كانت تحرث أرض غرفتها ذهاباً واياباً، تتخبّط مع أفكارها وأسئلتها المتضاربة، تنزف قهراً ووجعاً حين عادت بها الذاكرة الى الأوقات التي كانت تموت اشتياقاً اليه، وهو لم يكن يهتم أو يعبأ بالأمر. كان كل شيء يتوقّف على ظروفه ومزاجه، لم يفكّر يوماً بحالتها هي، بمدى الغضب الذي اعتراها حين لم يكلّف نفسه عناء معايدتها في ذكرى ميلادها! حتى أنه لم يبعث برسالة هاتفية، وضع قناعه اللامبالي المعتاد، وتركها هي لتقدير الموقف وقراءة طالع ظروفه كالعادة. يومها لم تبك كثيراً، فهي لم تعد تثق بأحد كما في السابق، وباتت محصّنة ضد الخيبات العاطفية.

مع مرور الوقت بدأ يتلاشى خوفها عليه، غيابه بات ثقيلاً عليها، ويؤثر على أعصابها، لم تعد تحتمل فكرة خوفها الدائم عليه، ومحاولتها معرفة أخباره حين يغيب لفترات طويلة. كانت تجد له الحجج، رغم غضبها. أحياناً كانت تسمح للشكّ أن يتسلل الى عقلها، وكانت تضع كافة الاحتمالات كي لا تجرح مشاعرها مرة جديدة.

لم تعاتبه يوماً خوفاً من أن يغضب أو أن تضجره أسئلتها، فيرحل. كانت تخشى رحيله ويقلقها غيابه، أما اليوم اعتادت على فكرة عدم وجوده، صارت أقوى، وباتت تعوّد نفسها على استئصاله من حياتها.
لكن، هذه المرة الأمر مختلف، أمهلته بعض الوقت كي يفكّر، توهمّت أنه سيجترع معجزة ما، ظنّت أنه سيتخلى ولو لمرة واحدة عن بروده ولامبالاته. في السابق كان يعجبها أنه لم يكن يكيل لها عبارات الغزل والحب طوال الوقت، اعتبرت أن في ذلك رجولة وأصالة. ظنّت أنه لن يتخلى عنها، وأنه سيُحارب من أجل حبها، لكن صمته الآن لم يعد يُحتمل، بات يُغضبها ويُشعرها بالملل والضيق، كانت تتمنى أن ينطق بكلمة واحدة، أن لا يبقي الأمر معلّقاً على الأقل، لكنه لم يفعل …لم يحرّك ساكناً!

شاركها.