ماهما أشهر رسالتين لإبن زيدون

ماهما أشهر رسالتين لإبن زيدون، هما أشهر رسائل الأدب العربي على الاطلاق، فقد ازدهر الشاعر ابن زيدون في العصر الاندلسي، واستطاع أن يحفر له اسم من ذهب في كتب تاريخ الأدب العربي، اضافة إلى قصة حبه الشهيرة لولادة بنت المستكفي.

ماهما أشهر رسالتين لإبن زيدون

اشتهر الشاعر الأندلسي ابن زيدون بعدد من الرسائل، ولكنه اشتهر برسالتين هما الرسائل الهزلية والرسائل الجدية:

الرسائل الهزلية

وهي عبارة عن رسائل هزلية، والتي أرسلها ابن زيدون على لسان ولادة بنت المستكفي إلى ابن عبدوس، والمعروف عنه أنه ينافسه على حبه لولاده، وقد تميزت هذه الرسالة بالأسلوب التهكمي الساخر، كما احتوت على الكنايات والتشبيهات والاشارات التاريخية، كما تضمنت أيضا العديد من الأبيات الشعرية والأمثال الغريبة، والتي كانت بحاجة إلى التفسير.

ابن زيدون وولادة

نص الرسالة الهزلية لابن زيدون

أما بعد ، أيها المصاب بعقله ، المورط بجهله ، البين سقطه ، الفاحش غلطه ، العاثر في ذيل اغتراره ، الاعمى عن شمس نهاره ،الساقط سقوط الذباب على الشراب ، المتهافت تهافت الفراش في الشهاب ، فان العجب أكبر ، ومعرفة المرء نفسه اصوب ، وانك راسلتني مستهديا من صلتي ما صفرت منه ايدي أمثالك ، متصديا من خلّتي ما قُرعت دونه أنوف أشكالك ، مرسلا خليلتك مرتادة ، مستعملا عشيقتك قوادة ، كاذبا نفسك انك ستنزل عنها الي ، وتخلف بعدها علي

