، فما الذي يحفزه للظهور؟ الأمر يرتبط بالذكريات والمشاعر التي اختبرها كل شخص عندما سمع هذه الأغنية للمرة الأولى أو حين تركت أثرها في نفسه أو حتى الروائح التي ترافقت مع سماعه إليها. مثلاً تزور مكانًا ما وفجأة تجد نفسك تردد أغنية ما، السبب هو بكل بساطة أنك سمعت هذه الأغنية سابقًا عندما كنت في هذا المكان قبل سنوات عدة، وعليه فإن عقلك ربط بين المكان والأغنية ومن ثَم أعادها إلى الواجهة وجعلك ترددها. الأمر لا يرتبط فقط بالروائح والنكهات والذكريات، بل هناك مئات الطرق التي يمكن للدماغ من خلالها الربط بين الذكريات والألحان. وبما إن الأمر هنا يرتبط بشكل مباشر بالذاكرة غير الطوعية فلا مجال للتحكم بها أو لمنعها من الظهور أو جعلها تختفي. ستبقى ترددها حتى تدخل مرحلة السبات مجددًا. 

زر الذهاب إلى الأعلى