مكانة المرأة في الإسلام

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
فإن الحديث عن المرأة وحقوقها من المهمات العظيمة والمسئوليات الجسيمة التي يجب أن يضطلع بها جماعة من المسلمين، ويتفرغ لها بعض طلبة العلم النابهين؛ لأن تناول حقوق المرأة صار شعاراً للمبطلين، ومن يرومون الطعن في الدين، وعقدت باسم المرأة مؤتمرات، وصدرت توصيات، وضاع أمر الله تعالى بين جاهل به وعدو له ومحرف للكلم عن مواضعه {ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه}[1] وصار المرء يسمع من كل منافق عليم اللسان حديثاً عن المرأة وحقوقها وواقعها، وربما يلجأ بعضهم إلى أن يفسر القرآن بهواه، أو ينسب ـ تحت ضغط الواقع ـ إلى السنة ما ليس منها، حتى قال بعضهم: إن شهادة المرأة كشهادة الرجل بل خير منه، وإن من حق المرأة أن تؤم الرجال في الصلاة المفروضة فضلاً عن المسنونة، وإن الواجب إعادة النظر في قسمة الميراث باعتبار أن المرأة ما عادت عالة على الرجل بل هي عاملة منتجة، وسمعنا من ينكر الحجاب أو يقول: إن المراد به تغطية الرأس وأعلى الصدر.. إلى غير ذلك من الترهات والأباطيل. وقد علم هؤلاء أن الحديث بمثل هذه الشنشنة طريق قصير إلى نيل رضا المنظمات الدولية والنظام العالمي الجديد، وسرعان ما ينال بعضهم لقب المفكر الإسلامي، أو المجتهد أو المجدد 
ألقاب مملكة في غير موضعها   كالهر يحكي انتفاخاً صولة الأسد
وكما قيل: ليس أضنى لفؤادي من عجوز يتصابى، وعليم يتغابى، وجهول يملأ الأرض سؤالاً وجوابا!! إن الشبهات التي يطرحها غير المسلمين لا بد لها من جواب، والواقع المر الذي تعيشه المرأة المسلمة لا بد له من علاج، كما أن عرض رسالة الإسلام السمحة ونظمه العادلة على من جهلها مطلب شرعي ملح في زمان كثر فيه المتحدثون باسم الدين )ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة([2]
مقدمة عقدية
إن الحديث عن موضوع كهذا لا بد من التقديم قبله بكلام مهم ينبغي أن يعيه كل مسلم، خلاصته أن منهج المسلم ـ رجلاً كان أو امرأة ـ هو تلقي أحكام الله تعالى بالتسليم والرضا )فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما([3] يقول الشيخ السعدي رحمه الله تعالى: أقسم تعالى بنفسه الكريمة أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله فيما شجر بينهم، أي في كل شيء يحصل فيه اختلاف، بخلاف مسائل الإجماع، فإنها لا تكون إلا مستندة للكتاب والسنة، ثم لا يكفي هذا التحكيم حتى ينتفي الحرج من قلوبهم والضيق، وكونهم يحكمونه على وجه الإغماض، لا يكفي حتى يسلموا لحكمه تسليمًا بانشراح صدر، وطمأنينة نفس، وانقياد بالظاهر والباطن. فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان. فمَن استكمل هذه المراتب وكملها، فقد استكمل مراتب الدين كلها. فمَن ترك هذا التحكيم المذكور غير ملتزم له فهو كافر، ومَن تركه، مع التزامه فله حكم أمثاله من العاصين[4] ويقول سبحانه )وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً([5] والاعتراض على أحكام الله تعالى والإعراض عنها سمة المنافقين من زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم )ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين *
  وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون * وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين * أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله بل أولئك هم الظالمون([6] وفي مقابل هؤلاء نجد المؤمنين الطيبين يثني عليهم ربنا بقوله )إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون([7] وهذه هي التي ميزت الجيل الأول وهم الصحابة الكرام رضوان الله عليهم وأذكر ها هنا مثالاً يتضح به الحال: عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه قال: وكانت الأنصار إذا  كان لأحدهم أيم لم يزوِّجها حتى يعلم هل للنبي صلى الله عليه وسلم فيها حاجة أم لا؟ فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار {زوجني ابنتك} فقال: نعم وكرامة يا رسول الله ونعم عيني. فقال {إني  لست أريدها لنفسي} قال: فلمن يا رسول الله؟ قال {لجليبيب} فقال: يا رسول الله أشاور أمها! فأتى أمها فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ابنتك! فقالت: نعم ونعمة عيني. فقال: إنه ليس  يخطبها لنفسه؛ إنما يخطبها لجليبيب. فقالت: أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ أجليبيب ابنه؟ لا لعمر الله لا تزوجه، فلما أراد أن يقوم ليأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخبره بما قالت أمها؛  قالت الجارية: من خطبني إليكم؟ فأخبرتها أمها؛ فقالت أتردون على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره؟  ادفعوني فإنه لم يضيعني!! فانطلق أبوها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره؛ قال {شأنك بها فزوجها  جليبيبا} قال: فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة له؛ قال: فلما أفاء الله عليه قال  لأصحابه {هل تفقدون من أحد؟} قالوا: نفقد فلاناً ونفقد فلاناً. قال {انظروا هل تفقدون من أحد؟} قالوا: لا. قال {لكني أفقد جليبيبا} قال {فاطلبوه في القتلى} قال: فطلبوه؛ فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه؛ فقالوا: يا رسول الله ها هو ذا إلى جنب سبعة قد قتلهم ثم قتلوه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقام عليه فقال {قتل سبعة وقتلوه هذا مني وأنا منه، هذا مني وأنا منه، مرتين أو ثلاثاً} ثم وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ساعديه وحُفر له، ما له سرير إلا ساعدا رسول الله

زر الذهاب إلى الأعلى