ولست بأول ذي همة ** دعته لما ليس بالنائل

ولا شك أنها قلتك اذ لم تضن بك، وملتك اذ لم تغر عليك ، فإنها اعذرت في السفارة لك ، وما قصرت في النيابة عنك ، زاعمة ان المروءة لفظ انت معناه ، والانسانية اسم انت جسمه وهيولاه ، قاطعة انك انفردت بالجمال ، واستاثرت بالكمال ، واستعليت في مراتب الجلال ، واستوليت على محاسن الخلال ، حتى خلت ان يوسف ـ عليه السلام ـ حاسنك فغضضت منه ، وان امراة العزيز رأتك فسلت عنه ، وأن قارون أصاب بعض ما كنزت ، والنّطِفَ عثر على فضل ما ركزت ، وكسرى حمل غاشيتك ، وقيصر رعى ماشيتك ، والسكندر قتل دارا في طاعتك ، وأردشير جاهد ملوك الطوائف لخروجهم عن جماعتك ، والضحاك استدعى مسالمتك ، وجذيمة الابرش تمنى منادمتك ، وشيرين قد نافست بوران فيك ، وبلقيس غايرت الزباء عليك ، وان مالك بن نويرة انما ردف لك ، وعروة بن جعفر إنما رحل اليك ، وكليب بن ربيعة انما حمى المرعى بعزتك ، وجساسا انما قتله بانفتك ، ومهلهلا انما طلب ثأره بهمتك ، والسموءل انما وفى عن عهدك ، والاحنف انما احتبى في بردك ، وحاتما انما جاد بوفرك ، ولقى الاضياف ببشرك ، وزيد بن مهلهل انما ركب بفخذيك ، والسليك ابن السلكه انما عدا على رجليك ، وعامر بن مالك انما لاعب الاسنة بيديك ، وقيس بن زهير انما استعان بدهائك ، واياس بن معاوية انمآستضاء بمصباح ذكائك ، وسحبان انما تكلم بلسانك ، وعمرو بن الاهتم انما سحر ببيانك ، وان الصلح بين بكر وتغلب تم برسالتك ، والحمالات بين عبس وذبيان اسندت الى كفالتك ، وان احتال هرم بن سنان لعلقمة وعامر حتى رضيا كان عن اشارتك، وجوابه لعمر ـ وقد سأله عن ايهما كان ينفر ـ وقع عن ارادتك ، وان الحجاج تقلد ولاية العراق بجدك ، وقتيبة فتح ما وراء النهر بسعدك ، والمهلب اوهن شوكة الازارقة بأيدك ، وفرق ذات بينهم بكيدك ، وأن هرمس اعطي بلينوس ما اخذ منك ، وافلاطون اورد على ارسطاطاليس ما نقل عنك ، وبطليموس سوى الاسطرلاب بتدبيرك ، وصور الكرة على تقديرك ، وبقراط علم العلل والمراض بلط حسك ، وجالينوس عرف طبائع الحشائش بدقة حدسك ، وكلاهما قلدك في العلاج ، وسألك عن المزاج ، واستوصفك تركيب الاعضاء ، واستشارك في الداء والدواء ، وانك نهجت لابي معشر طريق القضاء ، وأظهرت جابربن حيان على سر الكيمياء ، وأعطيت النظّام أصلا أدرك به الحقائق ، وجعلت للكندي رسما استخرج به الدقائق ، وإن صناعة الالحان اختراعك ، وتاليف الاوتار والانقار توليدك وابتداعك ، وان عبدالحميد بن يحيى بارى اقلامك ، وسهل بن هارون مدون كلامك ، وعمرو بن بحر مستمليك ، ومالك بن انس مستفتيك ، وانك للذي أقام البراهين ، ووضع القوانين ، وحد الماهية ، وبين الكيفية والكمية ، وناظر في الجوهر والعَرَض ، وميز الصحة من المرض ، وفك المعمّى ، وفصل بين الأسم والمسمى ، وصرف وقسم ، وعدل وقوّم ، وصف الاسماء والافعال ، وبوب الظرف والحال ، وبنى وأعرب ، ونفى وتعجب ، ووصل وقطع ، وثنى وجمع ،وأظهر وأضمر ، واستفهم وأخبر ، وأهمل وقيد ، وأرسل وأسند ، وبحث ونظر ، وتصفح الاديان ، ورجّح بين مذهبي ماني وغيلان ، وأشار بذبح الجعد ، وقتل بشار بن برد ، وأنك لو شأت خرقت العادات ، وخالفت المعهودات ، فأحلت البحار عذبة ، وأعدت السّلام رطبة ، ونقلت غدا فصار امسا ، وزدت في العناصر فكانت خمسا ، وأنك المقول فيه :

((كلّ الصيد في جوف الفرا)) .

و : ليس على الله بمستنكرِ أن يجمع العالم في واحد

والمعنيّ بقول ابي تمام :

فلو صورت نفسك لم تزدها ** على ما فيك من كرم الطباعِ

والمراد بقول ابي الطيب :

ذكر الأنام لنا فكان قصيدة ** كنت البديع الفرد من أبياتها

فكدمت في غير مكدم ، واستسمنت ذا ورم ، ونفخت في غير ضرم ، ولم تجد لرمح مهزا ، ولا لشفرة محزا ،

بل رضيت من الغنيمة بالأياب ، وتمنت الرجوع بخفي حنين ، لأني قلت :

* لقد هان من بالت عليه الثعالب *

وأنشدت :

على أنها الايام قد صرن كلها ** عجائب ، حتى ليس فيها عجائب

ونخرت وكفرت ، وعبست وبسرت ، وأبدأت وأعدت ، وأبرقتُ وأرعدت .

و :

* هممت ولم أفعل وكدت وليتني*

ولولا ان للجوار ذمة ، وللضيافة حرمة ، لكان الجواب في قذال الدّمُستقِ ، والنعل حاضرة ، ان عادت العقرب ،والعقوبة ممكنة ان أصر المذنب .وهبها لم تلاحظك بعين كليلة عن عيوبك ، ملؤها حبيبها ، حسنٌ فيها من تود ، وكانت انما حلّتك بحُلاك ، ووسمتك بسيماك ، ولم تعرك شهادة ، ولا تكلفت لك زيادة ، بل صدقت سن بكرها فيما ذكرتهُ عنكَ ، ووضعتِ الهِناءَ مواضع النقبِ بما نسَبتهُ اليك ، ولم تكن كاذبةً فيما أثنت به عليك ، فالمعيدي تسمع به خير من ان تراه .

