ما هو الرجع

القرآن الكريم كلام الله الباقي بين الناس الى قيام الساعة ، وهو حبل الله المتين من تمسك به نجى ومن أعرض عنه هلك ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، وَهُوَ الْفَصْلُ لَيْسَ بِالْهَزْلِ ” .

والقرآن هو حجة الله سبحانه وتعالى على خلقه ، فلا عذر لمن ضل من العباد في عدم معرفة مراد الله منه ومن الناس ، وقد أيد الله سبحانه وتعالى القرآن باعجازه البلاغي واللغوي الذي حارت العرب في الإتيان بسورة من مثله ، ومن أوجه الاعجاز في القرآن الكريم الاعجاز العلمي ، فقد أخبر الله تعالى ذكره في كتابه الكريم عن أمور وقضايا علمية لم يعرفها العلم الحديث الا في العصور الاخيرة ، فكان هذا من أكبر البراهين على صدق الرسول فيما جاء به من ربه سبحانه وتعالى . ومن الاعجاز العلمي في القرآن كلمة الرجع التي وردت في سورة الطارق ، وسنتعرف في السطور القادمة عن معنى الرجع وعن أوجه الاعجاز العلمي بها وتدليلها على صحة وصدق الرسول الكريم .

 

رجع السماء للامطار

سورة الطارق

هي سورة مدنية من قصار السور التي أنزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة ووردت كلمة الرجع في سورة الطارق قال الله تعالى ذكره وتقدست أسماؤه “وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ * فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا ” .

أقوال المفسرين في كلمة الرجع

  • قال الامام الراغب: “الرجوع: العود إلى ما كان منه البدء، أو تقدير البدء مكاناً أو فعلاً أو قولاً، وبذاته كان رجوعه أو بجزء من أجزائه أو بفعل من أفعاله، فالرجوع العود، والرجع الإعادة، وقوله:﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ أي المطر، وسمي رجعاً لردِّ الهواء ما تناوله من الماء، وسمي الغدير رجعاً إما لتسميته بالمطر الذي فيه، وإما لتراجع أمواجه وتردده في مكانه، والارتجاع الاسترداد”.
  •  وقال  الزبيدي : “قيل: ذاتُ الرَّجْع أَي ذاتُ النَّفْع، يُقال: ليس لي من فُلانٍ رَجْعٌ أَي نَفعٌ وفائدةٌ، وتَقولُ: ما هو إلاّ سَجْعٌ ليس تحتَه رَجْعٌ، قال الكِسائيُّ في قولِه تعالى: ﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ﴾أَرادَ بالرَّجْع مَمْسَك الماءِ ومَحبِسَه، والجَمْعُ رُجْعانٌ ” .
  • قال ابن الجوزي: “قوله تعالى: ﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ أي ذات المطر، وسمي المطر رجعاً لأنه يجيء ويرجع ويتكرر ” .
  • وقال الامام الماوردي: “﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الرَّجْعِ﴾ فيه أربعة أقاويل: أحدها: ذات المطر؛ لأنه يرجع في كل عام، قاله ابن عباس.
  • الثاني: ذات السحاب؛ لأنه يرجع بالمطر.
  • الثالث: ذات الرجوع إلى ما كانت، قاله عكرمة.
  • الرابع: ذات النجوم الراجعة، قاله ابن زيد.
  • خامساً: ذات الملائكة لرجوعهم إليها بأعمال العباد .
  • إذن فمعنى الرجع هو الشئ الذي يرجع ويتكرر والسماء ذات الرجع أي السماء التي تقوم بارجاع واعادة ما يسقط عليها الى أصله أو الى خارج السماء  .

الإعجاز العلمي الحديث في معني الرجع

السماء هي كل ما علاك ، فسقف البيت بالنسبة لي هو سماء ، واذا أطلقت السماء بلا تقييد فانها تعني السماء الدنيا التي تعلو الكرة الأرضية ،وقد كشفت الدراسات الحديثة الكثير من صور الرجع والعودة تحت سقف السماء منها على سبيل المثال :

الرجع الحراري للأرض

كل شروق شمس صباح كل يوم يصل الأرض كميات هائلة من أشعة الشمس ، ويعمل الغلاف الجوي للأرض كدرع يحمي الارض من آثار هذه الكميات الكبيرة من الأشعة الحارقة ، فيمتص الخلاف الجوي القدر الذي تحتاجه الحياة على الارض ويقوم بعكس وارجاع الباقي من الاشعة الى الفضاء الخارجي ، حيث أن أكثر من 53% من اشعة الشمس يقوم الغلاف الجوي بعكسها وارجاعها الى الفضاء ، و47% من الأشعة هي ما تمتصه الارض ويصل الى سطحها فيعمل على تبخير الماء من المحيطات وتكوين السحب والامطار .

