مقدمة بقلم الأستاذ

محب الدين الخطيب

صلى الله وسلم على سيدنا محمد رسول الله إلى الخلق، برسالة الخير والحق، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بحمل أعباء رسالته إلى يوم الدين.

وبعد : فإن الأخوة التي عقدها الإسلام بين أهله من أعظم ينابيع القوة للحق وأوليائه . والخطوات الأولي لتحقيق هذه الأخوة التعارف ثم التعاون.

وقد كان قابوس الاستعمار – الذي جثم به طغيان الغرب على صدر المشرق مدة غفلته عن مصادر قوته – قد قام الحدود والسدود والقيود ليحول بين المسلمين وبين أن يتعارفوا، فيتمكنوا من تجديد أواصر الأخوة الإسلامية بينهم.

فلما أراد الله بالمسلمين خير، وكان سبيل المسلمين إلى أن يزيلوا ذلك الكابوس عن صدورهم بتجديد قواهم أطول من أن يصبروا إلى أن يبلغوا نهاياته، فقد يسر سبحانه لهم طريقاً آخر أقصر ، وهو أن يجعل بأس المستعمرين بينهم ، فيحقق زوال ذلك الكابوس بإضعاف الطغاة الذين تحكموا في الأرض ، وسلبوا أهلها حريتهم وإنسانيتهم .

وإن الحربين العالميتين الأولى والثانية قد شلت كل منهما من قوى الغرب ما مهد الله به السبيل إلى قيام دولتين إسلاميتين عظيمتين في الشرق الإسلامي، وهما دولة باكستان ودولة اندونيسية ، كما أقام للعروبة في مهدها وفي أوطانها حكومات لم تكن من قبل . وإذا أحسن المسلمون شكرهم لله على هذه النعمة بحسن استعمالها ، وإذا قام فيهم العاملون على إرجاع شعوب الإسلام إلى ربها ، بعد أن نسيت مكانها منه ، يوشك أن يعود إلى الشرق الإسلامي ما فقده من قوته وحيويته وعظمته ، وطاعته لله بإقامة الحق والنهوض من مزالق الباطل .

ومن أعلام الشرق الإسلامي الذين جعلهم الله في عصرنا من ورثة الأنبياء في مهمتهم ، والعمل برسالتهم ، علامة مسلمي الهند ، وشيخ علمائها ، مولانا (السيد سليمان الندوي) بارك الله للمسلمين في حياته ، ووفقهم للانتفاع بعلمه.

وقد رأى وفد الإخوان المسلمين الذي شهد مؤتمر الشعوب الإسلامية في كراتشي في شهر شعبان من العام الماضي : أن من وسائل توثيق الأخوة الإسلامية وتحقيق التعارف الإسلامي والتعاون بين المسلمين على الخير ، أن تلقح ألباب الشباب في كل أمة إسلامية بعلوم الأئمة الأعلام في الأمم الشقيقة الأخرى ، لتتحطم بذلك تلك الحدود والسدود والقيود ، ويتتلمذ الشباب الإسلامي كله على اختلاف أوطانه وأممه ، لأئمة المسلمين كلهم على اختلاف أوطانهم وأممهم.

وبدافع من هذه العقيدة التمس وفد الإخوان المسلمين في ذلك المؤتمر من أستاذنا العلامة السيد سليمان الندوي أن يأذن له بنشر ما يختاره من مؤلفاته بين الناطقين بالضاد من شباب المسلمين ، فاستجاب حفظه الله لهذه الرغبة ، وقدم له هذا الكتاب النفيس ، الذي يمتاز على كل ما نشر بالعربية من الكتب العصرية في السيرة المحمدية بما تعرض له من مقارنات وملاحظات وتوجيهات قد نبخسها حقها إذا حاولنا التعريف بها في هذه المقدمة ، فتترك ذلك للقارئ ، فإنه سيجد من هذا الخير أضعاف ما نستطيع الإشارة إليه هنا لو أردنا ذلك.

وهذه البحوث التي استعرضها السيد سليمان الندوي في هذا الكتاب ألقاها في ثماني محاضرات على جماهير من شباب المسلمين والطلبة الجامعيين منهم ومن غيرهم . وكان سبب إلقائها : أن جامعة (مدراس) كانت أباحت لبعض أحبار المسيحية من الأمريكيين وغيرهم إلقاء محاضرات في البحوث التي وقفوا حياتهم عليها ، فأراد بعض مسلمي مدارس أن يساهم المسلمون أيضاً في مثل هذا  من الناحية التي يؤمنون بها ، ويرجون تعميم خيرها ؛ فدعوا أستاذنا لإلقاء هذه المحاضرات ، وكان لها وقع عظيم في النفوس .

 

والسيد سليمان الندوي مع سعة علمه ، ومشاركته في أهم المعارف البشرية ، ومعرفته بلغات متعددة ، ومنها العربية ، فإنه معدود من أئمة البلاغة باللغة الأوردية التي هي (من أوسع اللغات نطاقاً ، وأوفرها ثروة ، وأعذبها بياناً وأقربها إلى العربية صوتاً وخطاً ، وهي تسامي أرقي اللغات العالمية) كما يقول الأستاذ الفاضل محمد ناظم الندوي رئيس الجامعة العباسية ، ومترجم هذه المحاضرات النفسية بالعربية.

ونحن بتقديمنا هذا الكتاب من مؤلفات كبير علماء مسلمي الهند إلى قراء العربية من مسلمي مصر وغيرهم ، نحاول أن نساهم في تحقيق أخوة الإسلام التي أرادها الله للمسلمين ، وذلك بأن يتذوق شبابنا حلاوة الحكمة من لسان هذا العلامة الحكيم ، وأن ينتقل قارئنا بروحه إلى المجمع المبارك الذي ألقى فيه السيد سليمان الندوي هذه المحاضرات، فيتصور أنه كان من شهود إلقائها ، وأنخ يستمع إلى ما جاء فيها من حقائق ، كأنه صادر من صوت هذا الإمام الجليل ، ليكون لنا كما هو لإخواننا مسلمي القارة الهندية ، ونكون نحن معهم ، لأن الله ربط بيننا وبينهم آصرة الأخوة بالرسالة المحمدية ، رسالة الإنسانية العليا ,

ومن الله نستمد العون

دار الفتح

بجزيرة الروضة القاهرة                              محب الدين الخطيب

12 ربيع الأول 1372هـ

شاركها.