هجين القذال ، ارعن السبال ، طويل العنق والعلاوةِ ، مُفرط الحمق والغباوة ، جافي الطبع ، سيئ الاجابة والسمع ، بغيض الهيئة ، سخيف الذهاب والجيئة ، ظاهر الوسواس ، منتن الانفاس ، كثير المعايب ، مشهور المثالب ، كلامكَ تمتمة ، وحديثُك غمغمة ، وبينك فهفهة ، وضحكك قهقهة ، ومشيُك هرولة ، وغناك مسألة ، ودينُك زندقة ، وعلمُك مخرقةمَساوٍ لو قسمن على الغواني لما أمهرن الا بالطلاق حتى ان باقلا موصوفٌ بالبلاغة اذا قرن بك ، وهبنّقة مستحق لاسم العقل اذا اضيف اليك ، وطويسا مأثور عن يمن الطائر اذا قيس عليك ، فوجودك عدم ، والاغتباط بك ندم ، والخيبة منك ظفر ، والجنة معك سقر .

كيف رأيت لؤمك لكرمي كِفاء ، وَضِعَتُكَ لشرفي وفاء ، واني جهلت ان الاشياء انما تنجذب الى أشكالها ، والطير إنما تقع على الافها ، وهلا علمت ان الشرق والغرب لا يجتمعان ، و شعرت ان المؤمن والكافر لا يتقاربان ، وقلت : الخبيث والطيب لا يستويان ، وتمثلت :

ايها المنكح الثريا سهيلا ** عمرك الله كيف يلتقيان

وذكتَ اني عِلقٌ لا يباع فيمن زاد ، وطائرٌ لا يصيده من اراد ، وغرض لا يصيبه الا من اجاد ، ما احسبك الا كنت قد تهيأت للتهنئة ، وترشحت للترفئة ، ولولا ان جرح العجماء جبار ، للقيت من الكواعب ما لاقى يسار،فما هم الا بدون ما هممت به ، ولا تعرض الا لايسر ما تعرضت .

اين ادعاؤكك رواية الاشعار ، وتعاطيك حفظ السير والاخبار ، اما ثاب لك قول الشاعر :

بنو دارم اكفاؤهم ال مسمع وتنكح في اكفائها الحبطاتُ وهلا عشّيت ولم تغتر! وما اشك انك تكون وافد البراجم ، أو ترجع بصحبة المتلمس ، او افعل بك ما فعله عقيل بن علفة بالجهني حين اتاه خاطبا ، فدهن استه بزيت ، وأدناه من قرية النمل .ومتى كثر تلاقينا ، واتصل ترائينا ، فدعوني اليك ما دعا ابنة الخس الى عبدها من طول السواد ، وقرب الوساد !

وهل فقَدتُ الاراقم فانكح في جنبٍ ، او عَضَلَني همام بن مرة فاقول : زوج من عود ، خير من قعود !

ولعمري لو بلغت هذا المبلغ ، لارتفعت ، عن هذه الحِطة ، ولا رضيت بهذه الخطة ، فالنار ولا العار ،

والمنية ولا الدنية ، والحرة تجوع ولا تاكل بثدييها فكيف وفي ابناء قومي منكح وفتيان هِزّان الطوال الغرانقة ما كنت لاتخطى المسك الى الرماد ، ولا امتطي الثور بعد الجواد ، فانما يتيمم من لم يجد ماء ، ويرعى الهشيمَ ، من عدِمَ الجميم ، ويركب الصعب من لا ذلول له ، ولعلك انما غرك من علمت صبوتي اليه ،

وشَهِدت مساعفتي له ، من أقمار العصر ، وريحان المصر ، اللذين همُ الكواكب عُلُوّ هممٍ ، والرياضُ طيب شيم من تلقى منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري فحن قدح ليس منها ، ما انت وهم ؟ واين تقع منهم ؟ وهل انت الا واو عمرو فيهم ، وكالوشيظة في العظم بينهم !

وان كنت إنما بلغت قعر تابوتك ، وتجافيت عن بعض قوتك ، وعطرت اردانك ، وجررت هميانك ، واختلت في مشيتك ، وحذفت فضول لحيتك ، واصلحت شاربك ، ومططت حاجبك ، ورفعت خط عذارك ، واستانفت عقد ازارك ، رجاء الاكتنان فيهم ، وطمعا في الاعتداد منهم ، فظننت عجزا ، واخطات استك الحفرة .

والله لو كساك محرق البردين ، وحلّتك مارية بالقرطين ، وقلدك عمرو الصمصامة ، وحملك الحارث على النعامة ، ما شككت فيك ، ولا سترت اباك ، ولا كنتَ الا ذاك .

وهبك ساميتهم في ذروة المجد والحسب ، وجاريتهم في غاية الظرف والادب ، اليس تأوي الى بيت قعيدته لكاع ، اذا كلهم عزب خالي الذراع !

واين من انفرد به ممن لا اغلب الا على الاقل الاخس منه ! وكم بين من يعتمدني بالقوة الظاهرة ، والشهوة الوافرة ، والنفس المصروفة الي ، واللذة الموقوفة علي ، وبين اخر قد نضب غديره ، ونزحت بيره ، وذهب نشاطه ، ولم يبقى الا ضراطه !

وهل يجتمع لي فيك الا الحشف وسوء الكيلة ، ويقترن علي فيك بك الا الغدة والموت في بيت سلولية !

تعالى الله يا سلم بن عمرو أذل الحرص اعناق الرجال ما كان اخلفك بان تقدر بذراعك ، وتربع علي ضلعك ، ولاتكن براقش الدالة على اهلها ، وعنز السوء المستثيرة لحتفها ، فما اراك الا سقط العشاء بك على سرحان ، وبك لا بظبي أعفر ، أعذرت ان اغنيت شيا ، وأسمعت لو ناديت حيا

إن العصا قرعت لذي الحلم ** والشيئ تحقره وقد ينمي

وإن بادرت بالندامة ، ورجعت على نفسك بالملامة ، كنت قد اشتريت العافية لك بالعافية منك ، وان قلت :

(( جعجعة بلا طحن ))، و ((رب صلف تحت الراعدة ))، وانشدت :

لا يؤيسنك من مخدرة ** قول تغلظه وان جرحا فعدت لما نهيت عنه ، وراجعت ما استعفيت منه ، بعث من يزعجك الى الخضراء دفعا ، ويستحثك نحوها وكزا وصفعا .

فاذا صرت اليها عبث أكاروها بك ، وتسلط نواطيرها عليك ، فمن قرعة معوجة تقوم في قفاك ،

ومن فجلة منتنة يرمى بها تحت خصاك ، ذلك بما قدمت يداك ، لتذوق وبال امرك ، وترى ميزان قدرك

فمن جهلت نفسه قدره ** راى غيره منه ما لا يرى.

الرسالة الجدية

وهي الرسالة التي كتبها ابن زيدون في آخر أيامه، حيث استخدم أسلوب الرحمة، وقد تميزت هذه الرسالة باحتوائها على الكثير من الاحداث التاريخية والاقتباسات، وقد كتبها أثناء سجنه في قرطبة، يستعطف فيها بن جهور ولي العهد، حتى يستشفع له عند والده أبي الحزم ليطلق سراحه.

أما عن سبب تسميتها بالجدلية فهي للتفريق بينها وبين الرسالة الهزلية.

ادب المراسلات ابن زيدون

نص الرسالة الجدية لابن زيدون

يامولايَ وسيّدي ، الّذي ودادي له ، ومَنْ أبقاه الله تعالى ماضِيَ حدّ العزم ، واري زَند الاملِ ، ثابتَ عهدِ النّعمه ،

أظمأتني إلى برودِ إسعافكَ ، ونفضتَ بي كفَّ ِحياطَتك ، وغضضتَ عني طرفَ حمايتك ، بعدَ أن نظر الأعمى إلى تأميلي لكَ ، وسَمِعَ الأصمُّ ثنائي عليك ، وأحسّ الجماد بإستنادي إليكَ ، فلا غرو : قد يغصُّ بالماءِ شاربهُ ، ويقتلُ الدواء المستشفيَ به ، وُيؤتى الحذرُ من مأمنه ، وتكونَ منيّةُ المُتمني في أمنيتهِ والحين قد يسبقُ جَهدَ الحريصِ :

 

كل المصائبِ قد تمرُّ على الفتى **وتهونُ غير شماتـةِ الحُسّـاد ِ

 

وإنّي لأتجلدُ ، وأُرِي الشامتينَ أنّي لريبِ الدَّهرِ لا أتضعضعُ ، فأقول :

هل أنا إلا يد أدماها سُوارُها ، وجبينٌ عضَّ به إكليلهُ ، ومشرفيٌٌ ألصقهُ بالأرضِ صاقِلهُ ، وسمهريٌّ عَرَضَه على النُار مثقفُه ، وعبد ٌ ذهب به سيده مذهب الذي يقول :

فَقَسَا ليزدجروا ومن يك حازماً** ًفليقسُ أحيانا ً على من يرحـم ُ

هذا العتبٌ محمود ٌعواقبه ، وهذهِ النّبوةُ غمرةٌ ثم تنجلي ، وهذه النكبةُ سحابةُ صيف ٍ عن قريبٍ تُقشّع ، ولن يريبني من سيّدي أن أبطأ سَحَابُه ، أو تأخر ـ غير ضنين ـ غَناؤه ، فأبطأُ الدلاءِ فيضا ً أملؤُها ، وأثقل السحائبِ مشيا ً أحفلُها ، وأنفع الحيا ماصادف جدبا ، وألذُّ الشَّرابِ ما أصابَ غليلا ، ومع اليوم غد ٌ ، ولكل أجل ٍ كتاب ، له الحمد على اغتِنَامِهِ ولا عتب عليه في إغفاله .

فإن يكنِ الفعلُ الذي ساءَ واحدا ** ًفأفعالهُ اللاتي سَرَرنَ ألـوف

وأعود فأقول :

 

ماهذا الذنبُ الذي لم يسعه عفوكَ ؟ والجهلُ الذي لم يأتِ من ورائهِ حلمك ؟ والتطاول الذي لم يستغرقهُ تَطَوُّلك َ؟ والتحامل الذي لم يفِ به أحتمالك ؟ ولا أخلو مِن أنْ أكونَ بريئا ً ، فأين العدلُ؟ أو مسيئاً ، فأين الفضلُ ؟

 

إلا يكن ذنب ٌ فعدلـك واسـع ُ**أو كان لي ذنب ٌ ففضلك أوسع ُ

 

حنانيكَ ، قد بلغَ السيلُ الزُّبى ، ونالني ماحسبي به وكفى ، وما أراني إلا لوأنّي أمرتُ بالسجود لآدم فأبيتُ وأستكبرت ُ، وقال لي نوح ٌ (أركب معنا ) فقلت سآوي إلى جبل ٍ يعصمني من الماء ، وأمرتُ ببناء الصرحِ لعليَّ أطلع إلى إلهِ موسى ، واعتديتُ في السبتِ ، وتعاطيتُ فعقرت ، وشربت من ماء النهرِ الذي ابتليَ به جنود طالوت ، وقدتُ الفيلَ لإبرهه َ، وعاهدتُ قريشا ً على مافي الصحيفهِ ، وتأولتُ في بيعة العقبةِ ، ونفرتُ إلى العير ببدر ، وأنخذلت بثلث الناسِ يومَ أحد ،وتخلفتُ عن صلاةِ العصرِ في بني قريضه ، وأنفتُ من إمارة أسامهَ ، وزعمتُ أن بيعة أبي بكر ٍ كانت فلته،ًورجَمتُ الكعبة، وصلبتُ العائذَ بها على الثّنية ، لكان فيما جَرَى على مايُحتمل أنْ يُسمى نَكالاً ، ويُدعى ولو على المجازِ عِقاباً :

 

وحَسبُكَ مِن حادِثٍ بامريءٍ ** تَرَى حَاسِدِيهِ لهُ راحمينا

 

فكيف ولا ذنب إلا نميمة ٌ أهداها كاشح ، ونبأ ٌ جاء به فاسق ؟

وهم الهمازون المشاءؤن بنميم ، الواشون الذين لا يلبثون أن يصدعوا العَصَا ،والغُواةُ الذين لا يتركون أديما ً صحيحا ً والُّسعاةُ الذين ذكرهم الأحنفُ بن قيس ، فقال : ماظنكَ بقوم ٍ الصدقُ محمود ٌ إلا منهم

 