رجع طبقة الأوزون للأشعة الكونية الضارة

 

الاوزون

أشعة الشمس تحتوي على أشعة فوق بنفسجية ضارة لكل مظاهر الحياة على الارض ، فتقوم طبقة الأوزون وهي إحدى طبقات الغلاف الجوي بعكس هذه الأشعة وارجاعها الى الفضاء الخارجي مرة اخرى ، فتحمي الحياة على سطح الأرض من الضرر والهلاك فيتحقق قول الله سبحانه وتعالى ” والسماء ذات الرجع ” .

رجع الموجات الراديوية

أشعة الشمس تحتوي فيما تحتوي على موجات راديوية كونية قاتلة وضارة للحياة على الارض ، فيعمل الغلاف الجوي الخارجي على عكس هذه الموجات وارجاعها الى الفضاء ومنع وصولها الى الأرض ، كما أن طبقات الغلاف الجوي القريبة من سطح الأرض تعمل على إعادة بث موجات الراديو والاشارات اللاسلكية التي تطلقها محطات الاذاعة والتلفزيون في كل انحاء العالم واعادة ارسالها الى الارض فيحصل البث الاذاعي والاتصالات التليفونية والتي لولا أن السماء هي ذات رجع لما كان بث اذاعي أو تلفزيوني أو اتصالات تليفونية .

الرجع المائي للمطر

تمثل المياه معظم مساحة الكرة الارضية ، والتي بسبب المياه العذبة ظهرت الحياة على سطح الارض ، وتكونت هذه المياه العذبة من ثورات البراكين العنيفة في بداية تشكل الأرض فخرجت كميات هائلة من بخار الماء مع ثورات البراكين وتكثف هذا البخار في طبقات الجو العليا حيث تنخفض درجات الحرارة وكون السحب الهائلة التي غطت كوكب الأرض ، ثم سقطت الامطار لمئات السنين بشكل متواصل مكونة الأنهار والبحيرات العذبة والمياه الجوفيه

وتستمر الى الان هذه الدورة فتقوم أشعة الشمس يومياً بتبخير كميات هائلة من مياه المحيطات والبحار مكونة السحب في طبقات الجو الدنيا ثم ترجع هذه الأبخرة في هيئة مطر ينزل على الارض مكوناً الانهار والمياه الجوفيه والبحيرات العذبة فتنمو النباتات وتستمر الحياة ، ولولا صفة السماء التي تقوم برجع البخار الى الارض لما استمرت الحياة ولهلكت مظاهر الحياة .

الرجع الصوتي الاهتزازي

يتكون الغلاف الجوي للأرض من خليط من الغازات المختلفة بنسب دقيقة حيث يمثل الاكسجين حوالي 22 % من الغلاف الجوي ، ويمثل النيتروجين حوالي 77% من الغلاف الغازي للأرض والنسبة الباقية القليلة موزعة بين هيليوم وثاني أكسيد الكربون وبخار ، وهذه التوزيعة الدقيقة للغلاف الغازي للأرض هي من يساعد في سماع الاصوات ، حيث أن التوازن الدقيق بين هذه النسب يمثل الكثافة الملائمة للصوت للانتقال بين طبقات الغلاف في شكل موجات تخرج من حنجرة الانسان فيسمعها الانسان الاخر كما تنتقل أصوات سائر الكائنات والحوادث التي تحيط بالانسان ، فلو اختلفت مكونات الغلاف الغازي وزادت نسبة غاز عن غاز آخر لما أمكن للصوت من الانتقال من مكان الى مكان ولأصبحت الارض ومن عليها صماء لا تسمع شيئاً ، ولكن حكمة الله اقتضت هذه النسب الدقيقة لتقوم السماء والغلاف الجوي برجع الصوت الى الأرض واعادته فى الطبقات الجوية فتسهل الحياة وتستمر .

 

رجع السماء لبخار الماء

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى