لماذا يهربون إلى التقاعد المبكر؟ – عبدالعزيز السماري

لسوء الحظ، فإن المحسوبية ليست شيئًا محسوسًا أو ظاهرًا للموظف الجديد عند الانضمام إلى مؤسسة ما؛ لذلك عليك أن تنتبه مبكرًا إلى وجودها؛ لأن النجاح لن يكون مربوطًا بعطائك في مستقبل الأيام؛ فهناك معايير في المحسوبية، قد لا تكتشفها إلا بعد حين..

يجب أن تُبقي عينيك مفتوحتَيْن على مصراعيهما؛ فالفرص لك ستكون محدودة في الازدهار في مقر العمل، مهما كانت إنجازاتك. وإذا لم تكتشف الصورة مبكرًا قد تخسر كثيرًا في مجال عملك. وهي حالة منتشرة في البلاد التي لا تخضع لتشريعات للحد من هذه الظاهرة السلبية.

عواقب هذا النموذج السلبي في العمل عادة ما تؤثر على سير العمل والإنجاز، وتحول بيئة العمل إلى منافع شخصية، وترقيات على الهامش. وأكاد أجزم أننا فقدنا قدرات عملية مؤثرة بسبب هذا النموذج الطاغي؛ فالإقليمية والمناطقية والبُعد العائلي تجعل من العمل بيئة طاردة للمتفوقين؛ ونحتاج حتمًا إلى تشريعات، تحدُّ من هذه الظاهرة.

يجب أن تكون السيرة الذاتية والقدرة على النجاح معيارًا أساسيًّا، وليست عوامل همها الأول تقديم المنافع العامة للخاصة وللأقارب والأصدقاء. وقد يبدأ الوضع متقدمًا بعض الشيء؛ فالظاهرة متفشية كالوباء، ويحتاج الحد منها إلى جهد ووعي وبُعد قانوني.

في جانب آخر، يكون هذا الواقع سببًا لهروب أصحاب الإنجازات من بيئة العمل، فيما يسمى التقاعد المبكر، وهو خروج غير مبرر لقدرات تعتبر رصيدًا للمجتمع في الخبرات، هذا إضافة إلى ظاهرة التمييز بسبب السن أو العمر. وقد حدث شيء مثل ذلك في الغرب؛ فقد استمر التمييز على أساس السن في العمل على مدار سنوات عديدة، لكنه لاحقًا أصبح جريمة بموجب القانون؛ فالإنسان ليس رقمًا، ولكن أداءً وظيفيًّا، وخبرة عملية مؤثرة..

إذا لم نتجاوز هذه الوصمة سنفقد قدرات عملية في غاية المهارة، وهو ما يحدث الآن؛ فالكثير من المتقاعدين ما زالوا في قمة نشاطهم الذهني، لكن فرصهم في المساهمة في تحقيق الرؤية تتضاءل بمجرد خروجهم إلى عالم النسيان، وقد نستفيد منهم في العمل الأكاديمي والأبحاث في المراكز المتخصصة؛ فكمية الخبرات التي اكتسبوها في مشوارهم العملي والعلمي تجعل منهم مرجعيات لتقديم الخبرة والمعرفة للأجيال القادمة.

محسوبية الأقرباء والأصدقاء وأبنائهم ومَن يعز عليهم سببٌ لطرد أصحاب الخبرات في مختلف التخصصات، أو طريقة غير مباشرة لإخراجهم من بيئة العمل. وتلك أحد أهم أسباب الفشل الإداري، وعامل للدخول في عالم إداري، تحكمه المنافع الخاصة.

ليكن الإنجاز والسِّيَر الذاتية والالتزام والخبرات العوامل التي يكون على أساسها المحافظة على القدرات العملية. وإذا فشلت الجهود للحفاظ عليهم فسنعود أميالاً للخلف كلما تقدمنا خطوات إلى الأمام؛ لذلك أجدها في منتهى الغرابة أن تنتهي مساهمة خبراء في مجالات متخصصة وأصحاب إنجازات لمصلحة تعيين شخص تدين لوالده بمعروف في ماضي الأيام. والله الموفق.

زر الذهاب إلى الأعلى