حلفتُ فلم أتركُ لنفسك ريبةً وليس وراءَ الله ِ للمرءِ مذهب ُ

والله ما غششتُكَ بعد النَصيحةِ ، ولاانحرفتُ عنكِ بعد الصّاغية ، ولانصبتُ لكَ بعد التّشيّع فيك ، ولا أزمعتُ بأساً مِنكَ مع ضمانٍ تكفلت به

 

الثّقةٌ عنك ، وعهدٍ أخذهُ حُسنَ الظّنِ عليك ، ففيما عَبِثَ الجَفاءَ بأذمّتي ، وعاثَ العقوقَ في مودتي ؟ وتمكّن الضياعُ مِنْ وسائلي ، ولمّا ضاقت

 

مذاهبي ، وأكدتُ مطالبي ، وعلامَ رضيتُ مِنْ المركبِ بالتعليقِ ؟ بل من الغنيمة بالإياب . وأنّي غلبني المغلبِ وفخرَ عليّ العاجزُ الضعيف

 

ولطمتني غيرُ ذاتِ سُوار ؟ ومالكَ لاتمنعُ منّي قبلَ أنْ أُفتَرَس ، وتُدركني ولمّا أُمزّق ؟ أم كيفَ لاتتضرّمُ جَوانحُ الأكفَاءُ حَسَدَاً لي على

 

الخصُوصِ بك ؟ وتتقطّع أنفاس النّظراءِ منافسةً في الكرامةِ عليك فكيف ؟ وقد زانني رَسمُ خِدمتكَ ، وزاهني وَسمُ نِعمتكَ ، وأبليتُ البلاء

 

الجميلِ في سِماطِكَ ، وقمتُ المقام المحمود عن بِساطك :

 

الستُ المُواليَ فيكَ غُرَّ قصائدٍ

 

هي الأنجمُ اقتادت مع الليلِ أنجما

 

ثناءٌ يُظَنُّ الرّوضَ منه منورا

 

ضُحى ويُخالُ الوشيُ فيه منمنما

 

وهل لَبِسَ الصباح إلا بُرداَ طرزته بفضائلك ! وتقلّدت الجوزاءُ إلا عِقداً فصّلتهُ بمآثرك ؟ واستلّ الربيع إلا ثناءً ملأتهُ من محاسنك ، وبثّ

 

المِسكَ إلا حديثاً أذعتُه في محامدك ؟ ومايومُ حليمةَ بِسر ، وإن كنتُ لم أكْسُكَ سليباً ، ولا حليتُكَ عُطْلاَ ، ولا وسمتُكَ غُفْلا ، بل وجدتُ آجُرًّا

 

وجِصّا فبنيتُ ومكان القولُ دا سِعةٍ فقلتُ : وحاشا لله أن أُعدُّ من العاملة النّاصبة ، وأكون كالذّبالةِ المنصوبةِ تُضيءُ للنّاس وهي تحترق ، فلكَ

 

المَثَلُ الأعلى ، وهو بك أولى .

من هو ابن زيدون ؟

الشاعر ابن زيدون هو واحد من أهم الشعراء العرب، فهو أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن غالب بن زيد المخزومي، والذي ولد في عام 394هـ – 1003م في مدينة قرطبة، وقد تعلم تلاوة القرآن والشعر والأدب، عندما بلغ الحادية عشر من عمره.

كان لابن زيدون مكانة كبيرة بين الشعراء في العصر الأندلسي، لما يمتلكه من موهبة شعرية عميقة، كما أنه كون عدة صداقات مهمة مثل صداقته مع أبي الوليد ابن جهور وهو ولي العهد، الذي كان له الفضل في اختيار ابن زيدون ليشغل منصب الوزارة، مما حقق له شعبية كبيرة، وعلى الرغم من ذلك فلن يترك الشعر، بل زاد اهتمامه به وألف العديد من القصائد، من أشهرها قصيدة رثاء مدينة الزهراء.

وقد توفي ابن زيدون في عام 463هـ – 1071م بعد تناوله لمادة سامة، وقد كان وقتها في مدينة اشبيلية، وسبب وجوده هناك هو انهاء الخلافات الناشبة هناك، حيث أرسله المعتمد، وقد تم دفنه في مسقط رأسه مدينة قرطبة.

زر الذهاب إلى الأعلى